عناصر الخطبة
1/ خير أيام الدنيا 2/ وقفات مع دخول أيام الحج 3/ التوحيد أساس العبادة 4/ من معالم التوحيد في الحج والعمرة 5/ فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة 6/ صور من الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة 7/ الحج بين الإفراط والتفريط 8/ وجوب تعلم مناسك الحجاهداف الخطبة
اقتباس
مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ أَغْدَقَ اللهُ عَلَيْهِ الْمَالَ وَيَسَّرَ لَهُ الْحَالَ، وَمَعَ ذَلِكَ بَلَغَ مَنَ الْعُمْرِ عِتِيَّاً وَإِلَى الآنِ لَمْ يَحُجَّ، وَرُبَّمَا اعْتَذَرَ بِالانْشِغَالِ وَأَنَّهُ فِي جِهَادٍ لِجَمْعِ لُقْمَةِ الْعَيْشِ لِأَوْلَادِهِ.. وَقَدْ يَعْتَذِرُ بَعْضُهُمْ بِقِلَّةِ الْمَادَّةِ، ثُمَّ نَجِدُهُ يُسَافِرُ كُلَّ عَامٍ بِأَوْلادِهِ دَاخِلَ الْبِلَادِ وَخَارِجَهَا لِلنُّزْهَةِ وَالْفُرْجَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ ثَقَّلَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ الْحَجَّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَات لِيَغْفِرَ لَهُمُ الذُّنُوبَ وَيُجْزِلَ لَهُمُ الْهِبَات، أَشْكُرُهُ تَعَالَى وَقَدْ خَصَّ بِالْفَضِيلَةِ أَيَّامَاً مَعْدُودَات، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ وَأَتَّمَ عَلَيْنَا النِّعْمَة، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عَلَّمَ الْأُمَّةَ مَا يَنْفَعُهَا، وَوَجَّهَهَا لِلْعِبَادَةِ وِفْقَ مَا شَرَعَ اللهُ لَهَا، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَآلِهِ الطَّاهِريِنَ وَالصَّحَابَةَ أَجْمَعِين، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَوْسِمٌ عَظِيمٌ وَأَيَّامٌ فَاضِلَةٌ وَعِبَادَاتٌ جَلِيلَةٌ، إِنَّهُ مَوْسِمُ الْحَجِّ وَالْأَيَّامُ الْعَشْرُ الْأُولَى مِنْ ذِي الْحِجَّةِ التِي هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَتَجْتَمِعُ فِيهَا أُمَّهَاتُ الْعِبَادَاتِ وَفَضَائِلُ الطَّاعَاتِ، وَهَذِهِ أَرْبِعُ وَقَفَاتٍ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ:
(الْأُولَى) تَأَمَّلُوا فِي عَظِيمِ أَمْرِ الْحَجِّ لِيَتَبَيَّنَ لَكُمْ بِجَلَاء التَّوْحِيدُ الذِي هُوَ أَسَاسُ الدِّينِ وَقَاعِدَةُ الْمِلَّةِ.
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَصْقَاعِ الْأَرْضِ تَحِنُّ قُلُوبُهُمْ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَإِلَى زِيَارَتِهِ وَالطَّوَافِ بِهِ، إِنَّهَمْ يَبْذُلُونَ الْغَالِي وَالنَّفِيسَ فِي سَبِيلِ الْوُصُولِ إِلَى تِلْكَ الْمَشَاعِرِ الْمُقَدَّسَةِ وَهَذِهِ الْأَمَاكِنِ الطَّاهِرَةِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا تَعَبُّدَاً للهِ رَجَاءَ مَا عِنْدَهُ وَطَمَعَاً فِي ثَوَابِهِ، فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَدَّسَ- هُوَ الذِي أَمَرَ بِحَجِّ هَذَا الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، قَالَ –سُبْحَانَهُ- لِنَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج: 27]، وَهَذَا يَدُلُّ بِجَلاءٍ عَلَى عَظَمَةِ اللهِ، فَهُوَ الذِي إِذَا أَمَرَ أُطِيعَ وَإِذَا تَكَلَّمَ أَسْمَع.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ مَعَالِمِ التَّوْحِيدِ: أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي دُخُولِهِ لِلْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ يُعْلِنُهُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِ، فَيَقُولُ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ"، وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ كُلُّهَا تَوْحِيدٌ وَإِخْلَاص.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ مَعَالِمِ التَّوْحِيدِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ التَّعَبُّدُ للهِ بِالطَّوَافِ حَوْلَ بَيْتِهُ وَباِلسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة، وَبِالذِّهَابِ لِعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنَى، وَبِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ لِشَعْرِ الرَّأْسِ، فَكُلُّ هَذِهِ الأَفْعَالَ يُؤَدِّيَهَا الْمُسْلِمُ وهُوَ يَرْجُو مَا عِنْدَ اللهِ وَيَخَافُ عِقَابَهُ.
