اقتباس

أروع قصص الحب

أروع قصص الحب - شائع محمد الغبيشي

 

الحديث عن العظماء يأخذ بمجامع القلوب وتشرب إليه أعناق أولي النهى تزدان بسيرهم المجالس وتعطر بأخبارهم الأندية ويتوق إلى معرفة سيرهم أصحاب الهمم وعشاق المعالي فما بالكم إخوتي إذا كان الحديث عن إمام العظماء وأشرف الشرفاء وسيد النبلاء ما بالكم إذا كان الحديث عن البدر يسري بضوئه متعة للسامرين ودليلاً للحائرين بل هوالشمس تهدي نورها وجه الأرض فيتلألأ ضياء ونوراً

 

ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء

الروح والملأ الملائك حوله *** للدين والدنيا به بشراء

والوحي يقطر سلسلاً من سلسل *** واللوح والقلم البديع رواء

يوم يتيه على الزمان صباحه *** ومساءه بمحمد وضاء

بك بشر الله السماء فزينت *** وتضوعت مسكاً بك الغبراء

يا من له الأخلاق ما تهوالعلا *** منها وما يتعشق الكبراء

زانتك في الخلق العظيم شمائل *** يغرى بهن ويولع الكرماء

 

 

حديثنا عن الشمس التي أشرقت فعمت بنورها الكون كله ولكن البون بينها وبين شمسنا شاسع جداً فشمسنا تغرب وشمسه -صلى الله عليه وسلم- تبقى منيرة إلى قيام الساعة قال تعالى:  (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً *ودَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وسِرَاجاً مُّنِيراً )الأحزاب46، وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ويَعْفُوعَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُّبِينٌ )المائدة15.

 

قال الإمام الطبري رحمه الله: [{ من الله نور } يعني بالنور محمدا -صلى الله عليه وسلم- الذي أنار الله به الحق وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك فهونور لمن استنار به...] تفسير الطبري ج4صـ501ـ

عن عرباض بن سارية قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: اني عبد الله وخاتم النبيين فذكر فيه إن أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأت حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام ) قال: شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح لغيره قال جابر -رضي الله عنه-: (رأيت رسول الله في ليلة أضحيان ـ أي ليلة مضيئة لا غيم فيها ـ فجعلت أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى القمر وعليه حلة حمراء فإذا هوأحسن عندي من القمر ) رواه الترمذي.

 

وعن أنس بن مالك قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ولما نفضنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا) رواه الترمذي وقال الألباني: صحيح.

حديثنا أيها الكرام عن السراج المنير الذي امتن الله به علينا فأنار القلوب بعد ظلمتها وأحياها بعد مواتها وهداها بعد ضلالتها وأسعدها بعد شِقوتها فكان -صلى الله عليه وسلم- الصباح بعد ليل طويل مظلم بهيم:

بزغ الصباح بنور وجهك بعدما *** غشت البرية ظلمة سوداء

فتفتقت بالنور أركان الدجى *** وسعى على الكون الفسيح ضياء

ومضى السلام على البسيطة صافياً *** تروى به الفيحاء والجرداء

حتى صفت للكون أعظم شرعة *** فاضت بجود سخائها الأنحاء

يا سيد الثقلين يا نبع الهدى *** يا خير من سعدت به الأرجاء

 

حديثنا عن الرحمة المهداة والنعمة المسداة كنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله به قال تعالى (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103)

 

حديثا عن أروع قصص الحب ولكن من المُحب ؟ ومن المحبوب ؟ وما نوع الحب ؟

أما المُحب فالشجر والحجر والجبل والسهل والحيوان والطير, والحديث عن حب البشر له فشيء آخر وحديث آخر ما بالكم بحب أعين اكتحلت بالنظر إلى وجهه الكريم وآذان تلذذت بسماح حديثه ما بالكم بحب من جالسه وعاشره -صلى الله عليه وسلم- لا شك أنه حبٌ لم يُشهد مثله على وجه البسيطة.

