حاجة العالم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الماضي والحاضر

حامد محمد غانم

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

من كان له عقل رشيد مُنصف، ونظر إلى حالة العالم الآن، لوجد أننا أحوج ما نكون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل لا أكون مخطئًا إذا قلتُ: إننا أحوج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذي قبل، فكما كان العالم قديمًا يعيش في الظلمات، فإن العالم الآن في ظلمات أشد؛ فمن الناحية الدينية معظم سكان العالم مشركون، ما زال

 

 

 

 

سؤال لا بد منه لكي نفهم المقصود بهذا المقال: لماذا أرسل الله سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الوقت بالتحديد؟ لماذا ليس قبل؟ ولماذا ليس بعد؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بدَّ أن ننظر إلى خريطة العالم في ذلك الوقت؛ لنعرف أن ذلك الزمان كان أنسب وقت لمجيء هذا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ويكفي أن الله تبارك وتعالى عبر عن هذا الزمن بـ"الظلمات"؛ فقال تعالى: ( لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) [إبراهيم: 1]، وفعلًا، كان العالم يعيش في ظلمات، ومن كان في الظلام يحتاج إلى النور.

 

فتعالوا نرَ كيف كان يعيش العالم في الظلمات؟

أولًا: من ناحية العقيدة:

هل تعلم أنه لم يكن أحد على وجه الأرض يعبد الله وحده لا شريك له إلا نفرًا قليلًا ممَّن يُسمَّون بالحُنفاء، وبعض نفر من أهل الكتاب، أما غالبية الناس فكانوا مشركين؛ ففي الجزيرة العربية تجد عُبَّاد الأصنام، وإذا اتجهت شرقًا تجد الفُرْس عُبَّاد النار، وإذا توغلت إلى اليابان والصين وشرق آسيا تجد عُبَّاد بوذا وكونفوشيوس، وإذا اتجهت للغرب تجد عُبَّاد المسيح عليه السلام، وإذا نظرت في الشام تجد اليهود عُبَّاد عزير، واليهود وما أدراك ما اليهود؟!

 

إذًا؛ كان العالم كله في حاجة لمن يقول له: "قل: لا إله إلا الله"، فكان -محمد صلى الله عليه وسلم-.

 

ثانيًا: من الناحية السياسية:

كان العالم يقع تحت وطأة إمبراطوريتين عُظميين؛ الإمبراطورية الرومانية في الغرب، والإمبراطورية الفارسية في الشرق، ومعظم الدول الأخرى تابعة لإحداهما، وكانت الحرب بينهما مستعرة، والغلبة للأقوى، فكان العالم تحت وطأة الحرب والدمار، القويُّ يأكل الضعيف، فكان العالم في حاجة إلى من يأخذ بيده ليعيش في سلام وأمان بعيدًا عن الحرب وويلاتها، فكان محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

ثالثًا: من الناحية الاجتماعية:

كان الناس في جميع أنحاء العالم طبقتين؛ طبقة السادة، وطبقة العبيد، طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء، السادة لهم كل ملذات الحياة حتى ولو كان على حساب الفقراء والعبيد المساكين، وكان الفقراء لا يَحيون إلا لشرف خدمة أسيادهم، فعمَّ الظلمُ والقهر والفساد في كل مكان، وانتشرت الرذيلة والفاحشة وسوء الأخلاق، وكان الناس يَجأرون لمن يُخلِّصهم من هذا الفساد، ويُحرِّرهم من الذلِّ والقهْر والاستعباد، إلى نور العدل والحرية والمساواة، فكان محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

رابعًا: من الناحية الاقتصادية:

كان العالم آنذاك يعيش على التجارة بين الدول، وكان المال في يد طائفة معيَّنة من الناس، فكانوا يستغلون حاجة الفقراء، وانتشر الربا، والغش، والفساد المالي، وتخيَّل في عالم يَنتشر فيه الفقر والربا والفاحشة مع سوء العقيدة والقوة الباطشة الغاشمة كيف تكون الحياة؟ فكان العالم في حاجة لمن يضع قواعد العدل والاقتصاد الحر بلا غش، ولا خديعة، ولا ربا، مما يضمَن حياة كريمة للناس، فكان محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

مما سبق تتبيَّن لنا الحكمة العظيمة التي مِن أَجلِها اختار الله -عز وجل- ذلك الزمان بعينه لإرسال خاتم رسله وخير خلقه محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

والسؤال الآن: هل نحن الآن في حاجة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مثل ذلك الزمان أو لا؟

من كان له عقل رشيد مُنصف، ونظر إلى حالة العالم الآن، لوجد أننا أحوج ما نكون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل لا أكون مخطئًا إذا قلتُ: إننا أحوج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذي قبل، فكما كان العالم قديمًا يعيش في الظلمات، فإن العالم الآن في ظلمات أشد؛ فمن الناحية الدينية معظم سكان العالم مشركون، ما زال منهم من يعبد البقر والحجر والشجر والبشر، ما زال فيهم الجهل والفقر والغش والربا وأكل أموال اليتامى والفقراء، ما زال القوي يأكل الضعيف وينتهك حرماته ويعتدي على مقدساته، ما زال الناس يُباعون تحت وطأة الفقر لمن يدفع أكثَر، وما زالت المرأة في سوق النخاسة تُباع وتُشترى، بل بصورة أشد جاهلية مما كانت عليه قديمًا، وما زالت القوى العظمى تأكُلُ خيرات الفقراء وترمي لهم بالفتات، ما زال العالم يعيش في ظلمات الضلال والفساد والانحلال، ما زال العالم يَحتاج من يأخذ بيديه إلى الله، وإلى الصراط المستقيم، ما زال العالم يحتاج إلى قائد للحرية والعدل والمساواة والإخاء، ما زال العالم في حاجة لمن يأخذ بأيديهم إلى النور بمعنى كلمة النور.

 

ولن يكون هذا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ودين محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكتاب -محمد صلى الله عليه وسلم-، وسُنَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم ردَّنا إليك ردًّا جميلًا، واجعلنا هداة مهديين، اللهم اهدنا واهد بنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

 

وصلِّ اللهم على سيدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّمَ

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات