رمضان الاستثنائي واختبار الصدق

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

رمضان يأتي هذا العام في ظل وباء أُغلقت بسببه المساجد، وعُلقت الجمع والجماعات، ومُنع الناس من التجمعات، وأُجبر الناس على تغيير معظم روتين حياتهم؛ فحدث انقلاب دراماتيكي في حياة الناس عامة والمسلمين خاصة وهم يستقبلون شهر...

أيام ويطرق أبوابنا أحب الشهور إلى قلوب المسلمين، أيام ويهلّ علينا أعظم الأهلّة وأهمها وأفضلها، أيام معدودات ويدخل عليها شهر رمضان المعظم، أعاده الله -تعالى- على الأمة المحمدية باليمن والبركات، وجعله فاتحة خير وفرج قريب بقوته وحوله -تعالى-.

ولكن شهر رمضان هذه المرة يأتي كغير كل مرة، بل ربما لم يمر على أحد من المسلمين من آبائنا وأجدادنا وما علون إلى قرن من الزمان! شهر رمضان يأتي هذا العام وقد لف الخوف البشرية بأسرها؛ فزاغت الأبصار، وارتجفت الصدور، وبلغت القلوب الحناجر بعد أن ضرب وباء كورونا الفتاك كل دول العالم بحيث لم يدع بلداً إلا دخله، وطرق الموت الأبواب، وأصبح الناس كل الناس في كرب عظيم بعد أن اضطروا للبقاء في المنازل ليتحصنوا بها من هذا الوباء الفتاك الذي قال أهل الذكر من الأطباء والاختصاصيون بأن التباعد المجتمعي والحجر المنزلي هو أفضل طريقة لتجنب هذا الوباء.

 

رمضان يأتي هذا العام في ظل وباء أُغلقت بسببه المساجد، وعُلقت الجمع والجماعات، ومُنع الناس من التجمعات، وأُجبر الناس على تغيير معظم روتين حياتهم؛ فحدث انقلاب دراماتيكي في حياة الناس عامة والمسلمين خاصة وهم يستقبلون شهر رمضان الذي هو شهر الاجتماع والجماعات، سواءً في العبادات أو العادات؛ فرمضان شهر إعادة شحن الروح، بتهذيب النفس وزيادة جرعتها الإيمانية في سبيل إصلاح جوهر الإنسان، توازياً مع الاهتمام بـالمظهر التكافلي المتمثل في موائد الإفطار والتزاور والصدقات، يبدو أنه سيقتصر هذ العام في ظلال المواجهة المحتدمة مع فيروس كورونا على الجوهر دون المظهر.

 

وهذا الظرف الاستثنائي التي تمر به البشرية جمعاء والأمة الإسلامية خصوصاً في شهر رمضان يضعنا أمام محك هو الأهم في حياة المسلمين. فكيف سيقيم المسلمون أهم موسم تعبدي في العام في ظل كل هذه التقييدات والمحاذير ؟!

والحقيقة أن رمضان في زمن الكورونا هو أهم رمضان قد يمر على أي مسلم منا في حياته! لأنه سيكون أهم اختبار يخوضه المسلم لإثبات صدقه مع الله !!

 

فكيف ولماذا ؟

كل مسلم يتعرض خلال حياته للعديد من الاختبارات التي تكشف حقيقة معدنه وصدق دعواه وإيمانه، هذه الاختبارات تكون على أشكال عديدة: موقف صعب، ابتلاء في النفس والمال والولد، إغراء يلعب على وتر الشهوة والرغبة، نازلة عامة تغير سلوك الكثيرين والنوازل كواشف تبرز أفضل ما في الناس وأيضا أسوأ ما فيهم، تسليط عدو، وشماتة حاسد، إلى آخر هذه الاختبارات التي لا يخلو من عوارضها أحد.

 

والغرض العام من هذه الاختبارات هو معرفة الصادق من الكاذب، المؤمن من المنافق، النفيس من الرخيص، السمين من الغث. قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[ محمد 31]، والبلاء بمعنى الاختبار، ذلك لأن الصدق هو أهم مطلوب في حياة المسلم.

قال ابن القيم -رحمه الله-:"ومنزلة الصدق هي منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال. وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنات تجرى العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين".

 

وقسّم الله -سبحانه- الناس إلى صادق ومنافق؛ فقال: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم)[الأحزاب 24]، والإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب؛ فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر، وأخبر -سبحانه- أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه، قال -تعالى-: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا -رضي الله عنه-م ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم)[ المائدة 119]، وقال -تعالى-: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)[الزمر33]؛ فالذي جاء بالصدق: هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله؛ فالصدق: في هذه الثلاثة.

 

الصدق في القرآن

الصدق من أكثر المقامات الإيمانية والأخلاقية ذكراً في كتاب الله؛ فقد ورد لفظ (الصدق) في القرآن الكريم في ثلاثة وخمسين ومائة موضع، جاء في واحد وثلاثين بصيغة الفعل، نحو قوله -تعالى-: (ولقد صدقكم الله وعده)[آل عمران:152]، وجاء في اثنين وعشرين ومائة موضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله -سبحانه-: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) وأكثر ما ورد لفظ (الصدق) بصيغة جمع المذكر السالم المنصوب أو المجرور، حيث جاء في خمسين موضعاً من ذلك قوله -عز وجل-: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)[ التوبة 119].

 

بل إن القرآن الكريم يجعل الصدق هو الجامع لكل الاعتقادات والأقوال والأفعال الإيمانية، كما في قوله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون)[البقرة 177].

 

وأمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً)[الإسراء:80]، وأخبر عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يهب له لسان صدقٍ في الآخرين فقال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)[ الشعراء 84] وبشّر الله عباده بأن لهم قدم صدق عند ربهم، وأنه لهم مقعد صدق، فقال -تعالى-: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ)[يونس:2].

 

وقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ *فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر:54-55].

قال ابن القيم -رحمه الله-:"وهذه خمسة أشياء: مدخل صدق، ومخرج صدق، ولسان صدق، وقدم صدق، ومقعد صدق؛ فأما مدخل الصدق ومخرج الصدق بأن يكون دخوله وخروجه حقاً شرعياً موافقاً للكتاب والسنة في أي أمر من الأمور، وهو ضد مخرج الكذب ومدخل الكذب الذي لا غاية له يوصل إليها....، أما لسان الصدق الذي جاء في دعاء الخليل إبراهيم؛ فهو الثناء الحسن عليه من سائر الأمم صدقاً لا كذباً، وقد استجاب الله له فيه؛ فصار الناس يثنون على إبراهيم بعد موت إبراهيم بآلاف السنين، يثنون عليه ويذكرون سيرته ويتأسّون به. أما قدم الصدق الذي وعد الله به المؤمنين فقد فُسّر بالجنة، وحقيقة القدم ما قدموه في الدنيا من الأعمال والإيمان، وما يقدمون عليه في الآخرة وهي الجنة التي هي جزاؤهم".

 

وبالنظر للآيات التي ورد فيها ذكر الصدق بمشتقاته نكتشف عدة نقاط هامة:

1 -الصدق هو الكامل من كل شيء؛ لذا كان من أوصاف ما نزل على الأنبياء أنه صدق لكماله

2 -التصديق في القرآن الكريم لا يكون بإقرار صحة القول فقط، لكن بالالتزام به.

3 -الصدق في القرآن الكريم في القول هو الإخبار عن مخبر كما هو في الواقع، مع العلم بأنه كذلك، ومطابقة الضمير له، فزاد شرط العلم.

4-الصدق في القول بمجانبة الكذب، وفي الفعل بإتيانه وعدم الانصراف عنه قبل إتمامه، وفي النية العزم والثبات حتى بلوغ الفعل.

 

اختبارات الصدق في القرآن

وقد وردّ الصدق في مقام الاختبار عدة مرات في كتاب الله، كان بمثابة الفيصل بين المؤمن والمنافق، والحقيقي والزائف، الصادق والكاذب، قال -تعالى-: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينظر وما بدلوا تبديلاً)[ الأحزاب 23].

ورد في سبب نزولها عند الإمام أحمد والترمذي وله شواهد عند البخاري عن أنس بن مالك أن عمه -يعني: أنس بن النضر- غاب عن قتال بدر، فقال: غيبت عن أول قتال قاتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشركين، لئن الله أشهدني قتالا للمشركين، ليرين الله ما أصنع، قال: فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما جاء هؤلاء - يعني: المشركين - ثم تقدم فلقيه سعد ابن معاذ - دون أحد، فقال: أنا معك. قال سعد: فلم أستطع أن أصنع ما صنع. قال: فوجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف، وطعنة رمح، ورمية سهم. وكانوا يقولون: فيه وفي أصحابه  نزلت: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر)؛ فهذا اختبار لصدق الإيمان والعهد مع الله نجح فيه بامتياز العبد الصالح والصحابي الجليل الشهيد أنس بن النضر -رضي الله عنه- كان في عافية يوم بدر فعاهد الله لئن حضر مشهداً آخراً ليكونن نعم الرجل الصادق مع ربه في عهده، وقد كان، قال -تعالى-: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ)[التوبة 75 – 77].

 

هذا اختبار من نوع آخر لمدى صدق العهد مع الله إذا اتسعت الدنيا وكثرت النعم وحقق الله المراد. ولكنه اختبار رسب فيه صاحبه على أشد ما يكون من الرسوب، حيث انكشف نفاقه وظهر كذبه وبانت حقيقة معدنه الزائف. والراجح في تفسير الآية ما ذكره ابن حجر: أن ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله:" ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله ـ الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا؛ فأعقبهم بذلك نفاقاً إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة" أما كون أن الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب الأنصاري فلا يصح خبرها، قال -تعالى-: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[ البقرة 94].

 

هذا -أيضا- اختبار للصدق من نوع آخر، اختبار للذي يدعي لنفس مقاماً هو ليس أهلاً له، وفضلاً هو متجرد منه، ومنزلة هو أبعد الناس عنها. قال ابن جرير في تفسير الآية وسبب نزولها:" وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف. كما أمره الله أن يدعو الفريق الآخر من النصارى -إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه وجادلوا فيه -إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة. وقال لفريق اليهود: إن كنتم محقين فتمنوا الموت، فإن ذلك غير ضاركم، إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنـزلة من الله. بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها، والفوز بجوار الله في جنانه، إن كان الأمر كما تزعمون من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا. وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم. فامتنعت اليهود من إجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك، لعلمها أنها تمنت الموت هلكت، فذهبت دنياها، وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها. كما امتنع فريق النصارى - الذين جادلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في عيسى، إذْ دعوا إلى المباهلة - من المباهلة. فبلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار. ولو خرج الذين يباهلون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا".

 

رمضان واختبار الصدق

رمضان الاستثنائي هذا العام يحمل أقوى اختبار لصدق العبد. اختبار لمدى قدرته على المحافظة على وظائف رمضان التعبدية منفرداً بعيداً عن أعين الناس، بعد أن أغلقت المساجد، وحُجب الناس في بيوتهم، وغابت أهم معينات الطاعة في شهر رمضان وهي" الجماعية" التي كانت تحمل الكثيرين في ركاب الطاعة، فيحمل النشيط الكسلان، والصبور الملول، والمواظب المتذبذب، والدؤوب المتقطع. كل هؤلاء من الصنف الثاني كانوا يسيرون في ركاب الصنف الأول؛ فتسير السفينة بالجميع حتى يصلوا إلى بر المغفرة والعتق من النيران بفضل الله وحده.

 

المسلم هذا العام في رمضان مطالب بإظهار صدق إيمانه وعهده مع الله ليكشف الله النازلة ويرفع البلاء عن الأمة. يحتاج لتهيئة قلبه ونفسه وبيته وأهله ومن يعول لاستمرار وظائف رمضان التعبدية والإيمانية والاجتماعية. وذلك بأخذ كل الأسباب المعينة على إحياء ليالي شهر رمضان بالطاعة والذكر والبر والصلّة. فمن المهم جدا أن ندرك في هذه المرحلة أن شهر رمضان هذا العام يختلف عن الأعوام الماضية. يجب أن نعدل من سلوكنا لتتناسب مع الأوضاع الراهنة. فليست الأزمة والنازلة نهاية المطاف. فربنا جلّ في علاه خاطب موسى ومن معه عندما اشتد فرعون لعنه الله في التضييق عليهم، فقال: (وَأَوْحَيْنَا إلى موسى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[يونس87]، عن ابن عباس، في قوله: (واجعلوا بيوتكم قبلة)، قال: كانوا خائفين فأمروا أن يصلوا في بيوتهم. وقد أمرهم الله أن يجعلوا بيوتهم مساجد، وقد ختمت الآية ببشرى للمؤمنين بأن الفرج قريب والأجر قد كُتب وأن العاقبة للمؤمنين.

 

وهذا ما يحتاجه المسلم الصادق في زمان كورونا أن يجعل بيته مسجداً بمعنى الكلمة. أي مكاناً يفيض ذكراً وتلاوة وعبادة واعتكافاً ومكوثاً، بالجملة كل وظائف المسجد تكون في البيت.

 

أما أن يستغل البعض مناسبة غلق المساجد وغياب الجماعية ليجعل من شهر رمضان موسم العبادة والقرب والمغفرة، شهراً للبطالة والعطالة والبطنة والكسل، شهراً للهو والعبث والعكوف على مشاهدة وسائل الإعلام والمسلسلات والأفلام والبرامج التافهة والهابطة بداعي الاسترواح وقطع الوقت الطويل نتيجة المكوث في البيت، ويتعرب من وظائفه التعبدية واستحقاقاته الاجتماعية، فهذا هو عين الرسوب في اختبار الصدق مع الله، وانكشاف حقيقة العبد أمام ربه.

 

شهر رمضان شهر عبادة وشهر روحانيات وشهر علاقات اجتماعية، ولا شك سيكون هذا العام رمضان فردياً وستكون عبادات الناس مع ربهم فردية، وهنا هو المحك الحقيقي لصدق الإيمان وقوته.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات