عناصر الخطبة
1/حفظ الله للبيت العتيق 2/سرد أحداث أصحاب الفيل 3/دروس وعبر من القصة.

اقتباس

كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه في ذلك العام ولد نبينا -صلى الله عليه وسلم- ولسان الحال يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه، ونعظمه، ونوقره، ببعثة النبي الأمي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

الخطبة الأولى:

 

مَنَّ الله على قريش بمننٍ كثيرة، كاصطفاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم، وخدمة السقاية والحجابة -وهي حفظ البيت- ونزولِ سورة من القرآن فيهم، ومنع عنهم أصحابَ الفيل، حين أرادوا هدم الكعبة المشرفة.

 

قال ابن كثير -رحمه الله- في حفظ الله لبيته العتيق: "هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش، حين صرف عنهم أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة، ومَحْوِ آثارِها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم أنوفهم، وخيب سعيهم، وأضل أَعمالهم، وردهم بشر خيبة".

 

وكان أصحاب الفيل قومًا نصارى، ودينُهم أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه في ذلك العام ولد نبينا -صلى الله عليه وسلم- ولسان الحال يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه، ونعظمه، ونوقره، ببعثة النبي الأمي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

وقد جرت أحداثُ هذه الحادثة، حين بنى أبرهةُ كنيسةً عالية تسمى "القُلَّيْسُ"، وعزم على أن يصرف حجَّ العربِ إليها، كما يُحَجُّ إلى الكعبةِ بمكة ونادى بذلك، فكرهت العربُ -العدنانيةُ، والقحطانيةُ- ذلك، وغضبت قريشٌ غضبًا شديدًا، حتى قصدها بعضهم ليلاً فأحدث فيها، وكَرَّ راجعًا، فلما رأى السدنةُ ذلك الحدث، رفعوا أمره إلى أبرهة، وقالوا: إنما صنع هذا بعضُ قريشٍ غضبًا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به، فأقسم ليسيرنَّ إلى بيتِ مكةَ وليخرِّبَنَّه حجرًا حجرًا.

 

فسار بجيشٍ عرمرمٍ لئلا يصده أحد عنه، واصطحب معه فيلاً عظيمًا كبير الجثة، لم يُر مثلُه، وبصحبته أفيال، قيل: ثمانٍ، وقيل: اثنا عشر، وأتى بها ليجعل السلاسل في أركان الكعبة، وتوضع في عنق الفيل ليلقي الحائط جملة واحدة.

 

سار الجيش وتصدت بعض القبائل له فهزمها، وأَسَرَ مَنْ يَدلُّه على بلاد الحجاز، إلى أن وصل إلى المُغَمِّس - وهو قريب من مكة - وأغار على سِراح أهلِ مكةَ من الإبل فأخذها، وكان منها مائتا بعير لعبدالمطلب.

 

في هذه الأثناءِ أرسل أبرهةُ من يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملكَ أبرهةَ لم يجئْ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت، فدلُّوه على عبدالمطلب فقال: "والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه".

 

فذهبوا به إلى أبرهةَ فلما رآه أَجَلَّه، وكان عبدالمطلب رجلاً جسيمًا، حسنَ المنظر، وقال لترجمانه: ما حاجتك؟ قال: أن يرد المَلِك عليَّ مائتي بعير أصابها لي، فقال لترجمانه: قد كنتَ أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبناها لك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئتُ لأهدِمَه لا تكلمني فيه؟!

 

فقال عبدالمطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًا سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك".

 

ويذكر أن أشرافًا مع عبد المطلب عرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت فأبى، ورد أبرهةُ إِبلَ عبدِالمطلب، وأَمَر بَعْدَها عبدُ المطلب قريشًا بالخروج من مكة والتحصنِ في رؤوس الجبال تخوفًا عليهم من معرة الجيش.

 

نفعنا الله وإياكم بالقرآن العظيم.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

في قصة أصحاب الفيل دروسٌ وعبرٌ، منها:

أنه لما تهيأ أبرهة لدخول مكة، وهيّأ فيله العظيم، ووجهه نحو مكة برك الفيل، فضربوه وأبى التحرك، فلما امتنع ووجهوه إلى اليمن قام يهرول، ووجهوه للشام والمشرق ففعل مثل ذلك، ووجهه بعدها لمكة فبرك.

 

وفي رواية الواقدي -رحمه الله-: أنه إذا وجهوه للحرم برك وصاح، وكان يصنع ذلك، وهو فيل المَلِكِ تقتدي به بقية الفيلة، وكان فيهم فيل تَشَجَّع، فحُصِب، فهربت بقية الفيلة، فلما طال الفصل وأهل مكة في جبالها ينظرون ما الحبشة يصنعون وما يَلْقون من أمر الفيل -وهو العجب العجاب- فأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار، حجرٌ في منقاره، وحجران في رجليه -أمثالُ الحِمَّصِ والعَدس- ولا يصيب أحدًا منهم إلا هلك.

 

وقد ذكر ابنُ كثير -رحمه الله، بأسانيدَ صحيحةٍ- وصفَ الطير التي خرجت: أن لها خراطيمَ كخراطيمِ الطير، وأكُفًَّا كأكفِّ الكلاب، وقيل: إنها طير خُضْر خرجت من البحر، لها رؤوس كرؤوس السباع.

 

وقيل: طيور سودٌ بحرية، في مناقيرها وأظافرها الحجارة، فجاءت وصفّت على رؤوسهم ثم صاحت، وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما يقع حجر على رأس إلا خرج من دبره، ولا يقع على شيء من جسده إلا خرج من الجانب الآخر، وبعث الله ريحًا شديدة فزادتها شدة فأُهلكوا جميعًا.

 

وفي رواية أخرى عن عطاء بن يسار -رحمه الله- انه قال: ليس كلهم أصابهم العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعًا، ومنهم من جعل يتساقط عضوًا عضوًا وهم هاربون - ومنهم أبرهة - وقيل: إنه أصيب في جسده فخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة حتى قدموا صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه.

 

وذكر مقاتل بن سليمان -رحمه الله- أن قريشًا أصابوا مالاً جزيلاً من أسلابهم وما كان معهم.

 

فالله -سبحانه- أهلكهم ودمرهم، وردهم بكيدهم، وغيظهم لم ينالوا خيرًا، وهذا وعد الله وحِفْظُه لبيته (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحَجّ: 25].

 

فما من عدو قصده إلا رده الله، وما من أحد خدمه إلا أعزه الله وحفظه.

 

وفقنا الله لتعاهد بيته الحرام بالطاعات والقربات.

 

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات
4fip8t9yQaZIpbFbNYyfDzXxCEv0YPU9XazvGgsX.pdf
LKSpjUT5hlreSFC3mFLRxWT0IZMx8Enn0aRAbjaM.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life