غياب فقه البدائل: نقد الباطل لا يكفي لانتصار الحق

منذر الأسعد

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وفي مجال المعاملات يلحظ كل قارئ حصيف أن الإسلام يحض على اجتناب المحرمات لكنه يقدم للمسلم البدائل التي تشتمل على المنافع القليلة الموجودة في الممنوعات وتتفوق عليها بالنقاء وبمزايا تختص بها دونها.. فالله –سبحانه- أحل البيع وحرم الربا، وحظر العلاقات غير السوية بين الرجال والنساء، لكنه يحض على الزواج ...وهكذا..

 

 

 

لا شك في أن تبيان عوار الباطل وكشف خباياه وخفايا رؤوسه،  واجب شرعي على أهل الاختصاص بحسب زوايا تأهيلهم في علوم الشريعة وخبرتهم في اكتشاف أساليب التضليل ما ظهر منها وما بطن.

 

المؤامرات لن تتوقف:

لا يختلف منصفان في أن عصرنا الحاضر شهد-وما زال يشهد- أعتى هجمات الافتراء على الإسلام، بالرغم من أن حملات أهل الباطل لم تتوقف يوماً،  منذ أن صدع سيد ولد آدم بالدعوة إلى الله كما أمره ربه -تبارك وتعالى-.

 

ومن البديهي أن يتصدى أرباب الأقلام النظيفة لنقد الباطل ومواجهة الزيف ودحض الأكاذيب التي يتفنن الأعداء في الترويج لها،  بصفاقة معلنة تارة،  وبدس خبيث تارة أخرى.

 

إلا أن الملاحظة الموضوعية لمسارات هذا النقد، تنتهي إلى الجزم بأننا أسرفنا في ردود الأفعال، أو -في الأقل- حصرنا جهودنا في هدم الباطل وحققنا نجاحات طيبة،  لكننا نادراً ما أضفنا لَبِنةً إلى بناء النموذج الإسلامي المتكامل.

 

سيقال-بحق-:إن مؤامرات الحاقدين لا تَدَعُ لنا فرصة لكي نمنح البناء بعض وقتنا..

 

وهذا عذر يتكرر في مناقشات المهتمين بالشأن الإسلامي العام، لكنه عند التمحيص لا يعذرنا أمام ربنا –سبحانه- ولا عند الأجيال اللاحقة. وهل من عاقل يتصور أن الأعداء سيَكُفُّون عن التآمر علينا في يوم قريب أو بعيد؟ الجواب بالنفي من دون تردد فنحن نعلم من ديننا الحق أن الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة.

 

أوَلم  تجتمع على المسلمين في العهد النبوي مؤامرات المشركين في جزيرة العرب،  يساندهم اليهود مداورةً والمنافقون من داخل المدينة،  والروم على تخوم الجزيرة يتربصون بالدعوة الدوائر،  ويدعمون حلف الكفر المحلي بكل ما أوتوا من قوة ودهاء؟

 

البدائل المشروعة:

يبدأ المسلم تكوين قناعاته ومواقفه إزاء أي قضية من خلال نصوص الوحيين: الذكر الحكيم والسنة المطهرة.

 

ومن تدبر الكتاب العزيز وأبحر في كنوز السنة الشريفة ، يجد فيهما بياناً ناصعاً لتهافت الباطل مثل  تجلية التردي العقدي والخلقي لدى كفار عرب الجاهلية المعاندين،  وتلاعب كثير من الأحبار والرهبان بعقائد أتباعهم ابتداء من تحريف الكتب التي أنزلها الحق عز وجل على أنبيائهم ببتر ما لا يلائم أهواء هؤلاء ومنافعهم الخاصة،  وبإضافة نقيض ذلك من البدع والشركيات والافتراء على الأنبياء ،  إلى أكل السحت والربامروراً بنقض العهود والمواثيق...

 

 إلا أن هذا الجانب لا يطغى على الجانب الأهم وهو تأصيل الحق وبيانه معززاً بالحجج الباهرة والأدلة الساطعة.. فالتوحيد والإيمان بالنبوات والبعث يحظى بالنصيب الأوفى حجماً وتوكيداً..

 

وفي مجال المعاملات يلحظ كل قارئ حصيف أن الإسلام يحض على اجتناب المحرمات لكنه يقدم للمسلم البدائل التي تشتمل على المنافع القليلة الموجودة في الممنوعات وتتفوق عليها بالنقاء وبمزايا تختص بها دونها.. فالله –سبحانه- أحل البيع وحرم الربا، وحظر العلاقات غير السوية بين الرجال والنساء، لكنه يحض على الزواج ...وهكذا.

 

ولنلاحظ أن تحريم الخمر بالتدرج الواضح، لم يصحبه شن حملة قوية لكشف مثالبها التي لا تخطئها الفطرة السوية.

 

وفي التطبيق العملي تخبرنا السيرة النبوية كيف حرص النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، على بناء المسلمين على المستويين الفردي والجماعي،  وأن البديل الإيجابي ينهض على أنقاض المفاسد الموروثة من الجاهلية .

 

نقطة ضعفنا:

في العصر الحديث، تمتاز ملحمة الشعب الجزائري المسلم للتحرر من الاحتلال الفرنسي، بنقطة مضيئة قلما يتنبه إليها كثير من القراء العابرين..

فالشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- أقام مدارس ليلية لتعليم الدين واللغة العربية،  لإحباط الجهد الصليبي المحموم لسلخ الجزائريين عن هويتهم،  بفرض اللغة الفرنسية في جميع مراحل التعليم.. ولو أن الشيخ شغل نفسه وشعبه بالخطب العصماء عن مساوئ الاحتلال وعن شرور سياساته الوحشية الحاقدة،  لما تمكنت النخبة المسلمة من المحافظة على دينها ولسانها،  وهي تقود ملحمة التحرير المظفرة.

 

ولقد شتمنا الربا الذي تفشى سنين طوالاً فلم تغنِ تلك الشتائم شيئاً،  بل إن توحش الربا كان يزداد ونحن نشتمه ونتكلم عن أضراره الكارثية.

 

إلا أن المعادلة أخذت تختلف جذرياً، عندما بادر بعض الفضلاء في إنشاء مصارف غير ربوية، بالرغم من الحرب الشرسة التي شنتها النظم القمعية والأقلام التغريبية المأجورة.. حتى إن الغرب-وهو الربوي الأكبر- اضطر منذ سنوات إلى الرضوخ جزئياً لهذا التوجه لأول مرة في تاريخه.

 

إن إصرارنا على البقاء في دائرة توجيه النقد وحده-مهما كان صادقاً ودقيقاً- لن يؤدي إلى انتصار الحق،  بل إنه أصبح نقطة ضعفنا القاتلة المزمنة،  والتي عرفها الأعداء واستغلوها لفائدة باطلهم،  وكأنهم يتواصون: دعوا هؤلاء ينفَسِّون عن غضبهم أياماً أو أسابيع،  ثم امضوا في مشروعاتكم التي استفزتهم!!

 

وقد طبقوا ذلك عملياً عند نشر الرسوم المسيئة للنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام،  وكانوا قد انتهجوا النهج نفسه   عندما أطلق البذيء الصفيق سلمان رشدي آياته الشيطانية... ....!!

 

المصدر: المسلم

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات