أسباب الطلاق الزوجية: جهل الزوج بحق زوجته

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-02-15 - 1444/07/24
عناصر الخطبة
1/أهمية الثقافة الزوجية قبل الزواج 2/صور من حقوق الزوجة على الزوج 3/حرمة تعدي الزوج على حقوق زوجته وإخلاله بها 4/مساوئ تعدي الزوج وإضاعته لحق زوجته 5/وصايا نافعة للزوج الرشيد.

اقتباس

ثِقْ تَمَامًا أَيُّهَا الزَّوْجُ أَنَّكَ إِنْ بَخَسْتَ زَوْجَتَكَ حَقَّهَا مَعَ قُدْرَتِكَ، أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ لَنْ تُوَفِّيَكَ حَقَّكَ، فَتَكُونَ قَدْ حَمَلْتَ وِزْرَ نَفْسِكَ ثُمَّ وِزْرَهَا؛ لِأَنَّكَ مَنْ سَنَنْتَ لَهَا التَّقْصِيرَ، وَدَعَوْتَهَا إِلَيْهِ بِتَقْصِيرِكَ!...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى الرِّجَالِ حِينَ جَعَلَ لَهُمْ زَوْجَاتٍ مِنْ جِلْدَتِهِمْ، يَسْكُنُونَ وَيَطْمَئِنُّونَ إِلَيْهِنَّ، وَجَعَلَهُنَّ لَهُمْ فِرَاشًا وَسِتْرًا، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ وَالشَّفَقَةَ، فَهِيَ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، خَاصَّةً إِنْ كَانَتْ زَوْجَةً صَالِحَةً: فَإِنَّهُ "مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ امْرَأَةً صَالِحَةً، فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دِينِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي الشَّطْرِ الثَّانِي"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

فَالْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجِ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- مَعْرِفَتُهُ لِحُقُوقِ زَوْجَتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَنَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا يَحْتَاجُ مِنْهُ إِلَى أَنْ يُثَقِّفَ نَفْسَهُ بِحُقُوقِ الزَّوْجَةِ وَوَاجِبِهِ نَحْوَهَا؛ فَمَا ضَاعَ حَقٌّ إِلَّا وَأَبْرَزُ أَسْبَابِهِ الْجَهْلُ؛ فَهِيَ أَمَانَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ أَمَامَ اللَّهِ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَلِأَنَّهُ مَسْئُولٌ فَإِنَّهُ مُحَاسَبٌ عَنْ كُلِّ تَقْصِيرٍ: "إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا حُقُوقًا مُتَعَدِّدَةً؛ مِنْهَا الْمَالِيَّةُ وَمِنْهَا غَيْرُ الْمَالِيَّةِ، فَأَمَّا الْمَالِيَّةُ فَأَوَّلُهَا:

الْمَهْرُ؛ لِقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النِّسَاءِ: 4]، أَيْ: فَرِيضَةً.

 

وَمِنْهَا: النَّفَقَةُ، يَقُولُ -تَعَالَى- آمِرًا الْأَزْوَاجَ: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)[الطَّلَاقِ: 7]، وَلَمَّا جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَجَابَهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ.

 

وَلَيْسَتِ النَّفَقَةُ هِيَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَقَطْ، بَلِ الْكِسْوَةُ وَالْمَسْكَنُ أَيْضًا، فَفِي الْحَدِيثِ: "وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)[الطَّلَاقِ: 6] .

 

وَأَمَّا الْحُقُوقُ غَيْرُ الْمَالِيَّةِ: فَمِنْهَا: الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ؛ فِي الْمَبِيتِ وَالنَّفَقَةِ، أَمَّا الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْعَدْلُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُهُ، لِذَا قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)[النِّسَاءِ: 129].

