عناصر الخطبة
1/قصة أصحاب الكهف من أعجب القصص 2/خوف أصحاب الكهف من الاضطهاد وسؤالهم الله واستجابته لهم 3/مجادلة بعض الناس في شأن أصحاب الكهف وإحياء الله لهم

اقتباس

وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَلَى غَرَابَتِهَا لَيْسَتْ بِأَعْجَب آيَاتِ الله؛ فَإِنَّ للهِ في هَذَا الكَوْنِ مِنَ العَجَائِبِ، مَا هُوَ أَعْظَم مِنْ هَذِهِ القِصَّة (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ في السِّرِّ والنَّجْوَى، واعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ على النَّارِ لا تَقْوَى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا قِصَّةٌ عَجِيْبَةٌ، وَحِكَايَةٌ غَرِيْبَة، إِنَّهُمْ صِغَارٌ في أَعْمَارِهِمْ، أَقْوِيَاءُ في إِيْمَانِهِمْ، فَرُّوْا بِدِيْنِهِمْ مِنَ الفِتَن، وَصَبَرُوا على المَشَاقِّ والمِحَن: إِنَّهُمْ أَصْحَابُ الكَهْف.

 

وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَلَى غَرَابَتِهَا لَيْسَتْ بِأَعْجَب آيَاتِ الله؛ فَإِنَّ للهِ في هَذَا الكَوْنِ مِنَ العَجَائِبِ، مَا هُوَ أَعْظَم مِنْ هَذِهِ القِصَّة (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا)[الكهف:9]. قالَ سَعِيدُ بنُ جُبَير: "(الرَّقِيمِ): لَوْحٌ مِنْ حِجَارَة، كَتَبُوا فِيهِ قَصَصَ أَصْحَاب الكَهْف، ثُمَّ وَضَعُوهُ على بَابِ الكَهْف".

 

وَمِنْ صِفَاتِ أَصْحَابِ الكَهْفِ: أَنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِالرَّحْمَن، وَأَنْكَرُوا مَا عَلَيْهِ قَوْمَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَان؛ وَقَالُوا: (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)[الكهف:15]؛ أيْ هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً؛ فَهَلْ أَقَامُوا دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ! بَلْ هُمْ ظَالِمُونَ كَاذِبُونَ فِي ذَلِكَ.

 

وَرَبَطَ اللهُ عَلى قُلُوبِ هَؤُلاءِ الفِتْيَة فَإِذَا هِيَ ثَابِتَةٌ رَاسِخَةٌ، مُطْمَئِنَّةٌ بِالدِّيْن، مُعْتَزَّةٌ بِاليَقِيْن! (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً)[الكهف:14]؛ أَيْ لَئِنْ دَعَوْنَا إِلَهًا غَيْرَهُ؛ فَقَدْ قُلْنَا بَاطِلًا وَبُهْتَانًا. قال ابنُ كَثِير: "صَبَّرَهُمْ اللهُ عَلَى مُخَالَفَةِ قَوْمِهِمْ، وَمُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ الرَّغِيدِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِ الرُّومِ وَسَادَتِهِمْ!".

 

وَعِنْدَمَا خَافَ الفِتْيَةُ مِنَ العَذَابِ والهَوَان؛ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ السَّكِيْنَةَ والأَمَان؛ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ والإِيْمَان (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا)[الكهف:13-14].

 

وَسَأَلَ الفِتْيَةُ رَبَّهُمْ؛ أَنْ يُسَهِّلَ أَمْرَهُمْ، فَقَالُوا: (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)[الكهف:10].

 

فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُمْ؛ فَاعْتَزَلُوا قَوْمَهُمْ، وَفَرُّوْا بِدِيْنِهِمْ (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ)[الكهف:16]. 

 

قال المُفَسِّرُوْن: "وَهَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ فِي النَّاسِ: أَنْ يَفِرَّ الْعَبْدُ مِنْهُمْ؛ خَوْفًا عَلَى دِينِهِ".

 

وَاخْتَارَ اللهُ لَهُمْ الكَهْفَ الخَشِنَ المُظْلِمَ، على زِيْنَةِ الحَيَاةِ وَزُخْرُفِهَا! فَإِذَا الكَهْف الضّيِّق يَتَحَوَّلُ إلَى فَضاءٍ فَسِيْح، تَنْتَشِرُ فِيْهِ الرَّحْمَة، وَتَزُوْلُ عَنْهُ الوَحْشَة (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا)[الكهف: 16]. قال ابنُ عَبَّاس: "يُسَهِّلْ عَلَيْكُمْ مَا تَخَافُوْن، وَيَأْتِكُمْ بِاليُسْرِ وَالرِّفْقِ واللُّطْف".

 

ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ نَوْمًا عَمِيْقًا، كانَ مِقْدَارُهُ ثَلاثَ مِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْع سِنِين (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)[الكهف:10].

 

وَكَانَ هُنَاكَ فَرِيْقَانَ يَتَجَادَلانِ في شَأْنِ أَصْحَابِ الكَهْف؛ فَبَعَثَهُمْ مِنْ نَوْمِهِمْ؛ لِيَتَبَيَّنَ أَيّ الفَرِيْقَيْنِ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إلى الصَّوَاب، وَمَعْرِفَةُ الحِسَاب (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا)[الكهف:12].

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: مَنْ أَوَى إِلى الله آوَاهُ الله وَأَسْكَنَهُ في رَحْمَتِه. إِنَّهَا الرَّحْمَةُ الَّتِي وَجَدُوْهَا في الكهف، حِيْنَ افْتَقَدُوْهَا في القُصُورِ والدُّوْر، وَوَجَدَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وصَاحِبُهُ في الغار، وَوَجَدَهَا كُلُّ مَنْ أَوَى إلى الله، قَاصِدًا بَابَ اللهِ وَحْدَه، وَإِذَا أَغْلَقَ اللهُ الرَّحْمَةَ عَنْ العَبْد؛ وَفَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ المَعْصِيَة ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَصَغُرَتْ في عَيْنِهِ الدُّنْيَا وَلَوْ اتَّسَعَتْ (ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر:2].

 

اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاخْتِمْ بالصالحاتِ أَعْمَالَنَا.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات
RL5ptkJ3JbGN9Urpoo86c9VI4aHpHXivqlNMNO8N.pdf
Qxbtcj2zG8QfoKW4XKAfamToIELvsDgYee9zMdTr.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life