اقتباس
الداعية كالمجاهد في سبيل الله. وكما أن المجاهد يقاتل أعداء الله، فهذا يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشهوات والشبهات، وإغواء الجيل، وانحطاط الأمة، وإيقاعها في حمأة الرذيلة (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (النساء/27)...
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على إمام الدعاة سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين: أما بعد:
فإن الداعي –في عصرنا الراهن- يطلب منه أن يكون واسع الثقافة، ملما بأصول العلوم الاسلامية:
كما ينبغي أن يكون له معرفة بمختلف العلوم ومجالات المعرفة؛ كي يوظف معرفته في الدعوة الى الاسلام.
وينبغي أن يطور من أسلوبه في الدعوة حتى يجذب الناس إلى بضاعته (كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-). ويحببهم فيها بالحكمة والموعظة الحسنة والرأفة والرحمة.... قال تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [آل عمران: 159].
أولاً: من أساليب الدعوة في القرآن الكريم:
لقد بين القرآن الكريم والسنة النبوية أفضل الاساليب وأنجحها للوصول الى النفس البشرية وهدايتها الى الحق والأيمان ومن ذلك قوله سبحانه: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجدلهم بالتي هي احسن ). فالأساليب التي اشارت اليها هذه الاية هي:
1)الدعوة بالحكمة
2)الموعظة الحسنة
3)الجدل بالتي هي أحسن
4) الحوار الهادئ: فالحوار بالأسلوب الهادئ يؤلف قلوب الاخرين ويؤثر فيهم، ويبعدهم عن العناد والتعصب لرأيهم. ولذلك قال سبحانه: (وقولوا للناس حسنا) كما أوصى الله سبحانه نبيه موسى وأخاه هارون -عليهما السلام- حينما بعثهما الى فرعون باللين والرفق.
فقال سبحانه: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
والدعوة الى الله في أيامنا هذه تحتاج الى دعاة مخلصين صابرين، يتصفون بالأخلاق الحسنة والثقافة الواسعة ويحسنون حوار الاخرين ومخاطبتهم بأحسن الاساليب.
ثانياً: من أساليب الدعوة في السنة المطهرة:
1- أسلوب الإقناع بالمنطق والحجة:
مثال ذلك: تعامله صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي قال له: "أبح لي الزنا يا رسول الله". فلم يعنفه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يوبخه أو يطرده بل قال له بكل هدوء وسكينة: "أتحبه لأمك....أفتحبه لابنتك لأختك....أفتحبه لأختك". رواه أحمد فما كان منه إلا أن انتبه وانصاع للحق.
2-الرحمة بالمتعلم:
مثال ذلك: الأعراب الذي بال في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-: فهم الناس بضربه فقال دعوه... حتى ينتهي...ثم قال له: يا أخا العرب هذه المساجد للذكر وتلاوة القرآن والصلاة ولا يصلح فيها هذا فقال الأعرابي: "اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحدا"....هذه هي الرحمة والرأفة بالمتعلم... تجعله ينقاد بسهوله ويسر.
3- التيسير ومراعاة ظروف الحال:
مثال ذلك: الصحابي الذي جامع زوجته في نهار رمضان، والحديث في البخاري: يقول أبو هريرة -رضي الله عنه: "بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، قال: لا، فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا. قال: لا، قال: فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبينا نحن على ذلك أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيها تمر - والعرق المكتل - قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذها، فتصدق به فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك".
4-العفو والصفح عمن أساء و(مقابلة الإساءة بالإحسان):
مثال ذلك: الصحابي الذي جذب رداء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة، حتى رأيت صفح - أو صفحة - عنق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء. رواه أحمد في مسنده.
ثالثاً: أهم صفات الداعية المؤثر:
هناك صفات كثيرة على الداعي أن يتحلى بها نذكر أهمها:
1 – الإخلاص لله تعالى في الدعوة:
إن الإخلاص في العمل هو أساس النّجاح فيه، قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين). فلا يطلب أجره إلا من الله، قال تعالى: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (الفرقان/57) وقال أيضاً: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) (سبأ/47) فلا يطلب الداعي منصباً، ولا مكاناً، ولا منزلة، ولا شهرةً، بل يريد وجه الواحد الأحد.
2 – تحديد الهدف من الدعوة:
يجب أن يكون هدف الداعية واضحاً أمامه، وهو نشر الدين، وهيمنة الصّلاح، وإنهاء أو تقليص الفساد في العالم (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود/88).
3 – التحلي بصفات المجاهدين:
الداعية كالمجاهد في سبيل الله. وكما أن المجاهد يقاتل أعداء الله، فهذا يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشهوات والشبهات، وإغواء الجيل، وانحطاط الأمة، وإيقاعها في حمأة الرذيلة (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (النساء/27)..
4- الدعوة إلى الله على بصيرة والتزود من العلم:
قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/108).... قال مجاهد: ( البصيرة: أي العلم )، ولابد أن يكون الداعية ذا علم نافع، ليدعو الناس على بصيرة، فيحفظ كتاب الله أو ما تيسّر من كتاب الله – عز وجل – ويُعنى بالأحاديث عناية فائقة فيخرجها، ويبين الصحيح من الضعيف حتى يثق الناس بعلمه.
5– عدم اليأس من رحمة الله:
يجب على الداعية ألاّ يغضب إن طَرح عليه شاب مشكلته، وأنه وقع في معصية، فقد أُتىَ الرسول صلى الله عليه وسلم برجل شرب الخمر وهو من الصحابة أكثر من خمسين مرة !! فلما أتى به ليقام عليه الحدّ، قال بعض الصحابة أخزاه الله، ما أكثر ما يؤتى به ! فغضب عليه الصلاة والسلام وقال للرجل: " لا تقل ذلك لا تعن الشيطان عليه، والذي نفسي بيده، ما علمتُ إلا أنه يحبّ الله ورسوله " أخرجه البخاري.
فما أحسن الحكمة، وما أعظم التوجيه !! فلا تيأس من الناس مهما بدرت منهم المعاصي
6– عدم الهجوم على الأشخاص بأسمائهم:
من مواصفات الداعية ألا يُهاجم الأشخاص بأسمائهم، فلا ينبذهم على المنابر بأسمائهم أمام الناس، بل يفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ".
فيعرف صاحب الخطأ خطأه ولكن لا يُشهر به.
7-عدم الاستدلال بالأحاديث الموضوعة:
فالأحاديث الموضوعة – ولله الحمد – مبيَّنه، ونحذر الدعاة من أن يذكروا للناس حديثاً موضوعاُ، ولو قالوا إنه في مصلحة الدعوة إلى الله، فالمصلحة كل المصلحة فيما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيحاً، لكن يجوز للداعية أن يبين للناس الأحاديث الموضوعة على سبيل التحذير منها فقط.
8-عدم القدح في الهيئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات بأسمائها:
ومما يجب على الداعية ألا يقدح في الهيئات ولا المؤسسات بذكر أسمائها، وكذلك الجمعيات والجماعات وغيرها.. ولكن عليه أن يُبيّن المنهج الحق، ويبين الباطل، فيعرف صاحب الحق أنه محق، ويعرف صاحب الباطل أنه مُخطئ، لأنه إذا تعرض للجمعيات، أو للمؤسسات، أتى الآلاف من هؤلاء فنفروا منه، وما استجابوا له.. وتركوا دعوته، وهذا خطأ.
9- اللين في الخطاب والشفقة في النصح:
على الداعية أن يكون ليَّنا في الخطاب، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- لين الكلام بشوش الوجه، وكان صلى الله عليه وسلم متواضعاً محبباً إلى الكبير والصغير، يقف مع العجوز ويقضي غرضه، ويأخذ الطفل ويحمله، ويذهب إلى المريض ويعوده، ويقف مع الفقير، ويتحمل جفاء الأعرابي، ويرحب بالضيف، وكان إذا صافح شخصاً لا يخلع يده من يده حتى يكون الذي يصافحه هو الذي يخلع، وكان إذا وقف مع شخص لا يعطيه ظهر حتى ينتهي من حديثه، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه -صلى الله عليه وسلم- لا يقابل أحداً بسوء (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (آل عمران/159).
10- حسن التعامل مع الناس وحفظ قدرهم:
لا بدّ أن تقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت، لكن بأدب، سن الشيخوخة، وأنهم سبقوك في الطاعة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يثني على هذا، ويمدح هذا، ويشكر هذا، فإن هذا من أساليب التربية، وليست من التملق في شيء.
11- أن يعلن الدعوة للمصلحة، ويسِرَّ بها للمصلحة:
فالداعية يعلن دعوته حيث يكون الإعلان طيباً كالمحاضرة العامة، والموعظة العامة في قرية أو بلدة أو في مدينة، ولكنه إذا أتى ينصح شخصاً بعينه فعليه أن يُسِر الدعوة، فيأخذه على حدة، ويتلطف له في العبارة، وينصحه بينه وبينه، قال الشافعي – رحمه الله:
تغمدني بنصحك في انفرادِ *** وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي *** فلا تجزع إذا لم تُعط طاعة
12- مخاطبة الناس على قدر عقولهم:
على الداعية أن يكون حاذقاً، يخاطب الناس على قدر عقولهم، فإذا أتى إلى المجتمع القروي تحث بما يهم أهل القرية من مسائلهم التي يعيشونها، وإذا أتى إلى طلبة العلم في الجامعة حدثهم على قدر عقولهم من الثقافة والوعي. وإذا أتى إلى مستوى تعليمي أدنى تنزل إليهم في مسائلهم وتباطأ، فإن لكل مسائل.
13- مراعاة التدرج في الدعوة:
كذلك ينبغي للداعية أن يتدرج في دعوته عليك أن تأخذ مسألة واحدة تعرضها عليهم، وتدرسها معهم كمسألة التوحيد، أو مسألة المحافظة على الصلوات، أو مسألة الحجاب، أما أن تذكر لهم في خطبة واحدة أو في درس واحد مسائل التوحيد، والسحر، والحجاب، والمحافظة على الصلاة، وحق الجار، فإنهم لا يمكن أن يحفظوا شيئاً. والتدرج هو من منهج النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه قال لمعاذ لما أرسله إلى اليمن، يقول له: ( أوّل ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله فرض عليم خمس صلوات في اليوم والليلة ). هكذا يعرض الداعية، لا تأتي إلى ناس لا يصلون وتطالبهم بتربية اللحى !! وتحاول بأساليب مختلفة.. مرة بالموعظة، ومرة بالخطبة، ومرة بالرسالة، ومرة بالندوة، ومرة بالأمسية، حتى تسلك السبل كافة.
اللهم وقفنا لما تحب وترضى وارضى عنا رضاء لا سخط بعده
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
التعليقات