أحكام المعاملات بين الناس وتحريم الغش

خالد بن عبدالله الشايع

2023-03-05 - 1444/08/13
عناصر الخطبة
1/تنظيم الشريعة لتداول المال 2/من صور الغش في البيع 3/نصائح وإرشادات في البيع والشراء 4/فضل التجاوز عن المعسر 5/من آداب البيع والشراء

اقتباس

ينبغي للتاجر أن يتصف بصفات التاجر المبارك، والتي منها: النية الحسنة في بداية التجارة، وأن يقصد في تجارته القيام بأمرٍ ينفع المسلمين، وأن يؤدي كلّ واجباته الدينية كصلاة الجماعة وغيرها، ولا يعطي كل وقته للتجارة، وأن يداوم على ذكر الله...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: لقد وهب الله الناس المال، وجعله عصبا للحياة، لا يستطيع أحد أن يعيش بدونه، وجعل المال مباحا للجميع، وليس حكرا على أحد، كما قال -سبحانه- عن المال: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ)[الحشر: 7]، بل أمر بالزكاة فيخرجها الغني وتدفع إلى الفقير، وحث على الصدقات على المحاويج، وجعل فيها أجرا عظيما.

 

أيها المؤمنون: إن من وسائل تداول المال بين الناس، التجارة بالبيع والشراء، وقد جعل الشرع لهذا التداول شروطا وضوابط وآدابا، لابد من التقيد بها؛ حتى تستقيم الأمور، ويؤجر الناس ولا يأثمون، وتنتشر منافع البيع بلا ضرر بين الناس، ولعلنا في هذه الخطبة نمر على شيء من ذلك.

 

فمن أهم آداب البيع والشراء: عدم الغش، بل إن الشرع عدَّ الغش من الكبائر، حيث وصف فاعله بأنه ليس من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ على صُبْرَةِ طعام، فأدخلَ يَدَهُ فيها، فنالتْ أصابعُه بللا، فقال: "ما هذا يا صاحبَ الطّعام؟!"، قال: أصابته السّماءُ يا رسول الله، قال: "أفلا جعلتَهُ فوق الطّعام كي يراه النّاس؟ من غشّ فليس منّي".

 

وقد توعّد الله -تعالى- من يغش الناس في بيعه وشرائه بأشد الوعيد، فقال -سبحانه-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 1 - 6]، فماذا يقول الغشاش حين يبعث في يوم عظيم ويقف بين يدي رب العالمين؟.

 

ومن الناس من يغش في البيع والشراء بزيادته في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد التغرير بالمشترين والحاضرين للسلعة، تقربا إلى البائع أو إضرارا بالمشتري.

 

كما يجب على الجميع تجنب البيوع الفاسدة، والمحرمة وما فيها من ربا، مثل شركات تمارا وتابي التي انتشرت هذه الأيام، فإن عقودهم تشتمل على ربا، حيث يأخذون زيادة على المبلغ عند التأخير وهذا هو ربا الجاهلية.

 

ومن التجَّار من تجده يحلف الأيمان المغلَّظة في تجارته، وهو يعلم أنه كاذب!، ومنهم من يَغشُّ في سلعته بخلطها بما يُفسد فائدتها!، ومنهم من يغشُّ في تواريخ الإنتاج وتواريخ الصلاحية!، ومنهم من يضع السلع الفاسدة بقاع الصندوق ثم يضع من فوقها السِّلع الصالحة المميزة في شكلِها وجمالها!، ومنهم من يصنع العسل من السكر ويحلف على أنه عسل نحل!، وغير ذلك كثير من أشكال الغش وألوانه.

 

كما ينبغي للبائع اجتناب كثرة الحلف عند البيع، وعليه بالصدقة كل يوم ليطهر بيعه مما يشوبه مما لم يقصد الوقوع فيه، أخرج البخاري ومسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الحلف مَنْفَقَة للسلعة، مَمْحَقة للبركة"، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إياكم وكثرة الحلف في البيع؛ فإنه يُنفِّق ثم يَمْحَقُ".

 

كما ينبغي للبائع والمشتري إذا وعد وعدا، أن يفي بالوعود، فقد أمر الله بذلك فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة: 1].

 

كما ينبغي للبائع القناعة والرضا بالمكسب ولو كان قليلا، ولا يكن جشعا يربح الأضعاف المضاعفة على إخوانه المسلمين، وقد كره أحد الربح الكثير في البيع، وبعضهم حده بالثلث.

 

أيها المؤمنون: إن التجارة في الأصل هي لكسب المال والانفاق على النفس والأهل، وعدم الحاجة للناس، وليست للتكثر والمباهاة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا"، يعني: ما يكفيهم بلا زيادة ولا ادخار.

 

اللهم ارزقنا القناعة، واجعل ما رزقتنا عونا لنا على طاعتك، أقولُ ما تَسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: لا زال أناس يبيعون ويشترون، ولا زال كثير من الناس يتخذون التجارة طريقا إلى الجنة؛ بحسن أخلاقهم، ومعاملتهم، وتخفيفهم على الناس، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه".

 

وبهذا نعلم أن للتجارة آدابا ينبغي  التخلق بها؛ كالسماحة في البيع والشراء، فقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة لمن فعل ذلك، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله رجلاً؛ سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى".

 

كما ينبغي للتاجر أن يتصف بصفات التاجر المبارك، والتي منها: النية الحسنة في بداية التجارة، وأن يقصد في تجارته القيام بأمرٍ ينفع المسلمين، وأن يؤدي كلّ واجباته الدينية كصلاة الجماعة وغيرها، ولا يعطي كل وقته للتجارة، وأن يداوم على ذكر الله -تعالى- عند دخول السوق ومدّة إقامته فيه، وألّا يكون السوق شغله الشاغل فيكون هو أول الداخلين وآخر الخارجين منه، وأن يبتعد عن مواطن الشبهات التي يحتمل حرمة التعامل بها، وأن يغض من بصره إذا كان السوق يرتاده النساء، ويحذر من الخلوة بالنساء داخل المتجر.

 

معاشر المسلمين: الناس بلا نظام لا تستقيم أمورهم، كما قال الشاعر:

 

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا

 

وقد وضعت الدول أنظمة تحمي البائع والمشتري، ونفعها عام للمجتمع، فيجب التقيد بها، وأن لا ينظر المسلم لمصلحته الخاصة، فيقدمها على المصلحة العامة، فلا للاحتكار وقت الحاجة، ولا لرفع الأسعار والجشع بلا مبرر، ولا للتستر على المخالفين، بل يجب أن نكون يدا واحدة، وأن نكون بالمرصاد للعابثين بالأسواق، وأن يحرص البائع على البركة لا على الكثرة، والبركة مع الصدق والنية الطيبة.

 

اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life