عناصر الخطبة
1/ آفة الغضب 2/ منزلة الحلم ومكانته 3/ خطر الغضب وآثاره 4/ مشقة الغضب 5/ أسباب دفع شرارة الغضب والوقاية منهاهداف الخطبة
اقتباس
سريعُ الغضبِ ما أسرعَ أنْ تسرعَ إليهِ الأمراضُ المستعصيةُ وتتناوشهُ الأوجاعُ الدائمةُ، ثبتَ علميًّا: أنَّ هناكَ ارتباطًا بينَ الغضبِ والأمراضِ الجسميةِ والنفسيةِ، كما السباعُ التي أحاطتْ بالفريسةِ المسكينةِ فلا تدري منْ أيِّ جهةٍ سينقضونَ عليها؛ فإنَّ تلكَ الأمراضَ عندما...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، أَمَرَ عِبَادَهُ بِالتَّسَلُّحِ بِالعِلْمِ، والتَّخَلُّقِ بِخُلُقِ الحِلْمِ، والعَيْشِ فِي ظِلالِ الأَمْنِ والسِّلْمِ، أَحمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتَوكَّلُ عَلَيهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ، حَثَّنَا عَلَى حُسْنِ الأَقوَالِ والأَفعَالِ، ونَهَانَا عَنِ الغَضَبِ وسُرعَةِ الانفِعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكثَرُ النَّاسِ صَبْرًا، وأَوسَعُهمْ صَدْرًا، وأَغزَرُهمْ عِلْمًا، وأَعظَمُهمْ حِلْمًا، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعدُ:
فيا عبادَ اللهِ: إنَّ خيرَ ما تفتحُ بهِ الوصايا وتختتمُ، وتنفعُ بهِ الذكرى وتستتمُّ: الوصيةُ بتقوى اللهِ -عزَّ وجلَّ-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]، فإن ثمة ظاهرة من الظواهر النفسية المزعجة قد غلبت على بعض النفوس، فدفعت أقواماً لإفساد حياتهم وتطليق زوجاتهم، وآخرين لقتل أحبابهم، وآخرين لإيذاء أولادهم، أو إفساد أرزاقهم وتنغيص عيشهم، كم أفسدت هذه الظاهرة من بيوت؟ وكم هدمت من أرحام وعلاقات؟ ألا وهي: ظاهرة الغضب.
والحِلْمُ أساسُ الأخلاقِ، ودليلُ كمالِ العقلِ، وامتلاكِ النفسِ، والمتّصفُ بهِ عظيمُ الشأنِ، رفيعُ المكانةِ، محمودُ العاقبةِ، مرضِيُّ الفعلِ، قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمهُ اللهُ-: "الحلمُ والصبرُ على الأذى والعفوُ عنِ الظلمِ أفضلُ أخلاقِ أهلِ الدنيا والآخرةِ، يبلغُ بها الرجلُ ما لا يبلغهُ بالصيامِ والقيامِ".
أيها المسلمونَ: الحليمُ قريبٌ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، قريبٌ إلى الرسولِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وإلى الناسِ، يحظى الحليمُ بكلِّ تقديرٍ في أيِّ مجتمعٍ، سواءٌ كانَ مجتمعًا مسلمًا كانَ أمْ كافرًا، متعلمًا أمْ جاهلًا.
الحليمُ في العادةِ لهُ قاعدةٌ عريضةٌ منَ المحبينَ والأصدقاءِ والمقربينَ، فكلٌّ يفرحُ أنْ يكونَ قريبًا منهُ دائمَ الصلةِ بهِ.
وقدْ جرتِ العادةُ: أنْ الحلماءَ همْ أكثرُ الناسِ سعادةً وهناءً واستقرارًا.
والحليمُ بذلكَ يعيشُ نوعًا وحالةً منْ نعيمِ أهلِ الجنةِ.
