أعمال يسيرة بها أجور كبيرة (الجزء الثاني)

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/أعمال صالحة كأجر حجة أو عمرة 2/صلاة يعطى صاحبها مثل أجر من صلاها 3/عمل صالح لصاحبه مثل أجر الصائم 4/عمل أجره كأجر المجاهد والقائم والصائم.

اقتباس

ألا فسارعوا-عباد الله-إلى هذه الأعمال الصالحة، ولا تلهينكم عنها دنيا ذاهبة، أو همة فاترة، أو شهوة عاجلة، أو شبهة صادة تغريكم بالعمل المفضول عن الفاضل، وتشغلكم عن الباقي بالزائل...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب70-71].

 

أما بعد: أيها المسلمون: إن هناك أجوراً كبيرة تنتظر أصحاب الهمم الحريصين، وتنادي أهل العزائم السابقين، الذين لا يرون أو يسمعون عن غنيمة أخروية إلا طاروا إليها مسرعين، ألا وإن من فضل الله علينا-ولله الحمد والشكر-: أن جعل تلك الأجور موزعة في أبواب شتى من أبواب الدين، وجعلها صالحة للتنافس بين المسلمين، على اختلاف أحوالهم وظروفهم، وقواهم وقدراتهم.

 

ومن تلك الأبواب التي فيها الأجور الكثيرة: بابا الصلاة، وإنفاقِ المال في مرضاة الله؛ فقد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أعمالاً جعل أجرها كأجور أعمال عظيمة؛ حثًا على عملها والمسابقة إليها.

 

فمن الأعمال اليسيرة التي بها أجور كبيرة مما يتعلق بالصلاة: صلاة الفجر في جماعة، والبقاءُ لذكر الله -تعالى- في المسجد عقب تلك الصلاة حتى تطلع الشمس ثم صلاة ركعتين؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الغداة؛ أي: الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة، تامة تامة تامة"(رواه الترمذي).

 

وفي معناه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: "منَ صلّى صلاةَ الغداةِ في جماعةٍ، ثم جَلَسَ يذكرُ اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ، ثم قام فصلّى ركعتين؛ انقلب بأجرِ حَجةٍ وعُمرةٍ" (رواه الطبراني).

 

أرأيتم هذا الفضل العظيم، من الرب الكريم! وقت يسير يقضيه المسلم بعد صلاة الفجر في ذكر الله -تعالى- الأذكار المطلقة وأذكار الصباح- وفي قراءة القرآن، ثم ينتظر بعد شروق الشمس عشر دقائق ثم يصلي ركعتين، هذا كله يُنيله أجرَ حجة وعمرة.

 

فيا من حيل بينه وبين الحج أو العمرة، ولم يستطع بلوغ ذلك: لقد أعطاك الله عبادة يسيرة، تنال بها أجر تلك العبادة المأمولة، ولو أردت ذلك كل يوم لاستطعت إلى ذلك سبيلا.

ولنا في رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أسوة حسنة في هذه العبادة بعد صلاة الفجر:

فعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناء"(رواه مسلم).

 

ولو بقي في تعلم العلم النافع أو تعليمه في المسجد بعد صلاة الفجر ثم صلى ركعتين فلعله يُرجى له هذا الثواب المذكور، خاصة مع ما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه, كان له كأجر حاجٍّ, تامًا حجه"(رواه الطبراني).

 

أيها المؤمنون: ومن الأعمال اليسيرة التي بها أجور كبيرة مما يتعلق بالصلاة: إحسانُ الرجل الوضوءَ في البيت، والذهابُ إلى المسجد للصلاة، وفواتَ الجماعة عليه من غير تقصير منه؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلَّوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها، وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"(رواه أحمد وأبو داود والنسائي).

"وهذا إذا لم يكن منه تقصيرٌ في تأخير الصلاة من غير عذر، أما لو أخر حضور الجماعة بغير عذر حتى تفوته الجماعة، لم يكن له هذا الثواب"(شرح المصابيح لابن الملك).

 

وهذا الأجر الجزيل رحمةٌ من الله -تعالى- بعبده الحريص على الصلاة في المسجد، فأعطاه ذلك؛ لصدق نيته، وجبراً للنقص الذي حصل له بسبب فوات الجماعة عليه، والله ذو فضل عظيم.

 

ومن الأعمال اليسيرة التي بها أجور كبيرة مما يتعلق بالصلاة: ما جاء في حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة, فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى صلاة تطوع-وفي رواية-: ومن مشى إلى سبحة الضحى لا يُنصبه إلا إياه؛ أي: لا يتعبه ولا يشق عليه, فأجره كأجر المعتمر"(رواه أحمد وأبو داود)؛ فقد جعل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أجرَ الخارج إلى المسجد للصلاة كأجر الحاج.

 

 فيا خسارة الذين لا يصلون في المساجد؛ كم يفوتهم من الثواب والمنافع! فهلا انتصروا على كسلهم وفتورهم، واستطاعوا أن يخرجوا طغيان الدنيا من قلوبهم، وانشغالهم بها في جوارحهم؟

 

كم تشكو المساجد اليوم من قلة المصلين فيها، مع شكوى البيوت والأسواق والشوارع والملاهي من اكتظاظ جموع الناس فيها!

 

كم يحرصون لدنياهمْ ولو حرصوا *** بعضًا من الحرص للأخرى بها ظفروا!.

 

أين الذين يرجون الله والدار الآخرة من هذا الثواب الذي لم يبذلوا لأجله أموالاً كثيرة كما يبذلون لو أرادوا الحج، ولم يتحملوا المشاق للوصول إليه كما يتحملون لبلوغ البقاع المقدسة؟!

 

إنه التوفيق -يا عباد الله- الذي لا يناله إلا قليل من الخلق، وغيرُهم حبسهم عنه الخذلان، بسبب الانهماك في العصيان، فماذا بعد ذلك إلا الخيبة والخسران!.

 

وفي الحديث نفسه جعل النبي -عليه الصلاة والسلام- أجر الذاهب لصلاة التطوع، وصلاة الضحى في المسجد كأجر المعتمر، بشرط أن لا يكون تعبه وذهابه إلى المسجد إلا لذلك، وهذا النبأ النبوي العظيم يعلمنا ويحثنا في الوقت عينه؛ فيعلمنا أن صلاة الضحى في المساجد أفضل من صلاتها في البيوت، ويحثنا على فعلها هنالك ولو تحملنا لأجل ذلك المشقات.

 

فهل لنا-معشر المسلمين- في هذه الأجور الجزيلة على أعمال قليلة في عبادة الصلاة فرضها ونفلها؟ وهل استجبنا لهذا التحفيز النبوي الكريم حتى نكون من المقبلين على المساجد على الدوام، فكم من مريض يرجو ما أنتم قادرون عليه، وكم من ميت يتمنى العودة إلى الدنيا للظفر بما تدعون إليه!.

 

اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغتهْ

كم صحيحٍ رأيتَ من غير سُقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلتهْ

 

جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكريم الوهاب، والصلاة والسلام على النبي الأمين الأواب، وعلى آله وصحبه أولي الفضائل والألباب، أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن إنفاق المال الحلال في وجوه البر من سبل الوصول إلى الأجر العظيم، وقد فتح النبي عليه الصلاة والسلام أبوابًا للوصول إلى ذلك الخير العميم، فهل لأرباب الأموال أن يكونوا من الوالجين؛ طلبًا لثواب رب العالمين؟ 

ألا وإن من ذلك: تفطيرَ الصائمين؛ ابتغاء وجه الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من فطر صائمًا كتب له مثل أجره، لا ينقص من أجره شيء"(رواه أحمد وابن حبان).

 

وهذا فيه دعوة إلى التكافل الاجتماعي، والإعانةِ على طاعة الله حتى ينشط الناس إليها، كما أن فيه إشارة إلى أن تفطير الصائم لا يعني بالضرورة تفطيره حتى يشبع، فلو فطره أخوه المسلم بتمرات أو نحوها فإن الأجر الموعود يشمله إن شاء الله. كما أن الحديث يشير من طرف خفي إلى اختيار الصائمين المتقين؛ لأن أجر صيامهم في العظم ليس كأجر من دونهم، فمن لم يجدهم فطر سواهم من سائر المسلمين.

 

أيها الأحبة الفضلاء: ومن الأعمال اليسيرة التي فيها أجور كبيرة مما يتعلق بإنفاق المال: السعي على الأرملة والمسكين واليتيم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر"(متفق عليه).

 

فالأرملة فقدت زوجها الكافل لها، واليتيم فقد أباه العائل له، والمسكين فقد السعة التي تغنيه، فما أعظم أن يقوم المسلم على الأرملة مقام الزوج في إنفاقه، وعلى اليتيم مقام الأب في اعتنائه وكفايته، وعلى المسكين مقام المغني له في حاجاته.

 

وهذا الحديث حديث ما أعظمه، حتى قال فيه بعض العلماء السابقين: "من عجز عن الجهاد في سبيل الله، وعن قيام الليل وصيام النهار، فليعمل بهذا الحديث، وليسعَ على الأرامل والمساكين؛ ليحشر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة، أو ينفق درهمًا، أو يلقى عدوًا يرتاع بلقائه، أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين، وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليلة أيام حياته، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله -تعالى- فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"(شرح صحيح البخاري لابن بطال).

 

ألا فسارعوا-عباد الله-إلى هذه الأعمال الصالحة، ولا تلهينكم عنها دنيا ذاهبة، أو همة فاترة، أو شهوة عاجلة، أو شبهة صادة تغريكم بالعمل المفضول عن الفاضل، وتشغلكم عن الباقي بالزائل.

 

جعلنا الله وإياكم من ذوي الهمم العلية، والنفوس الزكية، التي تسابق إلى الأجور، قبل المصير إلى القبور.

 

هذا وصلوا وسلموا على خير البشرية...

 

 

المرفقات
FRSV908tVcMwNDoYwy48UyiDh2uZDEQZYJv0R9Yu.doc
nlFk8vMNq9MsqKDimYubY4fEFp78a0yZmNqLXHjp.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life