عناصر الخطبة
1/وجوب محاسبة النفس وعدم تخصيصه بآخر العام 2/قصة التاريخ الهجري وبدايته 3/حكم التهنئة بالعام الهجري والاحتفال به 4/الحث على التوبة والتزود بالأعمال الصالحة

اقتباس

وخير دليل على أنه لا يخص بداية العام الهجري بشيء من ذلك أن الصحابة -رضي الله عنهم- ما كانوا يخصونه بشيء، إنما كانوا يستعملونه لأجل معرفة بداية السنة التي تتعلق بها معاملاتهم وأحكامهم لا غير...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله الذي جعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، وتركنا على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته، وساروا على نهجه، وجاهدوا في الله حق جهاده، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

أيُّها الناس: وصيتي لنفسي وإياكم هي تقوى الله -تعالى- في السر والعلن، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واعلموا أنكم غدا بين يدي موقوفون وعلى أعمالكم مجزيون؛ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7، 8].

 

عباد الله: يجب علينا أن نحاسب أنفسنا في كل وقت وحين؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18]، فالواجب على المسلم أن يحاسب نفسه في جميع الأوقات والساعات والشهور والأيام، ولا يختص ذلك بوقت معين ولا بشهر معيّن؛ لأننا نلاحظ بعض الناس وخصوصاً في هذا الزمان يعلقون محاسبتهم لأنفسهم على آخر شهر ذي الحجة وبداية المحرم، ويقولون: هذا نهاية سنة وذاك بداية سنة، فيحاسبون أنفسهم فيهما وينسون باقي الشهر والأيام.

 

وهذا لا أصل له في الإسلام، التخصيص في هذا الوقت لا بالتذكير بالتوبة ومحاسبة النفس بمناسبة نهاية السنة الهجرية، ولا بالتهاني والتبريكات بمناسبة العام الجديد عبر الرسائل في الواتساب والتغريدات في مواقع التواصل ولا غيرها، كل هذا لا أصل له؛ لأن الواجب على المسلم أن يحاسب نفسه في كل الأوقات، لا في وقت معين إلا بدليل، وليس هناك دليل على تحديد هذا الوقت للمحاسبة، بل هو من البدع المحدثة، لأن هذا يجعل آخر العام عيداً تتبادل فيه التهاني، وليس هناك عيد إلا عيد الفطر وعيد الأضحى لهذه الأمة.

 

أما أن الصحابة -رضي الله عنهم- جعلوا بداية شهر محرم بداية السنة الهجرية فهذا شيءٌ اصطلاحي، هذا شيء اصطلحوا عليه للحاجة، ولم يكن بداية السنة بالمحرم موجود لا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وإنما حدث في عهد عمر -رضي الله عنه-؛ لأنه في خلافته كانت تأتيه كتابات من عماله غير مؤرخه، فلا يدري متى كتبت؟ فلذلك جمع الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- واستشارهم في هذا الأمر، فقد كان للنصارى تاريخ وهو التاريخ الميلادي يبدؤون السنة من يوم مولد المسيح بزعمهم، ويسمونه السنة الميلادية، وكان الفرس لهم تاريخ، وكان الروم لهم تاريخ.

 

ولم يرض الصحابة -رضي الله عنهم- أن يأخذوا شيئا من هذه التواريخ، قال الشيخ الفوزان -حفظه الله-: "لأن هذا فيه تشبه بالكفار وقد نهينا عن التشبه بالكفار، فاستشار الصحابة في هذا الأمر فاتفق رأيهم على أن يؤرخوا بالهجرة، وهي هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة؛ لأنها الحدث العظيم الذي أعز الله به الإسلام، وتكونت للمسلمين دولة في المدينة من المهاجرين والأنصار، فهذه الهجرة حدث عظيم في الإسلام، فلذلك رأوا أن يبدؤوا تاريخ السنة من هذه الهجرة العظيمة، ولكنهم بدؤوها من محرم، وأما بداية قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة لم يكن في محرم بل كانت في ربيع الأول، فاحفظوا هذا التأريخ يا شباب المسلمين، هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت في ربيع الأول وليست في محرم، ولكن اتفق الصحابة جمهورهم وجمهور المسلمين على أن يبدؤوها من المحرم الذي في سنة الهجرة النبوية للمدينة؛ لأنه من الأشهر الحرم، وقد مدحه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شهر رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ"؛ فبدؤوا الهجرة أو التاريخ من دخول المحرم، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم.

