أحاديث ومسائل في يوم عاشوراء

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: عاشوراء
عناصر الخطبة
1/ مشروعيّة صوم يوم عاشوراء 2/ عبر وعظات من هلاك فرعون 3/ وجوب إخلاص العمل لله على وفق سنّة رسول الله 4/ أكمل الصيام وأفضله في عاشوراء 5/ حكم إقامة المآتم وإظهار النّياحة يوم عاشوراء.
اهداف الخطبة

اقتباس

إِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ سُنَّةٌ، وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ تَعْظِيمُهُ أَوْ تَخْصِيصُهُ بِشَيْءٍ غَيرِ الصِّيَامِ، كَمَنْ يَجْعَلُهُ يَوْمَ فَرَحٍ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُشْرِكِينَ وابْتَدَعَ فِي دِينِ اللهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.. وَكَذَلِكَ فَلا يَجُوزُ جَعْلُهُ يَوْمَ حُزْنٍ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْبِدَعِ الذِينَ يَنُوحُونَ فِيهِ وَيَلْطِمُونَ وَجَوهَهَمْ وَيَضْرِبُونَ رُؤُوسَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَأَجْسَادَهُمْ بِالسَّلاسِلِ، حُزْناً - بِزَعْمِهِم – عَلَى مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا-!.. فإِنَّ إِقَامَةَ الْمَآتِمِ وَإِظْهِارَ النِّيَاحَةِ وَلَطْمَ الْخُدُودِ وَشَقَّ الْجُيُوبِ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيِّةِ، بَلْ مِمَّا تَبَرَّأَ رَسُولُ اللِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَاعِلِهَا !

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، الْمَلائِكَةُ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ لَهُ قَانِتُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيْرُ الْبَشَرِيَّةِ وَأَزْكَاهَا وَأَبَرُّهَا وَأَتْقَاهَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً لا يَتَنَاهَى.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَيُصَرِّفُ الأُمُورَ، وَيُقَدِّرُ الْأَقْدَارَ، وَيَبْتَلِي عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ لِيُظْهِرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْفُجَّارِ، فَيُجَازِي الْمُؤْمِنِينَ بِفَضْلِهِ وَيُعَاقِبَ الْكُفَّارَ بِعَدْلِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْمَشِيئَةُ النَّافِذَةُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَشْرُوعِيَّةُ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّم، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".

 

وَفِيهِمَا أَيْضَاً عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".

 

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضَاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟"، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

 

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أن رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ خَمْسَةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاء، وَفِي ذَلِكَ عِدَّةُ مَسَائِلَ:

 

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: هَذَا الْيَوْمُ نَجَّى اللهُ فِيهِ رَسَولَهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ حِينَ أَرَادُوا بِهِمْ سُوءَاً، وَطَارَدُوهُمْ حَتَّى أَدْرَكُوهُمْ عَلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، فَشَقَّ اللهُ الْبَحْرَ لِمُوسَى وَقَوْمَهُ وَأَنْجَاهُمْ، فَلَّمَا دَخَلَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ الْبَحْرَ لِيُطَارِدُوهُمْ أَمَرَ اللهُ الْبَحْرَ فَأَطْبَقَ عَلَيْهِمْ وَأَهْلَكَهُمْ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

 

وَفِي هَذَا عِبْرَةٌ لَنَا أَنَّ النَّاصِرَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ اللهُ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَأَنْ جُنْدَ الْبَاطِلِ مَهْمَا كَثُرُوا فَمَصِيرُهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ، لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لا تَكُونُ بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَلَكِنْ لا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى نَكُونَ مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِنَا حَقَّاً، قَالَ اللهُ –تَعَالَى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[آل عمران: 126].

 

فَمَا أَحْوَجَنَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ خُصُوصَاً فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنْ نَعِيَ ضَرُورَةَ رُجُوعِنَا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِيَحْفَظَنَا مِنْ أَعْدَائِنَا وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا.

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- صَامَ هَذَا الْيَوْمَ شُكْرَاً للهِ، وَفِي هَذَا تَذْكِيرٌ بِالنِّعَمِ وَشُكْرِهَا، وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ قَالَ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد)[إبراهيم: 7].

 

فَعَلَيْنَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ عُمُومَاً وَأَهْلَ هَذِهِ الْبِلَادِ خُصُوصَاً أَنْ نَعْرِفَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللهِ، وَأَنْ نَشْكُرَهَا لِتَدُومَ، وَذَلِكَ بِالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِ وَاتِّبَاعِ شَرْعِهِ وَالْحَذَرِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، فَهَكَذَا يَكُونُ الشّكْرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ: 13].

 

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ كَانَ مُعَظَّمَاً عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ وَكَانُوا يَصُومُونَهُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لا يَنْفَعُهُمْ، وَنَسْتَفِيدُ مِنْ هَذَا أَنَّ الدِّينَ الْمَطْلُوبَ هُوَ التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ الْعَمَلِ مَعَ التَّخْلِيطِ فِي الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَمَا سَمِعْنَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، أَنَّ قُرَيْشاً كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَنَّ دِينَنَا هُوَ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ عَلَى وَفْقِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَصُومُونَ هَذَا الْيَوْمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَبَعْدَهَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَيْسَ مَأْمُورَاً بِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ أُمِرَ بِهِ أَمْرَ وُجُوبٍ وَفَرْضٍ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهُ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَبَقْيَ صِيَامُهُ نَافِلَةً مُسْتَحَبَّةً.

 

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ صِيَامَ هَذَا الْيَوْمِ فَاضِلٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَسُبْحَانَ اللهِ! يَوْمٌ وَاحِدٌ إِذَا صُمْتَهُ كَفَّرَ اللهُ عَنْكَ ذُنُوبَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ، فَهْلْ يَحْسُنُ بِالْمُسْلِمِ الذِي يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ أَنْ يُفَرِّطَ فِي صِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ !

 

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَاً قَبْلَهُ لِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ تَمَكَّنَ وَعَاشَ، حَيْثُ قَالَ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

ثَانِيَاً: لِمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ، وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ مَطْلُوبَةٌ فِي شَرْعِنَا.

فَإِنْ قِيلَ: فِلَمَاذَا أَخَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخَالَفَتَهُمْ مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَ صِيَامِ عَاشُورَاءَ كَانَ مُنْذُ السَّنَةِ الْأُولَى؟

 

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ لا يُحِبُّ مُخَالَفَةَ الْيَهُودِ بَلْ كَانَ يَحُبُّ أَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ، وَلَكِنَّهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَمَّا رَأَى تَمَرُّدَهُمْ وَمُعَانَدَتَهُمْ خَالَفَهُمْ.

 

أَسْأَلُ اللهُ أَنْ كَمَا كَفَى نَبِيَّهُ وَأَصْحَابَهُ شَرَّهُمْ أَنْ يَكْفِيَنَا فِي هَذَا الْعَصْرِ كَيْدَهُمْ وَشَرَّهُمْ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

 

الخطبة الثانية

 

الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيْرِ هَادٍ وَأَعْظَمِ مُرَبٍّ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اقْتَدَى !

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ سُنَّةٌ، وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ تَعْظِيمُهُ أَوْ تَخْصِيصُهُ بِشَيْءٍ غَيرِ الصِّيَامِ، كَمَنْ يَجْعَلُهُ يَوْمَ فَرَحٍ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُشْرِكِينَ وابْتَدَعَ فِي دِينِ اللهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ !

 

فَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فَصُومُوهُ أَنْتُمْ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَكَذَلِكَ فَلا يَجُوزُ جَعْلُهُ يَوْمَ حُزْنٍ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْبِدَعِ الذِينَ يَنُوحُونَ فِيهِ وَيَلْطِمُونَ وَجَوهَهَمْ وَيَضْرِبُونَ رُؤُوسَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَأَجْسَادَهُمْ بِالسَّلاسِلِ، حُزْناً - بِزَعْمِهِم – عَلَى مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا-!

 

إِنَّ إِقَامَةَ الْمَآتِمِ وَإِظْهِارَ النِّيَاحَةِ وَلَطْمَ الْخُدُودِ وَشَقَّ الْجُيُوبِ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيِّةِ، بَلْ مِمَّا تَبَرَّأَ رَسُولُ اللِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَاعِلِهَا !

 

فَعَنَ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

نَسْأَلُ اللهَ السَّلامَةَ وَالعَافِيةَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَالِك ِالْهَالِكَةِ وَالطُّرُقِ الضَّالَّةِ. اللَّهُمَّ إناَّ نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.

 

اللَّهُمَّ اغْسِلْ قُلُوبَنَا بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّ قُلُوبَنَا مِن الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِن الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَطَايَانَا كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

 

 

 

المرفقات
أحاديث ومسائل في يوم عاشوراء.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life