التربية الذاتية وأثرها في أزمنة الغربة

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

التربية الذاتية كما يفهمها الكثيرون تنحصر في اهتمام الفرد بنفسه لتربيتها وتزكيتها، ويتم ذلك بجهوده الذاتية دون انتظار المعونة أو التوجيه من أحد، وقد أدى هذا الفهم للاعتقاد بأن المرء يلتفت إلى غيره بحجة ألا يشغله ذلك عن تربية نفسه، ولكن الحقيقة أن الاهتمام بالآخرين عنصر أساسي من عناصر التربية الذاتية..

 

 

 

سؤال كثيراً ما جال في عقول الدعاة والمربين والمخلصين من أبناء هذه الأمة، خاصة في هذه الأزمنة المليئة بالفتن والشهوات والشبهات: كيف النجاة من الغرق في هذا البحر المتلاطم من الشهوات والمغريات ومقاومة هذا الرغبات الجامحة؟

هذا السؤال الوجودي يكاد يطرح نفسه كل يوم على الخطباء والشيوخ والدعاة والمعلمين، خاصة من الشباب في سن المراهقة والشباب حيث الفتوة وفورة المشاعر والإقدام.

 

وبالطبع كل النظريات والأفكار والأطروحات والوصايا والنصائح تظل حبراً على ورق، ونفثات صدور مكلومة، وأنين صيحات مكتومة، إذا لم تتجسد في شكل واقع ملموس، وسلوك محسوس، وعمل مدروس.

 

وما الفروق السلوكية والأخلاقية بين الأبناء والأولاد الذين تلقوا نفس القسط من التربية والتعليم والتعويد والتأهيل إلا بسبب تطبيق البعض لما تعلم من مثل وقيم وأخلاق على أرض الواقع، وتخلف البعض عن هذا التطبيق الهام الذي بدونه لا ينتفع المرء بما تعلم وقرأ واستمع.

 

فالهداية كما قال أهل العلم؛ هديتان، هداية دلالة وإرشاد وهي مهمة الرسل والأنبياء والعلماء والمربين والخطباء والدعاة والآباء والمعلمين، وهداية توفيق وهي محض منة وفضل من الله -عز وجل- الذي هو أدرى بخلقه.

 

بعض الأبناء تجتمع فيه الهدايتان، والبعض الآخر تتوفر له هداية الإرشاد ولا تتوفر له هداية التوفيق، وهذا هو السر في التباين بين الأبناء الذين يتلقون نفس المحتوى القيمي والتربوي.

 

ونظراً لأن العصر الذي يعايشه كثير من أبناء المسلمين زاخر بكثير من التحديات والمغريات والمقبلات الداعية للانغماس في متاع الحياة الدنيا وزينتها، وكثير من الشباب يعايش يومياً الوسائل التي تحطم إيمانه وتأكل من دينه وأخلاقه وتربيته، وإذ لم يكن لدى المسلمين الوعي الكافي والتربية الذاتية التي تؤهلهم للصمود في أوقات الفتن وغلبة الشهوات فإنه غالباً ما سيقعون صرعى هذه الفتن العاتية.

 

أولاً: تعريف التربية الذاتية ودوافعها:

التربية تعني الزيادة، وهي عملية شاملة تستهدف بناء الإنسان الصالح، وهي الرعاية الكاملة في كل الجوانب الدينية والأخلاقية والعقلية والجسدية، ومن معاني التربية أنها (تحول النظريات إلى سلوك) وهذا بلا شك لن يتحقق إلا من خلال دوام التربية، وحسن المتابعة. فالتربية لها جانبان: تخلية لكل ما يتعارض مع قيم وأخلاق الإسلام، وتحلية بوضع قيم الإسلام وأخلاقه الرفيعة مكان ما تم تفريغه من شوائب وعوارض.

 

والتربية الذاتية: هي تربية الفرد لنفسه وتعاهدها أولًا بأول بأوراد الطاعات ومزودات الإيمان ومرغبات الصلاح.

 

 وهو أمر لابد منه لمن يريد دوام الاستقامة على أمر الله، لا يكفي من الواحد منا عدم رضاه عن واقعه، أو اقتناعه بأهمية تغيير ما بنفسه من تضخم للذات وشعور بالتميز على الآخرين وفقط، بل لابد من العمل الدؤوب لتغيير ذلك الواقع، ومواجهة سيل الفتن والشهوات التي تموج بها أزمنة الغربة.

 

أما عن دوافع ومبررات التربية الذاتية فكثيرة ومن أبرزها:

1-المسؤولية الفردية: قال الله -عز وجل-: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [فاطر:18]، وقال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر:38]، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر مثل أوزار من تبعه غير أنه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً".

 

2-الحساب الفردي يوم القيامة: قال عز وجل: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة:124]، وقال: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم:93].

 

3-تقييم الفرد لنفسه وعلمه بها دون غيره: وبالتالي فهو أقدر على التعامل معها وعلاج جوانب القصور فيها. فكل واحد منا بصير على نفسه، وأدرى بعيوبها وآفاتها.

 

4-التفاوت في الانتفاع: ومعناه اختلاف الناس أمام نصوص الوحي من حيث الانتفاع بها والعمل باستحقاقاتها، وهذا قريب من تشبيه النبي -صلى الله عليه وسلم- الوحي الذي أتى به وتلقي الناس منه  فقال:" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

 

5-غياب دور المربي: ذلك أن من سمات أزمنة الغربة هو غياب التواصل بين العلماء والمربين والدعاة والخطباء، وبين الجماهير وخاصة الشباب منهم، ذلك من أثر الملهيات الكثيرة والعقبات والشواغل التي تمسك بتلابيب الكثير من أبناء المسلمين، وهنا يأتي دور التربية الذاتية في الحفاظ على عقيدة المسلمين وأخلاقهم.

 

6 –طغيان الشهوات: فالشهوات اليوم أصبحت كالسيل العارم، وبعض وسائل الإعلام الغربي فتحت لنا غرف نومهم؛ لتوقظ الشهوات النائمة عند شبابنا، وتحرك الغرائز الساكنة عند فتياتنا، وتزداد خطورة الشهوات، خاصةً مع توفر سبل المعصية وتيسرها، فالمسلم يحتاج للتربية الذاتية؛ حتى يصل للمناعة الذاتية التي تُعينه -بإذن الله- على التصدِّي لهذه الأعاصير المدمرة من الشهوات.

 

ثانياً: مبادئ التربية الذاتية:

يزخر القرآن الكريم والسنة المطهرة بالعديد من المبادئ والأسس التي تنير الطريق للفرد المسلم وللمجتمعات المسلمة لتحقيق غايتها من الوجود فهناك مبادئ التربية الخلقية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والجنسية والروحية والجسمية، وهناك أيضا مبادئ التربية الذاتية وغيرها، وفي مجال التربية الإسلامية تسعى كل من هذه المبادئ للوصول بالإنسان إلى غاية خلقه ووجوده وتحقيق دوره في الحياة. ومن أهم مبادئ التربية الذاتية المستقاة من الكتاب والسنة:

 

أولاً: الحرية:

وتتضمن الحرية حق تقرير المصير واختيار الطريق، وهي من هذه الناحية تتفق مع التربية الذاتية، فلو لم يكن ثمة تربية ذاتية سليمة وسوية، فإن اختيارات المرء ستكون فاسدة تضل به سواء السبيل، ولذلك تعتبر الحرية إحدى العلامات المميزة للطبيعية الإنسانية وبها يقرر الفرد ما سيكونه وما سيفعله وما سيؤمن به ويعتقده.

 

ولذا فهي من أبرز عوامل تحقيق الذات الإنسانية والتي تسعى التربية لتحقيقها لتكوين شخصية الفرد، وقد وضع الشرع الحنيف أسساً واضحةً لكل فرد لممارسة الحرية بحيث لا تستبد به رغباته وأهواؤه فتزل قدمه ويضل فكره ويخسر دنياه وآخرته. قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [ص:26]، وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) [القصص: 50].

 

فالحرية الفردية في الإسلام محددة بضوابط وقيود تجعلها مرتبطة بالأصل الأصيل الذي خلق الإنسان لأجله ألا وهو العبودية لله –تعالى-، وهذا التشريع ليس سلباً للأفراد حريتهم بل من أجل أن يجنب البشرية الخوض في مزالق الردى ومهاوي الضلال قرونا طويلة ظلوا يتخبطون فيها ويتعثرون في تجاربهم وتؤدي بهم هذه التجارب إلى دمار الأجيال.

 

ومن فوائد هذا التشريع أيضاً أن تراعى حقوق المجتمع ومتطلباته التي قد تتعارض أحياناً مع حق الفرد وحريته، وقد صور لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك تصويراً بليغاً فقال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبناً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" أخرجه البخاري.

 

فليس هناك فرد يعيش لوحده يفعل ما يشاء وقت ما يريد بحجة أن له حرية شخصية يتصرف بها وفق هواه، بل أن القضية مرتبطة بأفراد آخرين يتأثر كل منهم بحرية الآخر، وهذا هو المنهج الذي ينبغي أن يراعى في جانب الحرية، يقول الأستاذ محمد قطب -رحمه الله-: "ليس هناك مصلحة لفرد هي مصلحته وحده وشأنه بمفرده، كل مصلحة هي مصلحتهم جميعاً - أي جميع الأفراد - وكل ضرر هو ضرر يصيبهم جميعاً ولا يستطيع أحد أن يتخل عن مسئوليته في هذا السبيل".

 

ثانياً: المسئولية الشخصية:

ونقصد بالمسئولية: المسئولية الشخصية أي فردية التبعة أو تحمل الجزاء الحاصل نتيجة العمل الذي قام به الفرد أو كلف به، أي إنها تعني ترتب الجزاء من الله –تعالى- على ما يأتي به المكلف من أعمال أو أقوال أو نيات باختياره سواء ألزم بها شرعاً أو التزم بها بمقتضى الشرع، ولها أركان ثلاثة هي:

 

الأول: السائل وهو الله -عز وجل- المالك القادر على الجزاء.

 

الثاني: المسئول وهو البالغ العاقل المبلغ على لسان الرسل.

 

الثالث: المسئول عنه وهي التعاليم المبلغة وهي شريعة الله التي ارتضى لعباده.

 

وتؤكد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على المسئولية الشخصية للأفراد، يقول تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا*وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:110،111]، فالآية الأولى تبين المسئولية الشخصية لما يفعله المرء في حق نفسه، والآية الثانية تقرر الجزاء الفردي الذي يناله من قام بالعمل ولا يسأل عنه غيره، كما قال تعالى: (قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سبأ:25]، وتتضمن المسئولية أيضاً ما يفعله الإنسان من الخير والهدى أو الشر والضلال، قال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الإسراء:15]، قال المفسرون: فهي التبعة الفردية التي تربط كل إنسان بنفسه إن اهتدى فلها وإن ضل فعليها، وما من نفس تحمل وزر أخرى، وما من أحد يخفف حمل أخيه، إنما يسأل كل عن عمله ويجزى كل بعمله ولا يسأل حميم حميماً.

 

ويعرض لنا القرآن الكريم صوراً شتى لتقرير هذا المبدأ فيذكر لنا موقف امرأة نوح وكذلك امرأة لوط اللتين لم توافقاً زوجيهما النبيين على الإيمان ولا صدقاهما على الرسالة فلم يجد ذلك كله شيئاً ولا دفع عنهما محذورا أو رد عذاباً في النار، وفي المقابل تبرز لنا صورة امرأة فرعون المؤمنة التي ما ضرها كفر زوجها حين أطاعت ربها وآمنت به. ومن خلال هذه الحقيقة يقرر المرء الحياة التي يريد أن يحياها والطريق الذي سيختاره لنفسه والمصير الذي سيؤول إليه كل فرد يضع نفسه حيث يريد هو، يكرمها أو يهينها، يرفعها أو يضعها.

 

فخطاب التشريع واضح البيان في الحث على تربية الذات والسمو بالشخصية إلى المراتب العليا وذلك بالاستعداد لهذه المسئولية التي سيواجهها كل فرد حيث تبدأ مسئولية كل فرد في هذه الحياة منذ بلوغه سن التكليف وتنتهي بمفارقته لها، ولكل مسئوليته الخاصة به. فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على كل مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ".

 

ثالثاً: الجزاء:

ونقصد به مجازاة المرء بعد موته وانقضاء أجله على ما قدم في حياته الدنيا. يعتقد المسلم اعتقاداً جازماً أن الموت باب وكل الناس داخله، والبرزخ دار كل الناس سيزورها وسيقضي فيها فترة الله أعلم بها، ثم يكون المحشر للسؤال عن الأعمال وللفصل بين العباد. وفي البرزخ يحيا الفرد حياة الله أعلم بها، لا أب ولا أم ولا أصحاب ولا أتباع ولا خدم ولا حشم، تكون مساءلة ويكون حساب. والدلائل على ذلك كثيرة جداً ومن الاشتهار بمكان لا نحتاج معه لذكرها ولو على سبيل المثال.

 

إن الجزاء في البرزخ أمر لازم ولا مفر منها لأحد، ومحصلته إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. يقول القرطبي: "الإيمان بعذاب القبر وفتنته واجب، والتصديق به لازم حسب ما أخبر به الصادق، وأن الله –تعالى- يحيي العبد المكلف في قبره برد الحياة إليه ويجعله من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه ليعقل ما يسأل عنه ما يجيب به ويفهم ما أتاه من ربه وما أعد له في قبره من كرامة أو هوان. وبهذا نطقت الأخبار عن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله آناء الليل وأطراف النهار، وهذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل الملة.

 

كما أن تذكر هذا المصير المحتوم يولد القشعريرة في القلب ويملؤه بالخشية والإنابة وبالتفكر الصادق تسقط العبرات من المدامع ويحس الإنسان بالتفريط ويعترف بالتقصير فيندم على ما مضى وينيب إلى ربه ويسارع إلى تدارك ذاته فيربيها ويقومها على الجادة قبل أن يعض أصابع الندم ولات حين مندم. وأن التفكر فيما بعد الموت، وفي القبر وضمته، والصراط ودقته، والسؤال وحدته، والعرض وشدته، سوف يولّد عدة أسئلة في عقل كل إنسان يبحث عن النجاة:

السؤال الأول: كيف قضى عمره المحدود في الحياة الدنيا وهل كان مؤمناً موحداً أو كان فاسقاً عاصياً أم كان كافراً؟

 

السؤال الثاني: كيف مرت فترة الشباب التي عاشها؟ هل كانت في طاعة الله ومرضاته أم في معصية وفسوق وفجور؟

 

السؤال الثالث: من أين اكتسب المال الذي كان يقتات به في الدنيا؟ هل مصادر كسبه من حلال ومباح أم من غش وخداع أم من استحلال المحرمات كالربا والخمر والملهيات بأنواعها؟

 

السؤال الرابع: ما هي طرق إنفاق ذلك المال؟ هل أدى حق الله فيها وكان نعم المال الصالح للرجل الصالح؟ أم أنفقت فيما لا يرضي الله -عز وجل- ولا يعود بالنفع؟

 

السؤال الخامس: ماذا كانت نتيجة العلم الذي تحصل عليه؟ هل كان علماً نافعاً وعمل به وأدى زكاته؟ أم أعرض عنه وجعله مطية للحياة الفانية فقط وكان ممن آمن ببعضه وكفر بالبعض الآخر؟

ومصداق هذه الأسئلة الخمسة من حديث أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم".

 

رابعاً: الاهتمام بالآخرين:

التربية الذاتية كما يفهمها الكثيرون تنحصر في اهتمام الفرد بنفسه لتربيتها وتزكيتها، ويتم ذلك بجهوده الذاتية دون انتظار المعونة أو التوجيه من أحد، وقد أدى هذا الفهم للاعتقاد بأن المرء يلتفت إلى غيره بحجة ألا يشغله ذلك عن تربية نفسه، ولكن الحقيقة أن الاهتمام بالآخرين عنصر أساسي من عناصر التربية الذاتية.

 

فالاهتمام بالآخرين ليس إهمالاً للنفس أو تدخلاً في شئون الغير، ولكنه الاجتماع بالناس ومخالطتهم ونفعهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ونشر الخير بينهم. وإن الفرد الذي يعيش لنفسه ولا يهتم بغيره يعيش صغيراً ويموت صغيراً ويندم كثيراً، ولا يستطيع الفرد السوي إلا أن يكون مختلطًا بمن حوله، فإن من أخص خصائص الإنسان أن ينتمي إلى وسط ما يشعر بمشاعره ويحس بأحاسيسه، ويتحول هذا الوسط في التربية الإسلامية إلى ما يسمى بالأخوة الإسلامية التي تقوم على الحب في الله، وهذه الأخوة لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع ومن حيز الادعاء إلى حيز التطبيق إلا من خلال المساعدة والمساندة والاهتمام والسعي وقضاء الحوائج للآخرين. ويكفي من يقوم بذلك رضاً وسروراً علمه أن من ينفع غيره من العباد فهو محبوب عند الله -عز وجل- مما يشعره بالقرب منه والاتصال به. قال -صلى الله عليه وسلم- : "أحب العباد إلى الله أنفعهم لعياله". والخلق جميع عيال الله فكلهم عالة عليه سبحانه وتعالى وفي حاجة إليه، وخير هؤلاء من يقدم النفع لهم.

 

والتعامل مع النفوس البشرية المختلفة يقتضي سعة الصدر وسماحة الطبع واليسر والتيسير في غير تهاون ولا تفريط في دين الله، وكل هذا مما يعود أثره على ذات المسلم فتزداد صقلاً وتزداد تربية وتزكية. وخدمة الآخرين يكسب الفرد صفات أخلاقية عدة منها: الصبر والتضحية والبذل والتعاون وغير ذلك من الأخلاق الإسلامية الحميدة التي تشع نوراً وبهاء من النفس المتحلية بها. وعندما يأمر الفرد بالمعروف وينهى عن المنكر يزداد ثباتاً على المبادئ التي يعتنقها ويكون أول الفاعلين لها والمتمسكين بها، فهذه العبادة هي أولا إصلاح للذات قبل أن تكون إصلاحاً للغير، وحري بكل مسلم أن يحرص عليها؛ ليربي ذاته ويزكي نفسه.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات