معركة الجزيرة الخضراء ـ وهج الأندلس الأخير ـ دولة الإسلام في الأندلس في طورها الأخير

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

واكب قيام مملكة غرناطة في جنوب الأندلس، قيام دولة بني مرين في المغرب والتي ورثت دولة الموحدين الكبرى في المغرب، ولم تكن العلاقة بين المملكتين على ما يرام، وكانت تشوبها فترات مد وجزر، فتارة يتفقان وتارة يختلفان، وكان عنوان العلاقة بينهما هو التوجس والحذر، وإن كانت تلك العلاقة لا تخلو في عدة أحيان من اتحاد واتفاق وذلك عندما تتوحد القوى النصرانية في أسبانيا لحرب المملكتين، وتلك المعركة واحدة من تلك المواقف الرائعة للاتحاد بين المسلمين، وأثر هذا الاتحاد والانطلاق على سير الأحداث ونتائج المعارك الخالدة بين العالم الإسلامي وأوروبا الصليبية.

 

 

 

 

فتح المسلمون الأندلس سنة 92هـ وأقاموا بها دولة قوية وحضارة عريقة أسهمت بشدة في تنوير أوروبا ودفع عجلة النهوض الحضاري فيها، ومع مرور الزمان وتوالي القرون أخذت رقعة دولة الإسلام بالأندلس في التقلص لصالح أسبانيا النصرانية في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية، حتى وصل الأمر لئن تكون تلك الدولة العريقة والتي تعتبر من أعرق الدول والممالك الإسلامية منحازة في أقصى جنوب الأندلس، فيما عرف تاريخيًا بمملكة غرناطة أو مملكة بني الأحمر، وذلك ابتداء من سنة 635هـ.

 

واكب قيام مملكة غرناطة في جنوب الأندلس، قيام دولة بني مرين في المغرب والتي ورثت دولة الموحدين الكبرى في المغرب، ولم تكن العلاقة بين المملكتين على ما يرام، وكانت تشوبها فترات مد وجزر، فتارة يتفقان وتارة يختلفان، وكان عنوان العلاقة بينهما هو التوجس والحذر، وإن كانت تلك العلاقة لا تخلو في عدة أحيان من اتحاد واتفاق وذلك عندما تتوحد القوى النصرانية في أسبانيا لحرب المملكتين، وتلك المعركة واحدة من تلك المواقف الرائعة للاتحاد بين المسلمين، وأثر هذا الاتحاد والانطلاق على سير الأحداث ونتائج المعارك الخالدة بين العالم الإسلامي وأوروبا الصليبية.

 

 الصراع على جبل طارق:

 

يعتبر مضيق جبل طارق الحد الفاصل بين بلاد المغرب وأوروبا، والممر المائي الذي يربط بين عدوة المغرب وعدوة الأندلس، وقد نسب إلى اسم فاتحه طارق بن زياد سنة 92هـ، ويطلق عليه أيضًا اسم جبل الفتح لأن المسلمين انطلقوا منه لفتح بلاد الأندلس.

 

كما يعتبر مضيق جبل طارق من البقاع الإستراتيجية الخطيرة، إذ يتحكم في سير القوافل والأساطيل البحرية بين المغرب والأندلس، لذلك جرت على أراضيه الكثير من فصول الصراع بين المسلمين والصليبيين، وكان الأسبان يولون هذا المضيق أهمية كبيرة، ويضعون مسألة الاستيلاء عليه كأهمية قصوى، وذلك لوقف عبور مسلمي المغرب الذين هرعوا لنجدة مسلمي الأندلس في مواطن كثيرة.

 

وقد حاول ملوك قشتالة وملوك أراجون وهما أكبر مملكتين نصرانيتين في أسبانيا احتلال جبل طارق وما حوله من ثغور ومدن مثل الجزيرة الخضراء وطريف عدة مرات لإحكام السيطرة على مضيق جبل طارق، ولكنهم فشلوا في تحقيق احتلال كامل أو استيلاء دائم لتلك القواعد، إذ كان سرعان ما يخرجون منها، فقد احتلوا طريف سنة 677نهـ ثم خرجوا منها سريعًا، وحاولوا مرة أخرى سنة 691هت، واحتلوا طريف ستة أشهر ثم خرجوا منها، وكان لتوتر العلاقات بين غرناطة وبني مدين دور كبير في تحفيز همم الصليبيين لاحتلال قواعد المضيق وهو ما حدث بالفعل سنة 708هـ، وقد دفع سلطان غرناطة ثمن عداوته لبني مرين وانشغاله بمحاربة جيرانه المسلمين، بعد أن ثار عليه أهل غرناطة وخلعوه ونصبوه مكانه أخاه وذلك سنة 708هـ.

 

 الجزيرة الخضراء في بؤرة الصراع:

 

الجزيرة الخضراء هي أول أرض وطأتها أقدام المسلمين عند فتح الأندلس، وكانت تسمى جزيرة طريف، نسبة إلى القائد البربري طريف بن مالك، الذي قاد السرية الاستطلاعية التي أرسلها موسى بن نصير للتعرف على طبيعة الأوضاع الداخلية في الأندلس.

 

الجزيرة الخضراء كانت واحدة من أهم قواعد مضيق جبل طارق، وكانت تمثل إضافة إلى ثغر طريف مفتاحي التحكم في جبل طارق، وإن كان الأسبان قد نجحوا في الاستيلاء على ثغر طريف عدة مرات، ولكنهم فشلوا تمامًا في احتلال الجزيرة الخضراء.

 

في سنة 708هـ تحالف ملك قشتالة فرناندو الرابع، وملك أراجون خايمي الثاني للقضاء على مملكة غرناطة، على أن تقوم الجيوش القشتالية بمهاجمة مدينة الجزيرة الخضراء، بينما تهاجم الأساطيل الأراجونية مدينة ألمرية من الشرق، ثم يتقابل الجيشان في مدينة غرناطة العاصمة، ولكن الهجوم فشل، ثم عاود تملك قشتالة الهجوم على الجزيرة الخضراء سنة 709هـ، ولكنه فشل مرة أخرى، ثم دخلت المنطقة بأسرها مرحلة من الهدوء والسلام امتدت لزيادة على عشرين سنة.

 

وعلى الرغم من طول فترة الهدوء والسلام، والمعاهدات الموقعة بين الأطراف المتنافسة، إلا أن مشكلة السيطرة على مضيق جبل طارق، فكل من المسلمين والنصارى لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد، وقد انتهز كلاهما فرصة السلام للتسابق على التسلح والاستعداد للحرب الحاسمة، وكان اهتمام كل فريق منصب على تقوية أساطيله البحرية لأنها كانت مفتاح السيطرة البرية، وقد استعان سلطان المغرب أبو الحسن المريني بأصهاره الحفصيين ملوك تونس وبخبرة الملاحين الجنوبيين [وكانت جنوة وقتها جمهورية مستقلة بنفسها عن إيطاليا]، وبينما رأى ملك قشتالة ألفونسو الحادي عشر أن يستعين بأسطول حليفه ملك أرجوان خايمي الثاني.

 

معركة الجزيرة الخضراء:

 

ما إن انتهت فترة الهدنة حتى استعد الفريقان الإسلامي المكون من تحالف المغاربة والتوانسة تحت قيادة سلطان المغرب أبي الحسن المريني، والصليبي المكون من تحالف القشتاليين والأرجوانيين تحت قيادة ملك قشتالة ألفونسو الحادي عشر، فاجتمعت الأساطيل الإسلامية بمرسى سبتة واستعدت للمعركة الحاسمة، في حين استقر الأسطول القشتالي في مياه أشبيلية انتظارًا لوصول الأسطول الأرجواني من ناحية الشرق.

 

فطن المسلمون لخطة الصليبيين الرامية للتجمع في مياه أشبيلية، فأسرع الأسطول المغربي في ربيع الأول سنة 740هـ وتصدى للأسطول الأراجوني منفردًا ليحول دون هذا الاتصال، ودارت معركة بحرية عنيفة في مياه الجزيرة الخضراء، استخدم فيها المسلمون المدافع البحرية لأول مرة في تاريخ البشرية، وكان الأندلسيون قد أمدوا المغاربة بهذه المدافع، والأندلسيون هم أول من اخترع المدافع، وليس الصينيون كما يعتقد الكثيرون ، وقد انتهت المعركة بكارثة بحرية كبيرة بالنسبة للصليبيين، إذ غرق معظم الأسطول الأرجواني، وقتل قائده، وانسحبت السفن الباقية من الأسطول المنكوب إلى برشلونة.

 

لم تتوقف نكبة الصليبيين عند هذا الحد، فلقد كان انسحاب الأسطول الأرجواني من ميدان المعركة بعد هزيمته الساحقة أمام المسلمين بمثابة ضربة قاضية للأسطول القشتالي الأقل قوة وتسليحًا وكفاءة من الأسطول الأراجوني المهزوم، لذلك لما اصطدم الأسطول الإسلامي مع الأسطول القشتالي، أنزل به هزيمة مدوية وقتل قائد الأسطول القشتالي، واستولى المسلمون على بعض قطعه، وأصبح السلطان أبو الحسن المريني سيد المضيق بلا منازع، وصار من السهولة بمكان تنقل القوات الإسلامية من وإلى الأندلس بلا أدنى منازع أو منافس. مما أخر سقوط الأندلس لأكثر من قرنين من الزمان.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات