البشرية ولعنة الذنوب

محمد الأمين مقراوي الوغليسي - عضو الفريق العلمي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

ويشهد الواقع على خطورة الإعلام المنسلخ من كل قيم الرحمة والعدل والخير، ومن أبرز الأمثلة التي يمكن أن نضربها لندلل على خطورته، الإشارة إلى ما يفعله الإعلام الإيراني الطائفي العنصري، الذي يزيف الحقائق، ويغسل أدمغة الشعوب الناطقة بالفارسية، ويعلمها كره العرب، واحتقارهم، فتجد أبرز الشعارات التي يرفعها مثلا: العرب بدو، جهلة، سفلة شهوانيون وخونة، ليمهد إلى حربهم وقتالهم، ثم يستغل البعد العقدي الشيعي للدولة الفارسية ليذكي نار الحقد والكراهية...

 

 

 

 

يولد الإنسان بفطرة سليمة، تعتبر برنامجا يسير به في الحياة، غير أن قدرة البشر على إفساد الإنسان وتفكيك فطرته، سبب مباشر لتغير حقائق الحياة، ومن ثم انقلاب نظام الحياة، وتحوله إلى نظام قاتل للمعاني التي ركبت في الإنسان؛ لتكون الأضواء التي يستنير بها في طريقه، فيهتدي بها في المناطق المظلمة، ويستضيء بها في حوالك الزوايا العمياء.

 

قوة الذنوب في هدم البيئة والإنسان:

عن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم "رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

جلست أتأمل متن الحديث طويلا، وتعجبت من قدرة ذنوب البشر على الإضرار بالجمادات والتأثير في شيء صلب كالحجر، وفي الحديث فوائد كثيرة، منها أن الفساد الذي يلحق الكون الذي سخره الله للإنسان سببه الأول الإنسان، والكوارث البيئية التي يعاني منها كوكب الأرض اليوم خير دليل على هذه الحقيقة الربانية.

ومن الحقائق التي وردت في الحديث وتستحق الالتفات إليها هي: إن كانت الذنوب - التي هي أثرُ شرِّ بني آدم- قد سوَّدت بياض الحجر القادم من الجنة، ومن لوازمها فساد الكوكب، واختلال نظام البيئة؛ فكيف لا تَسوَّدُ القلوب التي غرقت في مستنقعات الذنوب والآثام؟ وكيف لا تكون الذنوب سببا في مسخ النفوس، وهذه جيوش الباطل والشر، جالسة في طريق الخير، تغرق الناس في الآثام والفواحش، وتخطط للخراب، وتبرمج العقول على عشق التراب، والقلوب على نسيان يوم الحساب، والكفر برب الارباب.

 

إن للذنوب قدرة مخيفة على هدم الحياة ومعانيها، وقوة مرعبة في تمزيق مختلف العلاقات البشرية، وللشر الذي يتغذى من الذنوب طاقة سلبية كبيرة على تحويل الإنسان من كائن خيِّر إلى كائن يتفجر حقداً وكرهاً وعدوانية، ينظر بعيني الانتقام، وينطق بلسان سفّاك، ويبطش بحواس تتلذذ بإعدام كل الصفات النبيلة، والأخلاق الحميدة، والمعاني الجميلة الجليلة، ولينظر الناظر إلى قلوب جنود الشر والباطل كيف تستمتع بتقتيل البشر، وهدم المدن والقرى والحواضر، وتهجير الرجال والحرائر، ولعل القاريء يستحضر كيف يستمتع -مثلا- الطيار الروسي بقصف المدن وردمها على ساكنيها، ثم يرسل سيده فرقة موسيقية تحتفل بتهجير الآلاف، وتنتشي بقتل الأطفال والأولاد قبل آبائهم، ولعل القاريء يستذكر أيضا كيف يستمتع جنود الشرّ بقتل واغتصاب النساء الضعيفات، وذبح الناس أمام بعضهم البعض، إنها قدرة الشر الكائنة في البشر، والتي تتغذى من الكفر والشرك والخرافات والأباطيل، ومن تقديس ما استحدثته أنظمة يقودها أشخاص يحادون الخالق، وإذا كان مشهد حرب الباطل ضد أهل الحق واضحا في إبراز الشر والبهيمية في بشر تحولوا من الآدمية إلى الحيوانية، فليتأمل الإنسان في مشاهد أخرى تطفح بها يوميات الناس في هذا الكوكب، وما أكثر مشاهد السفالة، والانحطاط، ولا يحصر المتأمل زاوية النظر في زاوية يذهب إليها عقله بصورة عفوية، فالشذوذ وزواج المثليين وصالات القمار والحانات، والبنوك التي تمتص أموال البشر، هذه وأمثالها من الصور يستطيع الباحث عنها إيجادها بسهولة، لكن ليبحث عن صور يغفل الكثير عنها، وهي صورة التحريض التي يمارسها الأشرار ممن خالفوا حقائق السماء، ورسالة النبوة، مخالفة عامة أو في تفاصيل معينة، فالذي يكتب كتابا لشيطنة بلد وشعب أشر من رؤوس الشر الظاهر، فهؤلاء زرّاع الحروب والشرور، والأمثلة كثيرة جدا فليبحث اللبيب عنها وليتأملها.

 

الإعلام ومسخ البشر:

ويمثل المشهد الإعلامي أبرز مكان لنشاط شياطين الإنس، الذين سخروا هذه الوسائل الإعلامية لتكون آلة تخريبية متمكنة في الفساد والإفساد، تعمل على تغيير الحقائق المرسلة من السماء دون كلل أو ملل، تارة بتغييبها، وتارة باللعب بألفاظها ومدلولاتها، وأحيانا بلَيّ أعناقها، أو تفريغها من مضمونها، والسعي في تشويهها أو صبغها بألوان ماكرة تخفيها عن الناظرين، وقد يصل بها الأمر إلى قتل الداعين إلى الحق إذا لم ينفع معهم إغراء أو ترهيب، وشكّل وجودهم واستمرارهم خطراً على الشرّ ذاته،  وكل ما ذُكر يدخل في أساليب أهل الباطل في السيطرة على الحقيقة ومحاصرتها؛ حتى يخلو لهم الجو؛ وتتحقق لهم السيطرة على بني آدم، وتسخيرهم في الشر في حال السلم، وفي القتل والهدم حال الحرب .

 

ويشهد الواقع على خطورة الإعلام المنسلخ من كل قيم الرحمة والعدل والخير، ومن أبرز الأمثلة التي يمكن أن نضربها لندلل على خطورته، الإشارة إلى ما يفعله الإعلام الإيراني الطائفي العنصري، الذي يزيف الحقائق، ويغسل أدمغة الشعوب الناطقة بالفارسية، ويعلمها كره العرب، واحتقارهم، فتجد أبرز الشعارات التي يرفعها مثلا: العرب بدو، جهلة، سفلة شهوانيون وخونة، ليمهد إلى حربهم وقتالهم، ثم يستغل البعد العقدي الشيعي للدولة الفارسية ليذكي نار الحقد والكراهية في عامة الشيعة، ليصور لهم أنهم يقاتلون اليوم أعداء آل البيت كما يزعم، فيأتي ذلك العامي من باكستان والعراق وأفغانستان وأذربيجان ولبنان؛ ليقاتل ويقتل ويهجر من يراهم كفارا يستحقون الموت والإبادة.

 

ولعل القارئ النبيه يستحضر معي الآن صور السحل والتلذذ بقتل الأطفال والنساء واغتصابهن التي سجلت بهيمية أتباع مشروع الشر المسمى بالمشروع الشيعي الكبير، وهي تنشر في مختلف وسائل التواصل، فمن الذي جعل هؤلاء وقودا لهذه الحرب الخاسرة والطاحنة في نفس الوقت، إنهم شياطين الإعلام، الذين غرقوا في الكفر والعصيان، ولم تعانق قلوبهم معاني الإيمان يوما، إنها لعنة الذنوب التي تجعل هؤلاء البشر يتخلون عن آدميتهم؛ لينحدروا في مستنقعات البهيمية، التي تجعل منهم وحوشا لا تعرف أي معنى للأخلاق والقيم، بل تنزل أكثر من ذلك لتصبح مجرد لعنات تتحرك بين البشر.

 

الإسلام يحذر من لعنات الذنوب:

ومع ذلك يجب أن لا نبرر الضعف الذي نحن عليه بلعنة الذنوب التي تمكنت من قلوب شياطين الإعلام والمغرر بهم، بل إن لعنة الذنوب قد أصابتنا، فحل بنا العذاب على يد حثالات البشر، وعبيد شياطين الإعلام، يقول تعالى: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [آل عمران:11]، وقال -تعالى-: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) [الأنعام:6]، وقال –تعالى-: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [الأعراف:100].

 

وجاءت السنة النبوية مؤكدة لهذا الأمر، فعن ثوبان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت"، نعم حب الدنيا يعني الجري وراء الملذات، والسعي في تحصيل الشهوات، وعدم الصبر عن نيل الرغبات، وهذا يعني السقوط في وحل المعاصي، ومستنقعات السفالة، وهو الذي يجر علينا العقاب والعذاب، فما وقع بلاء إلا وانتبه الصحابة الكرام إلى خطورة لعنة الذنوب.

 

وكان الفاروق عمر -رضي الله عنه- ممن انتبه إلى هذا المعنى فكتب إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في رسالة طويلة "أما بعد: فإني آمرك، ومن معك من الأجناد، بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك، ومن معك، أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم لله؛ ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا لم ننصر عليهم بفضلنا، ولم نغلبهم بقوتنا".

 

صواريخ شيطانية وقنابل فكرية عنقودية:

إن المعركة بين الحق والباطل لا تتخذ أسلوبا واحدا، ولا تثبت على نسق واحد، فهي تضعف وتقوى، أو تتصاعد وتخفت، والمؤثر في ذلك اجتهاد كل طرف، فإن كسل أهل الحق عن صون الحق، تمدد الباطل في فراغهم، وفرّخ شرورا وآثارا مخربة قد تفتك في الأخير بالغالبية، فالاجتهاد في الخير أو الشر هو الموجه الأول، ولنضرب لذلك مثلا: ففي السابق كانت الحروب والصراعات تدار بالقوة والسلاح، لكن المعركة اليوم ضد الحق وأهله لم تعد تدار بصواريخ الفتك النووي إلا في المرحلة الأخيرة، بل أصبحت تدار بصواريخ المسخ العابرة للقارات، التي إن أُسقطت على بلد أعمت بصائرَ أهله، وغيَّبت وعيَهم وأتلفت نسيجَ الحقيقة الربانية في حياتِهم، وجعلت على قلوبهم غشاوة، ونجست العقولة النظيفة، وأماتت القلوب السليمة، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا الذنوب التي غرق فيها الناس، وأصابتهم لعنتها.

 

الذنوب قبل الحروب:

إن أهل الشر والباطل والزيغ يستبقون الحروب العسكرية للسيطرة على الكوكب وخيراته وساكنيه؛ بتدمير النفوس، وسلخ الأجساد من لباس التقوى، وإفساد الألباب، وإماتة المعاني، واستبدال المقدسات التي غرست في النفوس، وهذا ما نراه اليوم، فبعد إغراقهم الشعوب المسلمة في الآثام والماديات والحياة السافلة بطرق ماكرة جدا، وأساليب ومناهج مدروسة، سهل عليهم ضرب المسلمين في أرضهم ودينهم وعرضهم، والغالبية اليوم تشاهد كيف تدمر ديار الإسلام دارا داراً ولا تنتفض ولا تتحرك؛ لأن لعنة الذنوب قتلت المحركات بعد أن أفرغت عليها من الصدأ ما أفرغت، فهلا أدركنا خطر لعنة الذنوب على الحق وأهله؟

 

الشعوب وخطر صناديد الإفساد:

والذي يدرك خطورة هذا الأمر المفزع -تنجيس الروح الجمعية للشعوب وإغراقها في الآثام والقذارات الفكرية والمادية- يعلم أنه يصعب على الناس العاديين اكتشاف تلك الألاعيب، قبل أن يحلم بوصولهم إلى مرحلة تمكنهم من التصدي لها؛ لذلك فإنه يقع اليوم على النخبة الصادقة المتدينة تدينا سليما وبصيراً -أهل العلم المخلصين العاملين والأغنياء الشرفاء- الدور الأكبر في تخليص الناس من حقول ألغام الباطل، قبل أن تنفجر جميعها في جسد الأمة، فتؤخرها سنينا وسنينا عن الاستخلاف والرجوع إلى الريادة الحضارية للأمة؛ والخطاب القرآني واضح في هذا، فعلى العقول الراجحة والأيادي الباذلة القوية ماليا وروحيا تقع مسؤولية التصدي لتوعية الناس وحماية بيضة الحق والنظام العام للحياة، وإحياء بصائرهم وأنوار الحقائق في دنياهم، وتخليصهم من لعنة الذنوب، تلك اللعنة التي تدمر بيوتا وتفتك بأرواح بريئة، وتفسد ملايين الشباب والشابات، وتستعبد ملايير البشر.

 

عروش الحق الحل العمري الخالد:

وتحضرني هنا مقولة الفاروق عمر -رضي الله عنه- لمّا جاءه خبر الجيش الفارسي الضخم  الذي خرج لمواجهة المسلمين في القادسية، تلك المعركة التي جاءت لتخلص الأرض من لعنة الذنوب التي كان مصدرها الامبراطورية الفارسية المتوحشة، وقف عمر الفاروق –رضي الله عنه- وقال: "لأضربن عروش كسرى بعروش العرب" فضربهم بخيرة أبناء القبائل العربية المسلمة، حتى دخل أبيض كسرى، فلنضرب صواريخ فكرهم الحاقدة الماكرة بنجوم الحق التي عندنا، فإنها الأقوى والأعلى بإذن الله تعالى، ولن نفلح حتى نجعل خيرة عقولنا ومفكرينا في مقدمة مواجهة الشر وعرابيه؛ ولن ننجح حتى يكون الجهد واحدا موحدا، فكتلة الشرّ تهزم بكتلة الخير المتزينة بحزام الوحدة، ولا يعتقدن أحد أن الشر الذي يفسد الأرض والنفوس انطلاقا من تجميعه لمختلف قواه وجهوده يمكن أن يهزم بأفراد وجماعات متفرقة.

 

إن الغاية من نشر الخير وإحياء موات النفوس يجب أن تستحضر دائما وأبداً؛ حتى تتخلص البسيطة من لعنات الشرور والآثام، وتتحرر النفوس من الاستغلال والاستعباد والاستصغار، وتنفك من قبضة تجار الفساد والسفالة والشهوات البدائية، وتجد طريقها إلى رحابة الحياة وربيعها.

 

وقد خرج الصحابة الكرام لتحرير الأرض من الشر، وتخليص البشر من العبودية والاستصغار والإذلال، فغيروا العالم في عقدين من الزمان، ومن أجمل ما أُثر عنهم في تلخيص رسالة الإسلام في الأرض، ما جاء عن الصحابي الجليل ربعي بن عامر –رضي الله عنه- وهو يخاطب رستم قائد الفرس، وجليس الإمبراطورية الفارسية التي كانت تحكم الأرض، وتستعبد الناس، "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله"، فليستحضر كل مؤمن هذه الرسالة الخالدة، وليعمل على تحقيقها، تحريرا للبشرية من لعنة الذنوب وعرابيها.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات