عناصر الخطبة
1/وجوب الحج والحث عليه 2/من آداب وأخلاق الحج 3/الحث على الإكثار من ذكر الله

اقتباس

ومن أدب الحج: تعظيم حرمات الله وتوقير شعائره, فالحاج يتذكر حرمة الزمان والمكان؛ فالزمان هو الشهر الحرم، والمكان هو البلد الحرام؛ وكفى بذلك رادعا عن الحرام، وزاجراً عن انتهاك حدود الملك العلام؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله الذي فرض على عباده حج بيته الحرام، أحمده -سبحانه- وأشكره على نعمه وخيراته الجسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وزكى وصام وطاف بالبيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عباد الله: في هذه الأيام تتجه قلوب المسلمين وتتحرك أبدانهم إلى بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة؛ حيث أداء ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام، قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].

 

فالحج فريضة على المستطيع، ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة إجماعاً قطعياً، فمن جحدها فقد كفر، ومن تركها تهاونا فهو على خطر، وفيه من المنافع والحكم وإقامة ذكر الله وتوحيده ما لا يخفى على ذي بصيرة؛ (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الحج: 28].

 

والحج له آداب وأخلاق ينبغي أن يتحلى بها الحاج؛ حتى يكون حجه مبروراً وسعيه مشكوراً، وأولها وأولاها: تحقيق التقوى؛ فهي جماع الخير، والحجُّ فرصة عظمى للتزود من التقوى، كما قال -تعالى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].

 

ومن أدب الحج: أن يكون لوجه الله خالصًا, قال -تعالى-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البقرة: 196], فلا رياء ولا سُمْعة، روى ابن ماجة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: حَجَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على رَحْلٍ رَثٍّ، وقَطِيفة تُساوي أربعة دراهم، أو لا تُساوي، ثم قال: "اللهمَّ حَجَّة لا رِياءَ فيها، ولا سُمْعَة".

 

ومن أدب الحج: أن يكون موافقًا للهدي النبوي؛ استجابة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ"، فيتربى المسلم على التزام السنة والاهتداء بها في جميع شؤونه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].

 

أدب الحج الاتباع, فلا غلو ولا ابتداع, قَبَلَ عمر -رضي الله عنه- الحجر الأسود وقال: "إنِّي أعلُم أنَّك حَجَرٌ ما تَنفعُ ولا تَضُرُّ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُقبِّلُك ما قَبَّلتُكَ"(متفق عليه), فهو يقبل اتباعًا للسنة، لا رجاء للنفع، أو خوف الضر؛ فالعبادة لله وحده, لا يجوز صرفها لغيره من دعاء واستغاثة وذبح ونذر، ولا تعلق بغير الله من الخلق مهما كانوا، أو التبرك بالقبور أو الآثار المكانية والصلاة فيها، وهل وقع الشرك في بني آدم إلا بسبب الغلو في الصالحين، قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

 

ومن أدب الحج: تعظيم حرمات الله وتوقير شعائره, فالحاج يتذكر حرمة الزمان والمكان؛ فالزمان هو الشهر الحرم، والمكان هو البلد الحرام؛ وكفى بذلك رادعا عن الحرام، وزاجراً عن انتهاك حدود الملك العلام؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].

 

معاشر الإخوة في الله: إن الله -تعالى- حرّم ‫مكة منذ خلق السموات والأرض، قال -تعالى- (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا)[النمل: 91] ، وقال -سبحانه-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)[البقرة: 125], وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن مكة حَرَّمَهَا الله -تعالى-، ولم يُحَرِّمْهَا الناس، فلا يحل لِامْرِئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرة"(متفق عليه).

