عناصر الخطبة
1/الملك كله لله سبحانه 2/أهمية الإيمان بالقضاء والقدر 3/حِكَمٌ دقيقةٌ لطيفةٌ في تدبير الله وتقديرِه 4/دعوة إلى اغتنام شهر شعبان والاستعداد لرمضان.

اقتباس

أصبَحْنا وأصبحَ الملكُ لله. أمسينا وأمسى الملكُ للهِ.. كلماتٌ جليلاتٌ نقولُها صباحًا ومساءً، فهل تدبرْنا كيفَ أن الملكَ للهِ؟! عندَ المصيبةِ نقولُ: إنا للهِ، وإنا إليه راجعون.. فهل تَفَكَّرْنا كيف نكونُ لله؟! الملكُ ملكُه، والأرضُ أرضُه، والتدبيرُ تدبيرُه، والحكمُ حُكمُه..

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ مجيبِ دعوةِ المضطرين، ورافعِ البلاءِ عن المستغفرين. لا إلهَ إلا اللهُ يفعلُ ما يشاءُ، ويحكمُ ما يريدُ. فاللهم لك الحمدُ كلُّه، وإليكَ يُرجع الأمرُ كلُّه، علانيتُه وسرُّه، فأهلٌ أنت أن تُحمَدَ، وأهلٌ أنتَ أن تُعبدَ، وأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا أنت وحدَك لا شريكَ لكَ، وأشهدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابتِه الغرِّ الميامين، والتابعينَ ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

 

أما بعدُ: فاتقوا اللهَ حقَّ تقواه، فإن مَن اتقى اللهَ حفظُهُ ووقاهُ، ومَن توكلَ عليه كفاهُ وآواهُ.

 

أصبَحْنا وأصبحَ الملكُ لله. أمسينا وأمسى الملكُ للهِ.. كلماتٌ جليلاتٌ نقولُها صباحًا ومساءً، فهل تدبرْنا كيفَ أن الملكَ للهِ؟!

 

عندَ المصيبةِ نقولُ: إنا للهِ، وإنا إليه راجعون.. فهل تَفَكَّرْنا كيف نكونُ لله؟!

 

الملكُ ملكُه، والأرضُ أرضُه، والتدبيرُ تدبيرُه، والحكمُ حُكمُه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[الأنعام:57]، (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)[الرعد:41]. (وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص:70].

 

إذًا: أيُّها المصابُ بمصيبةٍ لا تجَزَعْ *** أيُّها المهمومُ لغيرِ اللهِ لا تَخضَعْ

ويا أيُّها المظلومُ لغير مولاك لا تَفزَعْ *** أيُّها المفتونُ: ألا لربك فارجِعْ

 

(قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)[آل عمران:154]؛ في كلِّ أمرٍ يقضيهِ ربُّكَ لكَ أو عليكَ فارْضَ وآمِنْ؛ "فإنه ما مَنَعَك إلا ليُعطيَك، ولا ابتلاكَ إلا ليُعافيَك، ولا أمَرضَكَ إلا ليَشفِيَك، ولا أماتكَ إلا ليُحيِيَك؛ فإياكَ أن تُفارِقَ الرضا عنه طرفةَ عين"(مدارج السالكين2/216).

 

أنَسيتَ أنَّ مِنْ أركانِ الإيمانِ العظيمةِ: الإيمانَ بالقدر؛ خيرِهِ فحسْب؟! لا، بل وشرِّه!

 

عجيبةٌ وعميقةٌ تلكَ الكلمةُ التي نَطَقَ بها الحَبْر البَحْر ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- حينَ قال: "الإيمانُ بالقدرِ نظامُ التوحيدِ وتمامُه"(عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة 925).

 

والمؤمنونَ بالقدرِ حقاً هم أقوى الناسِ نفوساً، وأقلُّهم جَزعاً، وإنك لَتجِدُ عند العلماءِ العاملينَ، والعبادِ القانِتينَ من طمأنينةِ النفسِ ما لا يَخطر بِبال. فهذا عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رحمه اللهُ- يقولُ: "أصبحتُ وما ليْ سرورٌ إلا في مواضعِ القضاءِ والقدرِ"(جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/ 287).

 

وكمْ مِنْ عوامِ المسلمينَ مَن إذا تبيَّن له أنهُ مصابٌ بداءٍ خطيرٍ -كالسرطانِ مثلاً-؛ فإنكَ تجدُ هذا المريضَ يستقبلُ الخبرَ بنفسٍ راضيةٍ، وصدرٍ رحْبٍ، وسكينةٍ عجيبةٍ.

 

أيُّها المؤمنونَ: للهِ -تعالى- حِكَمٌ دقيقةٌ لطيفةٌ في تدبيرِهِ وتقديرِه، وما سَمَّى نفسَه بـ "الحكيمِ" إلا لدقةِ مقاصدِ ابتلائهِ الناسَ، دقةً تستوجِبُ طولَ التأملِ، وحِدَّةِ الإِبصارِ.

 

ولْنتأمَّلِ الآنَ في بعضِ هذهِ السورةِ التي قرأتمُوها اليومَ، سورةِ الكهفِ، تأملُوا كيف أنَّ خَرْقَ السفينةِ في ظاهرهِ فسادٌ، وفي باطنهِ أن يَصرفَهم اللهُ عن مَلِكٍ ظالمٍ؛ (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)[الكهف:79].

 

وكيفَ أن قَتْلَ غلامٍ ظاهرُه الإجرامُ، وباطنُه حمايةٌ لوالديهِ المؤمنَينِ (أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا)[الكهف:80]، وأيُّ فائدةٍ أعظمُ منْ أنْ يَحفظَ اللهُ على المرءِ دينَه؟ ومع ذلك قال ربُّك: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)[الكهف:81].

 

(وَأَمَّا الْجِدَارُ)[الكهف:82] الذي كادَ أن يَسقُطَ، فإن ربَّك المدبرَ مِن فوقِ سبعِ سمواتٍ لا يريدُ أن يَسقط الجدارُ الآنَ؛ رحمةً بيتيمَينِ أبوهُما صالحٌ؛ ليَحفَظَ بصلاحِهِ كنزًا لهما تحتَه (فَأَرَادَ رَبُّكَ) نَعَمْ أرادَ العليمُ الخبيرُ، أرادَ (أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا)؛ يا ربِّ لماذا كلُّ هذا؟ والجوابُ في نفسِ الآيةِ: (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)، وأيضًا: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)[الكهف:82]؛ إذًا كلُّ أقدارِك يا ربِّ من رحمتِكَ وبأمرِكَ.

 

فاللهم اجعَلْنا ممن غشِيَتْهُم رحمتُك، وأْتمَروا بأمْرِكَ.

 

اللهم اجعَلْنا ممن رضيَ بقضائكَ وقدرِك، لا مَنْ صَبَرَ فحَسْب، وفي كُلٍ خيرٌ.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على لُطفهِ الخفيِّ، وفَضلِهِ وإحسانهِ الجليِّ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأميِّ، وعلى آلِه وصحبِه وكلِّ وليٍ، أما بعدُ:

 

أرأيتم أيُّها الإخوةُ: لو أنَّا خَرجنا بعدَ الصلاةِ لسياراتِنا، ووجَدْنا على زُجاجِها، أوراقًا فيها إعلانٌ من محطةِ بنزينٍ يُعبِّئونَ سيارتَك مجانًا لمدةِ شهرٍ، فما ظَنكم بالزحامِ عندَ تلكَ المحطةِ، وما حالُ المرورِ وهو يُنظِّمُ الطريقَ من جرَّاءِ هذا العَرْضِ المُغْري؟

 

ألا إننا الآنَ في عَرْضٍ مُغرٍ، ولكنْ لا زِحام!! ألا إننا في شهرٍ يَغْفَلُ الناسُ عنه، كما قالَ الصادقُ المصدوقُ -صلى الله عليه وسلم-، ألا وهو شهرُ شعبانَ، الذي يجعلُ السائرَ إلى اللهِ بالحسنات شبعانَ.

 

أمَّا نبيُّك -صلى الله عليه وسلم- فقدْ كانَ يصومُ أكثرَه، وكانَ التابعونَ الأولونَ يُسمُّونهُ شهرَ القُرّاء؛ لكثرةِ الختَماتِ.

 

أما حديثُ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا"؛ فهو حديثٌ ضعيفٌ، أنكرهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ مَهدي، وأبو زُرعةَ والأثرمُ وابنُ رجب (العلل لأحمد -رواية المروذي ص: 160، وانظر لطائف المعارف لابن رجب (ص: 151) والحديث رواه أبو داود (2339).

 

ومَن كان عليهِ قضاءٌ فليُسارِعْ في قضائهِ قبلَ أن يَدخلَ عليهِ رمضانُ، وتأخيرُ القضاءِ إلى شعبانَ بلا عذرٍ جائزٌ، ويَشهدُ له قولُ عائشةَ -رضي اللهُ عنها-: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ"(صحيح البخاري 1950، وصحيح مسلم 1146).

 

فتدارَكُوا موسمَ الخيراتِ، وابتَدِروا الدقائقَ قبلَ الساعاتِ، وها نحنُ نَقتربُ ونترقبُ إطلالةَ رمضانَ، واللهُ أعلمُ مَن يُدركُهُ ومَن لا يُدركهُ، أو يُدركُ بعضَه.

 

وانظروا كمْ دَفنَّا منذُ شهرٍ! اثنتانِ وعشرونَ جنازةً خلالَ شهرٍ، وقد كانوا يُؤملونَ كما نُؤملُ أن يُدركوا، ولكنَّ اللهَ قد قَضَى بقَطْعِ آجالهِم، وأَبقانا بعدَهم.

 

فاللهم ارحمْنا وإياهُم، وأحيِنا حياةً تُكسِبُ عملاً صالحًا.

 

اللهم اجعلْنا بالصالحاتِ مِن المُضْعِفينَ، وبالحسناتِ مِن المُقَنْطِرِينَ.

 

المرفقات
أصبح-الملك-لله.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life