 

وَمِنْهَا: الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ: قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19]، وَهَذَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصِينَا بِهِنَّ قَائِلًا: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْهَا: التَّجَمُّلُ لَهَا: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنِّي لَأَتَزَيَّنُ لِامْرَأَتِي كَمَا تَتَزَيَّنُ لِي"(تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ)، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَنَا وَلَا زَوْجِي"، فَقَالَ لَهَا: "وَمَا لَكِ مِنْ زَوْجِكِ؟" قَالَتْ: "مُرْ بِإِحْضَارِهِ"، فَأُحْضِرَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَذِرُ الثِّيَابِ قَدْ طَالَ شَعْرُ جَسَدِهِ وَأَنْفِهِ وَرَأْسِهِ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَعْرِهِ، وَيُدْخَلَ الْحَمَّامَ، وَيُكْسَى ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِهِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ، وَدَعَا الْمَرْأَةَ فَلَمَّا رَأَتِ الزَّوْجَ قَالَتْ: "الْآنَ"، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: "اتَّقِي اللَّهَ، وَأَطِيعِي زَوْجَكِ"، قَالَتْ: "أَفْعَلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ"، فَلَمَّا وَلَّتْ قَالَ عُمَرُ: "تَصَنَّعُوا لِلنِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ يُحْبِبْنَ مِنْكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْهُنَّ"(الْمَحَاسِنُ وَالْأَضْدَادُ).

 

وَمِنْهَا: إِعْفَافُ الزَّوْجَةِ بِالْجِمَاعِ: وَعَدَمُ تَعْرِيضِهَا لِلْفِتَنِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)[الْبَقَرَةِ: 222].

 

وَمِنْهَا: نُصْحُهَا وَتَعْلِيمُهَا: فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[التَّحْرِيمِ: 6]: "يَعْنِي: مُرُوهُمْ بِالْخَيْرِ، وَانْهَوْهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَعَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ، تَقُوهُمْ بِذَلِكَ"(تَفْسِيرُ الْخَازِنِ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِذَا أَدْرَكْنَا حُقُوقَ زَوْجَاتِنَا عَلَيْنَا، فَلَابُدَّ الْآنَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ انْتِقَاصٍ أَوْ إِخْلَالٍ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ فَأَمَّا النَّفَقَةُ، فَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ انْتِقَاصِهَا قَائِلًا: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: "أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ".

 

وَأَمَّا الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ: فَقَدْ كَانَ التَّحْذِيرُ النَّبَوِيُّ مِنْ تَضْيِيعِهِ أَشَدَّ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَأَمَّا مُعَاشَرَتُهُنَّ بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ، فَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَاعِلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ"، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ أَيَّ إِخْلَالٍ مِنَ الزَّوْجِ بِهَذِهِ الْحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ يَنْتُجُ عَنْهُ مَسَالِبُ وَمَسَاوِئُ خَطِيرَةٌ، مِنْهَا مَا يَأْتِي:

أَوَّلًا: الْإِزْرَاءُ بِمُرُوءَتِهِ: فَقَدْ قَالُوا: "مَا أَكْرَمَهُنَّ إِلَّا كَرِيمٌ، وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ"، وَإِنَّهُ لَا يَظْلِمُ الضَّعِيفَ وَيَسْتَقْوِي عَلَيْهِ ذُو مُرُوءَةٍ أَبَدًا، وَهَذَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

ثَانِيًا: يُوغِرُ صَدْرَ الزَّوْجَةِ: فَتَفْتَقِدُ الِاحْتِرَامَ لِزَوْجِهَا الَّذِي لَا يَتَّقِي رَبَّهُ فِيهَا، وَإِنْ أَطَاعَتْهُ أَطَاعَتْهُ خَوْفًا مِنْ بَطْشِهِ لَا حُبًّا وَلَا تَوْقِيرًا لَهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا أَذَاهُ فَقَدْ تَتَمَنَّى مَوْتَهُ أَوْ ضَرَرَهُ، وَإِنْ طَالَ عَلَيْهَا الْأَمَدُ فَقَدْ تَسْتَعْدِي عَلَيْهِ أَهْلَهَا لِتُطَلَّقَ مِنْهُ!

 

ثَالِثًا: أَنَّ تَقْصِيرَكَ فِي حَقِّهَا يُغْرِيهَا بِالتَّفْرِيطِ فِي حَقِّكَ: ثِقْ تَمَامًا أَيُّهَا الزَّوْجُ أَنَّكَ إِنْ بَخَسْتَ زَوْجَتَكَ حَقَّهَا مَعَ قُدْرَتِكَ، أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ لَنْ تُوَفِّيَكَ حَقَّكَ، فَتَكُونَ قَدْ حَمَلْتَ وِزْرَ نَفْسِكَ ثُمَّ وِزْرَهَا؛ لِأَنَّكَ مَنْ سَنَنْتَ لَهَا التَّقْصِيرَ، وَدَعَوْتَهَا إِلَيْهِ بِتَقْصِيرِكَ!

 

رَابِعًا: وُقُوعُكَ فِي مَعْصِيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَائِلِ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، فَبَدَلًا مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهَا كَمَا أَمَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا بِالْمُقَصِّرِ يُخِلُّ بِحُقُوقِهَا!

 

خَامِسًا: تُسْتَجَابُ فِيكَ دَعَوْتُهَا إِنْ ظَلَمْتَهَا: أَلَيْسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَالْمَيْلُ إِلَى ضَرَّتِهَا ظُلْمٌ، وَتَرْكُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ظُلْمٌ، وَأَكْلُ مَهْرِهَا بِدُونِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا ظُلْمٌ، وَضَرْبُهَا وَسَبُّهَا بِغَيْرِ ذَنْبٍ ظُلْمٌ!

 

فَنَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ "الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَمِنْ خَيْرِ النَّاسِ؛ الَّذِي هُمْ خَيْرُهُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

وَأَخِيرًا: أُقَدِّمُ لَكَ -أَيُّهَا الزَّوْجُ الرَّشِيدُ- هَذِهِ النَّصَائِحَ وَالْوَصَايَا، لَعَلَّ اللَّهَ يَنْفَعُكَ بِهَا:

أَيُّهَا الزَّوْجُ الرَّشِيدُ: أَثْبِتْ رُقِيَّ أَخْلَاقِكَ بِحُسْنِ مُعَامَلَتِكَ لِزَوْجَتِكَ: فَإِنَّ حُسْنَ مُعَامَلَتِكَ إِيَّاهَا هُوَ مِقْيَاسُ سُمُوِّكَ وَرُقُيِّكَ؛ فَرَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الزَّوْجُ الرَّشِيدُ: عَامِلْ زَوْجَتَكَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ تُعَامَلَ بِهِ بَنَاتُكَ وَأَخَوَاتُكَ: فَأَحِبَّ لَهَا مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "وَمَا أَحْبَبْتَ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّاسُ بِكَ فَافْعَلْهُ بِهِمْ، وَمَا كَرِهْتَ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّاسُ بِكَ فَدَعِ النَّاسَ مِنْهُ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الزَّوْجُ الرَّشِيدُ: مُعَامَلَتُكَ لِزَوْجَتِكَ بِالْمَعْرُوفِ هِيَ طَاعَةٌ مِنْكَ لِنَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ الَّذِي أَمَرَ قَائِلًا: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَاثْبُتْ عَلَى طَاعَتِهِ، فَمَنْ أَطَاعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النِّسَاءِ: 69].

 

وَقَدْ آنَ الْأَوَانُ الْآنَ -أَيُّهَا الزَّوْجُ الرَّشِيدُ- أَنْ تَتَصَالَحَ مَعَ رَبِّكَ ثُمَّ مَعَ زَوْجَتِكَ؛ فَإِنْ كُنْتَ ظَلَمْتَهَا فَاسْتَرْضِهَا، وَإِنْ كُنْتَ مِلْتَ إِلَى ضَرَّتِهَا فَاعْدِلْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَسَأْتَ إِلَيْهَا فَأَحْسِنْ، وَعَوِّضْهَا عَمَّا مَضَى، لِتَكُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life