اقتباس
قال أبو بكر الخلال: أبو داود الإمام المقدم في زمانه, رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم, وبصره بمواضعه أحد في زمانه, رجل ورع مقدم, وسمع أحمد بن حنبل منه حديثا ً واحدا, كان أبو داود يذاكره, وكان إبراهيم الأصبهاني, وأبو بكر بن صدقه, يرفعون من قدره, ويذكرونه بما لا يذكرون أحدا ً في زمانه مثله.
اسمه ومولده وصفته:
اسمه: سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر, كذا قال عبد الرحمن بن أبي حاتم. وقال الخطيب: ابن عمرو بن عمران, وقيل إن جده عمران ممن قتل مع علي – رضي الله عنه – بصفين.
مولده: قال الذهبي: ولد سنة اثنين ومائتين, ورحل وجمع وصنف وبرع في هذا الشأن.
وقال أبو عبيد الآجري: سمعته يقول: ولدت سنة اثنين, وصليت على عفان سنة عشرين, ودخلت البصرة, وهو يقولون: أمس مات عثمان ابن الهيثم المؤذن, فسمعت من أبي عمر الضرير مجلسا ً واحدا ً.
صفته: عن إبراهيم بن علقمة, قال: كان عبد الله بن مسعود شبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -, في هديه, ولده, وكان علقمة يشبه بعبدالله, وقال جرير بن عبد الحميد: كان إبراهيم يشبه بعلقمة, وكان منصور يشبه بإبراهيم, وقال غير جرير: كان سفيان يشبه بمنصور, وقال عمر بن أحمد, وقال أبو علي القوهستاني: كان وكيع يشبه بسفيان, وكان أحمد بن حنبل يشبه بوكيع, وكان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل.
وعن محمد بن بكر بن عبد الرازق – في كتابه -, قال: كان لأبي داود السجستاني كم واسع, وكم ضيق, فقيل له: يرحمك الله, ما هذا ؟ قال: الواسع للكتب, والآخر لا يحتاج إليه.
ثناء العلماء عليه:
قال أبو بكر الخلال: أبو داود الإمام المقدم في زمانه, رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم, وبصره بمواضعه أحد في زمانه, رجل ورع مقدم, وسمع أحمد بن حنبل منه حديثا ً واحدا, كان أبو داود يذاكره, وكان إبراهيم الأصبهاني, وأبو بكر بن صدقه, يرفعون من قدره, ويذكرونه بما لا يذكرون أحدا ً في زمانه مثله.
وقال أحمد بن محمد بن ياسين الهروي: كان أحد حفاظ الإسلام, لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وعلله, وسنده, في أعلى درجة النسك, والعفاف, والصلاة, والورع, من فرسان الحديث.
وقال علان بن عبد الصمد: سمعت أبا داود, وكان من فرسان الحديث, وقال الحافظ؛ أبو عبدالله بن منده: الذين خرجوا, وميزوا الثابت من المعلول, والخطأ من الصواب أربعة: البخاري, ومسلم, ثم أبو داود, والنسائي.
وقال أبو حاتم بن حبان : أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونسكأ، وورعاً، واتقاناً، جمع وصنف، وذب عن السنن.
وقال الحاكم: لأبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة.
وقال القاضي, أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي: سمعت أبا محمد, أحمد بن محمد بن الليث, قاضي بلدنا, يقول: جاء سهل بن عبدالله التستري, إلى أبي داود, فقيل: يا أبا داود هذا سهل جاءك زائرا ً, فرحب به, فقال له سهل: أخرج إلي لسانك, الذي تحدث به أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حتى أقبله, فأخرج إليه لسانه فقبله.
وقال الذهبي: كان أبو داود مع إمامته في الحديث, وفنونه من كبار الفقهاء, فكتابه يدل على ذلك, وهم من نجباء أصحاب الإمام الأحمد, لازم مجلسه مدة, وسأله عن دقائق المسائل في الفروع والأصول.
وكان على مذهب السلف؛ فى اتباع السنة, والتسليم لها, وترك الخوض في مضايق الكلام.
وقال أبو عبدالله الحاكم: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره, بلا مدافعة, سمع بمصر, والحجاز, والشام, والعراقيين, وخرسان, وقد كتب بخرسان قبل خروجه إلى العراق في بلده, وهراة, وكتب ببغلان عن قتيبة, وبالري عن إبراهيم ابن موسى, إلا أنه أعلى إسناده القعبي, ومسلم بن إبراهيم, وسمع جماعة, قال: وكان قد كتب قديما بنيسابور, ثم رحل بابنه أبي بكر إلى خراسان.
وقال موسى بن هارون: ما رأيت أفضل من أبي داود.
فضائل سنن بن أبي داود:
قال الخطيب: وكان أبو داود قد سكن البصرة, وقدم بغداد غير مرة, وروى كتابه ( المصنف في السنن ) بها, ونقله عنه أهلها, ويقال إنه صنفه قديما, وعرضه على أحمد بن حنبل, فاستجاده واستحسنه.
وروى الخطيب بسنده عن أبي بكر بن داسة قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث, انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب – يعني كتاب السنن -؛ جمعت فيه أربعة ىلاف وثمانمائة حديث؛ ذكرت الصحيح, وما يشبه, ويقاربه, ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: " الأعمال بالنيات ", والثاني قوله: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ", والثالث قوله: " لا يكون المؤمن مؤمنا؛ حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه ", والرابع قوله: " الحلال بين, والحرام بين, وبين ذلك أمور متشابهات ".
وقال أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاتي, وإبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود كتاب (السنة), ألين لأبي داود الحديث؛ كما ألين -لداود عليه السلام- الحديد.
وقال الحاكم: سمعت الزبير بن عبدالله بن موسى, سمعت محمد بن مخلد, يقول: كان أبي داود يفي بمذاكرة مائة ألف حديث, ولما صنف كتاب السنن, وقرأه على الناس, صار كتابه لأصحاب الحديث؛ كالمصحف يتبعونه, ولا يخالفونه, وأقر له أهل زمانه بالحفظ, والتقدم فيه.
حتى أن ملوك الموحدين في الأندلس علي ما كان فيهم من الدخل في العقيدة إلا أنهم قد جعلوا سنن أبي داود بمثابة القرآن الذي لا يسع أحد أن يخالفه من شدة اعتنائهم بهذه السنن.
شرط أبي داود في السنن:
قال ابن داسة: سمعت أبا داود يقول: ذكرت في السنن الصحيح, وما يقاربه؛ فإن كان فيه وهن شديد بينته.
قال الذهبي: فقد وفى بذلك بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد, ووهنه غير محتمل, وكاسر. عن ما ضعفه خفيف محتمل؛ فلا يلزم من سكوته – والحالة هذه – عن الحديث ,أن يكون حسنا ً عنده, ولا سيما إذا حكما على حد الحسن, باصطلاحنا المولد الحادث؛ الذي هو في عرف السلف, يعود إلى قسم من أقسام الصحيح, الذي يجب العمل به, عند جمهور العلماء, أو الذي يرغب عنه, أبو عبدالله البخاري, ويمشيه مسلم, وبالعكس؛ فهو داخل في أدى مراتب الصحة, فإنه لو انحط عن ذلك؛ لخرج عن الاحتجاج, ولبقى متجاذبا ً بين الضعف, والحسن؛ فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان, وذلك نحو من شطر الكتاب, ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين, ورغب عنه الآخر, ثم يليه ما رغبا عنه, وكان إسناده جيدا ً, وسلم من علة الشذوذ, ثم يليه ما كان إسناده صالحا ً, وقبله العلماء؛ لمجيئة من وجهين لبنين فصاعدا ً, يعضد كل إسناد منهما الآخر, ثم يليه ما ضعف إسناده, لنقص حفظ راوية؛ فمثل هذا يمشيه أبو داود, ويسكت عنه غالبا ً, ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة روايه, فهذا لا يسكت عنه, بل يوهنه غالبا ً, وقد يسكت عنه بحسب شهرته, ونكارته, والله أعلم.
