الداعية وأهمية موقعه في مجال الدعوة إلى الله

إسماعيل علي محمد

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وكم من قضية عادلة كان الفشل حليفَها، لا لشيء سوى أنه لم يتهيّأ لها مَن يحسن عرضها، ويعرف كيف يدافع عنها، وينتصر لها، ويستميل الآخرين ويقنعهم بالوقوف إلى جانبها، وكم من قضية باطلة لاقت نجاحا، بما تهيّأ لها مِن أناس استطاعوا أن يُضْفوا عليها قبولا ومصداقية، ويجلبوا لها تأييدا وتعاطفا.

 

 

 

تقوم الدعوة إلى الله -تعالى- على أصول أربعة لا غنى عنها أو عن أحدِها، وهي: الداعي، والمدعو، وموضوع الدعوة، ومنهج الدعوة.

 

ويجدر بنا أن نُلقيَ الضوء على أهمية وخطورة موقع ودور الداعية فيما يتصل بالعملية الدعوية، وجليلِ قَدْره وعظيمِ منزلته.

 

أمّا الداعية الذي نعنيه في هذا المقام فهو: الداعية المسلم الذي لديه ـ أو ينبغي أن يكون لديه ـ أهليةُ النصحِ الرشيدِ والتوجيهِ السديدِ، والقدرةُ على دعوة الناس واستمالتِهم إلى الإسلام اعتقادا ومنهجا، وتحذيرِهم مما سواه مِن الأديان والمذاهب.

 

أو نقصد: الداعيةَ المؤهَّلَ تأهيلا خاصًّا؛ إيمانيًّا، ونفسيًّا، وأخلاقيًّا، وعِلميًّا، ومنهجيًّا ... ليكون على مستوىً عالٍ من المهارة والتمكُّنِ مِن دعوةِ الناسِ إلى الإسلامِ على حقيقتِه التي أَنزَلَه اللهُ تعالى بها، وتحذيرِهم وإنقاذِهم مما سواه من الأديان والمعتقدات.

 

إنه الداعية الذي يقوم بتبليغ الإسلام ونشرِه، وتعريفِ الناسِ به، ويبذل قصارى جهده، ويوظف كل طاقاته في حثّهم على الإيمان به، والعمل بشعائره وشرائعه.

 

إنه الشخص المسلم الذي يستغلّ كل ما هو متاح لديه مِن إمكانات في سبيل بيان الحق الذي يؤمن به، والدفاع عنه، وإبلاغه للناس نقيًّا خالصا، والعمـل جـاهدا من أجْل التمكين لهذا الحق - المتمثّل في الإسلام وشريعته- بأن يسود ويحكم في الأرض، حتى ينعم الناس بخير الإسلام وهداه.

 

فالداعية إذَنْ صاحب رسالة سامية يحيا بها، ويعيش لها، ويعمل لخدمتها، ويُضحّي في سبيل نجاحها، آخِذا بكل الأسباب والمقوِّمات التي تعينه وتساعده في أداء مهمته، وتحقق له التوفيق في عمله ورسالته.   

 

وإنّ وجود الداعية الماهر في مجال الدعوة إلى الله تعالى أمر يحتل موقعا خطيرا, ويتسم بالأهمية البالغة مِن بين سائر الأمور أو الأصول الأخرى التي تقوم عليها, وتتحقق بها عملية الدعوة إلى الله عز وجل, نظرا للدور الكبير والمحوريّ الذي يؤديه هذا الداعية, والعبء الذي يضطلع به، فهو عمود الرحا، وهو المحرِّك الأساسي للعملية الدعوية كلِّها.

 

أرأيتَ إلى السلعة الجيدة, والبضاعة الممتازة, عندما تعدم المُسَوِّقين المهرة, والعارضين الحاذقين, كيف تخسر وجودَها, ويهبط لدى الجمهور قدْرُها, وتفقد إقبال الناس عليها أمام بضاعة أخرى تافهة، وسلعة رديئة، تَوَفَّرَ لها مَن يُحسن على الناس عرضها، ويتفنن في تزويقها وتزيينها، بما يتحرى لها مِن أفضل أساليب العرض، ويختار لها مِن أنجح وسائل التسويق !!

 

وكم من قضية عادلة كان الفشل حليفَها، لا لشيء سوى أنه لم يتهيّأ لها مَن يحسن عرضها، ويعرف كيف يدافع عنها، وينتصر لها، ويستميل الآخرين ويقنعهم بالوقوف إلى جانبها، وكم من قضية باطلة لاقت نجاحا، بما تهيّأ لها مِن أناس استطاعوا أن يُضْفوا عليها قبولا ومصداقية، ويجلبوا لها تأييدا وتعاطفا.

 

وما أمر اليهود في الترويج لأباطيلهم وأكاذيبهم في العالم، وتمكُّنِهم من إقناع الغرب ـ بطريقة أو بأخرى ـ بأحقِّيّتهم في أرض الإسلام والمسلمين؛ القدسِ وما جاورها، وانتزاعِهم اعترافا دوليًّا بما أُقيم لهم من كيان لقيط على أرض الإسراء والمعراج عنا ببعيد، لأنهم قد عرفوا كيف يُسوِّقون ويروِّجون لأفكارهم ومخططاتهم على مستوى العالم كله، وكيف يدعون إلى قضاياهم، بالأساليب والوسائل الفعالة والمؤثرة، بينما -نحن العربَ والمسلمين- قعدنا عن نصرة قضايانا العادلة، وقصّرنا في بذل كافة الجهود، والأخذ بجميع الأسـباب المطلوبة، بل أحيانا تُسند مهمة الدفاع عن بعض القضايا إلى مَن ليسوا أهلا للدفاع عنها، وربما يكونون غير مؤتمنين عليها، فلا عجب أن فشلنا في الوصول إلى النجاح، وإحقاق الحق، جزاء تفريطنا وتقصيرنا.

 

ولا نذهب بعيدا؛ فالأفكار والدعوات لَهِيَ في أمَسِّ الحاجة إلى مَن يجيد عرضـها، ويُحسِن التعريف بها، ويقْدر على حمل الناس على قبولها واعتناقها، والتفاعل مع مبادئها وقضاياها.

 

وإن جمال الدعوة، وسموَّ مبادئها، وعظمة أفكارها، ونُبل أهدافها ومقاصدها؛ إنّ هذا وحده ليس كافيا لأن يبعث في الدعوة عناصر القوة، ويُوجِدَ في كيانها الحياة والنشاط، ويحققَ لها التأثير المأمول، والانتشار المطلوب، بل لا بدّ مع هذا مِن وجود الداعيـة الماهر الحاذق، الذي تتحقق فيه مقومات الداعية ومؤهلاته، كيما يستطيع الوصول إلى التأثير في الناس وكسبَهم لصالح دعوته، وإشراكَهم في خيرها، باعتناقها وتطبيق مبادئها.

 

إن مطالعة تاريخ الدعوات والمذاهب ـ عموما ـ يؤكد على أهمية دور الداعية وخطورة موقعه، وشدة تأثيره، فيما يتعلق بانتشار الدعوة أو المذهب.

 

وفي تاريخ الدعوة الإسلامية ـ خصوصا ـ مواقف كثيرة تدلل بوضوح على أن الداعية الماهر الحصيف له دور فاعل، وتأثير قويٌّ في انتشار الإسلام، واستمالة الناس نحو مبادئه.

 

وحال مصعب بن عمير -رضي الله عنه- في قيامه بالدعوة إلى الإسلام في المدينة المنورة ـ على ساكنها أتم الصلوات والتسليمات ـ خير شاهد على هذا الأمر؛ حيث كان لمهارته في الدعوة أثر كبير في نشر الإسلام، واعتناق الكثيرين مِن أهل المدينة لهذا الدين العظيم، حتى دخل الإسلام أكثرَ بيوت المدينة، إن لم يكن جميعَها.   

 

ومِن الأمثلة الدالّة أعظمَ دلالة على خطورة وأهمية الدور الذي يضطلع به الداعية في مجال الدعوة إلى الله تعالى؛ موقف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وما حدث منه في مواجهة وفد قريش، الذي ذهب إلى النجاشي -رضي الله عنه- ليطالب بإرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، وردِّهم إلى قريش، وكانت مهارة جعفرِ الداعيةِ ذاتَ أثرٍ كبيرٍ لصالح الدعوة، حيث لم يسفر الموقف عن تحييد النجاشيّ في موقفه مِن المسلمين فقط، بل إضافةً إلى هذا كسْب النجاشيّ نفسِه -وهو الملك الحاكم- إلى صف الدعوة الإسـلامية، وجعله يعتنقها، ويُمسي أحد جنودها المخلصين، مع أنّ وفد قريـش كان يضـم داهية العرب وبليـغَهم «عمرو بن العاص» -رضي الله عنه-، وغير هذا من النتائج العظيمة التي حققتْها الدعوة على يد جعفر رضي الله عنه ([1]).

 

وخلاصة القول أن موقع الداعية بين أصول الدعوة الإسلامية موقع خطير، وأنه هو العنصر الفَعّال والمؤثِّر في إنجاحِ الدعوة وازدهارِها، والتمكينِ لها .. الأمرُ الذي يحتم على المؤسسات الدعوية اليومَ العملَ المتواصلَ، والتخطيطَ المحْكَمَ، وبذلَ الجهود، لإيجاد وإعداد الدعاة النابهين والمهَرةِ النابغين، الذين يحملون رسالة الإسلام ويبلّغون دين الله في العالمين.

والله المستعان.

 

---

[1] ـ أفردْتُ بحثا مستقلا عن هذا الموقف بعنوان: « فقه الدعوة في ضوء موقف جعفر بن أبي طالب أمام النجاشيّ .. دراسة دعوية تحليلية», وهو منشور .

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات