أداء الخطيب بين المراعاة والتوازن

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: بناء الخطبة

اقتباس

وهنا يجب التنبيه إلى أمر، وهو أن بعض الناس يذكر في سياق الترهيب من جرم أو ذنب بعض آيات الوعيد، ثم يعقب في خطبته ببيان أن ذلك الوعيد ليس محمولاً على معناه المتبادر، وإنما لا بد له من تأويل، مثال ذلك:
قد يذكر الخطيب حديث: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". فيذكر قول السلف في معنى الحديث، وأنه ليس الكفر المخرج من الملة، وهذا حق، ولكنه يضعف أثر الحديث في النفوس، ولذلك لو فرق بين حال التعليم وحال الوعظ وأنه حين الوعظ تذكر نصوص الوعيد كما جاءت، وأما في حالة التعليم وبيان الحكم فلا بد من البيان..

 

 

 

 

الخطيب كالقبطان الماهر الذي يتولى قيادة السفن الكبيرة التي تمخر البحار وتركب الأمواج، فتارة تكون البحار ساكنة والأمواج هادئة، وتارة تكون البحار هائجة، والأمواج هادرة، والمهارة هي القدرة على القيادة بسلاسة وأمان بحيث تصل السفينة إلى هدفها، مهما اختلفت الأجواء والظروف. وهذه المهارة تعتمد في الأساس على قاعدتين هامتين بمثابة مجدافي السفينة؛ المراعاة والتوازن. فبدونهما يتخبط الخطيب في أدائه للخطبة مهما كانت جيدة الإعداد، قوية الموضوع، حتى لو كان الخطيب نفسه بليغاً فصيحاً.

 

أولاً: المراعاة:

ونعني بها قدرة الخطيب على تقدير الأمور في خطبته من حيث موضوع الخطبة، وأسلوب الإلقاء، وتوقيت الخطبة، ومناسبتها، وقياس أثرها وحال المستمعين. وهي تنقسم إلى عدة أقسام.

 

أولاً: مراعاة قدرة الخطيب على البيان:

فالتفاوت العلمي والعقلي حادث لا محالة بين الناس والخطباء منهم، فقد قال ا? -تعالى- في محكم التنزيل: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف: 76]،  وقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114]، وليس الخطيب قادرًا على كل الموضوعات التي يرد طرحها إما لقلة علمه في الجملة وإما لقلة علمه في موضوع معين، فإذا رأى الخطيب من نفسه ذلك، فعليه ألا يتكلم في موضوع، هو غير قادر على بيانه وتوضيحه أو غير عالم بجوانبه التي يجب طرحها على الناس. ولو شعر الخطيب بحاجة ماسة للحديث عن موضوع لا يحسنه، ولكن الناس تحتاج إلى سماعه، فلا بأس أن يستعين بكتاب فيه خطب لعالم موثوق فيخطب بما فيه، وذلك خير وأفضل من أن ينشئ كلاماً في موضوع لا يحسن الكلام فيه، فيكون ضره أعظم من نفعه.

 

ثانيًا: مراعاة قدرة الناس على الفهم:

 فالناس تتباين عقولهم، وتختلف فهومهم، فهم على درجات في الفهم، والخطيب يخاطب أناساً كثراً، فكان واجباً عليه مراعاة قدرة الناس على فهم ما يقول؛ لئلا يصير ذلك القول فتنة لهم، مثال ذلك: تكليم الناس في دقائق العلوم وصعاب المسائل التي لاتصل إليها أفهامهم ولا تدركها عقولهم، كمن يحدث عوام الناس بدقائق المسائل في القضاء والقدر وهي مسائل لا يصلح ذكرها لعوام الناس ولا يدركها إلا خواصهم وقد عد الإمام الشاطبي تكليم الناس في هذه الدقائق من باب البدعة الإضافية فقال: "ومن ذلك التحدث مع العوام بما لا تفهمه ولا تعقل مغزاه فإنه من باب وضع الحكمة في غير موضعها ".

 

وقد جاء النهي عن ذلك في جملة أحاديث منها: عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-:" أنه نهى عن الأغلوطات" قال الإمام الأوزاعي: " هي صعاب المسائل أو شرار المسائل " والحديث في سنده مقال. وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه قال-: "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب ا? ورسوله". فنهى عن تحديت الناس بما لا يعقلون حتى لا يؤدي ذلك إلى تكذيب الله ورسوله. وقد جعل الإمام البخاري هذا الأثر عن علي في ترجمة باب قال فيه: "باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا".  وعن عبد ا? بن مسعود -رضي الله عنه- قال : "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبضعهم فتنة".