وقال الحافظ ابن حجر: إن قول أبي داود: فإن كان فيه وهن شديد ببينته. يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد, أنه لا يبينه, ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عنه أبو داود, لا يكون من قبيل الحسن إذا اعتضد؛ وهذان القسمان كثير في كتابه جدا ً, ومنه ما هو ضعيف, لكن من رواية من لم يجمع على تركه غالبا ً, وكل من هذه الأقسام عنده, تصلح للإحتجاج بها؛ كما نقل ابن مندة عنه, أنه يخرج الحديث الضعيف, إذا لم يجد في الباب غيره.
وقال النووي في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف, لم يبينها, مع أنه متفق على ضعفها, والحق أن ما وجدناه في سننه, مما لم يبينه, ولم ينص على صحته, أو حسنه, أحد ممن يعتمد, فهو حسن, وإن نص على ضعفه من يعتمد, أو رأى العارف في سنده, ما يقتضي الضعف, ولا جابر له حكم بضعفه, ولا يلتفت إلى سكوت أبي داود.
أثاره:
1- كتاب (السنن): وقد تقدم بيان فضائله, وشرط مصنفه, وقد شرحه الإمام الخطابي, المتوفي سنة 388 هـ, وأسماه ( معالم السنن ), وله شروح أخرى؛ أشهرها وأكثرها تداولا ً ( عون المعبود, شرح سنن أبي داود ), لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي, ومعه شرح للحافظ ابن قيم الجوزية.
2- كتاب ( الزهد ): وقد صنفه أبو داود على مسانيد الصحابة, والتابعين؛ فابتدأ كتابه بذكر بعض الأخبار عن بني إسماعيل, ثم بذكر أخبار العشرة, سوى سعيد بن زيد, ومعظمهم من كبار التابعين, وبلغ عددالآثار التي ساقها المصنف في كتابه 521.
3- رسالة في وصف تأليفه لكتاب السنن.
4- كتاب ( المراسيل ): وهو مطبوع كذلك؛ طبع في القاهرة 1310 هـ, وله كتب اخرى مخطوطات؛ فيها كتاب في الرجال و وكتاب في القدر, والمسائل التي خالف عليها الإمام أحمد بن حنبل, وكتاب في تسمية أخوة الذين روى عنهم الحديث.
نتف من أخباره, ودرر من أقواله:
قال الخطابي: حدثني عبدالله بن محمد المسكي, حدثني أبو بكر بن جابر؛ خادم أبي داود, قال: كنت مع أبي داود ببغداد و فصليت المغرب, فجاء الأمير أبو أحمد الموفق, فدخل, فأقبل عليه أبو داود, وقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت ؟ فقال: خلال ثلاث, قال: وما هي ؟ قال: تنتقل إلى البصرة, فتتخذها وطنا؛ لترحل إليك طلبة العلم, فتعمر بك؛ فإنها قد خرجت, وانقطع عنها الناس لما جرى عليها من محنة الزبج, قال: هذه واحدة, قال: وتروي لأولادي (السنن) فقال: نعم, هات الثالثة, قال: تفرد لهم مجلسا, فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة, قال: أما هذه, فلا سبيل إليها؛ لأن الناس في العلم سواء.
قال ابن جابر: فكانوا يحضرون ويقعدون, وبينهم وبين العامة ستر.
روى الخطيب بسنده عن أبي بكر بن ابي داود قال: سمعت أبي يقول: الشهوة الخفية حب الرياسة.
قال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن.
وفاته:
قال أبو عبيد الآجري: توفي أبو داود في سادس عشر شوال, سنة خمس وسبعين ومائتين.
-------------
المراجع والمصادر:
- سير أعلام النبلاء
- تاريخ بغداد
- البداية والنهاية
- المنتظم
- تذكرة الحفاظ
- طبقات الحفاظ
- وفيات الأعيان
- شذرات الذهب
- من أعلام السلف علام أعلام
التعليقات