مقاصد العيد وآدابه

عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: مقالات في الوعي
الكتابة
26

اقتباس

لم تكن الأعياد في الإسلام مجرد لهو ولعب وأكل وشرب وزينة فحسب، ولكن لحِكَم ومقاصد عظيمة، ومن تلك الحكم والمقاصد: أنها شرعت لشكر الله -تعالى- على نعمه وإحسانه...

الحمد لله الكريم المجيد الذي أكرمنا بالدين والتوحيد، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وشرع لنا فرحة العيد، والصلاة والسلام على محمد -صلى الله عليه وسلم- الإمام الرشيد، وعلى آله وصحابته الجيل الفريد، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الوعيد، أما بعد:   لقد جاءت شرائع الإسلام بالسماحة واليسر، وألغت كل ما يجلب للناس المشقة والعسر؛ قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185]، قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية الكريمة: "يريد الله -تعالى- أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله".  

 

وإن من مظاهر السماحة والتيسير في هذا الدين العظيم: أن الله جعل لعباده أياماً للفرح  والسرور، والبهجة والحبور، وأذن لهم فيها باللهو المباح بما لم يعتادوه في سائر الأيام والشهور؛ فجعل لهم عيد الفطر وعيد الأضحى؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أنه قال: "كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما"؛ فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر" (رواه أبو داود)، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما" دليل على اختصاص أهل الإسلام بهذين العيدين، وأنه لا يحل لمسلم أن يتشبه بالكفار في شيء مما يختص بأعيادهم.   والمتأمل في سبب تسمية هذه الأيام أعياداً يجد أن ذلك يرجع إلى أنها تعود على الناس بشتى أنواع الإحسان، قال العلامة ابن عابدين -رحمه الله-: "سُمي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله -تعالى- فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي، وغير ذلك، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور".  

 

ولعلنا بعد هذا الاستهلال اليسير نلخص بعض المقاصد والآداب والفضائل لهذه الأعياد الشرعية في ثلاثة محاور:

 

أولاً: حِكَم ومقاصد العيد في الإسلام.  

ولم تكن هذه الأعياد الشرعية مجرد لهو ولعب وأكل وشرب وزينة فحسب، ولكن لحِكَم ومقاصد عظيمة، ومن تلك الحكم والمقاصد: أنها شرعت لشكر الله -تعالى- على نعمه وإحسانه، قال تعالى في كتابه العزيز: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، ومن يعش في ظلال هذه الآية الكريمة يجد أن في ظاهر العيد زينة وتمتع، وأن في باطنه شكر للمنعم -سبحانه وتعالى-، وتحويل الأوقات إلى طاعات وقربات؛ كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: "كل يوم لا يعصي الله فيه؛ فهو عيد، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه، وذكره، وشكره؛ فهو له عيد".  

 

ومن الحكم والمقاصد التي شرعت لأجلها هذه الأعياد: إبراز سماحة هذا الدين وتيسيره على من التزم سبيله، وتمسك به، عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ" (السلسلة الصحيحة).   ومن الحكم -أيضا-: مراعاة طبيعية الفطرة البشرية المكونة من الروح والعقل والجسد، وقد جاء الإسلام بما يلبي احتياجات النفس البشرية؛ فعن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: "دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم: بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد"؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا".  

 

يقول الإمام أبو حامد الغزالي -رحمه الله-: "فإن النفس ملول، وهي عن الحق نفور؛ لأنه على خلاف طبعها؛ فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت، وإذا روّحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت".   ومن مقاصد هذه المناسبات: فرح أهل الإيمان برحمة الله وفضله، قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].  

ومن الحِكَم كذلك: تعظيم شعائر الله -تعالى-، قال -سبحانه-: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، والأعياد المشروعة من شعائر الله المهمة التي عظمها الإسلام.

 

ثانياً: الآداب الشرعية للمناسبات العيدية.  

فالعاقل من يغتنم هذه الأعياد المشروعة بما يرضي الله -تعالى- ولا يسخطه، ويلتزم بالآداب الشرعية في هذه المناسبات، والتي منها ما يلي:

 

أولًا: الإمساك عن الطعام والشراب قبل صلاة عيد الأضحى؛ حتى يأكل من الأضحية؛ ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي".  

 

ثانيًا: التجمل للعيد بالغسل والتطيب ولبس أحسن الثياب؛ وقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق؛ فأتى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ابتعْ هذه تجملْ بها للعيد وللوفود؟". 

