عناصر الخطبة
1/ من علامات الساعة الكبرى: ثلاثة خسوفات عظيمة 2/ ظهور الدخان 3/ طلوع الشمس من مغربها وغلق باب التوبة 4/ خروج الدابة وفعلها في الأرض 5/ ظهور نار عظيمة تخرج من قعر عدن 6/ وجوب الاستعداد ليوم المعاد.

اقتباس

إن الواجب على العبد أن يؤمن إيماناً جازماً بتلك الأشراط تصديقاً للآيات والأحاديث الصحيحة التي وردت.. كما أن على المرء أن يستعد للساعة بالتزود من تقوى الله، وعليه أن يستمسك بحبل الله ويعتصم به؛ وأن يلزم طاعة مولاه حتى تأتيه منيته. وإن قُدّر له أن يدرك شيئاً من تلك الأهوال فهذه أوصافها قد بلغته ووصلت سمعه؛ فليتفطن وليتنبه وليتمسك بما يعصمه؛ فإنه لا عاصم من أمر الله يومئذ إلا من رحم..

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله..

 

تقدم بنا الحديث في الجمع الماضية حول ثلاث علامات من العلامات الكبرى للساعة؛ حول ظهور مسيح الضلالة المسيح الدجال؛ ونزول عيسى عليه السلام؛ وقتْلِه الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج؛ وكان من آخر الحديث أن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض سبع سنين، وأن الله يرسل ريحاً باردة من قِبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو خير إلا قبضته..

 

وتتابع الفتن وأشراط الساعة في ذلك الزمان، فتقع ثلاث علامات متتابعات؛ تقع ثلاثة خسوفات عظيمة: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، ففي حديث حذيفة بن أسيد الغفاري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الساعة: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات.. وذكر منها: ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب" (رواه مسلم).

 

قال ابن حجر -رحمه الله-: "وقد وُجد الخسف في مواضع، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وُجد؛ كأن يكون أعظم منه مكاناً أو قدراً" اهـ. فيحدث بقدر الله في آخر الزمان خسوف غير عادية تتغير بها أحوال الناس وتضطرب معايشهم إيذاناً بخراب العالم وقرب الساعة..

 

أما العلامة السابعة فهي: دخان يعم الناس جميعاً؛ قال تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الدخان: 10- 11]، قال القرطبي: والمعنى: انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين واضح يغشى الناس ويعمهم؛ وعند ذلك يقال لهم أو يقول بعضهم لبعض: (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ). اهـ.

 

وهو آية عظيمة لا ينجو منها أحد ولا يفر منها مخلوق، يعذَّب به الكافر، وأما المؤمن فلا يصيبه منه إلا كما تصيب الزكمة الإنسان.. عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن ربكم أنذركم ثلاثاً الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه.. وذكر الحديث" (أخرجه الطبراني).

وقال ابن حجر: "تضافر الأحاديث يدل على أن لذلك أصلاً".

 

عباد الله.. ثم تقع الآية الثامنة العظيمة؛ تطلع الشمس من مغربها؛ فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون؛ فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، لأن باب التوبة قد انغلق..

 

عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوماً: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها.. ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك".. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" (رواه مسلم).

 

يُغلق باب التوبة؛ فلا يُقبل إيمان من لم يكن مؤمناً ولا تقبل توبة العاصي؛ لأنها آية عظيمة يراها كل من كان في ذلك الزمان فتنكشف لهم الحقائق ويشاهدون من الأهوال ما يلوي أعناقهم إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته.. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنقطع الهجرة ما تُقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت؛ طُبع على كل قلب بما فيه، وكفي الناس العمل" (رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني).

 

عباد الله.. وإذا طلعت الشمس من مغربها وأُقفل باب التوبة؛ انقسم الناس إلى فريقين واضحين: المؤمنين والكفار.. ويفسد الناس في ذلك الزمان ويتركون أوامر الله فيُخرج الله دابة من الأرض تعقل وتنطق وتتكلم.. تخرج فتكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون..

يقول الله تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82].

 

قال العلماء في معنى: "وقع القول عليهم"؛ أي: وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان والفسوق الطغيان وإعراضهم عن آيات الله وتركهم تدبرها والنزول على حكمها وانتهائهم في المعاصي إلى ما لا ينجح معه موعظة ولا يصرفهم عن غيهم تذكرة.

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض" (أخرجه مسلم).

 

وأخرج عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول الآيات خروجاً: طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً".

 

وقد اختلفت أقوال العلماء في تحديد نوع هذه الدابة، ولا دليل صحيح على أي من تلك الأقوال، لكنها آية من الآيات ومن خوارق العادات تخالف ما أَلِفه الناس واعتاده البشر.. والذي يجب الإيمان به أن الله تعالى سيخرج للناس في آخر الزمان دابة من الأرض تكلمهم، فيكون تكليمها آية لهم دالة على أنهم مستحقون للوعيد بتكذيبهم آيات الله.