أما المحبوب فهو خير من مشى على الأرض وخير من طلعت عليه الشمس بل هو شمس الدنيا وضياؤها بهجتها وسرورها ريقه دواء ونفثه شفاء وعرقه أطيب الطيب أجمل البشر وأبهى من الدرر يأسر القلوب ويجتذب الأفئدة متعة النظر وشفاء البصر إذا تكلم أساخت له لقلوب قبل الأسماع فلا تسل عما يحصل لها من السعادة والإمتاع كم شفى قلباً ملتاعاً وكم هدى من أوشك على الهلاك والضياع.

 

قال ابن الجوزي -رحمه الله-في وصفه: [من تحركت لعظمته السواكن فحن إليه الجذع، وكلمه الذئب، وسبح في كفه الحصى، وتزلزل له الجبل كلٌ كنى عن شوقه بلسانه يا جملة الجمال، يا كل الكمال، أنت واسطة العقد وزينة الدهر تزيد على الأنبياء زيادة الشمس على البدر، والبحر على القطر والسماء على الأرض.  أنت صدرهم وبدرهم وعليك يدور أمرهم، أنت قطب فلكهم، وعين كتبهم وواسطة قلادتهم، ونقش فصهم وبيت قصدهم. 

ليلة المعراج ظنت الملائكة أن الآيات تختص بالسماء فإذا آية الأرض قد علت. 

ليس العجب ارتفاع صعودهم لأنهم ذوو أجنحة، إنما العجب لارتفاع جسم طبعه الهبوط بلا جناح جسداني ... ]. 

 

المحبوب هو محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.  أما نوع الحب فيكفي أنه حب أنطق الحجر وحرك الشجر وأبكى الجذع وأسكب دمع البعير فما بالك بإنسان له جنان يفيض بالحب والحنان ؟

 

فهيا أخي المبارك نتجول في بستان المحبة نختار من قصص الحب أروعها ونقتطف باقة عطرة من ذلك البستان الذي مُلئ بأجمل الأزهار وأعبقها:

القصة الأولى: الجذع يحن: عن جابر بن عبد الله --رضي الله عنه-ما- قال: ( كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده عليها فسكنت ) رواه البخاري.

 

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-ما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها ) رواه البخاري.

 

وزاد في سنن الدارمي بسند صحيح قال: ( أما والذي نفس محمد بيده لولم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزناً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ) فأمر به فدفن.

 

كيف ترقى رقيك الأولياء *** يا سماء ما طاولتها سماء

إنما مثلوا صفاتك للناس *** كما مثّلَ النجومَ الماءُ

حن جذع إليك وهو جماد *** فعجيب أن يجمد الأحياء

كان الحسن -رحمه الله-يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه. 

 

عن عمرو بن سواد عن الشافعي رحمه الله: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى.  قال: أعطي محمداً حنين الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك.

 

يحن الجذع من شوق إليك **** ويذرف دمعه حزناً عليك

ويجهش بالبكاء وبالنحيب **** لفقد حديثكم وكذا يديك

فمالي لا يحن إليك قلبي **** وحلمي أن أقبل مقلتيك

وأن ألقاك في يوم المعاد **** وينعم ناظري من وجنتيك

فداك قرابتي وجميع مالي **** وأبذل مهجتي دوماً فداك

تدوم سعادتي ونعيم روحي **** إذا بذلت حياتي في رضاك

حبيب القلب عذر لا تلمني **** فحبي لا يحق في سماك

ذنوبي أقعدتني عن علو**** وأطمح أن أُقرب من علاك

لعل محبتي تسمو بروحي **** فتجبر ما تصدع من هواك

 

 

القصة الثانية: الحمامة تشتكي:

عبد الله بن مسعود عن أبيه -رضي الله عنه- قال: ( كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر ومررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما قال فجاءت الحمرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي تصيح فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- من فجع هذه بفرخيها قال فقلنا نحن قال فردوهما) رواه أبوداود والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

 

