عناصر الخطبة
1/أهمية التربية بالتحفيز 2/أمثلة من التربية بالتحفيز في القرآن الكريم 3/نماذج من التربية بالتحفيز في السنة المطهرة 4/أثر التربية بالتحفيز في توجيه السلوك وبناء القيم 5/رسائل للآباء والمربين.اقتباس
وَالنَّاظِرُ -الْيَوْمَ- فِي عَلَاقَاتِنَا مَعَ أَبْنَائِنَا -مَعَ الْأَسَفِ- يَجِدُ غِيَابَ التَّرْبِيَةِ بِهَذَا الْأُسْلُوبِ النَّافِعِ؛ إِلَّا مَا نَدَرَ؛ بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْأَبْنَاءِ لَا يَسْمَعُونَ مِنْ آبَائِهِمْ إِلَّا الشَّتْمَ وَالتَّوْبِيخَ وَالتَّحْقِيرَ، فَيَمُرُّ الْيَوْمُ وَالْأُسْبُوعُ وَالشَّهْرُ وَالسَّنَةُ، وَمَا وَجَدُوا تَشْجِيعًا بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الثَّنَاءِ وَالتَّشْجِيعِ، وَلِذَا كَانَ أُسْلُوبُ التَّحْفِيزِ مِنْ أَسَالِيبِ التَّرْبِيَةِ الْهَامَّةِ لِتَزْكِيَةِ هَذِهِ النَّفْسِ، وَتَقْوِيمِ اعْوِجَاجِهَا، وَتَوْجِيهِ سُلُوكِهَا، وَرَفْعِ هِمَمِهَا، وَالتَّحْفِيزُ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي بِنَاءِ شَخْصِيَّاتِهِمْ، وَتَهْذِيبِ سُلُوكِهِمْ، وَإِثَارَةِ الدَّافِعِيَّةِ لَدَيْهِمْ؛ لِاكْتِسَابِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَالِابْتِعَادِ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْخَبِيثَةِ.
إِنَّ أَبْنَاءَنَا فِي حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى هَذَا التَّحْفِيزِ الْحِسِّيِّ؛ كَالْهَدِيَّةِ وَالْجَائِزَةِ وَالْمُكَافَأَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِحَاجَةٍ إِلَى التَّحْفِيزِ الْمَعْنَوِيِّ؛ كَالثَّنَاءِ وَالتَّشْجِيعِ.
وَالنَّاظِرُ -الْيَوْمَ- فِي عَلَاقَاتِنَا مَعَ أَبْنَائِنَا -مَعَ الْأَسَفِ- يَجِدُ غِيَابَ التَّرْبِيَةِ بِهَذَا الْأُسْلُوبِ النَّافِعِ؛ إِلَّا مَا نَدَرَ؛ بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْأَبْنَاءِ لَا يَسْمَعُونَ مِنْ آبَائِهِمْ إِلَّا الشَّتْمَ وَالتَّوْبِيخَ وَالتَّحْقِيرَ، فَيَمُرُّ الْيَوْمُ وَالْأُسْبُوعُ وَالشَّهْرُ وَالسَّنَةُ، وَمَا وَجَدُوا تَشْجِيعًا بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، أَوْ تَكْرِيمًا بِالْمُكَافَأَةِ وَالْعَطَاءِ.
عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ حَفَلَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِالْكَثِيرِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَدْعُو لِلتَّحْفِيزِ فِي كَسْبِ فَضِيلَةٍ أَوْ تَرْكِ رَذِيلَةٍ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)[الْبَيِّنَةِ: 7-8].
وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النَّحْلِ: 97]. وَالْأَجْرُ هَا هُنَا يَشْمَلُ مُجْمَلَ الْمَزَايَا الَّتِي يَمْنَحُهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، سَوَاءً أَكَانَتْ مَادِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً.
وَقَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[فُصِّلَتْ: 30]، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ التَّحْفِيزِ وَالتَّشْجِيعِ لِلثَّبَاتِ وَالِاسْتِقَامَةِ.
كَمَا اهْتَمَّ الْقُرْآنُ بِقَضِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعَمَلِ الْمُثْمِرِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الْأَنْعَامِ: 160]، فَهَذِهِ مُكَافَأَةٌ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ إِيجَابِيٍّ، يُكَافَأُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهِ، وَهَذَا تَعْزِيزٌ وَدَعْمٌ مَعْنَوِيٌّ، وَدَافِعٌ مُسْتَمِرٌّ فِي عَمَلِ الصَّالِحَاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ أُسْلُوبَ التَّرْبِيَةِ بِالتَّحْفِيزِ مَنْهَجٌ نَبَوِيٌّ سَارَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ أَصْحَابِهِ، وَجَعَلَ مِنْهُ وَسِيلَةً لِكَسْبِ الْقُلُوبِ، وَتَجْوِيدِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّفَانِي فِي الْأَدَاءِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَالتَّخَلُّقِ بِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَالْبُعْدِ عَنْ سَيِّئِهَا، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟" قَالُوا: وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-"(رَوَاهُ أَحْمَدُ). وَهَذَا تَحْفِيزٌ وَتَشْجِيعٌ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ تَحْفِيزُهُ وَتَشْجِيعُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ يَكْفُلُ يَتِيمًا؛ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى".
وَتَحْفِيزُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِسَنِّ السُّنَنِ الْحَسَنَةِ بِقَوْلِهِ: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا. وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ذَلِكَ مَعَ الْكِبَارِ، فَكَيْفَ بِالصِّغَارِ؟!؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْأَشَجِّ -أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ-: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ".
وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَخْدِمُ أُسْلُوبَ التَّحْفِيزِ لِغَرْسِ الْقَنَاعَاتِ وَتَوْجِيهِ السُّلُوكِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ. فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا. فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ"، وَصَدَقَ اللَّهُ حِينَ قَالَ: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الْجُمُعَةِ: 2]".
عِبَادَ اللَّهِ: وَلِلتَّرْبِيَةِ بِالتَّحْفِيزِ وَالتَّشْجِيعِ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي تَوْجِيهِ سُلُوكِ أَبْنَائِنَا وَغَرْسِ الْقِيَمِ فِي نُفُوسِهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَالشُّعُورِ بِالْأَمْنِ النَّفْسِيِّ وَالِانْتِمَاءِ لِأُسَرِهِمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ.
وَالتَّرْبِيَةُ بِالتَّحْفِيزِ تَزِيدُ فِي الدَّافِعِيَّةِ لَدَى الْأَفْرَادِ، وَيَنْتِجُ عَنْ ذَلِكَ التَّنَافُسُ وَالْمُبَادَرَةُ لِعَمَلِ الْخَيْرِ وَاكْتِسَابِ كُلِّ صِفَةٍ جَمِيلَةٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، لَقَدْ كَانَتْ كَلِمَةً مُبَارَكَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَامَسَتْ قَلْبَهُ؛ فَكَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا.
فَمَا أَحْوَجَنَا -مَعْشَرَ الْآبَاءِ- إِلَى أُسْلُوبِ التَّحْفِيزِ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا وَبِنَاءِ شَخْصِيَّاتِهِمْ وَتَنْمِيَةِ قُدُرَاتِهِمْ؛ حَتَّى يُسَاهِمُوا فِي صِنَاعَةِ مَجْدٍ يَنْعَمُونَ بِهِ، وَتَسْعَدُ مَعَهُ أُسَرُهُمْ وَمُجْتَمَعَاتُهُمْ وَأُمَّتُهُمْ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: إِنَّ تَرْبِيَةَ الْأَبْنَاءِ مَطْلَبٌ مُلِحٌّ وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُلْقَاةٌ عَلَى عَاتِقِ الْجَمِيعِ، وَإِنَّ التَّرْبِيَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِلْأَبْنَاءِ هِيَ التَّرْبِيَةُ الَّتِي تُعْنَى بِهِمْ؛ بَدَنِيًّا وَنَفْسِيًّا وَإِيمَانِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ إِعْدَادُ الِابْنِ لِيَصْنَعَ الْمُسْتَقْبَلَ الْوَاعِدَ بِيَدِهِ لِنَفْسِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ لِمُجْتَمَعِهِ.
فَالْأَبْنَاءُ عِمَادُ الْأُمَّةِ، وَعِزُّهَا الْمَجِيدُ، وَمَجْدُهَا التَّلِيدُ، وَحِصْنُهَا الْحَصِينُ، وَدِرْعُهَا الْمَتِينُ، وَهُمْ سَبَبُ التَّقَدُّمِ وَأَسَاسُهُ، وَهُمْ حُمَاةُ الْأَوْطَانِ، الْمُدَافِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ؛ وَإِذَا كُنَّا نَرْجُو مِنْهُمْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تَرْبِيَتُهُمْ مُتَمَيِّزَةً؛ وَهَذَا الْأَمْرُ يَتَطَلَّبُ اسْتِيعَابَ أَسَالِيبِ التَّرْبِيَةِ، وَإِدْرَاكَ أَهَمِّيَّتِهَا وَأَثَرِهَا فِي تَغْيِيرِ سُلُوكِيَّاتِهِمْ، وَغَرْسِ الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ فِي نُفُوسِهِمْ.
أَيُّهَا الْآبَاءُ: شَجِّعُوا أَبْنَاءَكُمْ وَحَفِّزُوهُمْ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، وَاكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ، ارْفَعُوا مِنْ قَدْرِهِمْ، أَشْعِرُوهُمْ بِأَهَمِّيَّتِهِمْ وَدَوْرِهِمْ فِي الْحَيَاةِ، قُومُوا بِتَقْدِيرِ أَعْمَالِهِمُ الْإِيجَابِيَّةِ وَاشْكُرُوهُمْ عَلَيْهَا، كَافِئُوهُمْ عَلَى الْإِنْجَازَاتِ وَلَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً، سَتَجِدُونَ أَثَرَ ذَلِكَ فِي سُلُوكِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَبْنَاءَنَا وَاجْعَلْهُمْ ذُرِّيَّةً صَالِحَةً، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهِ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات