اقتباس
وقد استغنى النصارى بالغزو الفكري عن الغزو المادي لأنه أقوي وأثبت من أي حاجة لهم من بعث الجيوش بإنفاق الأموال مع وجود من يقوم بما يريدون من أبناء الإسلام عن قصد أو عن غير قصد، وبثمن أو بلا ثمن، ولذلك...
إن التسليم لنصوص الكتاب والسنة ركن عظيم من أركان الدين، ولا تثبت قدم المسلم على الإسلام إلا على هذا الركن العظيم، ومن لم يسلم بالنصوص فإنه حقير، عن الدين القويم بعيد؛ دخل رجل على الشافعي -رحمه الله- فسأله عن مسألة، فأفتاه بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الرجل: أتقول بهذا؟! فقال الشافعي مغضبًا: أرأيت في وسطي زنارًا؟! أتراني خرجت من كنيسة؟! أقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقول لي: أتقول بهذا؟! ويحك أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، فلم أقل به، نعم، على الرأس والعين (1).
فلا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام؛ كما قال الإمام الطحاوي، فلا يثبت إسلام لمن لم يسلم لنصوص الوحيين، ولا يثبت إسلام لمن لم ينقاد لنصوص الشريعة، ولا يثبت إسلام لمن اعترض عليها أو عارضها برأيه أو عقله أو قياسه أو رأي غيره من البشر (2).
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحجرات: 15].
وقال جل شأنه: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النور: 47 - 52].
فهو السمع والطاعة بلا تردد ولا جدال ولا انحراف، السمع والطاعة المستمدان من الثقة المطلقة في أن حكم الله ورسوله هو الحكم وما عداه الهوى النابعان من التسليم المطلق لله، واهب الحياة، المتصرف فيها كيف يشاء، ومن الاطمئنان إلى أن ما يريده الله للناس خير مما يريدونه لأنفسهم، فالله الذي خلق أعلم بمن خلق..
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المفلحون لأن الله هو الذي يدبر أمورهم، وينظم علاقاتهم، ويحكم بينهم بعلمه وعدله، فلا بد أن يكونوا خيرًا ممن يدبر أمورهم، وينظم علاقاتهم، ويحكم بينهم بشر مثلهم، قاصرون لم يؤتوا من العلم إلا قليلًا.. والمفلحون لأنهم مستقيمون على منهج واحد، لا عوج فيه ولا التواء، مطمئنون إلى هذا المنهج، ماضون فيه لا يتخبطون، فلا تتوزع طاقاتهم، ولا يمزقهم الهوى كل ممزق، ولا تقودهم الشهوات والأهواء، والنهج الإلهي أمامهم واضح مستقيم (3).
إن مما ابتلينا به في هذه الأزمنة تطاول بعض المفرطين على آيات الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن طاعن فيهما، ومن منكر لهما، ومن مستهزأ بهما، وذلك واضح في بعض صحفنا، ووسائل إعلامنا، وكأنهم لا يعلمون أن فعلهم هذا ناقض للدين، ومخرج عن ملة سيد المرسلين، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الناقض الخامس من نواقض الدين (النواقض العشرة): من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به فقد كفر: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[محمد: 9].
وقال رحمة الله: من استهزأ بشيء من دين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو ثوابه، أو عقابه؛ كفرَ: (قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)[التوبة: 64- 66] (4).
فأي إيمان يرجى ممن أشهر قلمه في الطعن في الدين؟! وأي إيمان يرجى فيمن جعل محاضراته وكلماته وقفًا على ردّ نصوص الشريعة؟! والله -عز وجل- قد حذَّر من خالف أمر نبيه مجرد مخالفة؟!
حذَّره من الفتنة والعذاب الأليم، فما بالكم فيمن استهزأ بدين الله وأنكر نصوص شريعته أو ردَّها؟! فهو والله من العذاب قريب: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63].
قال الإمام أحمد: أتدرون ما الفتنة؟! الفتنة الشرك، لعله إذا أراد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك (5).
وجاء قوم إلى ابن عباس -رضي الله عنه-، فسألوه عن مسألة فأفتاهم بحديث النبي -صلى الله عله وسلم-، فقالوا: أبو بكر وعمر يقولان بغير هذا، فقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال الله ورسوله وتقولون قال: أبو بكر وعمر (6).
وذكر ابن رجب: أن أحد العلماء حدث بحديث: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع"، فقال رجل مستهزئًا بالحديث: قوموا من مجالسكم لا تكسروا أجنحة الملائكة، مستنكرًا بالحديث، وجاء من الغد وقد طرق نعله بمسامير يريد أن يمشي بها في مجلس العلم ليكسر أجنحة الملآئكة كما يزعم، فلم يدخل المجلس حتى جفت رجلاه، ووقعت فيها الآكلة (أي الغرغرينة) (7).
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63].
وذكر أنه كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، لعلمه أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهنًا في جهينة فيتحاكما إليه، ثم تدافعا إلى عمر فذكر أحدهما القصة، فقال عمر للمنافق الذي لم يرض برسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكذلك؟! قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله (8).
هكذا جزاء من استهزأ بدين الله، أو ردَّ نصوص شريعته.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، فإنه ثبت عندهم بالبراهين القطعيات، والآيات البيّنات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم (9).
أسباب الطعن:
1- حرب المسلمين؛ لأن الكفار رأوا أن أهل الإسلام لا يمكن قهرهم بالسنان والحروب العسكرية؛ لأنهم قوم يحبون الموت كما هم يحبون الحياة، وإنما كان هذا الحب للشهادة في نفوس المسلمين، لما في كتاب الله من الثناء والحث على الشهادة في سبيله؛ لذلك توجهوا بالحرب إلى القرآن حتى ينتزعوا القدسية عن القرآن، ويثبتوا أنه ليس من عند الله -تعالى-، بل من عند محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن ثَم يتم إبعاد المسلمين عن مصدر توحيدهم وسر قوتهم.
لقد أدركوا بعد التجارب الطويلة أن الغزو المادي قبل الغزو الفكري والنفسي والخلقي يولد في الشعوب رد فعل عنيف، يحمي أكثريتها من تقبل الغزو بكل أنواعه، لما فيه من العداء السافر، والتسلط بالقهر والغلبة المكروه للنفوس، حتى إذا تحركت كوامن النهضة في الشعوب، وواتتها الفرصة، ردت الغزاة على أعقابهم، وكان عمر الاحتلال في البلاد قصيرًا، في حساب تاريخ الشعوب، مهما عظمت فيها قلاعه، وتكاثرت فيها جيوشه.
والغزو الجديد الفكري والنفسي والخلقي الذي خططوا له يحمل في ثناياه أفدح الأخطاء على كيان الشعوب الإسلامية، ووحدتها وأسس مجدها، ويجعلها طعمة سائغة يزدردها العدو دون أن يجد من ذلك غصَّةً في حلقومه، كما يفقدها كل مقوم من مقوماتها الإنسانية الراقية، التي بها كانت خير أمة أخرجت للناس، ويجعلها كبقرة حلوب، تُعلفُ بمقدار ما تستثمر من لبن أو لحم أو حرث (10).
وقد استغنى النصارى بالغزو الفكري عن الغزو المادي لأنه أقوي وأثبت من أي حاجة لهم من بعث الجيوش بإنفاق الأموال مع وجود من يقوم بما يريدون من أبناء الإسلام عن قصد أو عن غير قصد، وبثمن أو بلا ثمن، ولذلك لا يلجئون إلى محاربة المسلمين علانية بالسلاح والقوة إلا في الحالات النادرة الضرورية التي تستدعى العجل كما حصل في غزو أوغندا والباكستان، أو عند ما تدعو الحاجة إليها لتثبيت المنطلقات لإقامة الركائز وإيجاد المؤسسات التي تقوم بالحرب الفكرية الضروس كما حصل في مصر وسوريا والعراق وغيرها قبل الجلاء (11).
2- فتح باب النزاع والشقاق بين المسلمين على مصراعيه، يقول تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)[البقرة: 176].
إن هدف تفتيت وحدة المسلمين، وتفريق كلمتهم، وتسليط طاقاتهم المختلفة بعضها على بعض، لإضعاف القوة الجماعية التي يتمتعون بها، وتوهين قواهم الأخرى المادية والمعنوية، وتبديدها في الفتن الداخلية، وفي أشكال الصراع التي تثار فيما بينهم، هدف تلتقي عليه الأجنحة الثلاثة لجيش الغزو، ومعها سائر أعداء الإسلام (12).
وبذلك يسهل السيطرة عليهم والتحكم فيهم، وتوجيههم إلى ما يريدونه هم دون وعي أو إدراك حقيقة ما يريده الخصوم.
ولما كان الوحي (القرآن والسنة) هو حائط الصد لتلك الفتنة الماكرة لجأ خصوم الأمة للطعن فيه وتشكيك المسلم في أقدس ما يملك.
3- زرع الفتن بين المسلمين، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)[آل عمران: 7].
فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس (13).
ولهذا قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)؛ أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)؛ أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال: (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ)؛ أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ)[الزخرف: 59]، وبقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[آل عمران: 59]، وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله، وعبد، ورسول من رسل الله (14).
4- هدم الإسلام: فعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟، قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين (15).
وبهذا يتحقق لهم ما يريدون، ويصبح المسلمون صيدًا سهلًا، بل قد يصبح المسلمون في صف الكفار وأتباع ملتهم (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة:120] (16).
وللأسف فقد تحقق لهم الكثير من هذا، فقد عُزل الكتاب عن التحكيم بين الناس، واستبدل بقانون الغرب، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خذوا العطاء ما دام العطاء لله، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم"، قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع؟، قال: "كما صنع أصحاب عيسى بن مريم؛ نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موتُ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله" (17).
أسباب داخلية:
استمر الطعن عبر التاريخ من جميع أعداء الإسلام، حتى وصلت هذه الأكاذيب والافتراءات لعصرنا، وما هي في الحقيقة إلا تكرار لشبهات كفار قريش التي أبطلها القرآن الكريم في آيات بيّنات واضحات، وفنّدها الواقع والتاريخ والعلم، ولكن مَن كان الهوى إمامه، والكذب والدجل سلاحه، فلن يتوقف عن الطعن في القرآن الكريم، وما يزال الطعن هو منهج أعداء الإسلام المعاصرين.
1- الاغراق في المعاصي والذنوب والبعد عن الله -سبحانه وتعالى-، والتساهل في المكروهات، ثم الوقوع في المحرمات، فعند ذلك يفقد صاحبها البصيرة والرعاية الربانية فيقع في النصوص والثوابت.
٢- الجهل بالعلوم الشرعية وحتى من متخصص أكاديمي، فكثير من خريجي الشرعية وطلابها لا يمثل إلا نفسه ولا يستحق الكرسي الذي هو عليه.
وقام بعض الطاعنين من المعاصرين بحيلة جديدة لإبطال النصوص، فأخذوا يبحثون في كتب أهل العلم عن مدخل يلجوا منه إلى إسقاط العمل بكتاب الله وإبطال النصوص، فوجدوا قاعدة من قواعد التفسير للعلماء فيها قولان، فأخذوا القول الضعيف منهما والمخالف لما عليه الجمهور؛ لأنهم ظنوا أنه يخدم أغراضهم، وهذه القاعدة هي: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فأخذوا بالرأي الآخر وهو: أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، وفهموا من هذه القاعدة فهمًا خاطئًا؛ وهو أن كل نص يُخص الحكم بسببه ولا يتعدى فيه الحكم إلى غيره (18).
3- تحكيم العقل في قضايا لا يستطيع العقل إدراكها أو فهمها، وقد جاءت النصوص بالإيمان بها وعدم البحث فيها، فلما حكم العقل وهو قاصر حصل المحظور وردت النصوص، قال الإمام محمد بن شهاب الزهري -رحمه الله-: من الله الرسالة، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البلاغ، وعلينا التسليم (19).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وليس في الكتاب والسنة وإجماع الأمة شيء يخالف العقل الصريح، لأن ما خالف العقل الصريح باطل، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلًا، فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة (20).
٤- الثقة والاعتداد بالنفس، وذلك أنه أستاذ دكتور في الطب أو علم النفس أو الهندسة وغيرها، وعلى ذلك يظن أن له التحدث في الشريعة بما لديه من بحث ونظر في العلوم الأخرى.
٥- البحث عن الشهرة أو زيادتها، وهذا مرض خطير -حب الظهور- من دخله لا يخرج منه إلا إذا هلك؛ لأنه لا يكتفي بما لديه يريد الزيادة، وعليه يرد النصوص الشرعية ويطعن فيها.
٦- الانحراف الفكري بسبب الكتب الالحادية والمفكرين المنحرفين ممن يدعو إلى تحكيم العقل والتسامح؛ وهو يخدم مشروعه الهدام من محاربة الإسلام الصحيح وأهله (21).
---------
(1) مختصر معارج القبول (ص: 435).
(2) شرح الواسطية، تعليق السقاف (ص: 339).
(3) في ظلال القرآن (4/ 2527).
(4) عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة (1/ 86).
(5) كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين (ص: 16).
(6) التوحيد لابن عبد الوهاب (ص: 102).
(7) شرح حديث أبي الدرداء، لابن رجب (ص: 71).
(8) التوحيد لابن عبد الوهاب (ص: 105).
(9) مجموع الفتاوى (13/ 28).
(10) أجنحة المكر الثلاثة (ص: 24).
(11) الغزو الفكري ووسائله (ص: 116).
(12) أجنحة المكر الثلاثة (ص: 313).
(13) تفسير ابن كثير (2/ 6).
(14) تفسير ابن كثير (2/ 8).
(15) أخرجه الدارمي (220).
(16) الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين (ص: 10).
(17) المعجم الكبير، للطبراني (20/ 90).
(18) الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين (ص: 254).
(19) صحيح البخاري (9/ 155).
(20) مجموع الفتاوى (11/ 490).
(21) أسباب الطعن في النصوص الشرعية التي لا يتطرق إليها شك/ صيد الفوائد.
التعليقات