تصوروا -معاشرَ المسلمينَ- عندما يسودُ الحلمُ في ذلكَ البيتِ، فالوالدانِ حليمانِ، والأبناءُ كذلكَ، باللهِ عليكمْ كيفَ سيكونُ عيشهمْ وهناؤهمْ وطيبُ مقامهمْ؟ تأملوا في قولِ الحليمِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِذَا أَرَادَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْق" [أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني].
ولكمْ أنْ تتخيلوا ذلكَ المعلمَ عندما يكونُ حليمًا ورفيقًا بطلابهِ لا يستثيرهُ موقفٌ عابرٌ، ولا تقصيرٌ منْ طالبٍ، أو منْ وليِّ أمرهِ أوْ منْ غيرهم. رحيمًا شفيقًا بهمْ، كيفَ سيكونُ أثرهُ عندَ طلابهِ؟ بلْ أنَّ عدوى هذهِ الخصلةِ الكريمةِ، ستنتقلُ إلى طلابهِ، وسيفخرونَ ويُكبرونَ لهُ هذهِ الخصلةَ الحميدةَ.
وبضدها -كما قالَ الأولُ- تبينُ الأشياءُ، فكمْ كانَ للغضبِ منْ خرابٍ للبيوتِ ودمارٍ للمجتمعاتِ وتوهينٍ للعلاقاتِ الأسريةِ"
لا يحملُ الحقدَ مَنْ تعلُو بهِ الرُّتبُ *** ولا ينالُ العُلا مَنْ طبعُهُ الغضبُ
لا يزالُ الكثيرُ يذكرُ أناسًا كانَ لسرعةِ غضبهمْ، وقلةِ حلمهمْ: أنْ أوقعهمْ شراكُ الغضبِ في كثيرٍ من المهالكِ، والعديدِ منَ المآزقِ بلْ ربما تسببَ في إهانتهِ أمامَ الناسِ، أوْ إقصائهِ منْ وظيفتهِ أوْ منْ فرصةٍ تجاريةٍ، أوْ منْ حظوةٍ اجتماعيةٍ، ولربما دفعهُ غضبهُ لارتكابِ حماقاتٍ يدفعُ ثمنها منْ سمعتهِ ومالهِ غاليًا.
ومنْ أنواعِ الظلمِ والعدوانِ، وكثيرٍ من الأقوالِ المحرَّمةِ؛ كالقذفِ، والسبِّ، والفحشِ بلْ ربما وصلَ إلى ضربهِ أو ربما إلى قتلهِ!
في حالةِ الغضبِ وفي جميعِ حالاتِ الانفعالِ الشديدِ، يتعطلُ التفكيرُ، ولذلك كثيرًا ما يندمُ الإنسانُ على ما يصدرُ عنهُ أثناءَ الغضبِ منْ أقوالٍ وأفعالٍ، ولهذا السببِ كانَ الرسولُ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- ينصحُ أصحابهُ بعدمِ إصدارِ أحكامٍ هامةٍ أثناءَ الغضبِ، وكما جاء في الحديث عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: "كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ، وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ، بِأَنْ لاَ تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" [متفق عليه]، وقالَ: "لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ" [أخرجه الإمام أحمد وحسنه الألباني]، والإغلاقُ هوَ: الغضبُ الشديدُ الذي يعطلُ التفكيرَ.
يا اللهُ ما أصعبَ آثارَ الغضبِ! فعندما يغضبُ الإنسانُ ويصلُ إلى درجةٍ عاليةٍ منَ الغضبِ! ثم ينتهي ذلكَ الموقفُ! كمْ يأتيهِ بعدها منْ رسائلِ التحسرِ والتأسفِ والألمِ، جراءَ استجابتهِ لذلكَ المثيرِ، ما يفوقُ بمراحلٍ كثيرةٍ لوْ أنهُ سيطرَ على نفسهِ وتجاوزَ ذلكَ الموقفَ ولوْ بخسارةٍ بعضِ الشيءِ.
واللهُ أعلمُ لا يمكنُ لأحدٍ كائنًا منْ كانَ أنْ يغضبَ ولا يندمَ أوْ يتحسرَ بعدَ أنْ تهدأَ عاصفةُ الغضبِ.
كانَ اللهُ في عونِ الذينَ يتعرضونَ دائمًا لمواقفِ الغضبِ ويتفاعلونَ معها ويستجيبونَ لها، كمْ همْ يتحسرونَ! ويندمونَ! ويتأسفونَ؟
الذي يغضبُ يحرمُ نفسَهُ حقها الطبيعيَّ منَ الحياةِ الطيبةِ، منَ الحياةِ الهادئةِ، منَ الحياةِ الكريمةِ.
وكانَ اللهُ أيضاً في عونِ القريبينَ منَ الناسِ الأكثرِ غضبًا، خصوصًا زوجتهُ وأبناؤهُ، والخلصُ منْ أصدقائهِ فإنهُ إنْ لمْ يلطفِ اللهُ بهمْ فإنَّ مآلَ هذا البيتُ أوْ الصداقةُ إلى تشظٍّ وانفجارٍ!
الغاضبونَ يتحاشاهمْ الكثيرُ سواءٌ في المجالسِ أوْ في الأعمالِ الحكوميةِ أوْ الرحلاتِ القصيرةِ أو الطويلةِ!
الناسُ -في الغالبِ- يتحاشونَ كثيرَ الغضبِ، كثيرَ الصخبِ.
وبالتالي يفوِّتُ هذا المسكينُ على نفسهِ صداقاتٍ عديدةً، ولقاءاتٍ كثيرةً، ورحلاتٍ ممتعةً؛ لأنَّ منَ السننِ الكونيةِ والطبيعةِ البشريةِ أنَّ الماءَ لا يجتمعُ معَ النارِ، والذئبُ لا يصاحبُ الغنمَ.
سريعُ الغضبِ ما أسرعَ أنْ تسرعَ إليهِ الأمراضُ المستعصيةُ وتتناوشهُ الأوجاعُ الدائمةُ، ثبتَ علميًّا: أنَّ هناكَ ارتباطًا بينَ الغضبِ والأمراضِ الجسميةِ والنفسيةِ، كما السباعُ التي أحاطتْ بالفريسةِ المسكينةِ فلا تدري منْ أيِّ جهةٍ سينقضونَ عليها؛ فإنَّ تلكَ الأمراضَ عندما تتربصُ بهِ وتتمكنُ منهُ، فإنها لا تنفكُ عنهُ أبدًا، فيُضطرُّ هذا المفرطُ إلى التهامِ الكمِّ الهائلِ منَ الأدويةِ والعقاقيرِ ليلَ نهارَ وفي الغدوِّ والآصالِ؛ لتسكنَ أوجاعهِ وتضميدِ جراحهِ؛ لأنهُ إنْ لمْ يفعلْ ذلكَ فإنَّ مضاعفاتها وخيمةٌ وآثارها جسيمةٌ.
ولوْ نظرَ الغضبانُ إلى نفسهِ حالَ الغضبِ منْ قبحِ صورتهِ، واستحالةِ خلقتهِ، وفحشِ قولهِ، لاستحيى منْ نفسهِ وتعجبَ كيفَ يصدرُ هذا منهُ؟! وحينما يسكنُ الغضبُ يندمُ الغضبانُ على ما بدرَ منهُ ويحاولُ إصلاحَ ما أفسدَ.
ولا بدَّ منَ الحذرِ منَ التصرفِ أثناءَ الغضبِ؛ لأنَّ حالَ الغضبِ لا تمكنُ الشخصَ منِ اتخاذِ القرارِ الصائبِ.
