عناصر الخطبة
1/مجلس مبارك من مجالس العلم 2/حاجة الأمة إلى مجالس العلم والإيمان والتعليم 3/أهل العلم هم أكثر الناس خشية لله 4/أهمية تعلم أحكام الطهارة والصلاة وسائر فروض الدين 5/تيسر سُبل وطرق التعليم 6/الحث على تعليم أحكام الدين للأسرة والآخرين.اقتباس
نحن بحاجة شديدة إلى أن نتعلم شرائع الدين، حتى نعبد الله على بصيرة ويقين وعلم ومعرفة. الحاجة إلى العلم الشرعي فوق كل حاجة، فلا غنى للعبد المسلم عن تعلُّم أمور دينه.. بالعلم يَعرف العبدُ ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله وأوامره ونواهيه وشرائعه، والحلال والحرام والآداب..
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، أحمَدُه -سبحانه وتعالى-، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهد بذلك لنفسه وأشهد ملائكته وأولي العلم بذلك؛ قال -تعالى-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آل عمران: 18].
والصلاة والسلام على مَن بعثه ربّه هاديًا ومبشرًا ومعلمًا ونذيرًا؛ (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 151]؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد -عباد الله-: لنستمع إلى هذا المجلس المبارك؛ مجلس من مجالس العلم، نعم العلم بأمور الدين، ما أحوجنا إلى مجالس العلم والإيمان مجالس العلم والتعليم.
عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ؛ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"، قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"، قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ".
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"؛ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ"، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟" قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ".
قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"، كم نحن بحاجة ماسة إلى أن نتعلم أمور ديننا، فالعبد لا يُعذَر بالجهل في أصول الدين والعقائد والأحكام، والذي جاء في الحديث سأل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وعن أمارات الساعة.
أيها المسلمون: نحن بحاجة شديدة إلى أن نتعلم شرائع الدين، حتى نعبد الله على بصيرة ويقين وعلم ومعرفة.
الحاجة إلى العلم الشرعي فوق كل حاجة، فلا غنى للعبد المسلم عن تعلُّم أمور دينه. قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب"؛ فهو بحاجة إلى العلم بعدد أنفاسه.
بالعلم يَعرف العبدُ ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله وأوامره ونواهيه وشرائعه، والحلال والحرام والآداب والأخلاق، فيعبد الله على بصيرة.
وبذلك يخرج العبد من الظلمات إلى النور؛ (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام: 122].
إننا بحاجة أن نتعلم، العقيدة الصحيحة؛ توحيد الله، وإخلاص العبادة لله.
إننا بحاجة أن نتعلم الشرائع والفرائض والواجبات والسنن والآداب والأخلاق والمعاملات، وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أهل العلم هم أكثر الناس خشية لله -تعالى-؛ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر: 28].
وإذا أراد الله بعبده خيرا فقَّهه في الدين، وعلى العكس من ذلك؛ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى؛ (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة: 282].
أيها المسلمون: هكذا يصف لنا حمران مولى عثمان -رضي الله عنه-، وهو يرى عثمان -رضي الله عنه- يمارس الوضوء عمليًّا؛ فينقل لنا صفة الوضوء، فلنتعلم ولنُعلِّم منهم تحت أيدينا ذلك.
عَنْ حُمْرَان، مَوْلَى عُثْمَان بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّان دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
أيها المسلمون: قد نجهل صفة الصلاة أو بعضًا من أحكامها؛ فيجب علينا أن نتعلم كيفية الصلاة الصحيحة، وفي زمننا هذا -ولله الحمد والمنّة- تيسرت سُبل وطرق التعليم، فما علينا إلا أن نُقبل على تعلُّم أمور ديننا ونُعلّمها لأهلنا في بيوتنا وفي مساجدنا ودور التعليم.
هذا رجل صلى في المسجد والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرقب صلاته فلاحظ عليه عدم إتقانه للصلاة؛ فعلَّمه كيف يُصلِّي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَدَّ، وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا".
أيها المسلمون: احرصوا أن تتعلموا أمور دينكم بجانب أمور دنياكم، وأن تُعلِّموا أهليكم وكل من هو تحت رعايتكم.
هذا، وصلّوا وسلّموا -عباد الله- على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات