اقتباس
الورع واتقاء الشبهات: والبعد عن مواضع الريبة ومسالك التهمة، فذلك أبرأ لذمة الداعية والخطيب، وأسلم لعرضه وأهون على الإقبال عليه، وأدعى إلى الانقياد له لأن حال الداعي يؤثر في القلوب أكثر من مقاله.
من كتاب البيان الزاهر إلى فرسان المنابر:
إن الخطيب إنسان يتحدث عن الإسلام، يقرب الناس إليه ويحببهم فيه ويوجههم للعمل بما يدعو إليه، وكل هذه مهام تتطلب صفات وآدابًا وخصالًا تحمل الناس على الانقياد له والتسليم له، وهذا لا يتأتى من روعة الخطبة وحدها ولا براعة الخطيب ومهارته، وإنما هناك أمور وآداب ينبغي لكل خطيب أن يتحلى بها ويتأدب بها إن أراد أولًا تحصيل مكانة وثواب الداعي إلى الله عز وجل ثم التأثير في الناس وتوجيههم لما يدعو إليه.
ويمكن تقسيم هذه الآداب إلى:
أ- آداب باطنة:
وهي تتعلق بجملة من الأخلاق والآداب التي مردها إلى القلب والنفس وإن كان يظهر أثرها على السمت والظاهر، وهذه الآداب هي:
1- الإخلاص: فيقصد بدعوته وخطبته وجه الله وحده لا سواه، ولا يقصد جاهًا ولا شهرةً ولا سمعةً.
2- القدوة الباطنة: فينبغي للخطيب أن يكون ذا سيرة سديدة وطريقة حميدة غير متهافت على الدنيا ومراتبها صابرًا على آفاتها ونوائبها مراقبًا لله سبحانه وتعالى في سره وجهره راضيًا عنه في عسره ويسره مغتنمًا نشاطه مهتما بتقصيره وجبره محافظًا على العمل بما أمر به في نفسه وخاصته محبا لأهل الله تعالى مبغضًا لأهل مخالفته حذرًا من زخارف الدنيا وزينتها غير ملته بعبيدها وشهواتها، كارهًا لرفعتها وشهرتها قائمًا بفرائض الله وحدوده، قاعدًا عن محاذره وحدوده مقبلًا على الله معرضًا عما سواه، لا تأخذه في الله لومة لائم ولا قعدة قاعد ولا قومة قائم.
3- الحلم وسعة الصدر: فكمال العلم في الحلم، ولين الكلام مفتاح القلوب فيستطيع الخطيب أن يعالج أمراض النفوس ويداوي عللها بهدوء نفسه واطمئنان قلبه وسعة صدره، أما إذا استفزه الغضب واستثاره الحمق نفرت منه القلوب وأعرضت النفوس.
4- التواضع: الداعية إلى الله والخطيب الذي يوجههم أحوج من غيره إلى هذا الخلق، فالناس لا يقبلون قول من يستطيل عليهم ويحتقرهم ويستصغرهم ويتكبر عليهم، وإن كان ما يقوله حقا وصدقًا. والتواضع في الأصل يقال للكبار الذين هم في حقيقة الأمر كبار، أما نحن فيقال لكل واحد: اعرف قدر نفسك. وأساس التواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس لك عليه بدنياك فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في الدنيا حتى تعلمه أن ليس له بدنياه عليك فضل.
5- ضبط النفس واحتمال المكاره: فالخطابة منصب خطير إذ تعترض الخطيب مصاعب ومكاره، وقد يقابل بصد أو إعراض وربما سخرية واستهزاء وعلاجه في ذلك كله الصبر والاحتمال.
6- القناعة والعفة واليأس من الناس: فعلى قدر قناعة العلماء والدعاة والخطباء في الدنيا وتقللهم منها تكون مكانتهم في نفوس الناس، والتفافهم حولهم والانقياد لهم، وعلى قدر تعلقهم في الدنيا تكون زهادة الناس فيهم وعزوفهم عنهم ونفرتهم منهم.
7- الورع واتقاء الشبهات: والبعد عن مواضع الريبة ومسالك التهمة، فذلك أبرأ لذمة الداعية والخطيب، وأسلم لعرضه وأهون على الإقبال عليه، وأدعى إلى الانقياد له لأن حال الداعي يؤثر في القلوب أكثر من مقاله.
8- علو الهمة: فينبغي للخطيب أن يكون كبير الهمة عالي النفس مترفعًا عن الدنايا والسفاسف يستصغر ما دون النهاية من معالي الأمور.
وهي تتعلق بجملة من الآداب والأخلاق المتعلقة بالسمت والسلوك، وهذه الآداب لها دور بارز مؤثر في تأثير الخطيب في الناس واقتناعهم به وإقبالهم عليه، ومن هذه الآداب:
ب- آداب ظاهرة
1- حسن الهيئة: فالخطيب مطمع الأنظار يفعل في القلب فعل الكلام في السمع، فينبغي له أن يتهيأ قبل الخطبة بالطهارة والادهان والطيب والاغتسال والتزين على مقتضى الشريعة في جميع ذلك. لكن لا ينبغي للخطيب أن يبالغ في ارتداء الثياب بدعوى الوجاهة والوقار لما يترتب على ذلك من حصول فجوة في الغالب بينه وبين الجماهير خاصة إذا كانوا من وسط الناس وخير الأمور الوسط، وأفضل الهدي هدي محمّد.
2- الوقار والرزانة: وذلك بالإمساك عن فضول الكلام وكثرة الإشارة والحركة فيما يستغني عن الحركة فيه والتحفظ من التبذل بالهزل والقبيح وضبط اللسان من الفحش وذكر الخنا والقبيح والمزاح السخيف فلا كرامة لمبتذل ولا عظمة لمن يسرف في المزاح ويفحش فيه، وينبغي له الترفع عن الجلوس في الأسواق وقوارع الطرق من غير ضرورة فإن الإكثار من ذلك مخل بكرامته. لكن يجب الحذر من الخلط بين الوقار والرزانة وبين الكبر والعجب بالنفس والترفع عن الخلق، فليس مقصود كلامنا أن يصبح الخطيب شخصًا منبوذًا في مملكة موهومة لا يألف ولا يؤلف ولا يجرؤ أحد على مخاطبته والحديث إليه.
3- المحافظة على السنة: وذلك بالاقتداء به ظاهرًا وباطنًا وهذا أدعى لقبول الناس منه ما يدعوهم إليه من اتباع أمره وسنته وشرعته.
4- السلامة من اللحن والتصحيف والخطبة المكتوبة وعيوب الإلقاء، وكثرة الحركة أو ضعف الصوت، أو استغلال المنبر لأغراض شخصية أو لأغراض حزبية أو طائفية أو عصبية، أو محاكاة غيره من الخطباء، أو الجفاء والغلظة والقسوة على المخاطبين ... إلخ.
التعليقات