عناصر الخطبة
1/المعاصي مزيلة للنعم جالبة للنقم 2/أسباب ما نحن فيه من المصائب 3/كيف نصلح أحوالنا؟ 4/وجوب التراحم بين المسلمين 5/من يسهل عليه الإنفاق والصدقة.اقتباس
إن أردنا أن تنزل الأمطار وتنزل الخيرات والبركات فعلينا أن نزكي أموالنا, ونطهر نفوسنا من الجشع والطمع والبخل, إن أردنا شفاءً لمرضانا فعلينا أن نداويهم بالصدقات, إن أردنا أن يرحمنا الله فعلينا أن نرحم بعضنا البعض كبشر, فالراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء, ومن فرج على مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر المسلمين: لَقَد تفشت الأمراض وتنوعت في هذا الزمان, بل واستعصى بعضها على الأطباء فلم يجدوا لها علاجا؛ كالسرطان وغيره من الأمراض الفتاكة المدمرة, وكذلك عمَّ الجفاف وأصبحت الكثير من الأراضي قاحلة جرداء لا زرع فيها ولا نبات, وقلة نزول الأمطار ومحق البركة، وكذلك عمَّ الغلاء وارتفعت الأسعار في المواد الأساسية ذات الاحتياج الواسع؛ كالخضر والفواكه والدقيق والحليب والدجاج والدواء.
ولعل من أكبر الأسباب التي أدت بنا إلى هذا الحال هي كثرة المعاصي والمجاهرة بها, واستحل الكثير من الناس المحرمات التي حرّمها الله في كتابه الكريم؛ كالزنا والربا والرشوة وعقوق الوالدين وهجر الأقارب, وقطع صلة الرحم, والسرقة والسلب, ونهب الأراضي والعقار بغير وجه حقٍ, وأكل أموال الناس بالباطل, وجرائم القتل وإزهاق الأنفس المعصومة بغير حق, والشح والبخل والحسد, وعدم الرحمة بالفقراء والمحتاجين والأرامل والأيتام, وشرب الخمور والمخدرات وغيرها من الموبقات يقول -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30].
وكذلك من الأسباب التي أدت بنا إلى هذا الحال: امتناع الكثير من الناس عن أداء الواجبات التي أوجبها الله في كتابه الكريم, من توحيد لله -عزَّ وجلّ- وعدم الإشراك به, وصلاة وزكاة وصيام وحج, يقول -سبحانه وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 96 - 99].
عباد الله: المعاصي مزيلة للنعم جالبة للنقم, مؤدية إلى الهلاك والدمار، روى ابن ماجة والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:" يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا, إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا, وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ, وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ, وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا, وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ, إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ, وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ, إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ".
أيُّها المؤمنون: إن أردنا صلاحا لأحوالنا فعلينا أن نبادر بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله -تعالى-, علينا أن نقلع عن كبائر الذنوب الذي اقترفناها ولا زلنا نقترفها إلى اليوم؛ كشرب الخمور والمخدرات, والخيانة الزوجية والاستهزاء بشعائر الإسلام.
إن أردنا صلاح الحال وتغير الأحوال فعلينا أن نجدد العهد مع الله, ونفتح صفحة جديدة مع الله, ونعيد النظر في توحيدنا لله؛ هل نحن موحدون لله حقا؟ هل نعرف الله حقَّ المعرفة في حال الرخاء وكثرة الخيرات والنعم أم لا, أم نعرف الله إلاّ في حال الشدة ونزول الكوارث والزلازل؟ هل نلجأ إلى الله في جميع أحوالنا رخاءً وشدة سراء وضراء؟ يقول -سبحانه وتعالى-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[العنكبوت: 65، 66].
ولنعد النظر في تأدية صلواتنا؛ هل نحن نؤدي الصلاة على الوجه المطلوب شرعا أم نقوم بتسريع تأدية الصلاة فلا نتمُّ ركوعها ولا سجودها؟ هل نحن نؤدي زكاة أموالنا حقيقة على الوجه المطلوب؟ الواقع يقول أن الزكاة التي أوجبها الله على الأغنياء تكاد تكون معدومة على رغم من كثرة الخيرات, وعلى الرغم من وفرة الأموال بصورة لم تكن معروفة في أزمنة سابقة, في سنوات سبقت كان الواحد منهم يتمنى لو يجد كسرة خبز يسد بها جوعته, واليوم الكثير من المسلمين في جميع بقاع الأرض يعيشون في بحبوحة مالية وفي رغد من العيش, وبوسائل الرفاهية والراحة, وبالتحكم عن بعد لم يعرفوها من قبل, فعلى الرغم من هذه النعم التي أنعمها الله على عباده نجد أنَّ أكثر الناس لا يزكون إلاَّ من رحم ربِّي.
وعليه إن أردنا أن تنزل الأمطار وتنزل الخيرات والبركات فعلينا أن نزكي أموالنا, ونطهر نفوسنا من الجشع والطمع والبخل, إن أردنا شفاءً لمرضانا فعلينا أن نداويهم بالصدقات, إن أردنا أن يرحمنا الله فعلينا أن نرحم بعضنا البعض كبشر, فالراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء, ومن فرج على مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يَسَّر على معسر يسر الله عنه يوم القيامة, ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والأخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه.
واعلموا أن العبد إذا حضره الوفاة طلب من الله -عزَّ وجل- أن يعيده مرة أخرى إلى دار الدنيا من أجل أن يتصدق فقط, لا يريد لا حجا ولا عمرة ولا بناء مسجد ولا حفر آبار ولا تفريش مسجد, بل يريد أن يتصدَّق فقط, ولكن هيهات هيهات, فات الأوان فات وقت التصدق, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون: 9 - 11].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مُباركًا فيهِ كَمَا يحِبّ ربّنا ويَرضَى، وأَشهَد أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحبه، وسلّم تسليمًا كثيراً.
وللعلم فقضية إخراج الزكاة الواجبة أو الإنفاق في سبيل الله ليست بالأمر الهين السهل كما يتخيل البعض, بل الزكاة الواجبة والإنفاق في سبيل الله هي توفيق من الله -عزَّ وجلَّ-, فلن ولن يقدر أيُّ غني مسلم في العالم أن ينفق ولو دينارا واحد في سبيل الله, ومن هذا المكان الطاهر أتحدي أيُ غني مسلم في العالم أن يَمُدَ يد المساعدة في سبيل الله لأي شخص كان, مهما كان حجم الأموال التي عنده سواء يملك الملايين أو المليارات أو تريليونات أو يملك ميزانية دولة بأكملها, ومهما كان سِنُّه ولوكان عمره قرن وثلاثون سنة, فلن ولن يستطيع أن يخرج فلسا واحدا في سبيل الله؛ لأنَّ الغني إذا اتسعت ثروته وزاد ماله يتحول من صاحب مال إلى حارس للمال, فالذي يستطيع أن يزكي أو يتصدق في سبيل الله هو من كان منسوب إيمانه عاليا جدا كإيمان الصحابة والتابعين والصالحين من هذه الأمة.
الذي يستطيع أن يزكي ماله أو يتصدق في سبيل الله هو من أيقن حقيقة أن الله هو الذي استخلفه في المال, الذي يستطيع أن يزكي ماله أو يتصدق في سبيل الله هو من أيقن حقيقة أنَّه سيموت حقيقة ويغسل ويكفن ويحمل على الأكتاف, ويدخل القبر ويرمى التراب فوقه, ويترك جميع ثروته وراءه يتنعم بها الورثة من زوجات وأولاد.
الذي يستطيع أن يزكي ماله أو يتصدق في سبيل الله هو من أيقن حقيقة أن هناك دار تسمى بدار الآخرة, وهذه الدار تنقسم إلى قسمين أهل الجنَّة وأهل النَّار, أما إذا كان في سبيل الشهوات والمعاصي فهو على استعداد أن ينفق جميع ما يملك من أموال, ولذا نجد الكثير من بني جلدتنا يسافرون إلى دول الكفر والفساد والانحلال من أجل أن ينفق أمواله في الحرام والشهوات يقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال: 36], نسأل الله العافية والستر.
التعليقات