عناصر الخطبة
1/ أفضل العملِ وأهونه 2/ جنة الدنيا في الرضا عن الله تعالى 3/ مظاهر تسخط أقدار الله تعالى 4/ لماذا الحزنُ والهمُّ والتَّسخطُ؟ 5/ من صور الرضا عن الله في حياة السلف 6/ الغِنى الحقيقيّ هو غِنى النَّفسِ 7/ فضائل الرضا عن الله تعالى 8/ شكاية الموحدين أمورهم إلى رب العالمين.
اهداف الخطبة

اقتباس

أيها المؤمنُ باللهِ ربَّاً، إيَّاكَ أن تتَّهِمَ اللَّهَ -تَباركَ وتَعالى- في شَيءٍ قَضَى لكَ بِه، وعشْ سعيداً، عن الهمومِ بعيداً، واعلم أن لكَ ربَّاً جليلاً، فسترى الوجودَ جميلاً، فو اللهِ لو كُشفَ لكَ الغيبُ، لعلمتْ أن قضاءَ اللهِ خيرٌ وأفضلُ، لأنَّه أرحمُ بكَ من أبيكَ وأمِّكَ بل وأرحمُ بكَ من نفسِك، وقُلْ كما قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فِي دُعَائِهِ‏:‏ "وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ"...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

 

أما بعد: فعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه-: أنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: "الْإِيمانُ باللَّهِ، وتصديقٌ به، وجهادٌ فِي سَبيلِه"، قَالَ: أريدُ أهونَ من ذلك يا رسولَ اللَّه، قَالَ: "السَّماحةُ والصَّبرُ"، قَالَ: أُريدُ أهونَ من ذلك يا رسولَ اللَّهِ، قَالَ: "لا تتَّهِمِ اللَّهَ -تَباركَ وتَعالى- في شَيءٍ قَضَى لكَ بِه".

 

لا إلهَ إلا اللهُ .. أفضلُ العملِ وأهونُه .. أن لا تتَّهِمِ اللَّهَ -تَباركَ وتَعالى- في شَيءٍ قَضَى لكَ بِه .. وإنما الرِّضا والتَّسليمُ.

 

ولكنْ .. من ينظرُ في أحوالِ النَّاسِ يرى أموراً عجباً .. ويرى هموماً ليسَ لها إلا عدمُ الرِّضا بما كتبَ اللهُ سبباً.

 

فهذا فقيرٌ يتذمَّرُ من الفقرِ قَدَراً.. ويرى حياتَه دونَ المالِ هَدَراً.. فهو يحسدُ الأغنياءَ.. ويتكبَّرُ على الفقراءِ.. فلا هو جمعَ المالَ بالوسائلِ المشروعةِ المُتاحةِ.. ولا نفسُه أصبحتْ بقضاءِ اللهِ مُرتاحةٌ.

 

وهذا غنيٌّ قد ملَّ من مظاهرِ التَّرَفِ.. ولم يحسبْ كمْ من الأموالِ فيها قد صَرفَ.. حتى بدأَ يبحثُ عن توافِه الأمورِ.. فيصرفُ الملايينَ في لوحةٍ زيتيَّةٍ أو رقمِ جوالٍ مُميَّزٍ.. يبحثُ عن السَّعادةِ.. وهل هيَ إلا في العبادةِ؟

 

صغيرٌ يحسبُ الأيامَ ليَكبُرَ.. وكبيرٌ يتمنى لو عادتْ السنينُ ليصغَرَ.. مريضٌ يتسخَّطُّ من القَدَرِ.. وصحيحٌ يُعرِّضُ نفسَه للخَطَرِ.. مشغولٌ يبحثُ عن الرَّاحةِ.. وفارغٌ ملَّ من الاستراحةِ.. طالبٌ قد سئمَ من مقاعدِ الدِّراسةِ.. وموظفٌ قد أوجعتْ المسئوليَّةُ رأسَه.. عقيمٌ يرجو الإنجابَ.. وصاحبُ ولدٍ في عذابٍ.. وسيمٌ أشقاهُ الجَمالُ.. وقبيحٌ يشتكي الإهمالَ.. مشهورٌ قد ضاقتْ حياتُه بالشُّهرةِ.. ومغمورٌ يستميتُ ليكونَ نجمَ السَّهرةِ.

 

صغيرٌ يطلبُ الكِبرا *** وشيخٌ ودَّ لو صَغُرا

وخالٍ يشتهي عملاً *** وذو عملٍ به ضَجِرا

وربُّ المالِ في تَعبٍ *** وفي تَعبٍ من افتَقَرا

وذو الأولادِ مهمومٌ *** وطَالبُهم قد انفَطَرا

ومن فَقدَ الجمالَ شكا *** وقد يَشكو الذي بُهِرا

ويشقى المرءُ مُنهزِماً *** ولا يرتاحُ مُنتَصِرا

ويَبغى المجدَ في لهفٍ *** فإن يَظفرْ به فَتَرا

شُكاةٌ مالَها حَكَمٌ *** سوى المَلَكينِ إن حَضَرا

 

عبادَ اللهِ..

العاقلُ هو الذي يعلمُ أن أقدارَ اللهِ -تعالى- عليه كائنةٌ لا محالةَ.. وأنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ إلا أن يرضى ويُسلِّمَ.. وها هو اللهُ -تعالى- يُخاطبُ نبيَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 188].. فلماذا الحزنُ والهمُّ والتَّسخطُ؟

 

مرَّ إبراهيمُ بنُ أدهمَ على رجلٍ حزينٍ مهمومٍ فقالَ له: "إني سأسألُكَ عن ثلاثةٍ فأجبني، فقالَ الرجلُ الحزينُ: نعم، فقالَ: إبراهيمُ: أيجري في هذا الكونِ شَيءٌ لا يُريده اللهُ؟، فقالَ الرجلُ: لا، فقالَ إبراهيمُ: أفينقصُ من رزقِك شيءٌ قَدَّره اللهُ؟، فقالَ الرجلُ: لا، قالَ إبراهيمُ: أفينقصُ من أجلِك لحظةٌ كتبَها اللهُ؟، فقالَ الرجلُ: لا، قالَ إبراهيمُ: فعَلامَ الحُزنُ؟!"

 

كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- اسْتُسْقِيَ بَطْنُهُ، فَبَقِيَ مُلْقًى عَلَى ظَهْرِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، بَلَغَتْ ثَلاثِينَ سَنَةً، لَا يَقُومُ وَلَا يَقْعُدُ.. وَقَدْ نُقِبَ لَهُ فِي سَرِيرِهِ مَوْضِعٌ لِحَاجَتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّخِّيرُ، فَجَعَلَ يَبْكِي لِمَا رَأَى مِنْ حَالِهِ، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: "لِمَ تَبْكِي؟، فَقَالَ: لِأَنِّي أَرَاكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ الْفَظِيعَةِ، فَقَالَ: لَا تَبْكِ، فَإِنَّ أَحَبَّهُ إِلَيَّ أَحَبُّهُ إِلَيْهِ –أيْ: أحبُّ الأمورِ ما أحبَّهُ اللهُ لي-، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ، وَاكْتُمْ عَلَيَّ حَتَّى أَمُوتَ، إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَزُورُنِي فَآنَسُ بِهَا، وَتُسَلِّمُ عَلَيَّ فَأَسْمَعُ تَسْلِيمَهَا".

 

إنها القُلوبُ الرَّاضيَّةُ.. والنُّفوسُ المُطمئنَّةُ.. يقولُ ابنُ القَيِّمِ -رحمَه اللهُ-: "وطَريقُ الرِّضا طَريقٌ مختصرةٌ قَريبةٌ جِدَّاً مُوصلةٌ إلى أَجلِّ غَايةٍ، ولكنْ فيها مَشقةٌ.. وإنما عَقبتُها هِمةٌ عاليةٌ ونَفسٌ زَكيَّةٌ، وتَوطينُ النَّفسِ على كلِّ ما يَردُ عليها من اللهِ، ويُسهِّل ذلك على العبدِ: علمُه بضعفِه وعجزِه، ورحمتِه سبحانَه به وشَفقتِه عليه وبِرِّه به".

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا أَبَا سَعِيدٍ! مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".. فمن رضيَ باللهِ ربّاً.. رضيَ بأقدارِه.. وفَرحَ باختيارِه.

 

قَدِمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ لِيَدْعُوَ لَهُمْ، فَجَعَلَ يَدْعُو لَهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ: فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا غُلَامٌ، فَتَعَرَّفْتُ إِلَيْهِ، فَعَرَفَنِي، فَقُلْتُ: يَا عَمُّ، أَنْتَ تَدْعُو لِلنَّاسِ فَيُشْفَوْنَ، فَلَوْ دَعَوْتَ لِنَفْسِكَ لَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، فَتَبَسَّمَ.. ثُمَّ قَالَ: "يَا بُنَيَّ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَصَرِي".

 

نفوسٌ كبيرةٌ.. بربِّها خبيرةٌ.. فتعلمُ أنه ما منعَ إلا ليُعطيَ.. وما ابتلى إلا ليجزيَ.. وأنَّ ما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى.

 

قيلَ ليحيى بنِ مُعاذٍ -رحمَه اللهُ-: "متى يبلغُ العبدَ إلى مَقامِ الرِّضا؟، فقالَ: إذ أقامَ نفسَه على أربعةِ أُصولٍ فيما يُعاملُ به ربَّه، فيقولُ: إن أعطيتني قَبلتُ، وإن منعتني رَضيتُ، وإن تَركتني عَبدتُ، وإن دَعوتني أَجبتُ".

 

فإذا أردتَ أن تكونَ أغنى النَّاسِ؟.. اسمع لهذِه الوصيَّةِ.. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- قَالَ: "وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ".. وذلك أن الغِنى الحقيقيَّ هو غِنى النَّفسِ.. وهو من استغنى بما أُوتيَ، وقَنعَ بما أعطاهُ اللهُ ورَضيَ، وعلمَ أن ما أعطاهُ اللهُ -تعالى- خيرٌ مما منعه، واستغنتْ نَفسُه بالكفِّ عن المطامعِ وعن ما في أيدي النَّاسِ، فعزَّتْ وعَظُمتْ، فحصلَ لها بعد ذلكَ الشَّرفُ والمدحُ.

 

عَن أَبي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَرَى كَثرَةَ المَالِ هُوَ الغِنى؟"، قُلتُ: نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَتَرَى قِلَّةَ المَالِ هُوَ الفَقرَ؟" قُلتُ: نَعَم يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِنَّمَا الغِنى غِنى القَلبِ، وَالفَقرُ فَقرُ القَلبِ".

 

النَّفْسُ تَجْزَعُ أَنْ تَكُونَ فَقِيرَةً *** وَالْفَقْرُ خَيْرٌ مِنْ غِنًى يُطْغِيهَا

وَغِنَى النُّفُوسِ هُوَ الْكَفَافُ فَإِنْ أَبَتْ *** فَجَمِيعُ مَا فِي الأَرْضِ لا يَكْفِيهَا

 

نسألَ اللهَ -سبحانَه وتعالى- أن يعافينا وإياكم من البلاءِ، وأن يرفعَ عنا الأسقامَ والأمراضَ، وأن يجعلَنا في صحةٍ وعافيةٍ، وأن يرزقنا الاستقامةَ على دينِه وشريعتِه، باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والمواعظِ والذِّكرِ الحكيمِ.

 

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، فاستغفروه إنه هو البرُّ الرءوفُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ، قدَّرَ الأمورَ وقَضاها، وعلى ما سبقَ علمِه بها أمضاها، أحمدُه سبحانَه ربًّا وإلهًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولِه، خيرُ البريَّةِ وأزكاها، وأفضلُ الإنسانيةِ شرفًا وجاهًا، المبعوثُ إلى جميعِ البَشريَّةِ أدناها وأقصاها، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أيها المؤمنُ باللهِ ربَّاً، إيَّاكَ أن تتَّهِمَ اللَّهَ -تَباركَ وتَعالى- في شَيءٍ قَضَى لكَ بِه، وعشْ سعيداً، عن الهمومِ بعيداً، واعلم أن لكَ ربَّاً جليلاً، فسترى الوجودَ جميلاً، فو اللهِ لو كُشفَ لكَ الغيبُ، لعلمتْ أن قضاءَ اللهِ خيرٌ وأفضلُ، لأنَّه أرحمُ بكَ من أبيكَ وأمِّكَ بل وأرحمُ بكَ من نفسِك، وقُلْ كما قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فِي دُعَائِهِ‏:‏ "وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ".

 

الْعَبْدُ ذُو ضَجَرٍ، وَالرَّبُّ ذُو قَدَرٍ *** وَالدَّهْرُ ذُو دُوَلٍ، وَالرِّزْقُ مَقْسُومُ

وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيمَا اخْتَارَ خَالِقُنَا *** وَفِي اخْتِيَارِ سِوَاهُ اللَّوْمُ وَالشُّومُ‏

 

عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: "مَا أُبَالِي مَا فَاتَنِي مِنَ الدُّنْيَا بَعْدَ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَوْلُهُ تَعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]. وَقَوْلُهُ: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر: 2]. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام: 17].

 

فإذن.. إذا أردتَ أن تشكو فاشكُ إلى السَّميعِ البَّصيرِ.. وإياكَ أن تشكو إلى النَّاسِ من أقدارِ العليمِ الخبيرِ.. وإذا أردتَ أن تطلبَ فاطلبْ من العزيزِ القديرِ.. فإن أجابَ فنَعمْ والكلُّ لفضلِه مُحتاجونَ.. وإن أمسكَ فلحكمةٍ ورحمةٍ للعبدِ وخيرٍ مخزونٍ.. (وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].

 

اللهمَّ إنا نسألُك نعيماً لا ينفدْ، وقرةَ عينٍ لا تنقطعُ، ونسألُك اللهمَّ الرِّضا بعدَ القضاءِ، وبردَ العيشِ بعدَ الموتِ، ولذةَ النظرِ إلى وجهِك، والشوقَ إلى لقائك، من غيرِ ضراءَ مضرةٍ، ولا فتنةٍ مضلةِ..

 

 اللهمَّ إنا نسألُك خشيتَك في الغيبِ والشهادةِ، وكلمةَ الحقِ في الغضبِ والرضا، ونسألُك القصدَ في الفقرِ والغنى..

 

اللهم إنا نسألُك موجباتِ رحمتِك، وعزائمَ مغفرتِك، والسلامةَ من كلِ إثمٍ، والغنيمةَ من كلِ برٍ، ونسألُك اللهمَّ الفوزَ بالجنةِ والنجاةِ من النارِ، برحمِتك يا أرحمَ الراحمينَ..

 

اللهم أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلِ خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كلِ شرٍ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life