وَمِنْ مَعَالِمِ التَّوْحِيدِ فِي الْحَجِّ: تِلْكُمُ الْقَرَابِينَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ التِي تُهْرَاقُ دِمَاؤُهَا للهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا عَمَلٌ جَلِيلٌ يُحِبُّهُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لِأَنَّهُ طَاعَةٌ لَهُ –سُبْحَانَهُ-؛ خِلَافَاً لِمَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ حَيْثُ يَذْبَحُونَ الذَّبَائِحَ تَقَرُّبَاً لِمَعْبُودَاتِهِمْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَطَلَبَاً لِلْقُرْبِ مِنْهَا، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ يَطْلُبُ بِذَبْحِهِ رِضَا اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم) [الحج: 37].
(الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ) مَعَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ: إِنَّهَا أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ عَظَّمَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَمْرَهَا وَخَلَّدَ ذِكْرَهَا وَأَقْسَمَ بِهَا فقَالَ (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْر) [الفجر: 1- 2].
إِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ: فِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ ! وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ فِي فَضْلِهِمَا خَاصَة، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟" (رواهُ مُسْلِمٌ).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ" -وَهُوَ الذِي يَلِيهِ- (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحُهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَلمَـَّا كَانَتْ هَذهِ الْأَيَّامُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فِي الْفَضْلِ وَالْمَنْزِلَةِ، كَانَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا فَاضِلَاٍ مَحْبُوبَاً إِلَى رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى!
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي الْعَشْرَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ الخَاصَّةَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ أَعْظَمُهَا الحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمِنْهَا: التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ، وَالصِّيَامُ لِهَذِهِ الأَيَّامِ وَأَفْضَلُهُا يَوْمُ عَرَفَةَ، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَيْضَاً: الأُضْحِيَةُ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَدَةٌ عَلَى القَادِرِ وَبَعْضُ العُلَمَاءِ أَوْجَبَهَا، فَيُضَحِّي الإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ وِعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَعَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الأَخْذِ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَبَشَرَتِهِ، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا"، وفِي رِوَايِةٍ "فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ" (رواهُمَا مُسْلِمٌ).
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النًّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ (فَالْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ) مَعَ حَجِّ النَّاسِ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ:
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ أَغْدَقَ اللهُ عَلَيْهِ الْمَالَ وَيَسَّرَ لَهُ الْحَالَ، وَمَعَ ذَلِكَ بَلَغَ مَنَ الْعُمْرِ عِتِيَّاً وَإِلَى الآنِ لَمْ يَحُجَّ، وَرُبَّمَا اعْتَذَرَ بِالانْشِغَالِ وَأَنَّهُ فِي جِهَادٍ لِجَمْعِ لُقْمَةِ الْعَيْشِ لِأَوْلَادِهِ.
