خالد جاسم الفرطوسي
من المعلوم أن معرفة أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد أو دراستها تنفعنا في توصيف الحالة الإلحادية وتشخيصها بدقة وموضوعية، وعندئذ إجراء العلاج الصحيح، وبدون ذلك فإن الأمر سيكون أكثر صعوبة على الدُعاة والمُبلغين حفظهم الله بحفظه.
وبهذا فإذا فشلنا أو عجزنا عن تشخيص الداء تشخيصاً سليماً، فإننا لن نتمكن من تحديد العلاج بالشكل المطلوب.
كذلك فإن معرفة نقاط ضعفنا المعرفية والمجتمعية – بصفتنا إسلاميّين – وهي التي يتسلّل الإلحاد منها إلى ديارنا الإسلامية تنفعنا في السعي إلى إصلاح هذه العيوب ورتقها، فيهتم الآباء بالحوار مع أبنائهم والإجابة عن أسئلتهم.
يمكن القول إن من أهم أسباب انتشار الإلحاد في المجتمعات الإسلامية هو ما يأتي:
1-التبعية الفكرية للغرب: الموجة الإلحادية التي يمرّ بها الغرب لابد أن تبلغ آثارها مجتمعاتنا الإسلامية، لسبب يؤسف له وهو أن الغالبية في موقع التبعية الفكرية لهم.
2-طروء الأزمات: إذ إن الأزمة إذا طرأت على بعض الأشخاص تؤدي أحياناً إلى اليأس من روح الله.
3-السطحيّة الفكرية: بعض الشباب عندما يشرع في قراءة كتاب ما، أو مقالة أو أي أمر آخر يروّج به لظاهرة الإلحاد، تجده ينبهر بما تعرضُهُ نظراً إلى افتقاده الحاسَّة النقدية، أو لعدم قدرته على التمحيص والنقد لكل ما يعرض أمامه من أطروحات فيكون هذا الأمر باباً للوقوع في الإلحاد.
4-الاضطرابات النفسيّة: هناك فئات معينة من المرضى نفسياً، مثل أصحاب الشذوذ الجنسي يتم استهدافهم في الدعاية للإلحاد، بزعم أن الإلحاد هو المذهب الوحيد الذي يمنحهم حريتهم الجنسية، وبذلك يسلكون مسلك الإلحاد والرغبة في التحلل من الدين وقيود الحلال والحرام والبحث عن إشباع شهوات النفس في المتعة الحرام حتى لا يشعر بتأنيب النفس والهروب من قضية الحساب واليوم الآخر ومراقبة الله.
5-التربية الخاطئة للأجيال: فتربية كثير من أبناء المجتمعات الإسلامية على المناهج العلمانية التي لا تؤمن إلا بالتجربة والحسّ، من المؤكد أنها تضعف قضية الإيمان بالغيب، فيؤدي بالنتيجة إلى الوقوع في الإلحاد.
6-الجمود الدينيّ وضعف المناعة المجتمعيّة: والمقصود بهذا هو انخفاض مستوى التدين في المجتمع بما لا يوفر لأفراده المناعة أو الحصانة تجاه الأفكار المخالفة بما فيها الإلحاد وأطروحاته.
7-طبيعة مجتمعاتنا في الغالب لا تتجاوب مع تساؤلات الشباب وطموحاتهم فيتصور البعض أن الإسلام لا يملك أجوبة عن تلك التساؤلات، وعندئذٍ تتضخم قوة هذه الإشكالات والشبهات ويظن هؤلاء وأمثالهم أن الإسلام دين ضعيف لا يملك أجوبة ولا حلولاً لأسئلته، حتى تصبح في نهاية المطاف السبب في إلحاده.
8-تخلف أكثر الدول الإسلامية: عندما يقارن الشباب المنبهر بالغرب بين تقدم الغربيّين وتحضرهم وترقيهم في مدارج العلوم المختلفة، وبين تخلف بعض بني قومه من المسلمين وتأخرهم، قد تكون هذه المقارنة دافعاً له لفقدان الثقة في قدرة الإسلام على تحقيق التقدم والنهضة وعندئذٍ الكفر به بالكلية. وهذا في الحقيقة ظلم لدين الإسلام، فالغربيّون تقدموا لأنهم اجتهدوا وسعوا في حين تأخرنا نحن لأننا تكاسلنا وعجزنا.
9-عدم التفريق بين الإسلام والمسلمين المنتسبين إليه: فعندما يرى الشخص سلوكيات المسلمين وتصرفاتهم قد يوجد عنده إشكالية نفسية في الازدواجية الشخصية والانفصام بين النظري والواقع.
10-الدور الإعلاميّ: التضخيم الإعلاميّ للقضية والإتيان بملحدين في مناظرات مع باحثين أو شيوخ ضعاف لا يجيدون الرد يؤدي إلى أن يعتنق البعض مذهب الإلحاد.
11-انتشار التيّارات المنحرفة: ومنها الفكر الليبرالي والشبهات المطلقة التي لا تجعل لشيء قداسة، وتُجَرِّئ الشباب على نقد كل شيء حتى القرآن.
12-المتاجرة بالعلم لترويج الإلحاد، حيث يتم الترويج لنظرية التطور مثلاً، كما يتم الترويج للنظريات الحديثة في نشأة الكون، ولاسيّما على يد العالم الفيزيائي (ستيفن هوكينج)، فإذا تعارضت هذه النظريات مع الدين كان هذا دليلاً عند القوم على بطلان الدين، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الإسلام الآن، ألا وهو مواجهة هذه النظريات العلمية وتمحيصها وتمييز الحق من الباطل فيها على وفق منهجية شرعية إسلامية عقلية سليمة، فتوهم أن الدين ضد التقدم العلمي، أو أن التدين يقتضي التخلف الحضاري، يؤكد لدى أولئك أن المسلمين لو كانوا أصحاب الدين الحق كيف باتوا في ذيل الأمم؟! فينبغي أن يُعلم أن المسلمين عندما كانوا متمسكين بدينهم في العهد الأول كانوا سادة العالم علميّاً وسياسيّاً وعسكريّاً، ومن أمثلة ذلك كان الخوارزمي الأبرز في علم الجبر والرياضيات، والحسن بن الهيثم رائد البصريات، وجابر بن حيان، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية، وابن بطوطة الرحَّالة في علم الجغرافيا وغيرهم كثير.
13-دخول العديد من المسلمين على صفحات (الفيس بوك) والصفحات الاجتماعية الأخرى والحوار مع هؤلاء الملحدين مع عدم تسليحهم بالعلم، فيثار عندهم شبهات كثيرة تشككهم في دينهم.
من المؤكد أن هنالك أسباباً أخرى وراء انتشار الإلحاد في البلاد الإسلامية، إلا أننا نكتفي بما ذكرناه، وسيكون لنا كما نشرنا في السابق حلقات أخرى يكون فيها وقفة مع أهم عقائد الملاحدة وبيان فسادها.
التعليقات