الجسد المُقنع

محمود الفقي - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: تدريب

اقتباس

فيا أخي الخطيب: اقتد بالحبيب -صلى الله عليه وسلم-؛ وليكن وجهك مرآة لما في قلبك من انفعالات، ولما في عقلك من أفكار، ليعرف الناس رد فعلك على الوقائع والأحداث قبل أن تنطق به، بل لا تدع الناس يحتاجون إلى نطقك أصلًا في بعض المواقف التي لا تستدعي النطق، فيكتفون فقط بتعبيرات وجهك.

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فكما تتنوع أساليب الخطيب للإقناع، فكذلك تتعدد وسائل الاقتناع عند الجمهور؛ فمن الناس من تكفيه وتقنعه الحجة والبرهان، ومن الناس من تستميله اللفتات العاطفية، ومن الناس من تُشْعِرُه الحماسة الخطابية بصدق المتحدث... وأيضًا من الناس من تساعده إشارات يدك وإيماءات جسدك ونبرات صوتك على الاقتناع.

 

فإن للجسد لغة بليغة فصيحة، مفرداتها الحركات لا الكلمات، تنطق بغير لسان، تصيح وتثور إذا ما رفعت اليد عاليًا في شدة، وتهدأ وتحنو إذا ما لوَّحت بها جانبًا في تؤدة، وتنذر وتحذر إذا ما وجهت السبابة إلى وجوه الجمهور ثم رفعتها وخفضتها... هذا عن يديك... وقل مثل ذلك عن كتفيك وصدرك وشفتيك ووجهك وجميع جسدك... وهل أدل على أهمية لغة الجسد من أن رواة الحديث قد نقلوا لنا اللغة الجسدية للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأدق تفاصيلها وأشكالها متمثلة في تعبيرات وجهه وإشارات يديه وإيماءات عينيه وحركات شفتيه ووضعيات أصابعه... وهذا ما دعانا أن نتناوله بهذه الاستراتيجية: "استراتيجية الإقناع الجسدي".

 

النبي -صلى الله عليه وسلم- يتقن لغة الجسد:

ولنقلها الآن في ثقة: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أثَّر في صحابته بملامح وجهه كما أثر فيهم بلسانه، ولقد تعلَّم الصحابة من لغة جسد النبي -صلى الله عليه وسلم- أشياء ما تعلَّموها من لسانه -صلى الله عليه وسلم- ولنتأمل بعض الدلائل على ذلك.

 

فها هم يدركون غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- من تعبيرات وجهه، يروي أبو هريرة فيقول: بينما يهودي يعرض سلعته، أعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدًا، فما بال فلان لطم وجهي، فقال: "لم لطمت وجهه" فذكره، فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى رئي في وجهه، ثم قال: "لا تفضلوا بين أنبياء الله..."([1]).

 

وعن علي -رضي الله عنه- قال: "أهدي إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- حلة سيراء، فلبستها، فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي"([2])، فقد وصلت الرسالة الغاضبة إلى علي بن أبي طالب ففعل المطلوب دون أن يحتاج أو ينتظر كلمة واحدة، وإن سألت عن سبب غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أجبتك: إن الحلة السيراء هي حلة ذات خطوط يخالطها شيء من الحرير، والحرير محرَّم على الرجال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرسل بها إليه ليلبسها هو، بل كان المقصود نساءه.

 

ومن تعبيرات وجهه -صلى الله عليه وسلم- عرفوا ما يكرهه، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه"([3])، وهذا مثال لذلك نقلته إلينا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وفيه: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام على الباب، فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهية... ([4])، ومثال آخر يرويه لنا ابن مسعود -رضي الله عنه- فيقول: سمعت رجلًا قرأ آية، وسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ خلافها، فجئت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: "كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"([5])، وما كرهه النبي -صلى الله عليه وسلم- حري بنا أن نتجنبه.

 

وكذا الحزن كانوا يعرفونه من وجهه -صلى الله عليه وسلم-، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعرف فيه الحزن...([6])، وفي رواية: "عرفنا في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحزن".

 

والخوف والرهبة كذلك أدركوهما من تغيرات وجهه -صلى الله عليه وسلم-، فعن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستجمعًا ضاحكًا، حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم، قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا، عُرف ذلك في وجهه، فقالت: يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)[الأحقاف: 24]"([7]).