فإياكَ أنْ تتخذَ قرارًا في مرءوسيكَ أوْ أنْ تنزلَ عقوبةً بأحدٍ منَ الناسِ بسببِ وظيفتكَ وأنتَ غضبانُ أوْ أنْ تؤدبَ أولادكَ أوْ منْ تحتَ يدكَ منْ طلابٍ وغيرهمْ، فأجلِ الأمرَ إلى بعدِ سكونِ الغضبِ وستحمدُ ذلكَ.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكمْ ولكافةِ المسلمينَ منْ كلِّ خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ؛ إنهُ هوَ التوابُ الرحيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ بالعظمةِ والجلالِ، مسبغُ الآلاءِ والأفضالِ حققَ الآمالَ بحميدِ الخصالِ، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ونشهدُ أنَّ نبيَنَا وقدوتَنَا محمدًا عبدَ اللهِ ورسولَهُ الموصوفُ بأقومِ الشيمِ وأبهى الخلالِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ الحائزينَ منَ الأناةِ والإغضاءِ مجدًا لا يُنَالُ، والتابعينَ ومنْ تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
عبادَ اللهِ: إنَّ السيطرةَ على لحظاتِ الغضبِ يعدُّ منَ الأمورِ الشاقةِ على الإنسانِ، لكنْ إذا تذكرنَا أنهُ ما أنزلَ اللهُ منْ داءٍ إلا وأنزلَ معهُ الدواءَ، فقدْ أوضحَ لنا عليهِ الصلاةُ والسلامُ كلَّ الإيضاحِ علاجَ هذا الداءِ إذا ما وقعَ، ومنْ ذلكَ: التعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ حينَ وجودِ الغضبِ، فهوَ علاجُ ما أَحسَنهُ! يدلُّ على الاعتصامِ باللهِ، والالتجاءِ إليهِ منْ هذا الشيطانِ الرجيمِ، الذي يريدُ أنْ يُوقِعَ الإنسانَ في الردى والهلاكِ؛ ففي الحديثِ المتَّفَقِ عليهِ عنْ سليمانَ بنِ صُرَدَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: "استبَّ رجلانِ عندَ النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- ونحنُ جلوسٌ عندهُ، وأحدهما يَسُبُّ صاحبَهُ مُغضَبًا قدْ احمرَّ وجههُ، فقالَ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ" [رواه البخاري].
ومنَ الأسبابِ المهدِّئةِ للغضبِ: جلوسهُ إنْ كانَ قائمًا، فإنْ أجدى لذلكَ، وإلا فليضطجعْ؛ كما في الحديثِ الذي أخرجهُ الإمامُ أحمدُ أنَّ النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ" [رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
ومنَ الأسبابِ التي تُتَّخذُ لدفعِ الغضبِ ومضارهُ: السكوتُ، قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ" [رواه الإمام أحمد وصححه الألباني]، قالها ثلاثًا، فهذا أيضًا دواءٌ عظيمٌ للغضبِ؛ لأنَّ الغضبانَ يَصدُرُ منهُ في حالةِ غضبهِ منَ القولِ ما يَندَمُ عليهِ في حالِ زوالِ غضبهِ فإذا سكتَ زالَ عنهُ هذا الشرُّ كلهُ.
ومنَ العلاجاتِ النبويةِ لدفعِ حرارةِ الغضبِ: أنْ يتوضأَ أوْ يَغتسِلَ؛ لأنَّ الغضبَ جمرةٌ في قلبِ كلِّ إنسانٍ؛ ولهذا تحمرُّ عيناهُ.
منْ أسبابِ دفعِ الغضبِ وعدمِ العملِ بما يمليهِ عليهِ: تذكرُ وعدِ اللهِ لمنْ كظمَ غيظهُ أثناءِ الغضبِ، وعفا عمنْ أساءَ إليهِ؛ كقولهِ تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134]، "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاء" [رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهم].
ومنْ أسبابِ دفعِ الغضبِ: مصاحبةُ أهلِ الحلمِ، فلهمْ أثرٌ فيمنْ يخالطهمْ فيستفيدُ مخالطهمْ منْ حسنِ صفاتهمْ، ويحاولُ أنْ يجاريهمْ في حسنِ الأخلاقِ، وينكفُ عنْ سيئهَا.
نحنُ بحاجةٍ إلى مجاهدةِ النفسِ والصبرِ على ذلكَ؛ ففي حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: "إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ" [رواه الطبراني وحسنهُ الألبانيُّ].
تأملْ في هذا الحديثِ قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ" [رواه الطبراني وصححهُ الألبانيُّ]؛ لأنَّ الجنةَ في الأصلِ ثمنها أنْ تسيْطرَ على ذاتكَ، فالذي يقمعُ نفسهُ عندَ الغضبِ، الذي يسيطرُ عليها، الذي يضبطها بالشرعِ يستحقُّ دخولَ الجنةِ؛ لأنهُ حقَّقَ الهدفَ، سما بنفسهِ، وزكتْ نفسهُ.
أيها الأحبةُ الأكارمُ: واستعصامًا منْ آفةِ الغضبِ، وسموًا لمعالي الرتبِ، كانَ منْ دعائهِ: "وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا" [رواه النسائي وصححه الألباني].
إذًا، أكثرْ منْ دعاءِ اللهِ -تعالى- أنْ يرزقكَ الحلمَ والأناةَ، ويباعدكَ عنِ الغضبِ.
عبادَ اللهِ: الانصرافُ بالتفكيرِ عنِ الأمرِ الذي أثارَ الغضبِ، عاملٌ مهمٌّ جدًا في توقي الغضبِ، ومنَ الممكنِ القيامُ بمجهودٍ بدنيٍّ لتبديدِ الطاقةِ البدنيةِ.
ومنَ الأفكارِ التي ستساعدنا على تجاوزِ الكثيرِ منَ الأحداثِ المزعجةِ: أنْ نعلمَ أنَّ الحياةَ في تغيرٍ مستمرٍّ، كلُّ شيءٍ لهُ بدايةٌ ولهُ نهايةٌ، قدّرَ أنَّ كلَّ شيءٍ سيعودُ إلى أصلهِ، أداةٌ تُصنعُ سوفَ تَبلى وتنتهي يومًا ما، المسألةُ كلها مسألةُ وقتٍ، فالذي تتوقعُ أنهُ لنْ ينكسرَ لا تُفاجأْ أوْ تصابُ بالغضبِ عندما ينكسرُ، فهذا قدرهُ! وبدلًا منْ أنْ تستاءَ، فإنكَ تشعرُ بالامتنانِ منْ أجلِ المدةِ التي استخدمتَ هذا الشيءَ فيها.
خذْ مثالًا سهلًا على ذلكَ فعندما ينكسرُ شيءٌ مفضلٌ لديكَ ينبغي ألا تنزعجَ؛ لأنكَ تعلمُ أنَّ هذا قدرهُ، وأنَّ كلَّ شيءٍ سيبلى يومًا ما ويعودُ إلى أصلهِ، وعلى هذا يمكنكَ أنْ تقيسَ موقفكَ منْ أمورٍ أكثرَ.
تصورْ التحكمَ والتدريبَ على ذلكَ.
اعطِ نفسكَ رسالةً إيجابيةً أنكَ قادرٌ على التغييرِ.
تذكرْ دائمًا آثارهُ المزعجةَ والمؤلمةَ.
تذكرتَ كمْ فقدتَ منْ عزيزٍ وقريبٍ بسببِ موجةِ غضبٍ عابرةٍ كانَ بإمكانكَ تجاوزهَا.
أخيرًا: استعنْ باللهِ -تعالى- وأسألهُ الفكاكَ منْ هذا الداءِ؛ فإنهُ سبحانهُ مجيبٌ منْ دعاهُ.
هذا وصلُّوا...
التعليقات