 

والحرم لا يقطع شوكه ولا شجره ولا يُنفِّر صيده, ولا يَلتقط لقطته إلا بقصد التعريف، وقد توعد الله -سبحانه- من همّ بعمل سوء في الحرم؛ (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج: 25]؛ فلا يجوز شرعًا لأي حاج أن يضر نفسه أو يسعى لإيصال الضرر إلى الآخرين، من استغلال المناسك في إحداث الفوضى، أو رفع الشعارات السياسية والحزبية والنعرات القومية والتعصبات المذهبية؛ فكل هذه الأمور مخالفة لمقاصد شعيرة الحج وغايتها الأساسية، التي أمرنا الله فيها بالخضوع والتذلل له -جل جلاله-.

 

ومن أدب الحج: ضرورة الالتزام بالضوابط والإجراءات التي وضعتها سلطات الحج للتيسير على ضيوف الرحمن, وتسهيل أداء المناسك في أمن وسلامة، وعلى رأسها الالتزام بإجراءات التفويج, والوسائل المرتبطة بذلك تحقيقًا لمصالح الحجاج؛ فطاعة ولي الأمر هي طاعة لله ولرسوله كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أطَاعَنِي فقَدْ أطَاعَ اللَّهَ، ومَن عَصَانِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطَاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصَانِي"(رواه البخاري).

 

ومن آدب الحج: التحلي بالأخلاق والقيم الفاضلة قال -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)[البقرة: 197].

 

الحج ترويضٌ للنفس على الصبر والحلم, وإعراض عن الجاهل, وتحمل المشقة في سبيل مرضاة الله، وضبط الجوارح وكفها عن الحرام, وبعد عن الفسوق والعصيان، صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من حج ولم يرفث ولم يفسق؛ عاد من حجه كيوم ولدته أمه".

 

ومن أدب الحج: سعى المسلم في مصالح إخوانه من حجاج بيت الله الحرام, بمواساتهم والإحسان إليهم بوجه طليق وكلام لين، وإعانتهم بقدر المستطاع، كأن يرشد ضالهم، ويعلم جاهلهم، ونحو ذلك.

 

ومن أدب الحج: الأخذُ بأسباب الوقاية والسلامة، وأخذ التطعيمات واللقاحات اللازمة، وتوقي حر الشمس؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ضربت له خيمه بنمرة, فنزل بها وهو محرم، فالاستظلال من الشمس وتوقيها لا حرج فيه، ولا يدخل في نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تغطية الرأس للمحرم؛ لأنه يقصد بذلك التغطية.

 

ومن أدب الحج: لزوم السكينة، والتأني والخشوع عند أداء العبادات؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يَومَ عَرَفَةَ، لما سَمِعَ ورَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وضَرْبًا وصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فأشَارَ بسَوْطِهِ إليهِم، وقال: "أيُّها النَّاسُ! علَيْكُم بالسَّكِينَةِ؛ فإنَّ البِرَّ ليسَ بالإِيضَاعِ"(رواه البخاري)؛ فالحاج منهي عن الإسراع لما يفضي إليه من التزاحم والتدافع وأذية المسلمين, ومن ذلك إيذائهم بالتدخين أو نحو ذلك.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى, وسلام على عباده الذين اصطفى.

 

وبعد: فاتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن من نعم الله الواجب شكرها تيسيرُ الحج، وجعله آمناً مستقراً، وتيسير أداء المناسك؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58], وواجب المسلمين استثمار وقتهم في هذه الأيام المعلومة والمعدودة في الإكثار من العمل الصالح والذكر والدعاء؛ فهي أيام طاعة وغفران ورحمة، فينبغي أن لا تضيع سدى.

 

اللهم سلم الحجاج والمعتمرين، وردهم لديارهم سالمين غانمين، وأدم لبلاد الحرمين الشريفين أمنها واستقرارها، واحفظها من كل سوء ومكروه إنه قريب سميع مجيب الدعاء.

المرفقات
ycQY3PZuMT6TPnNJwqeQL2HDiGwgqgS8IYc2fddN.pdf
ejrUhul3WluEmeioz3yN0611S1gwev10SXUSLs9C.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life