عناصر الخطبة
1/من محاسن الإسلام 2/خطورة تقليد غير المسلمين 3/اختيار جُحْر الضبّ أمر عجيب 4/تحريم التشبه بالكفار 5/حكم الاحتفال بأعياد الكفار وتهنئتهم بها 6/سبل النجاة من تقليد الكفار واتباع سَننهم.اقتباس
وبلاغة النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختيار جُحْر الضبّ أمر عجيب؛ فجحر الضبِّ مَعروفٌ عنه أنه شديد القذارة، وله فتحة واحدة، ليس كباقي الحيوانات التي تحفر جحورها في الأرض وتصنع لها عدة فتحات لتخدع أعداءها، وتستطيع الهرب منها؛ فجُحر الضبِّ فيه مهلكة محققة إذا ما حُوصِرَ جُحره من عدوٍّ يتربص به....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد يا أيها الناس: لقد مَنَّ الله على المسلمين بأن جعلهم خير الخلق أجمعين، فالكل ضالّ عن السبيل، يتخبَّط في ظلمات الجهل والكفر إلا المسلمين، فما من نعمة هي أمنّ على الخلق من الهداية للإسلام؛ فإذا تلفَّت المسلم حوله لا يجد إلا يهوديًّا مغضوبًا عليه أو نصرانيًّا ضالاً، أو وثنيًّا جاهلاً، أو ملحدًا تائهًا.
والمسلم ينعم بنعمة العقل والهداية للفطرة السوية والدين الحق، ولا ينقضي عجب العقلاء إذا رأوا بعض المسلمين أو المتأسلمين، وهم يحاكون بعض من ذكرنا آنفًا من الضُلّال، ويتشبهون بهم، ويقلدونهم في كل صغيرة وكبيرة، فماذا يريد هؤلاء (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[التوبة:139].
لكن إذا علم المسلم إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بوقوع ذلك من البعض في آخر الزمن، فإنه يزول عجبه، وكيف يرضى المسلم أن يكون هو المقصود في الحديث، أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم"، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: "فمَنْ؟"، والسَّنَن هي العادات والتقاليد والطرق وكيفية الحياة.
لقد أصبح بعض المسلمين يلهثون وراء الغرب الكافرِ يُقلِّدونهم في كل شيء، لا يعبأون إن كان هذا الشيء مُحرَّمًا وينهى عنه الشرع، أو مكروهًا والأَولى تركه، أو حتى تافهًا لا يستحق عناء كل هذا اللهث، وكأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيٌّ بيننا يصف ما تحياه الأمة وصفًا دقيقًا مُعبرًا.
عباد الله: إن هذا الاتباع واضحٌ تمامًا أن المقصود به الاتباعُ المذموم، وبلاغة النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختيار جُحْر الضبّ أمر عجيب؛ فجحر الضبِّ مَعروفٌ عنه أنه شديد القذارة، وله فتحة واحدة، ليس كباقي الحيوانات التي تحفر جحورها في الأرض وتصنع لها عدة فتحات لتخدع أعداءها، وتستطيع الهرب منها.
فجُحر الضبِّ فيه مهلكة محققة إذا ما حُوصِرَ جُحره من عدوٍّ يتربص به، فجمع جحر الضب القذارة المؤكَّدة، والمَهلَكةَ المحقَّقة، إلا أن المسلمين سيتبعون اليهود والنصارى في كل شيء، حتى لو كان ما يتَّبعونهم فيه قذرًا ومُهلكًا، وهذا والله مما عمَّت به البلوى.
معاشر المسلمين: إن الناظر على مستوى الدول والجماعات، يجد التبعية، والمحاكاة، وحتى على المستوى الفردي ترى ذلك، فمثلاً عندما يخرج ممثل يهودي أو نصراني ويُطلق لحيته ترى من شباب المسلمين من يفعلون هذا؛ فقط من أجل تقليده، وإذا ما قزع شعر رأسه بقصة جديدة، يسارعون إلى قصّ نفس قصته الجديدة.
حتى إن مِن شباب المسلمين مَن يُقلِّدون اليهود والنصارى في لون الثياب، وفي شكل تفصيلها، وكذلك النساء، وهنَّ أكثر هوسًا في اتباع بنات جنسهن من الكافرات في متابعة الأزياء، والتعري والرقص، وكل هذه الأمور المعلوم حُرْمتُها.
عباد الله: إن التشبه بالكفار في لبسهم وحركاتهم وكلامهم وعاداتهم وأعيادهم، خطر جدًّا على عقيدة المسلم، فالمتشبه يخشى عليه أن يكون منهم، كما أخرج أبو داود في سننه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تشبَّه بقوم فهو منهم"، قال ابن تيمية -رحمه الله- وهذا أقل أحواله التحريم؛ إن سلم المتشبه من الكفر والعياذ بالله.
فلنتمسك -عباد الله- بديننا وقِيَمه، ولنعتزَّ به، فما في الدينا مثل ديننا، ولنحذر من الانزلاق في مهاوي الضعف والتقليد، فإنه انسلاخ من الدين شيئًا فشيئًا، فلقد تكاثرت النصوص الشرعية في التحذير من هذا الانزلاق؛ لما له من ضرر بليغ في عقيدة المسلم.
إذا عرفت هذا علمت السر في أن الله -سبحانه وتعالى- حذَّر أشد التحذير من موافقة اليهود والنصارى وغيرهم، وأمر أمرًا مؤكدًا بمخالفتهم ومباينتهم كل المخالفة وأشد المباينة؛ وأن نتأسى ونقتدي بعباده الصالحين، وأن نتشبه بهم في ظواهر أحوالهم الصالحة وأخلاقهم الكريمة ليثمر لنا هذا اصطباغ قلوبنا ونفوسنا بتلك الصورة الصالحة، فنكون من المهتدين المفلحين.
نسأل الله أن يهدينا ورجال ونساء وأبناء وبنات المسلمين، وأن يُجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: إن من الشر المتكرر على المسلمين في كل عام، الاحتفال بأعياد الكفار وتهنئتهم بها، وهذا محرم شرعًا، ونقص في العقيدة، وقدح في الرب -سبحانه-، فهم يحتفلون بأن لله ولدًا، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، فاحذر أخي المسلم من الوقوع في ذلك.
وإن من الشرور التي وصلت للمسلمين ما يسمى بالمثليين، وهم الذي يخالفون الفطرة، فينكح الرجل رجلاً مثله، والمرأة امرأة مثلها، وللأسف هناك حملة شعواء لنشر هذا الخلق، حتى على المستوى الدولي، ولقد كان لدولتنا المباركة موقف مشرف، من حيث رفض هذه المبادئ والأفكار لأنها تخالف الفطرة.
ومن الملاحظ انتشار أعلام المثليين المشابهة لألوان ما يسمى بـ"قوس الرحمن"، وكذلك الملابس والألعاب، فاحذر أخي المسلم من الوقوع في ذلك، واتق الله يا أيها التاجر من جلب مثل هذه الخرافات، ولا تكن ممن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل.
أيها الناس: كيف يتقى العبد الوقوع في تقليد الكفار واتباع سَننهم:
الجواب على ذلك يسير، لكن العمل به هو الأهم؛ يقول -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)[الأنعام: 153].
وأخرج الترمذي في جامعه من حديث الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً؛ ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ. فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تأمر عليكم عَبْدٌ حَبَشِيٌّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بعدى يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".
اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا يا رب العالمين...
التعليقات