وَقَدْ يَعْتَذِرُ بَعْضُهُمْ بِقِلَّةِ الْمَادَّةِ، ثُمَّ نَجِدُهُ يُسَافِرُ كُلَّ عَامٍ بِأَوْلادِهِ دَاخِلَ الْبِلَادِ وَخَارِجَهَا لِلنُّزْهَةِ وَالْفُرْجَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ ثَقَّلَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ الْحَجَّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قاَلَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالاً إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جِدَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ مَا هُمْ بُمُسْلِمِينَ". (رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَفِي الْجَانِبِ الآخَرِ هُنَاكَ مَنْ أَفْرَطَ فِي الْحَجِّ وَجَعَلَ تِكْرَارَهُ لَهُ مَحَلَّ تَفاخُرٍ وَتَمَدُّحٍ عِنْدَ الآخَرِينَ، حَتَّى صَارَ يُرَدِّدُ فِي مَجْلِسِهِ أَنَّهُ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ، وَأَنَّهَا لا تَطِيبُ نَفْسُهُ إِلَّا بِالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
ثُمَّ بَعْدَ النِّظَامِ الذِي جَعَلَتْهُ وَزَارَةُ الْحَجِّ لَتَرْتِيبِ أُمُورِ الْحَجَّاجِ وَإِعْطَاءِ الْفُرْصَةِ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرِيضَتَهُ بِيُسْرٍ وَسُهُولَهٍ، تَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ الصِّنْفِ يَتَحَايَلُ عَلَى النِّظَامِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي اللَّعْنَةِ بِسَبَبِ إِعْطَاءِ الرَّشْوَةِ لِاسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحٍ عَنْ طَرِيقِ بَعْضِ الْمُوَظَّفِينَ الذِينَ بَاعُوا ذِمَمَهُمْ، أَوْ رُبَّمَا سَلَكَ هَذَا الشَّخْصُ طُرُقَاً غَيْرَ مَسْلُوكَةٍ لِلْوُصُولِ إِلَى مَكَّةَ، وَكَأَنَّهُ مِنَ الْمُهَرِّبِينَ الْمُجْرِمِينَ، فَلِمَاذَا كُلُّ هَذَا؟!
يَا أَخِي أفْسَحِ الْمَجَالَ لِغَيْرِكَ وَتَعَبَّدْ للهِ فِي بَلَدِكَ بِالصَّوْمِ وَالْقُرْآنِ وَالْأُضْحِيَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ تَحْتَاجُ لِلْإِخْلَاصِ لِتَكُونَ مَقْبُولَةً.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَّا (الْوَقْفَةُ الْأَخِيرَةُ) فِهَيَ مَعَ تَعَلُّمِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ: إِنَّ الْحَجَّ قَدْ فُرِضَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَمَعَ هَذَا أَخَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّهُ إِلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ لِكَيْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ ويَتَعَلَّمُوا مِنْهُ، فَعَنِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَحَرِيٌّ بِنَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ نَتَعَلَّمَ كَيْفِيَةَ الْحَجِّ لِكَيْ يَكُونَ حَجُّنَا مَقْبُولاً وَسَعْيُنَا مَشْكُورَاً، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ حُضُورِ الدُّرُوسِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْمُحَاضَرَاتِ الدَّعَوِيَةِ التِي تُقَامُ مَوْسِمَ الْحَجِّ، أَوْ بِقَرَاءَةِ الْكُتُبِ الْمَوْثُوقَةِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْمَنَاسِكِ، وَمِنْهَا: كِتَابُ التَّحْقِيقِ وَالْإِيضَاحِ لِلشَّيْخِ ابْنِ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَمِنْهَا كِتَابُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلشَّيْخِ الْعُثَيْمِينِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
ثُمَّ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَمْرٌ فَإِنَّنَا نُبَادِرُ بِسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَوْثُوقِينَ، وَلا نَتَهَاوَنُ فِي ذَلِكَ، فَرُبَّمَا بَعْضُ الْأَخْطَاءِ تُبْطِلُ الْحَجَّ كَامِلاً.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ وَأَنْ يُفَقِّهَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَأَنْ يَحْفَظَهُمْ فِي حِلِّهِمْ وَتِرْحَالِهِمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ قُلُوبٍ لَا تَخْشَعُ وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ ! اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ المسْلِمِينَ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهَمْ عَلَى الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات