عناصر الخطبة
1/الملك والمالك والمليك من أسماء الله -تعالى- وأدلتها 2/دلالات هذه الأسماء ومعانيها 3/حقيقة ملك الإنسان 4/الآثار الإيمانية لهذه الأسماءاقتباس
فهو المالك لخزائن السموات والأرض, والمالك للموت والحياة, والمالك لكل شيء, وإذا ملكت شيء من أمور الدنيا فاعلم: أنها لله, وأن الله ملكك إياها؛ فالمال والزوجة والأولاد وغيرها من النعم لست أنت مالكا حقيقيا لها؛ وإنما أعطاك الله إياها بشكل مؤقت...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا مباركا فيه, يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
نقف في هذه الخطبة في تأملات في أسماء الله "الملك والمالك والمليك", فمن أسمائه -تعالى- الملك؛ (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)[طه: 114]، ومن أسمائه المالك؛ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة: 4], ومن أسمائه المليك؛ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر: 54، 55].
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فهو -سبحانه- المالك لجميع الأشياء, والمتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة", يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتل، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً, ويقصم جباراً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويرفع أقواماً ويضع آخرين" انتهى كلامه.
فهو المالك لخزائن السموات والأرض, والمالك للموت والحياة, والمالك لكل شيء, وإذا ملكت شيء من أمور الدنيا فاعلم: أنها لله, وأن الله ملكك إياها؛ فالمال والزوجة والأولاد وغيرها من النعم لست أنت مالكا حقيقيا لها؛ وإنما أعطاك الله إياها بشكل مؤقت ليست دائمة, قال الله -تعالى-: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)[النور: 33], فنسب المال إليه الذي أعطاناه, وقال -سبحانه-: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)[الملك: 23].
فكل النعم ملك لله, وهو الذي أعطانا إياها اختيارا وابتلاءً؛ لينظر: هل نشكره عليها أم نكفره؟, فلله الحمد والشكر من قبل ومن بعد, ومن يتكبر ويطغى في نعم الله؛ فإن الله يعاقبه, ففرعون لما طغى وتكبر وقال: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الزخرف: 51], كانت النتيجة: (انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)[الزخرف: 55], وهكذا من ينسب النعم لنفسه, وينسى المالك الحقيقي, كقارون عندما قال: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[القصص: 78], فما هي النتيجة؟؛ (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)[القصص: 81].
فكل المخلوقات ضعيفة لا تملك شيئا لنفسها ولا لغيرها, مهما كانت قوتها وسلطتها كفرعون وغيره من الملوك والسلاطين؛ فالملك وحده لله من قبل ومن بعد.
وإذا علمت أن الملك المطلق لله وحده لا شريك له, فاعلم: أن الطاعة المطلقة له وحده لا شريك له؛ لأن من سواه من ملوك الأرض إنما هم عبيد لله وتحت إمرته -سبحانه-, فلابد من تقديم طاعته على طاعة الملك, ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وإذا علمت أن من أسماء الله الملك؛ فإن ملك الله لا ينقص أبدا, أما ملوك الدنيا فإن تصدقوا بشيء انتقص مالهم وملكهم, وقلَّت خزائنهم, أما الله فلا ينقص, ففي الحديث القدسي يقول -تعالى-: "يا عِبَادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُوني, فَأعْطَيتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ؛ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي, إلاَّ كما يَنْقصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ"(رواه مسلم).
وإذا علمت أن الله هو الملك فاعلم: أن الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضه, وإذا علمت أن الله -سبحانه وتعالى- مالك يوم الدين؛ أي: مالك كل شيء يوم القيامة, فاعلم أن الله أعطى ملوك الأرض ملكا جزئيا في الدنيا لفترة مؤقتة سرعان ما تزول, أما الآخرة فليس لهم أي ملك؛ وإنما الملك الكامل لله وحده, قال -تعالى-: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)[غافر: 16], وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يطْوِي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟, أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ", ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ, أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟"(متفق عليه).
نسأل الله الملك المالك المليك أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم.
يتجلى اسم الله الملك في عدة أمور منها:
أولا: الاعتراف بأن ملك الله مطلق في الدنيا والآخرة, وأن ملك المخلوقين نسبي ومحدود وهو إلى زوال؛ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن: 26، 27], قال إبراهيم بن أدهم لمن أراد معصية الله: "أيليق بك أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه وتأكل من رزقه, وتعلم بدنو أجلك, وتعلم أنك لا تستطيع أن تفر من زبانية جهنم".
ثانيا: من آثار الإيمان باسم الملك أن تتيقن أنه الآمر الناهي في الكون, وأنه المالك الحقيقي, فلا تتعلق النفس إلا به, ولا تلجأ إلا إلى الله, ولا تخاف إلا منه, ولا ترجو إلا هو -سبحانه وتعالى-.
ثالثاً: أن نقول في الصباح: "أصبحنا وأصبح الملك لله", وفي المساء: "أمسينا وأمسى الملك لله", كما يرددها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في أذكار الصباح والمساء.
ونسأل الله أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
التعليقات