 

وإن تحديت الناس بما لا يعقلون ولا يدركون يؤدي إلى نتائج سيئة منها:

1-أن يفهم السامع الكلام على غير وجهه فيفتن بأحد أمرين: التكذيب بالحق. العمل بالباطل. قال ابن وهب في الكلام عن قول ابن مسعود السابق: "إلا كان لبعضهم فتنة "، وذلك أن يتأولوه غير تأويله، ويحملوه على غير وجهه ". وقال الإمام الذهبي: "ينبغي للمحدث ألا يشهر الأحاديث التي يتشبث بها أعداء السنة من الجهمية وأهل الأهواء والأحاديث التي فيها صفات لم تثبت، فإنك لن تحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم، فلا تكتم العلم الذي هو علم ولا تبذله للجهلة الذين يشغبون عليك أو الذين يفهمون منه ما يضرهم". وهذه المسألة تتعلق بحالات لأنها الأصل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " أما أن يكون الكتاب والسنة نهى عن معرفة المسائل التي يدخل فيما يستحق أن يكون من أصول الدين فهذا لا يكون اللهم إلا أن ننهى عن بعض ذلك في بعض الأحوال مثل مخاطبة شخص بما يعجز عنه فهمه فيضل" وذكر قول ابن مسعود، وقول علي -رضي الله عنهما-.

 

2-ألا يفهم السامع شيئاً من المتكلم، وهذا وإن كان أسلم من الأول إلا أنه ينافي مقصود الخطبة بتعليم الناس ما ينفعهم وفهمهم لذلك، فهو لم يعط الحكمة حقها من الصون، ولم يؤد الأمانة والبلاغ. والخطيب العالم الرباني يبدأ بالتدرج مع الناس فيربيهم على صغار العلم قبل كباره، ويبدأهم بالأهم قبل المهم، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال في تفسير قول الله –تعالى-: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) [ أل عمران: 79]، وكونوا ربانيين حكماء فقهاء. وقال البخاري -رحمه الله-: "ويقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره"، وقال الحافظ بن حجر -رحمه ا?-:"والمراد بصغار العلم: ما وضح من مسائله، وبكباره: ما دق منها، وقيل: يعلمهم جزيئاته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله أو مقدماته قبل مقاصده ". للإمام الشاطبي -رحمه الله- كلام نفيس في هذا الموضوع حيث يقول في بيان ضابط ما ينشر وما لا ينشر: " أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها، إما على العموم إن كانت مما تقبله العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية ".

 

 

ثالثا: مراعاة الأحوال:

قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ...) [النحل: 125]، ومراعاة الأحوال العامة وظروف البيئة من دلائل الحكمة في الدعوة، والأحوال التي يحسن بالخطيب مراعاتها كثيرة، ونذكر ضربين دالين على ماعداهما.

 

1-مراعاة أحوال الأمة العامة: إن الأمة تمر بأحوال مختلفة كل حال تستدعى من الخطابة ما يناسبها، فإن حالة الحرب تستدعي من التركيز على موضوعات معينة ما لا يستدعيه حال السلم، فيركز الخطيب على الصبر، وجمع الكلمة، والجهاد، والتوكل على الّله، وعدم الركون للكافرين.كما أن حال الأمن والرغد تستدعي التذكير بالنعم والأمر بالشكر والتحذير من كفران النعم، وبيان قصص السابقين الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار.

 

2-مراعاة حال المصلين في المسجد: إن المساجد يختلف روادها باعتبارات كثيرة وعليه فإن المسجد الذي يرتاده مدرسو الجامعات غير الذي يرتاده طلا بها، والمسجد الذي يرتاده العمال غير المثقفين غير الذي يرتاده المتعلمون، والمسجد الذي يرتاده الزراع غير المسجد الذي يرتاده الصناع.فمن الحكمة أن يختار الخطيب من الموضوعات ما يتناسب مع المصلين، بل قد يكون موضوع واحد يُعالج من أوجه عدة بحسب حال المصلين، فالزكاة يركز فيها عند المزارعين على زكاة الزروع والثمار، وعند التجار على زكاة الأثمان وعروض التجارة وهكذا.