 

تخرج الدابة ثلاث خرجات: مرة تخرج من بعض البوادي ثم تختفي؛ ثم تخرج من بعض القرى ثم تختفي، ثم تظهر في المسجد الحرام، وقد جاء هذا في حديث أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

 

ويكون مع الدابة عند خروجها عصا موسى وخاتم سليمان -عليهما السلام- فتجلو وجه المؤمن بالعصا فيكون علامة على إيمانه، وتخطم أنف الكافر بالخاتم، فيكون علامة على كفره، حتى إن أهل الخوان ليجتمعون على خوانهم فيقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر. ويؤيد هذا أن الآية الكريمة قرئت: "تَكْلَمُهم" من الكلم وهو الجرح.

 

وقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كلاً تفعل.. أي تخاطب الناس وتجرح الكافر منهم.. وقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي أمامة  -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يغمُرون –يعني: يكثرون- فيكم حتى يشتري الرجل البعير، فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: من أحد المخطيين".

 

اللهم ارزقنا الإخلاص وحسن العمل؛ واعصمنا من الفتن الخطأ والزلل..

 

بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

وأما آخر أشراط الساعة؛ وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة فنار عظيمة تخرج من قعر عدن أو من بحر حضرموت –بحر العرب- تسوق الناس إلى أرض المحشر، وقد جاء في حديث حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- المتقدم في ذكر العلامات: "وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم" (رواه مسلم).

 

تنتشر هذه النار في الأرض وتسوق الناس إلى أرض المحشر على ثلاثة أفواج: فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون، وفوج يمشون تارة ويركبون تارة؛ يتعاقب الاثنان والثلاثة والأربعة… إلى العشرة على البعير؛ من قلة الظهر يومئذ، وفوج ثالث تحيط بهم من ورائهم وتسوقهم من كل جانب؛ من تخلف منهم أكلته.. تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتمسي معهم حيث أمسوا.

 

وتكون جهة المحشر إلى أرض الشام؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هاهنا تحشرون، هاهنا تحشرون، هاهنا تحشرون (ثلاثاً) ركبانا ومشاة وعلى وجوهكم".. قال ابن أبي بكير: فأشار بيده إلى الشام فقال: "إلى هاهنا تحشرون"..

 

وآخر من يحشر –كما جاء في الصحيحين- راعيان من مزينة ينعقان بغنمهما؛ يريدان المدينة فيجدانها وحوشاً –أي وحشاً بمعنى خالية، أو كثيرة الوحوش- حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرّا على وجوههما.

 

وهذا الحشر في الدنيا، وهو غير الحشر في الآخرة.. قال النووي: "وهذا الحشر في آخر الدنيا قبيل القيامة وقبيل النفخ في الصور".

 

وقال ابن كثير بعد ذكره للأحاديث الواردة في خروج النار مبينًا أن هذا الحشر في الدنيا: "وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الزمان حيث الأكل والشرب والركوب على الظهر المشترى وغيره، وحيث تُهلك المتخلفين منهم النار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت ولا ظهر يشترى ولا أكل ولا شرب ولا لبس في العرصات".اهـ.

 

أما حشر الآخرة فإنه قد جاء في الأحاديث أن الناس مؤمنهم وكافرهم يحشرون حفاة عراة غرلاً؛ يوم تبدل الأرض غير الأرض.. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً: "كما بدأنا أول خلق نعيده" وإن أول الخلق يكسى إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام-" (أخرجه البخاري).

 

وبخروج النار التي تحشر الناس تنتهي أشراط الساعة وتنقضي الدنيا؛ ثم يكون بعدها قيام الساعة ونفخة الصعق التي يموت بها الخلائق أجمعون.

 

وبعد.. عباد الله.. فإن الواجب على العبد أن يؤمن إيماناً جازماً بتلك الأشراط تصديقاً للآيات والأحاديث الصحيحة التي وردت. فإن المؤمن الصادق كامل الإيمان يؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويصدّقه على ما أراده الله ورسوله وفسّره به السلف الصالح رضي الله عنهم وجاء به كلام العرب..

 

كما أن على المرء أن يستعد للساعة بالتزود من تقوى الله: "فإن خير الزاد التقوى"، وعليه أن يستمسك بحبل الله ويعتصم به؛ وأن يلزم طاعة مولاه حتى تأتيه منيته. وإن قُدّر له أن يدرك شيئاً من تلك الأهوال فهذه أوصافها قد بلغته ووصلت سمعه؛ فليتفطن وليتنبه وليتمسك بما يعصمه؛ فإنه لا عاصم من أمر الله يومئذ إلا من رحم. اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم..

المرفقات
أشراط-الساعة-4.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life