 

وكذلك تبينوا من قسمات وجهه -صلى الله عليه وسلم- الفرح والسرور والغبطة، وقد حدث ذلك في حادثة الإفك، وبالتحديد عند نزول القرآن ببراءة أم المؤمنين عائشة، ولندع صاحبة الشأن -رضي الله عنها- ترويه فتقول:... وأنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ساعته فسكتنا فرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه، ويقول: "أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك"...([8]).

 

وهذه المرة رأوا في وجهه -صلى الله عليه وسلم- الحزن والسعادة معًا؛ فحزن لما أبطأ الناس عن الصدقة، وفرح لما سارعوا إليها، فعن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة، فأبطئوا عنه حتى رئي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلًا من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه... ([9]).

 

وقد يستاء النبي -صلى الله عليه وسلم- من أمر ما، فيدرك من حوله استياءه من خلال ملامح وجهه وتعبيراته، فعن عقبة بن مالك قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية، فغارت على قوم، فشذ من القوم رجل، واتبعه رجل من السرية ومعه السيف شاهره، فقال: إني مسلم، فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله، قال: فنمي الحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال فيه قولًا شديدًا، فبلغ القاتل، قال: فبينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب، إذ قال القاتل: يا رسول الله، والله ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل، فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته، قال: ثم عاد فقال: يا رسول الله، ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل، فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمن قبله من الناس، فلم يصبر أن قال الثالثة، فأقبل عليه تعرف المساءة في وجهه، فقال: "إن الله حرم علي أن أقتل مؤمنًا" ثلاث مرات ([10]).

 

فيا أخي الخطيب: اقتد بالحبيب -صلى الله عليه وسلم-؛ وليكن وجهك مرآة لما في قلبك من انفعالات، ولما في عقلك من أفكار، ليعرف الناس رد فعلك على الوقائع والأحداث قبل أن تنطق به، بل لا تدع الناس يحتاجون إلى نطقك أصلًا في المواقف التي لا تستدعي النطق، فيكتفون فقط بتعبيرات وجهك.

 

وإن تحدثنا الآن عن لغة وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدها، فالسبب: ما لتعبيرات الوجه من أهمية بالغة، بل إن لغة الوجه هي أهم لغات الأعضاء على الإطلاق، ولعلك تذكر قول عبد الله بن سلام: "فلما استبنت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب"([11])، ومع ذلك فإنك -فيما يأتي من المقال- ستسمع باقي أعضاء وجوارح النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تتكلم وتنطق بلسان فصيح.

 

كيف تنطق أعضاء جسدك؟

فتعلَّم -زميلي الخطيب- أن أعضاء جسدك مقنعة، وليكن عندك تمام الثقة في ذلك لتستطيع إجادتها، أعيد: لتكن واثقًا تمامًا -أيها الخطيب- أنه بإمكانك أن تقنع رواد مسجدك عن طريق حركات جسدك وإيماءات جوارحك بأمور ما كنت تستطيع أن تقنعهم بها بلسانك وحده، وهذه نماذج لما نريد أن نقول:

أولًا: إن العين مقنِعة:

فلطالما كانت "لغة العيون" فصيحة مقنعة مُفْهِمة بغير ألفاظ ولا كلمات، فالعين نافذة العقل، وفي مجمع الأمثال قولهم: "رب طرف أفصح من لسان"([12])، وكلنا يحفظ قول الشاعر:

عيناك قد دلتا عيني منك على ***  أشياء لولاهما ما كنت أدريها

تظل في نفسك البغضاء كامنة ***  والقلب يضمرها والعين تبديها

والعين تعرف من عيني محدثها ***  إن كان من حزبها أو من أعاديها([13]).

 

وقال محمود الوراق:

إن العيون على القلوب شواهد *** فبغيضها لك بيِّنٌ وحبيبها

وإذا تلاحظت العيون تفاوضت *** وتحدثت عما تجن قلوبها

ينطقن والأفواه صامتة فما *** يخفى عليك بريئها ومريبها([14]).

 

فعيناك -أخي الخطيب- ينطقان بالعزم والإصرار إذا ما فتحتهما وثبَّت حدقتهما، وتحزنان وتأسيان إذا ما أغلقتهما في بطء ثم أخذت شهيقًا عميقًا فارتفع به صدرك، وتفزعان وتحذران إذا ما فتحتهما وأدرتهما في محجريهما يمنة ويسرة، وتفرحان وتسعدان إذا ما اتسعتا ببريق أخاذ، وتندهشان إذا ما رفعت حاجباك وقوستهما فوق عينيك وفغرت فمك بعض الشيء...