جاءت إليك حمامة مشتاقة *** تشكو إليك بقلب صب واجف

من أخبر الورقاء أن مقامكم ***حرم وأنك منزل للخائف

 

القصة الثالثة: الجمل يبكي:

عن عبد بن جعفر قال: (أردفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجته هدفا أو حايش نخل فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه ناضح له فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حن وذرفت عيناه فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفراه وسراته فسكن فقال من رب هذا الجمل فجاء شاب من الأنصار فقال أنا فقال ألا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكاك إلى وزعم أنك تجيعه وتدئبه ) رواه الإمام أحمد قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

 

عن يعلى بن مرة الثقفي رضي الله تعالى عنه قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه قال فلما رآه البعير جرجر فوضع جرانه فوقف عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أين صاحب هذا البعير) فجاءه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( بعنيه) قال: بل نهبه لك وإنه لأهل بيت مآلهم معيشة غيره قال: (أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه ) قال: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا فنام النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرت له فقال: ( هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله فأذن لها ) قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنخره ثم قال: ( اخرج إني محمد رسول الله ) قال ثم سرنا فلما رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك ).  قال الهيثمي :رواه أحمد بإسنادين والطبراني بنحوه وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وصححه الألباني.

 

القصة الثالثة: الحجر والشجر يسلم من فرط الحب:

عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إني لا أعرف حجر بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد

وعن علي رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله.

 

القصة الرابعة: الطعام والحجر يسبح:

روى علقمة عن عبد الله قال إنكم تعدون الآيات عذابا وإنا كنا نعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بركة لقد كنا نأكل الطعام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نسمع تسبيح الطعام قال وأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بإناء فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حي على الوضوء المبارك والبركة من السماء حتى توضأنا كلنا )رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح

 

عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال :" إني لشاهد عند رسول الله في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده وفينا أبوبكر وعمر وعثمان وعلي فسمع تسبيحهن من في الحلقة ". أخرجه الطبراني في الأوسط مجمع البحرين، والبزار واسناد الطبراني صحيح رجاله ثقات.

 

لئن سبحت صـم لجبال مجيبــه *** لداود أولان الحديد المصفـح

فإن الصخور الصُـــمَّ لانت بكفه *** وإن الحصا في كفـه ليسبِّـح

وإن كان موسى أنبع الماء من العصـا *** فمن كفه قد أصبح الماء يطفـح

 

القصة الخامسة: الحجر والشجر يسجد:

عن ابن عباس قال: جاء رجل من بني عامر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه يداوي ويعالج فقال: يا محمد إنك تقول أشياء هل لك أن أداويك ؟ قال: فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الله ثم قال: ( هل لك أن أريك آية ) ؟ وعنده نخل وشجر فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عذقا منها فأقبل إليه وهو يسجد ويرفع رأسه ويسجد ويرفع رأسه حتى انتهى إليه -صلى الله عليه وسلم- فقام بين يديه ثم قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( ارجع إلى مكانك ) فقال العامري: والله لا أكذبك بشيء تقوله أبدا ثم قال: يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء) رواه ابن حبان وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.

 

وفي قصة رحلته صلى الله إلى الشام التي رواها الترمذي وصححها الألباني قال الراهب: (هذا سيد العالمين بعثه الله رحمة للعالمين.  فقال له أشياخ من قريش ما علمك ؟ فقال: إنكم حيث أشرفتم منم العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي وإني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه ...الحديث

 

أكرم بَخَلق نبي زانه خُلُق *** بالحق مشتملٍ بالبشر مُتّسمِ

كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ *** والبحر في كرم والدهر في هِمَمِ

جاءت لدعوته الأشجار ساجدة *** تمشي إليه على ساقٍ بلا قدمِ

يا ربّ أزكى صلاةٍ منك دائمة *** على النبي بمنهَلًّ ومنسجمِ

ما رنّحت عذبات البان ريح صبا *** وأطربت نغمات الآي من أُمم

 

القصة السادسة: الجبل يهتز فرحاً برسول الله صلى الله. 

عن أنس -رضي الله عنه- قال صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- جبل أحد ومعه أبوبكر وعمر وعثمان -رضي الله عنه-م فرجف بهم الجبل، فقال: ( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) رواه البخاري .

 

لا تلوموا اُحداً لاضطراب *** إذ علاه فالوجد داءُ

أُحد لا يلام فهـو محبٌ *** ولكم أطرب المحب لقاءُ

 

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلع له أحد فقال: ( هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها) رواه البخاري

 

السابعة: الشجر يطيع النبي ويسارع إلى إجابته ويستأذن في السلام عليه:

وعن يعلى بن مرة عن أبيه قال: سافرت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأيت منه شيئاً عجباً، نزلنا منزلاً، فقال انطلق إلى هاتين الشجرتين، فقل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لكما أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فمرت كل واحدة إلى صاحبتها فالتقيا جميعاً، فقضى رسول الله حاجته من ورائها ثم قال: انطلق فقل لهما: لتعد كل واحدة إلى مكانها، فأتيتهما فقلت ذلك لهما، فعادت كل واحدة إلى مكانها، وأتته امرأة، فقالت إن ابني هذا به لمم ـ مس من الجن ـ منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( أدنيه ) فأدنته منه فتفل في فيه، وقال: أخرج عدو الله أنا رسول الله ثم قال لها رسول الله إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع، فلما رجع رسول الله استقبلته ومعها كبشان وأقط وسمن، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ هذا الكبش واتخذ منه ما أردت، قالت والذي أكرمك ما رأينا شيئاً منذ فارقتنا، ثم أتاه بعير، فقام بين يديه، فرأى عيناه تدمعان، فعث إلى أصحابه، فقال: ما البعير كم هذا البعير يشكوكم ؟ فقالوا: كنا نعمل عليه، فلما كبر وذهب عمله تواعدنا عليه لننحره غداً فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( لا تنحروه، واجعلوه في الإبل يكون معها ) صححه الحاكم ووافق الذهبي وصححه الأرناؤوط. 

وعبد الله بن عمر -رضي الله عنه-ما قال كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( أين تريد ) قال إلى أهلي قال :( هل لك في خير ؟ ) قال: ما هو؟ قال ( تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ) قال: من شاهدٌ على ما تقول ؟ قال ( هذه الشجرة ) فدعاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض خداً حتى جاءت بين يديه فاستشهدها ثلاثاً فشهدت أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي فقال إن يبايعوني آتك بهم وإلا رجعت إليك فكنت معك ) رواه الدارمي. 

 

القصة الثامنة: الأسد يودع مولى رسول الله:

عن محمد بن المنكدر: أن سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها لوحا من ألواحها فطرحني اللوح في أجمة فيها الأسد فأقبل إلي يريدني فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطأطأ رأسه وأقبل إلي فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة ووضعني على الطريق وهمهم فظننت أنه يودعني فكان ذلك آخر عهدي به ) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

فتأمل أخي إلى تعظيم هذا المخلوق وتوقيره ومحبته لرسول الله فما إن سمع أسم رسول الله حتى طأطأ رأسه وبدل من أن يهم بمولاه دله على الطريق وودعه. 

 

نماذج من حب البشر:

القصة الأولى: أبوبكر الصديق

عن عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبوبكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) رواه البخاري.

 

القصة الثانية: الصديق يبكي فرحاً:

قالت عائشة -رضي الله عنه-ا: ( فرأيت أبا بكر يبكي وما كنت أحسب أن أحداً يبكي من الفرح ).

 

القصة الثالثة: خشيت ألا أراك

روى الطبراني عن عائشة -رضي الله عنه-ا قالت: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فإذا كرك فما اصبر حتى أتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلم بهذه الآية: ( ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69).

 

القصة الرابعة: أسألك مرافقتك في الجنة:

عن ربية بن كعب -رضي الله عنه-: ( كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه, وحاجته، فقال لي: ( سل ) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة.  قال :(أوغير ذلك )

قلت: هو ذاك قال: ( فأعني على نفسك بكثرة السجود ) رواه مسلم. 

 

القصة الخامسة: كل مصيبة بعد جلل

روى ابن جرير الطبري في التاريخ عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأُحد، فلما نُعوا لها قالت: فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان.  هو بحمد الله كما تحبين قالت: أرنيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل.  تريد صغيرة. 

 

القصة السادسة: لا أرضى أن يشاك بشوكة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة وهوبين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعه بدر فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها.

 

ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي شق كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع

 

فقتله بن الحارث فكان خبيب هوسن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه خبرهم وما أصيبوا وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا ".  أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود

وفي بعض الروايات: فقال له أبو سفيان (أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه وإنك في أهلك ؟ فقال لا والله ما يسرني إني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه).

 

القصة السابعة: الصديق يتمنى سرعة اللحاق

عن عائشة رضي اله عنها قالت: إن أبا بكر -رضي الله عنه- لما حضرته الوفاة قال: ( أي يوم هذا ؟ ) قالوا يوم الاثنين ) قال: ( فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي الغد فإن أحب الأيام والليالي إليّ أقربها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر. 

 

القصة الثامنة: لا يخلص إلى رسول  -صلى الله عليه وسلم- وفيكم عين تطرف

عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- كيف تجدك ؟ قال فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت يا سعد إن رسول الله ( -صلى الله عليه وسلم-) يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرني كيف يجدك ؟ فقال وعلى رسول الله ( -صلى الله عليه وسلم-) السلام قل له يا رسول الله أجد ريح الجنة.  وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول ( -صلى الله عليه وسلم-) وفيكم عين تطرف، وفاضت روحه من وقته ) رواه البخاري، 844، ومسلم 3408.

 

القصة التاسعة: غداً ألقى الأحبة

عندما احتضر بلال -رضي الله عنه- قالت امرأته: واحزناه فقال: (بل واطرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه) فمزج مرارة الموت بحلاوة الشوق إليه -صلى الله عليه وسلم-. 

 

القصة العاشرة: أطيب الطيب

عن أنس -رضي الله عنه-: دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال عندها (أي من القيلولة) فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهومن أطيب الطيب ". رواه مسلم. 

 

القصة الحادية عشر: ابن الزبير يشرب الدم

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد احتجم في طست فأعطاه عبد الله بن الزبير ليريقه فشربه فقال له‏:‏ ‏(‏‏لا تمسك النار إلا تحلة القسم، وويل لك من الناس، وويل للناس منك‏‏)‏‏.‏

 

وفي رواية‏:‏ أنه قال له‏:‏ ‏( ‏يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهريقه حيث لا يراك أحد ‏‏)‏‏ فلما بعُد عمد إلى ذلك الدم فشربه، فلما رجع قال‏:‏ ‏(‏ما صنعت بالدم‏؟ ‏‏)‏ قال‏:‏ إني شربته لأزداد به علماً وإيماناً، وليكون شيء من جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جسدي، وجسدي أولى به من الأرض‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏‏ابشر لا تمسك النار أبداً، وويل لك من الناس وويل للناس منك‏‏‏)‏ رواه الحاكم والطبراني وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير هنيد بن القاسم ووثقه‏.‏

 

القصة الثانية عشر: نحري دون نحرك

كان أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- يحمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد ويرمي بين يديه، ويقول ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك ) رواه البخاري.

 

وعن قيس بن أبي حازم قال: ( رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد ) رواه البخاري.

 

القصة الثالثة عشر: آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك

روى ابن اسحاق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني علي ابن النجار وهو مستنتل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استويا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فاقدني فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه فقال استقد قال فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فاردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخير ] رواه ابن اسحاق وقال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني ورجاله ثقات. 

 

القصة الرابعة عشر: وما كنت أطيق أن أملأ عيني

عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: (... وما كان أحد أحب إلي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ...) رواه مسلم.

 

القصة الخامسة: رضينا برسول الله قسما وحظا

عن أبي سعيد الخدري قال: لما أعطي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال يا رسول الله ان هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال يا رسول الله ما أنا الا امرؤ من قومي وما أنا قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة قال فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار قال فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله وأثنى عليه بالذي هوله أهل ثم قال يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بل الله ورسوله أمن وأفضل قال ألا تجيبونني يا معشر الأنصار قالوا وبماذا نجيبك يا رسول الله ولله ولرسوله المن والفضل قال أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فأغنيناك أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم أفلا ترضون يا معشر الأنصار ان يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رحالكم فو الذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرقنا ) رواه الإمام أحمد وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.

 

فتأمل أخي المبارك إلى فرح الأنصار بفوزهم برسول الله قسماً تأمل إلى بكاء الفرح وهم يقولون بقلوبهم قبل ألسنتهم (رضينا برسول الله قسما وحظا )

 

طفح السور علي حتى أنني *** من كثر ما قد سرني أبكاني

 

القصة السادسة عشر: عشر إليهم يحن قلبي

عن عبدة بنت خالد بن معدان قالت: [ ما كان خالد يأوي إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يسميهم ويقول: هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي طال شوقي إليهم فعجل ربي قبضي إليك حتى يغلبه النوم ].

 

القصة السابعة عشر: البكاء عند ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-:

قال إسحاق التجيبي: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا.

 

وقال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختياني: [ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه:

وقال: وحج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكى حتى أرحمه].

 

وقال مصعب بن عبد الله: [ كان مالك إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه فقيل له يوما في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه ].  الشفا ج2صـ32.

 

القصة الثامنة عشر: أعطني عينيك أقبلها

قال ثابت البناني لأنس بن مالك -رضي الله عنه-: أعطني عينيك التي رأيت بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبلها. 

 

حُق له أن يُحب

لماذا كل هذا الحب ؟ سؤال يطرح ويكرر فإنه حب لم يشهد الكون علويه وسفليه مثله. 

رجل كل شيء في الكون يحبه السماء بمن فيها والأرض بمن عليها كل يحبه ويشتاق إليه فما أعظمه من رجل وما أجله من نبي وأعزه من رسول -صلى الله عليه وسلم- .

 

كأن الثريا علقت في جبينه *** وفي جيده الشِّعرى وفي وجهه القمرُ

عليه جلال المجد لو أن وجهه *** أضاء بليلٍ هلَّل البدو والحضرُ

 

 

لقد نال -صلى الله عليه وسلم- كل هذا الحب وهو قليل في حقه لأنه جمع خصال وصفات لم ولن تجتمع في غيره من بني البشر ولعلي ألمح في السطور القادمة إلى بعض ذلك مع عجزي عن ذكر عُشرِ المعشار من عظيم ما حباه الله إياه من جميل الصفات وكريم الخصال صلوات ربي وسلامه عليه. 

أولاً: عظم بركته وخيره -صلى الله عليه وسلم- على جميع المخلوقات:

فقد كان مولده -صلى الله عليه وسلم- بشارة خير ونور وبكرة وضياء للكون بأسره فقد رأت أمه حين وضعته نوراً أضاءت منه قصور الشام, وجاء -صلى الله عليه وسلم- بالدين الذي إذا أقيم واقعاً في الحياة صبت السماء بركاتها وأخرجت الأرض خيراتها ( ولَو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ واتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ ولَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) الأعراف96.

 

فما أعظم بركاته -عليه الصلاة والسلام- بركات ينعم بها الطير والحيوان والدواب والنبات والإنسان.  فأقل ما تهبه هذه المخلوقات لهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- الحب الصادق فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. 

 

ثانياً: عظيم رحمته -صلى الله عليه وسلم- بجميع المخلوقات:

يقول الله تعالى: (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) الأنبياء107 وقال تعالى: ({فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ولَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ )آل عمران 159.

 

يقول سيد -رحمه الله-"فهي رحمة الله التي نالته ونالتهم ; فجعلته -صلى الله عليه وسلم- رحيما بهم, لينا معهم.  ولوكان فظا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب, ولا تجمعت حوله المشاعر.  فالناس في حاجة إلى كنف رحيم, وإلى رعاية فائقة, وإلى بشاشة سمحة, وإلى ود يسعهم, وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ; ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ; ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء وهكذا كان قلب رسول الله عليه -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كانت حياته مع الناس.  ما غضب لنفسه قط.  ولا ضاق صدره بضعفهم البشري ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة, بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم.  وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه ; نتيجة لما أفاض عليه -صلى الله عليه وسلم- من نفسه الكبيرة الرحيبة"

 

وقد عمت رحمته وشمل إحسانه -صلى الله عليه وسلم- كل شيء الطير والحيوان والنمل والشجر والإنسان ألم يقل -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء.  فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة.  وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح.  وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني -رحمه الله-.

 

ألم يقل -صلى الله عليه وسلم- ( في كل ذات كبد رطب أجر ) رواه مسلم ألم يوصي -صلى الله عليه وسلم- بالبهائم فقال: ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ...) رواه أبوداود

ورأى -صلى الله عليه وسلم- قرية من النمل قد حرقت قال: ( من حرق هذه ؟ ) فقلنا نحن قال: ( إنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا رب النار ) رواه أبوداود وأحمد. 

 

ألم يقل -صلى الله عليه وسلم-: (-صلى الله عليه وسلم-: إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسلة فليغرسها) قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح

ألم يقل: ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه أبوداود وصححه الألباني.

فما أعظم رحمته -صلى الله عليه وسلم- فقد كان أرحم بنا من الآباء والأمهات وصدق من قال:

وإذا رحمت فأنت أم أو أبٌ *** هذان في الدنيا هم الرحماء

وإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** وفعلت ما لم تفعل الأنواء

 

وصدق -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ( إنما أنا رحمة مهداة ) رواه الحاكم وصححه. 

 

ثالثاً :عظيم حرصه على هداية أمته:

وقال تعالى: ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة 128.

 

قال الإمام السعدي -رحمه الله-تعالى :[ هذه المنة التي امتن الله بها على عباده هي اكبر النعم بل اجلها وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة وعصمهم به من التهلكة ] ا.هـ .

 

وروى مسلم عن ابن عمرو: أن رسول الله تلا هذه الآية: ( رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) و( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).

فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله فأتاه جبريل فسأله، فأخبره بما قال: وهو أعلم، فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد فقال: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك).

 

وروى البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي شاملة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً).

 

لقد وصل به الأمر -صلى الله عليه وسلم- إلى أن استولت عليه الحسرة وكاد يقتل نفسه حرصاً على أمته حتى عاتبه ربه فقال تعالى: ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) الكهف6 وقال عز وجل: ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )، وقال سبحانه: ( فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر8.

 

وتأمل في عظيم شفقته بأمته حين يضرب هذا المثل عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها ) رواه البخاري.

 

قال القاضي عياض رحمه الله: [أما إحسانه وأنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم ورحمته لهم وهدايته إياهم وشفقته عليهم واستنفاذهم به من النار وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ورحمة للعالمين ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ويتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم.

 

ثالثاً: عظم تضحيته وشدة الأذى الذي لحقه في سبيل تبليغ الدين:

عن عروة أن عائشة -رضي الله عنه-ا زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثته أنها قالت: للنبي -صلى الله عليه وسلم- هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري.

 

رابعاً: كمال نصحه للأمة.

لقد كان -صلى الله عليه وسلم- صادق النصح لأمته -صلى الله عليه وسلم- أفنى عمره دعوة ونصحاً وبيان وبلاغاً فنصح أعظم النصح وبلغ غاية البلاغ من قال الله له: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنذِرْ }المدثر2 يقول سيد معلقاً على قوله تعالى (قُم) في سورة المزمل :[ إنها دعوة السماء, وصوت الكبير المتعال.

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life