عناصر الخطبة
1/تأملات في قصة قوم سبأ 2/خطورة بطر النعم 3/التحذير من الإسراف والتبذير 4/تجدد العافية وبقاء النعم 5/إحصاءات رسمية مخيفة 6/الحث على الاقتصاد والاعتدال في الإنفاق.

اقتباس

والمرءُ حينَما يخافُ؛ لا يخاُف على أولئكَ المخضرَمينَ الذين عاشُوا فترةَ الخوفِ والجوعِ، أو حتى فترةَ الفقرِ وبيوتِ الطينِ؛ فإن هؤلاءِ غالبًا يُدركونَ نعمةَ اللهِ عليهمُ اليومَ، ولكنْ يُخشَى على الناشئةِ التي وُلدتْ ولا تُفكِّرُ إلا في تطوُّرِ تقنيةِ السياراتِ والجوالاتِ والتمتعِ بالسهراتِ والسفْراتِ....

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ لا مانِعَ لما وهَب، ولا واهبَ لما سلَب، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، هو المرجوُّ لكشفِ الكُرَبِ، وأشهدُ أنّ نبيَّنا محمَدًا عبدُ اللهِ ورسولُه الأسوَةُ في حسنِ الأدَبِ، صلّى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى أصحابِه ذوِي الرُّتَبِ.

 

أما بعدُ: كانتْ مدينةً هانئةً هادئةً، جميلةَ الأرجاءِ، طيبةَ الأجواءِ، يأتِيها رزقُها رغدًا من كلِ مكانٍ، فأرضُها مُربعة، وأمطارُها غزيرة: "حتى إن المرأةَ لتمرُ بالمِكْتَلِ على رأسِها، فيمتلئُ بالثمارِ مما يتساقطُ فيه مِن نُضجِه وكثرتهِ، ومِن صحةِ هوائِهم لم يكنْ يُرَى عندهمْ بعوضة!"(تفسير الطبري: 20/ 376، وتفسير السعدي: 1/677).

 

وكانُوا من طِيبِ نعيمِهم إذا سافَروا لا يكونُ عليهم مشقةٌ، بحملِ الزادِ والمزادِ: (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ)[سبأ: 18]، ولا يَتيهونَ في طريقِهم: (لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ)[سبأ: 18]. ولكنهم بطِرُوا نعمتَه، فدَعَوا دعوةَ الحُمقِ والجهلِ: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا)[سبأ: 19].

 

 لقد سألُوا أن يذوقُوا في سفرِهمُ التعبَ، فاستهانُوا بالنعمةِ ومَلُّوها، فعاقبَهمُ اللهُ -تعالى- على الكفرانِ والطغيانِ، فأرسلَ عليهم سيلَ الطوفانِ، سيلَ العرِم الجارفِ، الذي حطَّمَ سدَّهم العظيمَ، فتفجرتِ المياهُ المحتجزةُ، فأغرقتْ ودمرتْ ذلكَ النعيمَ.

 

فتبدلتِ الجنانُ الفيحاءُ، بأراضٍ خُواءٍ جرداءَ، وأشجارِ لا ثمرَ فيها: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ)[سبأ: 19]! فتفرقُوا وتمزقُوا، بعدَما كانُوا مجتمعينَ، وجعلهُمُ اللهُ أحاديثَ يتحدثُ الناسُ عنهم؛ للسمَرِ أو العبرةِ (لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)[سبأ: 19].

 

إنهم قومُ سبأٍ الذينَ سادُوا فبادُوا! فلنعتبرْ بأخبارِهم، ولنأخذْ على أيدِي سفهائِنا، فإن تركناهُم وكفرَهم نعمةَ اللهِ كانتِ العاقبةُ علينا جميعًا في الدنيا والآخرةِ بالخسارِ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)[إبراهيم: 28].

 

والمرءُ حينَما يخافُ؛ لا يخاُف على أولئكَ المخضرَمينَ الذين عاشُوا فترةَ الخوفِ والجوعِ، أو حتى فترةَ الفقرِ وبيوتِ الطينِ؛ فإن هؤلاءِ غالبًا يُدركونَ نعمةَ اللهِ عليهمُ اليومَ، ولكنْ يُخشَى على الناشئةِ التي وُلدتْ ولا تُفكِّرُ إلا في تطوُّرِ تقنيةِ السياراتِ والجوالاتِ والتمتعِ بالسهراتِ والسفْراتِ، ثم يظنونَ أن هذا النعيمَ سيَبقَى لهم إلى الأبدِ!

 

فلنحذرْ ولنحذِّرْهمْ ولنتحدثْ بنعمةِ اللهِ مع أولادِنا، ولنَذكرْ لهم ما كانَ الناسُ فيه من جوعٍ وخوفٍ؛ حتى يُدركُوا فضلَ اللهِ -عزَ وجلَ- عليهم، (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ)[إبراهيم: 34]؛ (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الأنفال: 26].

 

فلنكرِّرْ هذا الدعاءَ النبويَ قائلينَ: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".

 

يا عبدَ اللهِ: "النعمُ أضيافٌ، وقِراها الشكرُ، فاجتهدْ أن ترحلَ الأضيافُ شاكرةً حُسنَ القِرى، شاهدةً بما تسمعُ وتَرَى"(قاله ابن عقيل في الفنون كما في الآداب الشرعية: 2  /175).

 

وبعضُنا تعوّدَ على النعمِ، حتى إننا إذا سُئلنا عن حالِنا قلنا: لا جديدَ! فهل استشعرْنا تجددَ العافيةِ، وبقاءَ النعمِ؟! فإن لم نستشعرْ ونشكرْ؛ فإن عذابَ اللهِ شديدٌ.

 

ومن الأرقامِ الرسميةِ المخيفةِ: أن تكلفةَ الهدرِ الغذائيِ عندَنا بالمملكةِ تُقدَّرُ بأربعينَ مليارِ ريالٍ سنويًّا، فهل هذا يدلُ على الشكرانِ أم الكفرانِ؟!

 

فالحذرَ الحذرَ من الإسرافِ في الطعامِ أو إهانتهِ؛ فإنه من أسبابِ سخطِ اللهِ -تعالى-، وفقدانِ الأمنِ الذي لا حياةَ إلا به، وإلا انطبقَ علينا قولُ ربِّنا: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ حمدَ الشاكرينَ، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ خيرِ الحامدِينَ.

 

أما بعدُ: فمما يُذكرُ فيُشكرُ تداعي الناسِ لاستهجانِ تلكَ المقاطعِ التي يفعلُها بعضُ الحمقَى من التباهِي والبذخِ بالنعمِ، وطلبِ الشهرةِ من خلالِ تصويرِها، ثم إهانتِها.

 

ومن المظاهرِ الجميلةِ ما تقومُ به البلديةُ، من إنشاءِ حاوياتٍ لحفظِ نعمةِ الأكلِ، وأما جمعيةُ قوت بمحافظتِنا؛ فإنها تُشكرُ على جهودِها الكبيرةِ خلالَ مدةٍ قصيرةٍ، فقد وزعُوا خلالَ سنةٍ ونصفٍ قُرابةَ ثلاثٍ وعشرينَ ألفَ وجبةٍ، ويشاركُهم قرابةُ أربعِ مئةِ متطوعٍ. فاتصِلُوا عليهمْ، ليصِلُوا إليكم.

 

ومن الجميلِ أيضًا ما انتشرَ عندَ الكثيرينَ من الاقتصادِ في طبخِ الطعامِ، ثم حفظِ بقاياه، وأكلِها في وجبةٍ قادمةٍ، أو توزيعِها على المحتاجينَ فإن لم تصلحْ فللبهائِم.

 

والأَولى من ذلكَ كلِهِ ألا نطبَخَ إلا بقدرِ حاجتِنا، في ولائِمِنا وزواجاتِنا، وسفْراتِنا واستراحاتِنا، وتنزهاتِنا وأكلاتِنا.

 

ولنَدَعْ كلمةَ: نخافُ ما يكفِيهِمُ الأكلُ! ألمْ تعلمُوا أنَّ الرَسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "طَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ"(رواهُ مسلمٌ).

 

فاللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللهُمَّ لَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ.

اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.

 

اللهم يا من قلَّ شكرُنا عند نعمتهِ فلم يخذُلنا، ويا من قلَّ عند بلائهِ صبرُنا فلم يُعاجِلنا، اللهم أعنا على ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ.

 

اللهم آمنْ أوطانَنا، واخذلْ عدوانَنا، ووفقْ وسددْ أئمتَنا وولاتَنا، وطيّبْ أقواتَنا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا، واقضِ ديونَنا.

 

اللهم يَا كَثيْرَ النَّوَالِ، يا حَسنَ الفِعَالِ: إنا نسألكَ خيرَ المسألةِ، وخيرَ الدعاءِ، وخيرَ النجاحِ، وخيرَ الثوابِ، ونسألكَ الدرجاتِ العُلى من الجنةِ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life