 

ثانيًا: اليدان معبرتان:

لذا فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكتفى أحيانًا بإيماءاتهما عن كثير الكلام، حتى لقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يعبرون بقولهم: "قال بيده كذا وكذا"، فعن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: "في الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي، فسأل الله خيرًا إلا أعطاه" وقال بيده، ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر، قلنا: يزهدها([15])، وعنه أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج"، قيل يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال هكذا بيده فحرفها، كأنه يريد القتل([16]).

 

وهذا نموذج آخر يرويه أنس بن مالك فيقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "بنو النجار، ثم الذين يلونهم بنو عبد الأشهل، ثم الذين يلونهم بنو الحارث بن الخزرج، ثم الذين يلونهم بنو ساعدة" ثم قال بيده فقبض أصابعه، ثم بسطهن كالرامي بيده، ثم قال: "وفي كل دور الأنصار خير"([17])، ولك أن تتخيل مدى تأثير هذه الإشارة على الأنصار؛ لقد عمَّقت المعنى في قلوبهم وأكدته، فكأن الخير جُمع في قبضة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم رمى به فوق دور الأنصار فنزل في كل دار منه جزء.

 

وقبضة يديك -زميلي الخطيب- إذا شددتها وضربت بها على ما أمامك من أخشاب المنبر فإنها تدل على الحزم والعزم والقطع، وإذا لوحت بها بقوة وثنيت مرفقك ثم بسطته مرارًا فهي علامة الحماسة والفوران وغليان الصدر بالمشاعر، وإذا بسطت كفيك وأقمتها حتى صارت رأسية على ساعدك وجعلت ظاهرها إليك وباطنها إلى جمهورك، فأنت تقول لهم: كفى ما كان، أو: كفوا عما تصنعون... وتخيل كم من معنى قد تفيده وتؤكده وتوضحه حركات يديك.

 

ثالثًا: أصابعك ناطقة فصيحة:

لعلها أشهر إشارات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوضحها حين قال: "وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا([18])، فماذا لو قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هكذا" ثم لم يشر بإصبعيه، هل كنا سنفهم شيئًا؟! إن إشارة الأصابع هنا قد أقنعتك وأكدت لديك معنى المرافقة والملازمة بين كافل اليتيم والنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأغنت عن كثير كلام، ثم لما فرَّق وفرَّج -صلى الله عليه وسلم- بين الإصبعين شيئًا فقد أفاد بذلك معنى جديدًا وهو أنه تبقى المسافة والتفاوت في المكانة بين مرتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومرتبة سواه.

 

وهاتان إصبعان أخريان هما السبابة والإبهام، توضحان وتجليان المعنى المراد، ثم تحسمان مسألة عقدية وتغلقان الباب على الجهمية المعطلة، فعن سليم بن جبير مولى أبي هريرة، قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النساء: 58] إلى قوله تعالى (سَمِيعًا بَصِيرًا)[النساء: 58] قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه" قال المقرئ: يعني: إن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعًا وبصرًا، قال أبو داود: "وهذا رد على الجهمية"([19])... وكل ذلك بإشارة إصبع، فما أبركها من إشارة!

 

وكلنا يحفظ حديث الصحيحين: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها...([20])، "يعني: جعل الإصبع السبابة في أصل الإبهام وضمها حتى لم يبق بينهما إلا خلل يسير، والمعنى: أنه لم يبق لمجيء الشر إلا اليسير من الزمن"([21])، وهذا ما أفادته الإشارة.

 

ثم إن المتتبع لكلام رواة الأحاديث في كتب السنة لن يعدم فصولًا أخرى كثيرة من لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- الجسدية، ومن إشاراته وإيماءاته...

 

رسائل جسدية:

وفيما يلي نقدم بعض النماذج لرسائل يمكن أن توصلها وتقدمها إلى جمهورك بغير حروف ولا كلمات؛ بل عن طريق لغة أعضائك، ولكي تعي أسلوب إيصال تلك الرسائل الصحيح أطلب منك أن "تتخيل" معي الخطوات التي سأعرضها عليك الآن لتوصيل كل رسالة منها:

 

الرسالة الأولى: أنا واثق من نفسي:

السؤال: كيف تقول لهم هذا بجسدك؟

والجواب:

أولًا: قلها لهم بوقفتك الثابتة الراسخة المتزنة، وثانيًا: أرسلها لهم بنظرات عينيك المتسعة المتأنية الواثقة، ثالثًا: قلها لهم بزيك المميز المهيب الوقور المحتشم، رابعًا: قلها لهم بحركاتك والتفاتاتك الرصينة والبطيئة والمدروسة وخطواتك القصيرة المتئدة... فمن فعل هذا وسيطر على أعضائه حتى اطمأنت وثبتت واستقرت، وحفظ النظر من الزيغ يمنة ويسرة، وحفظ اليدين من التحرك الفوضوي غير المدروس، وحفظ هندامه من الرثاثة أو الترف... إن فعل، فقد بث في قلوب جمهوره رسالة تقول: "أنا على تمام الثقة من قدراتي وملكاتي، لا أهاب إلا ربي".

 

الرسالة الثانية: أنا حزين على ما حدث أو على ما يجري من أحداث:

السؤال: كيف تقول لهم هذا بجسدك؟

والجواب:

في وسط كلامك عما يُحزِن من أحداث مؤثرة، اقطع حديثك، والزم الصمت التام قليلًا، ثم مِل بجسدك إلى الأمام شيئًا يسيرًا، واحن رأسك إلى الأمام قليلًا، بعين مرتخية الجفون -ويسميه علماء اللغة: "الإطراق"([22])-، وبذراعين مبسوطتين، ويدين منصبتين على خشبة المنبر الأمامية، ثم لوِّح برأسك ببطء شديد يمينًا ويسارًا، ثم واصل كلامك الذي كنت تقول... فإن هذا الذي فعلت أبلغ في إظهار الأسى والحزن من كثير من الكلمات خاصة إن كان طبيعيًا غير متكلف.

 

الرسالة الثالثة: لا يحق لنا السكوت بل لا بد من اتخاذ موقف:

السؤال: كيف تقول لهم هذا بجسدك؟

والجواب:

ارسم على وجهك أمارات الحزم والغضب، وركز نظرك وافتح عينيك حتى يتسعان، واحمرار العينين دليل على الثورة والانفعال، خاصة إذا صاحبه انتفاخ الأوداج، ثم ضم قبضة يدك بقوة، وشد قامتك حتى تصبح الرأس عمودية على الجسد دون أي انحناء، واملأ صدرك بالهواء... كل ذلك وأنت تتحدث في صوت هادر منفعل متهدج... وهذا لن يوضح لمستمعيك أنك منفعل فقط، بل سينقل إليهم نفس المشاعر فينفعلون كما انفعلت أنت.

 

***

 

فيا أيها الخطيب: لا تجعل لسانك يتكلم وحده، بل إذا تكلمت فليتكلم منك مع اللسان: اليدان والعينان والكتفان والتفاتات الصدر... وليكن وجهك مرآة لما يعتمل في صدرك، فكل هذا يساعدك حق المساعدة على عملية إقناع جمهورك.

 

[1])) البخاري (3414)، ومسلم (2373).

[2])) البخاري (2614)، ومسلم (2071).

[3])) البخاري (6102)، ومسلم (2320).

[4])) البخاري (2105) واللفظ له، ومسلم (2107).

[5])) البخاري (3476).

[6])) البخاري (1299)، ومسلم (935).

[7])) البخاري (3206)، ومسلم واللفظ له (899).

[8])) البخاري (4757).

[9])) مسلم (1017).

[10])) ابن حبان واللفظ له (5972)، والنسائي في الكبرى (8539)، وصححه الألباني لغيره (التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان).

[11])) ابن ماجه (1334)، والترمذي (2485)، وصححه الألباني (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه).

[12])) مجمع الأمثال لأبي الفضل الميداني (1/306) بتصرف قليل، المحقق: محمد محيى الدين عبد الحميد، ط: دار المعرفة، بيروت لبنان.

[13])) غرر الخصائص الواضحة للوطواط (ص: 58)، تحقيق: ابراهيم شمس الدين، ط: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م.

[14])) العقد الفريد لابن عبد ربه (2/204).

[15])) البخاري (5294)، ومسلم (852).

[16])) البخاري واللفظ له (85)، ومسلم (157).

[17])) البخاري (5300).

[18])) البخاري (5304).

[19])) أبو داود (4728)، وابن حبان (265)، وصححه الألباني (صحيح وضعيف سنن أبي داود).

[20])) البخاري (3346)، ومسلم (2880).

[21])) تعليق مصطفى البغا على صحيح البخاري، حديث رقم: (3346).

[22])) ينظر: الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلاّم (1/313) المحقق: صفوان عدنان داوودي، ط: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات