عناصر الخطبة
1/تفسير آية الكرسياقتباس
إِنَّهَا أَعْظَمُ آيَةٍ في القُرْآنِ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صِفَاتِ الرَّحْمَن، وَقَوَاعِدِ الإِيْمَان؛ فَهِيَ سَيّدَةُ آيِ القُرْآن، وَالحِرْزُ مِنَ الشَّيْطَان: إِنَّهَا آيَةُ الكُرْسِي...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مَنْ اتَّقَى اللهَ وَقَاه، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاه! (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ* وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
عِبَادَ الله: إِنَّهَا أَعْظَمُ آيَةٍ في القُرْآنِ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صِفَاتِ الرَّحْمَن، وَقَوَاعِدِ الإِيْمَان؛ فَهِيَ سَيّدَةُ آيِ القُرْآن، وَالحِرْزُ مِنَ الشَّيْطَان: إِنَّهَا آيَةُ الكُرْسِي! قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قُلْتُ: (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)؛ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ!”(رواه مسلم). أَيْ هَنِيْئًا لَكَ العِلْم!
وَابْتَدَأَتْ آيَةُ الكُرْسِي بِالتَّوْحِيدِ! الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ! (اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ): أَيْ: لَا مَعْبُوْدَ بِحَقٍّ سِوَاهُ! (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ).
وَاشْتَمَلَتْ آيَةُ الكُرْسِيِّ عَلَى اسْمِ اللهِ الأَعْظَمِ؛ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى! إِنَّهُ (الحَيُّ القَيُّوم): يَقُوْلُ ابْنُ عُثَيْمِين: “الحَيُّ القَيّومُ: اِسْمَانِ جَامِعَانِ لِكَمَالِ الأَوْصَافِ والأَفْعَالِ؛ فَكَمَالُ الأَوْصَافِ: في الحَيِّ؛ وَكَمَالُ الأَفْعَالِ في القَيّوم؛ فَحَيَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ كَامِلَةٌ: لَمْ تُسْبَقْ بَعَدَمٍ، وَلَا يَلْحَقُهَا نَقْصٌ وَلا زَوَالٌ. وَالقَيّومُ: هُوَ القَائِمُ عَلَى نَفْسِهِ؛ فَلَا يَحْتَاجُ إلى خَلْقِهِ؛ وَالقَائِمُ على غَيْرِهِ؛ فَكُلُّ أَحَدٍ مُحْتَاجٌ إِلَيه”.
ثُمَّ قال سبحانه: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ): أَيْ لَا يَعْتَرِيهِ نُعَاسٌ وَلَا نَوْمٌ، وَلَا غَفْلَةٌ وَلَا ذُهُولٌ، وَلَا تخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ): فاللهُ -جل جلاله- هُوَ مَالِكُ المُلْكِ والأَكْوَانِ! وَإِذَا كانَ المُلْكُ لِلرَّحْمَن؛ فَهَلْ يَلِيْقُ أَنْ نَتَجَرَّأَ في مَمْلَكَتِهِ بِالعِصْيَانِ!؟
ثُمَّ قال -عز وجل-: (وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما): أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَوْلَا حِلْمُ اللهِ وَمَغْفِرَتُهُ؛ لَزَالَتَا؛ وَحِيْنَئِذٍ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ أَنْ يُمْسِكَهُمَا! (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).
وَمِنْ هَيْبَةِ اللهِ: أَنَّهُ لا يَتكَلَّمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ بِالشَّفَاعَةِ إِلَّا بِإِذْنِهِ! (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ): وَهَذَا إِبْطَالٌ لِاعْتِقَادِ المُشْرِكِينَ في القَدِيمِ وَالحَدِيْثِ! الَّذِيْنَ يَدْعُونَ الأَمْوَاتَ والجَمَادَات، وَيَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِمْ في طَلَبِ الحَاجَاتِ، وَكَشْفِ الكُرُبَات! قال -عز وجل-: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله).
وأَحَاطَ اللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا! فَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِالظَّوَاهِرِ والبَوَاطِنِ، وَالمَاضِي وَالمُسْتَقْبَلِ! (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ).
والنَّاسُ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا إِلَّا بِمَا شَاءَ اللهُ لَهُمْ أَنْ يَعْلَمُوْه! (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ): وَحِيْنَ يُفْتَنُ النَّاسُ بِقُشُورِ العُلُومِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالحَضَارَةِ المَادِّيَّةِ، والاِخْتْرَاعَاتِ العِلْمِيَّةِ؛ فَإِنَّهُمْ يَغْفُلُوْنَ عَنْ هَذِهِ الحَقِيْقَةِ القُرْآنِيَّةِ! فَإِنَّ كُلَّ شَيءٍ اكْتَشَفَهُ العَقْلُ البَشَرِيِّ، كَانَ فِي أَعْمَاقِ الغَيْبِ، وَلَكِنَّ اللهَ شَاءَ لِعِبَادِهِ أَنْ يَسْتَخْرِجُوا قَطْرَةً مِنْ عِلْمِ اللهِ! في الوَقْتِ الَّذِي أَرَادَهُ اللهُ؛ تَصْدِيْقًا لِوَعْدِ اللهِ: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).
وَطُغْيَانُ العِلْمِ المَادِّي، وَغِيَابُ العِلْمِ الأُخْرَوِيّ؛ يَجْعَلُ النَّاسَ بِمَعْزِلٍ عَنْ اسْتِحْضَارِ عِلْمِ اللهِ العَظِيمِ؛ فَلَا يَذْكُرُوْنَ وَلَا يَشْكُرُوْنَ، وَقَدْ يَتَبَجَّحُونَ وَيَكْفُرُونَ، وَبِدِيْنِ اللهِ يَسْتَهْزِئُوْنَ! (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ).
ثُمَّ قال: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ): وَالكُرْسِيُّ: مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ يَدَيِ العَرْشِ؛ فَإِنَّ حَجْمَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ لا يُسَاوِيْ شَيْئًا أَمَامَ الْكُرْسِيِّ! فَهُمَا كَحَلْقَةٍ صَغِيْرَةٍ مِنْ حَدِيْدٍ، أُلْقِيَتْ فِي صَحْرَاءَ وَاسِعَةٍ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ: إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ!”(رواه ابن حبان).
ثُمَّ خُتِمَتْ آيَةُ الكُرْسِيِّ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ العَليُّ العَظِيمُ): أَيْ العَلِيُّ الَّذِيْ لَيْسَ فَوْقَهُ شَيء، وَالعَظِيْمُ الَّذِي كُلُّ شَيءٍ أَمَامَ عَظَمَتِهِ لا شَيء! فَإِذَا كُنْتَ مُتَعَالِيًا مُتَعَاظِمًا في نَفْسِكَ؛ فَاذْكُرْ عُلُوَّ اللهِ، وَتَوَاضَعْ لِعَظَمَتِهِ! وَمَا تَعَالَى أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ اللهِ، أَوْ تَعَاظَمَ عَلَى عِبَادِ الله؛ إِلَّا أَذَلَّهُ اللهُ! (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ آيَةَ الكُرْسِيِّ حِصْنٌ حَصِينٌ، مِنْ شَرِّ الشَّيَاطِينِ؛ فَلَا تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ وَفِيهِ شَيْطَانٌ، إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ؛ فَفِي الحَدِيْثِ: "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ”(رواه البخاري).
وَآيَةُ الكُرْسِيِّ: بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ؛ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ!”(رواه النسائي، وصححه الألباني).
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَالله ُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
التعليقات