 

ثالثًا: التبكير في الذهاب لصلاة العيد؛ والاشتغال بالتكبير والدعاء والذكر في الذهاب وحال انتظار الصلاة، لقول الله -تعالى-: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة: 148]، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي".  

 

رابعًا: المشي إلى المصلى؛ كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، وقد جاء عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "من السنة أن يأتي العيد ماشيا"، وقال ابن المنذر -رحمه الله-: "المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شيء على من ركب"، وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وكان -صلى الله عليه وسلم- يخرج ماشيا".  

 

خامسًا: الصلاة في مصلى العيد؛ إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً؛ فيصلي في المسجد لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-أنه: "قال له رجل شَهِدْتَ الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته، يعني من صغره أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت ثم خطب ثم أتى النساء؛ فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن؛ فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال ثم أتى هو وبلال البيت".  

 

سادسًا: حضور الخطبة؛ ولا يحرج على من لم يحضر الخطبة؛ لحديث عبد الله بن السائب قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيد فلما قضى الصلاة، قال: "إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب".  

 

سابعًا: إقامة صلاة العيد؛ فهي من الشعائر التي ينبغي على المسلم أن يخرج إليها مبكرا ليصليها مع الإمام، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة، والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل شيء غيرها، فاقتضى ذلك التبكير إليها". 

 

ثامنًا: الذهاب إلى صلاة العيد من طريق والعودة من أخرى؛ وهذه من الأمور التي حث عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق".  

 

تاسعًا: التهنئـة بالعيـد والزيارات؛ فيشرع تهنئة المسلم بالنعمة الحادثة والعيد كذلك، عن جبير بن نفير قال: "كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تُقُبِّل منا ومنك".  

 

عاشرًا: التوسعة على الأهل والأولاد في أيام العيد خصوصاً، وإظهار الفرح والسرور؛ ويدل على ذلك نهي النبي الكريم للصديق عن نهر الجواري اللاتي كن يغنين عند عائشة -رضي الله عنها-.  

 

الحادي عشر: الإكثار من التكبير يوم العيد حتى يخرج الإمام لصلاة العيد؛ فقد كان ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام"، وجاء عن الزهري -رحمه الله- أنه قال: "كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام؛ فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا".  

 

الثاني عشر: ذبح الأضحية؛ ويكون بعد صلاة العيد؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل أن يصلي؛ فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح"، ووقت الذبح: أربعة أيام، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل أيام التشريق ذبح".  

 

ثالثاً: بعض خصائص عيد الأضحى وفضائله.   وفي الختام -أيها الأخيار- تعالوا لنقف وإياكم مع بعض مزايا عيد الأضحى وخصائصه؛ فمن ذلك ما يلي: أنه خير أيام الدنيا عند الله -تعالى-، قال صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر" (رواه أحمد وصححه الألباني).  

 

ومما اختص الله به عيد الأضحى: أنه يوم الحج الأكبر، وقد روى الإمام البخاري -رحمه الله-من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم النحر يوم الحج الأكبر".   ومن فضائل يوم عيد الأضحى: اجتماع العبادات فيه؛ كسوق الهدي والطواف والسعي، وذبح الأضحية لغير الحاج، وغير ذلك من الأعمال الفاضلة التي تشرع في هذا اليوم المبارك.  

 

ألا فلنشكر الله على أن تفضل علينا بمواسم الفرح والسرور ولنجعل أفراحنا في طاعته -سبحانه-، ولنحذر أن نقابل هذه النعم باللهو الحرام والمعاصي والآثام؛ كما أنه يجب علينا في هذه الأعياد أن لا ننسى إخواننا من الأرحام والفقراء والمحرومين من العطاء والبشاشة والزيارة.  

هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به ***وبذلك الخير فيه خير ما صنعا

أيامه موسم للبر تزرعه *** وعند ربي يخبي المرء ما زرعا

فتعهدوا الناس فيه: من أضر به *** ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا

وبددوا عن ذوي القربى شجونهم *** دعــا الإله لهذا والرسول معا

واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم *** بــدراً رآه ظلام الليل فانقشعا  

 

اللهم لك الحمد على نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، اللهم كما أنعمت علينا بفرحة العيد أفرح قلوبنا بنصر الإسلام والمسلمين فوق كل أرض وتحت كل سماء..

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
ابو أحمد
27-08-2017

اسلوب الكاتب اكثر من رائع اتمنى نشر المزيد من خطبه لم اجد له كتابات كثيرة

عبدالله البرح
27-08-2017

حياك يا أبو أحمد جزاك الله خيرا وغفر لنا ولك ووفقنا جميعا لمرضاته..