 

ثانياً: الموازنة:

ونقصد بها الموازنة بين المتقابلات والمتضادات بحيث يصل الخطيب للموقف الوسطى الذي هو عنوان استقامة المؤمن الحق، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تمييع، وهكذا، ومن أبرز جوانب الموازنة في أداء الخطيب:

 

أولاً: الموازنة بين البشارة والإنذار:

إن بعض الناس يكون ذا طبيعة نفسية مائلة إلى جانب التبشير أو جانب التخويف، فيؤثر ذلك على خطبه، فيميل مثلاً إلى جانب الإنذار والتخويف دوماً، فنراه يشيع في الناس - على سبيل المثال - الكلام عن فساد الناس وضياع الدين واندراس السنن، وإن مستقبل الناس يزداد شرًا وأن الأعداء يملكون زمام العالم... إلخ.

 

وهذا الاقتصار يبعث اليأس في النفوس، ويحطم طموحها ونشاطها للعمل الإسلامي، والحكمة أن يوازن الإنسان بين البشارة والنذارة، ولذلك جمع الله للرسول بين هذين العملين، فقال سبحانه: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ...) [البقرة: 213]، فهم يبشرون في مواضع البشارة، وينذرون في مواضع النذارة، ويجمعون بينهما في مواضع الجمع.

 

إن حالات الإنذار يحتاجها الناس عندما يركنون إلى الدنيا وحظوظها ويرضون عن دين الله -عز وجل- فهو أسلوب تخويف مع من لم يرفع بدين الله رأسًا، والرسل -عليهم الصلاة والسلام- فعلوا ذلك، فقد كانوا ينذرون أقوامهم، ويخوفونه لما يرونه من إعراضهم عن دين الله  فكان الواحد منهم يقول ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) [الشعراء:] ، وقال تعالى: ( إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يوقنون )[:] فالدعوة مرتبطة بالإنذار والتخويف من سوء المصير. أما التبشير فإنه يتوجه للمتقين الطائعين. ويحَتَاج الناس للتبشير وبعث الأمل في النفوس حين الاضطراب والضعف والخوف والبلاء، ولذلك لما كان النبي- صلى الله عليه وسلم-  مضطرباً بعد نزول الوحي عليه بشرته أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- بما يزيل عنه دواعي الاضطراب وأسباب الخوف فقالت: "كلا، أبشر فو الله لا يخزيك ا? أبدا، فوا? إليك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق". وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بالرفعة والظهور على الأديان، وهم في أشد حالات الضعف، وأعداؤهم متسلطون عليهم، ففي المسند: " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض".  

 

وهنا يجب التنبيه إلى أمر، وهو أن بعض الناس يذكر في سياق الترهيب من جرم أو ذنب بعض آيات الوعيد، ثم يعقب في خطبته ببيان أن ذلك الوعيد ليس محمولاً على معناه المتبادر، وإنما لا بد له من تأويل، مثال ذلك:

قد يذكر الخطيب حديثَ: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". فيذكر قول السلف في معنى الحديث، وأنه ليس الكفر المخرج من الملة، وهذا حق، ولكنه يضعف أثر الحديث في النفوس، ولذلك لو فرق بين حال التعليم وحال الوعظ وأنه حين الوعظ تذكر نصوص الوعيد كما جاءت، وأما في حالة التعليم وبيان الحكم فلا بد من البيان.

 

ثانياً: الموازنة بين المصالح والمفاسد:

إن الخطيب بحاجة إلى فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، ومعرفة رتب المصالح والمفاسد، حتى يوازن بين مصلحة كلامه وما قد يترتب عليه من المفاسد، وذلك أن قيام الشريعة إنما هو على جلب المصالح ودرء المفاسد، يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "معظم  مقاصد  القرآن: الأمر باكتساب المصالح وأسبابها والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها " .ويقول رحمه الله :"الشريعة كلها مصالح إما أن تدرًا مفاسد أو تجلب مصالح، فإذا سمعت ّالله يقول: يا أيها الذين آمنوا فتأمل وصيته بعد ندائه فلا تجد إلا خيراً يحثك عليه أو شرًا يزجرك عنه أو جمعاً بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد حثا على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح حثاً على إتيان المصالح ". وهذه المصالح والمفاسد فد تختلط فيكون الفعل الواحد أو القول الواحد مصلحة من وجه ومفسدة من وجه آخر، أو مصلحة مشوبة بشيء من المفاسد أو العكس أو هي مصالح أو مفاسد في حال دون حال، قال الإمام الشاطبي: المنافع والمضار عامتها أن تكون إضافية لا حقيقة، ومعنى كونها إضافية أي أنها منافع أو مضار في حال دون حال، وبالنسبة لشخص دون شخص ووقت دون وقت ".

 

وتعارض المصالح والمفاسد وحسنات الفعل وسيئاته باب واسع جداً لاسيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذي ينظرون الأمرين ".

 

وتعارض المصالح والمفاسد عالجه الشارع فأمر: بارتكاب أدنى المفسدتين للسلامة من أعلهما.وبإهدار إحدى المصلحتين لتحصيل أعلاهما.وبتقديم درء المفاسد على جلب المصالح.وبالنظر في مآلات الأمور وعواقبها وعدم الاقتصار على النصر الآني، ولذلك فإنه يجب على الخطيب ألا يدفع الفساد بمفسدة أعظم، إذ لا يجوز رفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا يدفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين، فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، وترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يُجمعا جمعًا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعا " .

 

وإن موضوعًا من الموضوعات قد لا يصلح أن يعرضه الخطيب في وقت أو حال لما يترتب على عرضه من مفاسد، بينما لو عرضه في وقت آخر أو حال أخرى كان مصلحة خالصة. والفقيه من وازن بين المصالح والمفاسد، فقال حين يحسن القول، وكف حين يحسن الكف، ومما يوضح ذلك أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: "حفظت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم". فبين أبو هريرة أنه امتنع عن التحديث بجزء من أحاديث آخر الزمان خوف حصول المفسدة الاجتماعية العامة، قال ابن حجر -رحمه ا?-: "حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وكان أبو هريرة يُكني بعضهم ولا يصرح به خوفاً على نفسه منهم".

 

ولعله خشي أن يكون إخباره الناس بأسماء هؤلاء الأمراء سبباً للخروج عليهم فتكون فتنة، ويوضح ذلك أيضًا حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال : " كنت رديف النبي -صلى ا? عليه وسلم-، فقال: "هل تدري يا معاذ ما حق الله على الناس؟ قال : قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، أتدري يا معاذ ما حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم، قال: قلت: يا رسول الله، ألا أبشر الناس قال: دعهم  يعملون"، فاعترض الرسول -صلى الله عليه وسلم-  على معاذ وبين له مفسدة تَحديت الناس بهذا الحديث.

 

وقد احتج الإمام البخاري بهذا الحديث على جواز أن يخص العالم بالعلم قومًا دون قوم كراهية ألا يفهموا.

 

وقد حدث معاذ بهذا الحديث قبل موته خشية الإثم ولكن الاعتراض الذي ذكره معاذ من قول النبي "

إذاً يتكلوا"؛ صار مقترًنًا بالحديث إلى يومنا هذا؛ ليمنع سوء الفهم.

 

ثالثا: الموازنة بين الجانب العاطفي والجانب العقلي:

 فبعض الخطباء تصطبغ خطبتهم بالصبغة العاطفية البحتة، فلا تراه يجتهد لإقناع الناس بما يقول، وبعضه تصطبغ خطبه بالصبغة العقلية البحتة فلا يثير عواطف الناس، وكلا الطرفين قصد الأمور ذميم. فإن إشعال عواطف الناس دون أن يكون هناك شيء من الإقناع والأدلة واستخدام الأسلوب العلمي مؤد إلى سلبيات كثيرة منها:

 

1-إن ما جاء عن طريق العاطفة فقط سرعان ما ينسى إذا انطفأت جذوة تلك العاطفة.

 

2-إذا أثيرت عواطف الناس بدون بيان العلم الرشيد الصحيح انطلق الناس على غير هدى، فلابد إذاً من لجام هو العلم، يلجم العواطف أن تجعل أصحابها يتعدون حدود ا?، والناس بطبيعتهم محتاجون إلى حاد يحدو بهم إلى العمل، ومرغب يُرغبهم فيه، كما هم محتاجون عند النهي إلى ما يرهبهم من إتيانه. ولذلك كان المجمع بين الأسلوب العلمي والأسلوب العاطفي هو الحق والصواب.

 

3-غلبة العاطفة على العقل تنتج قرارات متعجلة وخاطئة ينقصها الرشد والصواب.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات