عناصر الخطبة
1/ مشروعية الفرح بالعيد بعد الصيام والقيام 2/ خصال محمودة يوم العيد 3/ سمات الرابح في رمضان 4/ خصائص أمة الإسلام وتشريعات القرآن 5/ الاستقامة على الطاعات بعد رمضان.اهداف الخطبة
اقتباس
فإياك -أيها المسلم- أن تخَرِّبَ ما شيدتهُ بجهد صَلاة وصِيام، وتنقض ما بنيتهُ باجتهاد ذكر وقيام، أتهَدِّمه بعد انقضاء شهر الصيام؟ بعد أن ذقت حلاوة الطاعة تعود إلى مرارة العصيان؟ أتترك وتكفّ عن الصلاة وهي عماد الدين وشعار الإيمان؟ أيليق بك بعد أن عاشرت السعداء في رمضان أن تُجالس أهل الغفلة ممن يزينون لك طريق الأشقياء؟ وهل يختار العاقل سُبل الظلمات، ويجتب سبيل النور ومساعي الخيرات؟ لكنها البصائر ومداخل القلوب (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، وفي الحديث "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"...
الخطبة الأولى:
الله أكبر...(سبعا).. لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله على الدوام بكرة وأصيلا.
الحمد لله الذي أبقانا وبلغنا رمضان وأعاننا فصمنا، وأنعم علينا بأرزاقه فأفطرنا، وهدانا بتوفيقه فقُمْنا، ويسَّر لنا كتابه فتلونا وتدبرنا، وقلنا غفرانك ربنا وإليك المصير بعد أن سمعنا النداء وأطعنا.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله له اتَّبعْنا وبه اقتدينا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن على نهجهم سرنا.
الله أكبر (ثلاثا).
أيها المسلمون والمسلمات: لقد أنعم الله –سبحانه- علينا بنعمة الإسلام، وشرع لنا أن نفرح بالعيد بعد الصيام والقيام، وها نحن بفضل نجتمع كما اجتمع جميع المسلمين في العالم لنشكر الله تعالى ونُظهر أثر نِعَمِهِ علينا: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]، فكيف نحن الآن وقد ودعنا رمضان، شهر الصبر والمغفرة والرضوان، شهر القرآن والصيام والقيام، شهر الجود والخيرات والإحسان؟
والسعيد اليوم من وجد في رصيده خيرًا، والفائز بالجائزة اليوم من تَلقَّاه ربه بالقبول.. خطب عمر بن عبد العزيز يوم الفطر فقال: "أيها الناس: إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم ومن علامات القبول للصيام والقيام أن يكون حال العبد بعد الصيام أفضل من حاله قبل رمضان..".
إن مناسبة العيد فرصة لإظهار الزينة وإدخال السرور على النفوس، وفي يوم العيد يلبس المسلم اللباس الجديد، ويتناول فيه ما طاب من الطعام اللذيذ، ولا ينس ذكر ربه وتداول الكلام الطيب المفيد، دخل أبو بكر -رضي الله عنه- على ابنته عائشة يوم العيد فوجد عندها جاريتين تُغنيان، فقال: "أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر! إن لكل قوم عيدًا.. وهذا عيدُنا".
الله أكبر(ثلاثا).
إن يوم العيد -أيها المسلمون- يوم فرح وتهانٍ لمن طابت سريرتُه، وحسَّن رمضان خُلُقَه وأفعاله وأقواله، إنه يوم عفو وإحسان لمن عفا عمن هفا، وأحسن لمن أساء، وأصلح بين الأنام.
هذا يوم مبارك يوم الجائزة يتفضل فيه رب العالمين على المخلصين بمزيد الإنعام، وينظر سبحانه بعين الرضا لأهل الصدق وأهل الوفاء والمودة والمحبة، وينظر الله تعالى إلى من تاب وآمن وعمل عملا صالحا وراقب ربه في السر والعلن، وينظر الله –تعالى- إلى من تغافل عن عيوب الناس وانتبه لعيوبه.
وليس العيد لمن ترك الصلاة وهجر القرآن، ولا لمن عق الوالدين وجاهر ربه بالعصيان، ولا لمن ساءت معاملته للناس وتأذَّى منه الجيران، وليس العيد لم في قلبه حقد وحسد للناس على ما آتاهم الله من فضله، وليس العيد للخائن الغشاش أو الكذاب الذي يسعى بالإفساد بين العباد.
فكيف يسعد من يتزين في الظاهر بالجديد وباطنه يحمل قلبا على إخوانه أسود؟ وكيف يهنأ بالعيد من استقام بين المصلين والصائمين في رمضان، وبعده ارتد عن الطريق القويم الأحمد؟ وكيف يفرح بالعيد من أضاع ماله في الملاهي، وأضاع أهله وعياله، ومنع حق الفقراء والضعفاء، ونسي أن ربه سيسأله غدا؟ كيف يسعد بالعيد ويهنأ من أصرَّ عل العداوة والخصومات، ألا يخشى أن يكون مُفْلسا يوم التناد؟ إنما العيد لمن اتقى مظالم العباد!!!
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك: 22].
الله أكبر (ثلاثا).
عباد الله ! إن فرحة العيد في الدُّنيا، تُذكِّرُ الصائمين والصالحين بالفرحة الكبرى يوم القيامة، يوم يُساق فيه الفُطناء الأكياس زُمرًا إلى الجنة، بل هي جنات تجري من تحتها الأنهار، وفي الحديث: "إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. يُقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد".
يا ربّ حمداً ليس غيرُك يُحمد *** يا من لهُ كل الخلائق تسجُدُ
أبوابُ كل مَن سوَاك قد أوُصدت *** ورأيتُ بابك واسعاً لا يُوصدُ
الصالحون بنور وجهك آمنوا *** عافُوا بحبك نوْمَهم فتهَجَّدُوا
هذا عيد الفطر، وقد خرجتم من بيوتكم رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا مُلبين ومتبعين سنة نبيكم، ذاكرين وشاكرين لله رب العالمين، بعد أن أخرجتُم زكاة الفطر طُهرة لصومكم، وطُعمة للفقراء والمساكين و امتثالاً لنداء الرحمة المهداة للعالمين -صلى الله عليه وسلم- القائل: "أُغْنُوهُمْ في هذا اليوم"، إنه يوم عظيم تسعدون به، عيد سماه الله تعالى: يوم الزينة، وإن كان العيد الحقيقي هو عيد المقبولين عند الله تعالى!
الله أكبر (ثلاثا).
عباد الله ! احمدوا الله على أن هداكم، وللصيام والقيام وفقكم، وللإسلام والإيمان والإحسان عَلَّمَكُم، وللاعتصام بحبله جميعا ولا تفرقوا، دعاكم فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون! واذكروا نعمة الله عليكم، واشكروه سبحانه على نعمه المُسداة، نعمة الأمن من الخوف والإطعام من الجوع..
واعلموا أن كثيرين غيركم من أهل الأرض حُرموا من هذه النعم، فمنهم من حرم نعمة الهداية (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44]، يتسابقون في المطالب بحقوق (أو عقوق) في معاصي الله، والمجاهرة بها بين الأنام... ومنهم من حُرم نعمة الاستقرار والأمن وقد تمزَّق شملُهم وهُدِّمت صوامعُهم ومنازلهم وشُرِّدت أسرهُم ويُتِّمَ أطفالُهم ورُمِّلت نساؤهم واضطربت نفوسهم ن فأنى لهم أن يجدُوا طُعْمَ ولذَّة العيد وفرحته؟!
إن الله –تعالى- حذرنا من الإعراض عن طاعته وذكره وشرعه، وبين سبحانه في كثير من الآيات عواقب ذلك الإعراض، ويكفينا منها قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]ـ وأراد منا أن نتبع سبيله لتحقيق أمره لنكون خير أمة أُخرجت للناس...أمة يقُولُ لسَانُ حَالها للعالمين أفغير الله، تأمرُوننا نَعبُد أيُّها الجاهلون؟!
أمة الخير هي التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أمة تعدل في الأرض وترحم الرعية وتقسم بالسوية وتنصر المظلوم وتأخذ على يد المفسد والظالم، أمة لا تقبل الشفاعة في حدود الله مستحضرة لموقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وايم الله, لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".
أمة الإسلام هي التي ترعى بشريعتها حق اليتيم والعاجز وتعين على النوائب، وتنصفُ الأجير...
أمة الإسلام الزراعة والتجارة والعمل فيها عبادة ودين، والصناعة الغرس بنية النفع قربان، وحرية الكسب الحلال مكفولة للجميع...
شريعة أمة الإسلام أن تزن بالقسطاس المستقيم، فلا تكل بمكيالين ولا تظلم مثقال ذرة لأن المراقب فيها هو الله الرقيب على كل الخلائق...حرية الرأي والإبداع والاختراع في أمة الإسلام مكفولة للجميع شريطة أن لا يكون فيها اعتداء على حرية الغير.. فيكرم القوي الأمين، وتنمى فيها المواهب...
أمة الإسلام، لا تربي أبناؤها ليكون فيهم طاغية مستبد، ولا تاجر فاجر، ولا موظف مرتشي، ولا مشعوذ متلاعب بعقول البسطاء، ولا فنان فاسد الذوق وضيع يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله...
شباب أمة الإسلام يعمل بتنافس شريف لتحقيق السبق الحضاري والكرامة الإنسانية في جميع المجالات ويعطى المثل لغيره في سمو وحسن أخلاقه والحرص على منفعة العباد، محصنا بما تربى عليه وتحصن به من قيم وأسس ومبادئ ترعى حرمة الدماء والأعراض والأموال.
شباب أمة الإسلام له في كتاب الله نور لحياته وسند لعزته، وفي اتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصدر لتفوقه وكرامته ونجاته. شريعة أمة الإسلام شريعة ربانية، لا خوفَ ولا حزْنَ على من لجأ إليها لأنها تعطي لكل ذي حق حقه (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [النساء: 32].
والنساء: أمهات وبنات وأخوات وعمات وخالات وزَوْجات.. شقائق الرجال في الأحكام، الرجل قوام يسعى للقمة الحلال والعيش الكريم، والمرأة صالحة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله. يتكاملان في مهمة البناء الإنساني، والسعي لعمارة الأرض بالخير، وصدق شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
وعلى الآباء والأمهات أن يحرصوا على تربية الأولاد على خُلق الحَياء، لأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، ولا قيمة للإنسان بغير حياء، وخاصة بناتنا، ونكرر مع شاعر النيل قوله:
ربُّوا البنات على الفضائل إنها *** في الموقفين لهن خيرُ وِثاق
وعليكم أن تستبين بناتُكم نُورَ *** الهدى، وعلى الحَياء الباقي
وهكذا نكون قد استفدنا من مدرسة رمضان دروسا يبقى علينا استحضارُها في واقعنا لتكون وسيلةَ وسببَ سعادتنا في الدارين... ولنكون ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولكي يزيدنا الله سبحانه من فضائله ونعمه، علينا بمداومة الذكر لله والشكر له. فانظروا ما أنتم فاعلون؟ هذا بلاغ وبيان لمن ألقى السمع وهو شهيد حتى لا ينسي المسلمُ في فرحة العيد، تبعات يوم الوعيد! أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الله أكبر (سبعًا)..
الحمد لله وكفى وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
عباد الله! اهنئوا بعيد فطركم، واعتصموا بحبل ربكم، وصوموا عن المحرمات دهركم، تكن لكم أعياد في الأرض وأعياد في السماء، واعلموا أن غيرة الله تعالى على حدوده في رمضان لا تقل عنها في باقي شهور السنة..
فإياك -أيها المسلم- أن تخَرِّبَ ما شيدتهُ بجهد صَلاة وصِيام، وتنقض ما بنيتهُ باجتهاد ذكر وقيام، أتهَدِّمه بعد انقضاء شهر الصيام؟ بعد أن ذقت حلاوة الطاعة تعود إلى مرارة العصيان؟ أتترك وتكفّ عن الصلاة وهي عماد الدين وشعار الإيمان؟ أيليق بك بعد أن عاشرت السعداء في رمضان أن تُجالس أهل الغفلة ممن يزينون لك طريق الأشقياء؟ وهل يختار العاقل سُبل الظلمات، ويجتب سبيل النور ومساعي الخيرات؟ لكنها البصائر ومداخل القلوب (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]، وفي الحديث "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
ولا زال أمامكم فرص الخير، ومن صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر، ومن فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، ولا تنسوا إخوانكم من أهل البلاء والفتن من الدعاء الصالح.
التعليقات