 

استمر المسلمون على هذا يؤرخون بالتاريخ الهجري ولم يحدثوا عند ذلك لا تهاني ولا محاسبة للنفس ولا أي شيء من ذلك؛ لأنهم إنما يريدون بداية التاريخ السنوي ليعرفوا مواقيت معاملاتهم وعقودهم وغير ذلك، هذا هو الغرض، وليس الغرض أن يجعل بداية السنة الهجرية عيدا يهنأ به، أو تحدث فيه المحاسبات للنفوس بنهايته أو ما أشبه ذلك، فعلينا أن نعرف هذا الأمر ونجليه للناس.

 

وخير دليل على أنه لا يخص بداية العام الهجري بشيء من ذلك أن الصحابة -رضي الله عنهم- ما كانوا يخصونه بشيء، إنما كانوا يستعملونه لأجل معرفة بداية السنة التي تتعلق بها معاملاتهم وأحكامهم لا غير، فهذا أمر يجب أن يتنبه له، فإن النصارى كانوا يجعلون بداية السنة الميلادية عيدا لهم يسمونه عيد المولد، ويتبادلون التهاني فيه وصناعة الأطعمة وغير ذلك، ونحن منهيون عن التشبه بالنصارى في سائر أعمالهم قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ".

 

والمسلم يجب عليه دائما أن يحاسب نفسه في ليله ونهاره وساعاته وأوقاته، فينظر في أعماله ما كان منها صالحا يتزود منه ويستمر عليه، وما كان منها سيئا يتوب إلى الله -عز وجل- منه، والله يقبل التوبة عن عباده، هكذا يكون عمل المسلم دائما وأبدا مع نفسه يحاسبها وينظر في أعماله، فيجدد التوبة عن التقصير والخلل، ويستمر على الطاعة إلى أن ينتهي أجله، هذا شأن كل مسلم.

 

أما أن يذهب إلى تعظيم الأيام والمناسبات ويتبادل التهاني مع غيره وغير ذلك فهذا ليس من دين الإسلام، إلا ما كان من العيدين الشريفين عيد الفطر وعيد الأضحى، فإنهما اليومان العظيمان في الإسلام، ويجب على المسلمين أن يستقلوا في دينهم ويستغنوا بدينهم عن جميع الأديان، سواءً كانت أديان سماوية لأنها نسخت بالإسلام، أو كانت أديان أرضية ابتدعها الناس لأنفسهم، فدين الإسلام جاء حاسما لكل ما سبقه.

 

 فعلى المسلمين أن يعتزوا بهذا الدين لعظيم، وأن يتمسكوا به، وأن لا يدخلوا عليه شيئاً من المحدثات قال -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ".

 

فعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذا ولا يتساهلوا في دخول البدع والمحدثات، وإن كانت في أول أمرها صغيرة فإنها تكبر وتعظم وتتطور وتنسخ السنن النبوية، ولا ينظر إلى أعمال الناس واستحسانات الناس والتقاليد للأمم الأخرى، فإن هذا ضياع للدين، ضياع للإسلام، وأتباع لغير الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]، سواءً استبدل الإسلام كله بغيره، أو استبدل بعضه بغيره، فلا يتساهل في هذا الأمر.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو التواب الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:

 

أيُّها الناس، اتقوا الله -تعالى-، واعمروا دنياكم بالعمل الصالح، واستغلوا أيام أعماركم في طاعة الله -عز وجل-، فليس لك من هذه الدنيا إلا ما كتبه الله لك من العمر طويلا كان أو قصيراً، فعليك أن تشغله بطاعة الله -عز وجل- والنظر في أعمالك، تذكر ما قدمت فتحدث لكل ذنب توبة، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وهذا في كل وقت وحين، في الليل والنهار، في آخر شهر محرم في آخر شهر ذي الحجة، وفي شهر محرم وغير ذلك من الأوقات، انظر دائما في عملك، وحاسب نفسك، واتقِ الله في جميع أمورك، واحزم أمرك، فإنك على وشك الرحيل إلى الآخرة في كل لحظة، وفي كل يوم، وفي كل سنة.

 

فعلينا أن نتقي الله -جل وعلا- دائما وأبدا، ولا نحدد أياما لم يحددها الله ولا رسوله للتوبة وللمحاسبة وغير ذلك.

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبدالله؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life