ضحايا صندوق النقد الدولي

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

صندوق النقد الدولي هو وكالة متخصصة من منظومة معاهدة بريتون وودز تابعة للأمم المتحدة، أنشئ سنة 1945 للعمل على دعم الاقتصاد العالمي الجديد. وتم تقسيم النفوذ بين جناحي الغرب، فالبنك الدولي يديره الأمريكان اليهود، بينما يدير صندوق النقد الدولي الأوروبيين اليهود، وذلك لضمان استمرار النفوذ الاستعماري على المستعمرات الأوروبية بأساليب اقتصادية.

 

 

 

لقد كانت الثروة والتقدم العلمي في الشرق حيث العالم الإسلامي، في حين كان الأوروبيون يعانون من شظف العيش فانطلقوا من بلادهم إلى بلادنا رافعين ألوية الحرب والقتال لأسباب مادية وعقدية، فانطلقت جيوش فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا لنهب أموال وخيرات المسلمين.وبعد الصمود الأسطوري للحروب الصليبية الأولى، وردهم على أعقابهم بعد قرنين من الزمان، وقامت عدة دول إسلامية قوية تحمي حياض الأمة توقفت الحملات الصليبية لفترة طويلة، فلما ضعفت الدولة العثمانية حامية العالم الإسلامي عاود الصليبيون هجومهم على العالم الإسلامي مرة أخرى، ولكن هذه المرة لأهداف مادية أكثر منها عقدية، فعملوا منذ البداية على نهب ثرواته الطبيعية من الذهب والمعادن والبترول ونقلها إلى أوروبا كمواد خام، ثم يسوق الأيدي العاملة من أبناء أفريقيا السوداء، ثم يرد المواد الخام بعد تصنيعها لكي يشتريها أبناء العالم الإسلامي مرة ثانية وبهذا الأسلوب الماكر تحولت الثروة تلقائياً إلى جيوب أبناء الغرب وافتقرت دول العالم الإسلامي إلى هذا الحد الذي جعلها من دول العالم الثالث.

 

ويعترف اللورد (كرومر) وكان الحاكم الانجليزي على مصر بين عامي 1883، و1907 بهذه السياسة الهدامة فيقول: «يمكن تلخيص سياسة الحكومة» المصرية في عهده فيما يلي: تصدير القطن إلى أوربا، ثم استيراد المنسوجات المصنوعة في الخارج ولا تنوي الحكومة المصرية الخاضعة للاحتلال الانجليزي أن تقوم بأي شيء آخر، ولن تقوم بحماية الصناعة القطنية المحلية. بل اتجه المحتل إلى تخريب الصناعات الوطنية وتجريد المسلمين منها بأي وسيلة، قال كرومر في مذكراته: "كانت هناك أحياء في القاهرة تعتبر مراكز فعلية لصناعات متعددة مثل: الغزل والنسيج، إنتاج الشرائط والصباغة، وإنتاج الخيام، والتطريز، والدباغة، وصناعة الأحذية، وصناعة المجوهرات، وصناعة النحاس.. إلخ، ولقد حاولنا إخفاءها تماماً ونشرنا مكانها مقاه، ومحلات أوروبية حديثة تحوي المستحدثات والموضات بعد أن كانت في الماضي ورشاً صناعية، ونجحنا في ذلك إلى حد كبير !! "

وبعد الانتهاء من حقبة الاحتلال العسكري المكلفة والباهظة، قرر المحتلون الأوروبيون مواصلة احتلال بلاد الإسلام ونهب خيراته ونقل ثرواته واستمرار إفقاره ولكن بصور أخرى أقل تكلفة ومئونة من الاحتلال العسكري. وإذا بالدول الاستعمارية تحول أسلوب الاستعمار من الاستعمار العسكري إلى أسلوب آخر يجعل الدول المتحررة مستعمرة في الواقع من خلال (الاستعمار الاقتصادي) والذي اخترعوا له كعادتهم - أسماء عصرية وبراقة بهدف التمويه والخداع حيث أطلقوا على الاستعمار الجديد اسم "برنامج التعاون الدولي" وذلك عن طريق القروض والمساعدات بما يستتبعه ذلك من فوائد وأرباح - التي أسموها - خدمة الديون وكلها أسماء ظاهرها الرحمة والتعاون وباطنها الاستغلال والاستعباد والسرقة. وقد أنشأت الدول الاستعمارية الكبرى لتنفيذ هذا الأسلوب مؤسسات ادعوا أنها دولية وعالمية أبرزها " صندوق النقد الدولي ".

 

تاريخ صندوق النقد الدولي

قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بعام واحد عقد مؤتمر النقد الدولي ببريتون وودز بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم الاتفاق فيه على سحب الذهب من التعامل المباشر من أيدي البشر واستبدال الذهب بالأوراق النقدية. وقد تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية في اتفاقية بريتون وودز أمام دول العالم بأن من يسلمها خمسة وثلاثين دولارا تسلمه تغطية الدولار من الذهب وهي أوقية من الذهب. الدولار بعد هذه الاتفاقية صار يسمى عملة صعبة، وصار العالم كله أفراداً ودولاً يثق بالدولار باعتباره عملة للتداول لأنه مطمئن أن الولايات المتحدة ستسلمه ما يقابل ورق الدولار من الذهب عند الطلب.

 

صندوق النقد الدولي هو وكالة متخصصة من منظومة معاهدة بريتون وودز تابعة للأمم المتحدة، أنشئ سنة 1945 للعمل على دعم الاقتصاد العالمي الجديد. وتم تقسيم النفوذ بين جناحي الغرب، فالبنك الدولي يديره الأمريكان اليهود، بينما يدير صندوق النقد الدولي الأوروبيين اليهود، وذلك لضمان استمرار النفوذ الاستعماري على المستعمرات الأوروبية بأساليب اقتصادية.

 

واستمر الوضع على هذا حتى خرج الرئيس نيكسون فجأة على العالم وصدم سكان الكرة الأرضية أفرادا وشعوبا وحكومات بأن الولايات المتحدة لن تسلم حاملي الدولار ما يقابله من ذهب وأن الدولار سيُعوَّمُ أي ينزل في السوق تحت المضاربة وسعر صرفه يحدده العرض والطلب وحينها قالوا تم إغلاق نافذة مبادلة أمريكا دولاراتها بما يقابلها من ذهب. سميت هذه الحادثة الكبيرة عالميا بصدمة نيكسون Nixon shock. وبهذا بقيت الأوراق النقدية مع سكان العالم ولم يعد من الممكن استبدالها بالذهب وبقى اليهود الذين يملكون الذهب هم الأغنى والمتحكمين في الاقتصاد العالمي بينما يستعبدون الشعوب والدول بأوراق يتحكمون في قيمتها النقدية صعودا وهبوطا.

 

طفرة السبعينيات وتوحش الصندوق

منذ سبعينيات القرن العشرين سعت البنوك والمؤسسات المالية والنقدية الدولية، وبتشجيع من صندوق النقد والبنك الدولي، إلى البلدان النامية خارج نطاق أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وأغرتها لكي تقرضها بسخاء شديد كي تمكنها من زيادة وارداتها وسد العجز في موازين مدفوعاتها. والسر وراء ذلك أن الدول الاستعمارية وجدت لديها فائضاً كبيراً من رؤوس الأموال المنهوبة أصلاً من العالم الإسلامي، ولا تجد مجالاً لاستثماره مما أدى إلى العجز في ميزان المدفوعات والخسارة في الأرباح. وكنتيجة لحرب سنة 1973 ونجاح الملك فيصل -رحمة الله- في استخدام سلاح البترول، ارتفعت أسعاره وزادت الموارد البترولية بالنسبة لدول الأوبك وهي بالتالي تصب في بنوك أمريكا وأوروبا، وهذه البنوك غير قادرة على إقراض هذه الأموال على نطاق كاف في الدول المتقدمة نفسها بسبب الركود الاقتصادي ومن هنا اتجهت الدول الغربية إلى استثمار رؤوس الأموال في دول العالم الثالث. وذلك من خلال مشاريع تعود فوائدها أولاً وأخيراً على الدول الدائنة نفسها وهكذا ففي بداية السبعينات أقرضت البنوك على نطاق واسع حكومات الدول النامية. هذه القروض التي تشكل الآن أهم مشكلة في حياة هذه الدول.

 

ومع هذا الإغراء بالاستدانة تصاعد حجم الديون المستحقة على هذه البلاد النامية – مسلمة في معظمها - بصورة دراماتيكية. ومع ارتفاع الديون ارتفع ما يجب سداده منها، حتى وصلت الفوائد الربوية الزائدة إلى أكثر من نصف ما يجب سداده سنوياً وحين عجزت بعض الدول النامية عن السداد، كما عجزت مصر في الثمانينيات، تولى صندوق النقد والبنك الدولي مع منظمة التجارة والتنمية في الأمم المتحدة "الأونكتاد" التوسط بين الدول المدينة والدائنين من أجل جدولة ديونها. وبهذه الجدولة يتم توزيع أقساط الدين على عدد أكبر من السنوات مع زيادة فائدة أخرى على الأقساط الجديدة، وتكون فائدة التأخير هذه أكبر من سعر الفائدة الأصلي الذي تم به الإقراض، وتدور الدائرة مرة أخرى.

 

صندوق النقد وانتهاك سيادة الدول

يؤدي صندوق النقد الدولي مهامه الاستعمارية من خلال ثلاثة مسارات أساسية وهي:

1- الإقراض: إعطاء قروض من قصيرة إلى متوسطة وطويلة الأجل للدول الأعضاء التي تكافح من أجل الوفاء بالتزاماتها الدولية. وتقدم القروض أو حزم الإنقاذ في مقابل تنفيذ شروط محددة للصندوق للمساعدة كما يزعم في استعادة ديناميكية الاقتصاد الكلي بما يؤدي إلى النمو المستدام.

 

2- المساعدة الفنية: وذلك عن طريق الدعم العملي والتدريب الموجه مثل تقديم المشورة بشأن السياسة الضريبية، وإدارة الإنفاق، والسياسة النقدية، وسعر الصرف، وتنظيم النظام المالي، والخصخصة، وتحرير التجارة، وما إلى ذلك.

 

3- المراقبة: هي نظام رسمي عبارة عن المراجعة التي تراقب السياسات المالية والاقتصادية للبلدان الأعضاء لضمان أنهم يعيشون داخل حدود إمكانياتهم، فالتطورات تتلاحق على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي. وفي هذه العملية، فإن مسئولي الصندوق يتشاورون بانتظام مع الدول الأعضاء وتقديم المشورة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية. وهذه النقطة هي التي تعتبر كعب أخيل التدخل في شئون الدول وانتهاك سيادتها.

 

فجزء من هذه المراقبة يتم قبل منح الدولة القرض، وهو ما يتعلق بمشاهدة تنفيذ الدول لحزم الإصلاحات التي يتطلبها البنك لمنح القرض مثل فرض المزيد من الضرائب، وتعويم العملة المحلية، ورفع الدعم، وطرح المشروعات العامة للبيع للقطاع الخاص.

 

 ويظهر الوجه الحقيقي للصندوق عندما يعجز البلد عن السداد عجزاً مطلقاً، حيث تتدخل المنظمات الدولية لتتولى هي بنفسها تنظيم ماليته و?إصلاح نظامه الاقتصادي، فصندوق النقد الدولي يعني ببرامج التكيف وسياسات الإصلاح النقدية والمالية، والبنك الدولي يعني بدفع التنمية وبالتالي تتدخل الدول الغربية في كافة شئون الدولة النامية الاقتصادية والتعليمية والسياسية والحكومية والثقافية والاجتماعية.

 

ضحايا الصندوق

خلال الثلاثين سنة الماضية وقعت أكثر من ثمانين أزمة اقتصادية ومصرفية حادة في دول العالم الثالث، كان القاسم المشترك في هذه الأزمات هو صندوق النقد الدولي وشروطه وأدواته ونصائحه التي فاقمت من أزمات الدول وزادت من معاناتها وتدهور أحوالها بصورة عامة، ومن أبرز ضحايا الصندوق خلال هذه الفترة، دول أمريكا الجنوبية الأشهر:

أولاً: المكسيك

 رحلة المكسيك مع صندوق النقد الدولي بدأت عام 1982 بقرضٍ بلغ 3.9 مليار دولار، بعد إذعان الحكومة المكسيكية لبرامج "التكيف الهيكلي" التي رسمها الصندوق بدقة. فانتقلت بعدها الأوضاع من سيءٍ إلى أسوأ، وانهار البيزو المكسيكي في عام 1994، ودفعت حالة "إدمان الصندوق" المكسيك إلى المطالبة بالمساعدة من جديد، فقدم الصندوق قرضًا مقداره 75.7 مليار دولار في عام 1995 مع اشتراط تنفيذ إجراءات هيكلية بشكل أعمق، فنفذت المكسيك. ولم تتحسن الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية بل كانت على النقيض تمامًا. ونتج عن ذلك ذوبان اقتصادي أكل الأخضر واليابس، وأصبحت المكسيك على وشك التخلف عن دفع ديونها للممولين العالميين الذين كانوا أساسا سبباً في هذه المشكلة.

 

ومنذ ذلك الحين والشعب المكسيكي يرزح في فقر مدقع، وأزمات تلو أخرى. وفي مايو الماضي وافق الصندوق من جديد على خط ائتمان مرن للمكسيك بقيمة 88 مليار دولار. منذ عام 1982 إلى الآن و" الطالب النموذجي " – كما وصفه صندوق النقد الدولي في عام 1994 داعيًا دول أمريكا اللاتينية إلى الاقتداء به – لم يفلح في الخروج من أزماته المتلاحقة بل المزيد من المشاكل ثم الاقتراض من جديد. ورأى بعض الاقتصاديين، ومنهم البروفيسور ليستر ثورو، عميد كلية الاقتصاد في جامعة MIT العريقة أن خيار التوقف عن الدفع كان أفضل للمكسيك من خيار حزمة الإنقاذ التي وضعها صندوق النقد له.

 

ثانياً: البرازيل

بدأت أزمة البرازيل – المستمرة حتى الآن – مع البنك الدولي في فترة السبعينيات خلال الديكتاتورية العسكرية البرازيلية، عندما لجأت الحكومة البرازيلية المتمثلة في عسكريين، إلى البنك الدولي للاقتراض بحجة إنشاء مشروعات للبنية التحتية، الأمر الذي وافق عليه البنك الدولي ومنح مليارات الدولارات للبرازيل، واستُخدمت القروض لتمويل مشروعات ضخمة مثل السدود التي لم يف الكثير منها حتى بالأهداف التي وضعت من قبل البنك الدولي بناءً على دراساته.ومع تراكم الفوائد والديون على البرازيل والضغوط الممارسة من قبل البنك الدولي، قررت الحكومة البرازيلية خلال الثمانينيات، اقتراض أموال جديدة لسداد فوائد القروض القديمة.لتسمى الحقبة ما بين عامي 1985 و1989 بـ"العقد الضائع" من حياة البرازيل عندما شهدت تلك الفترة نقل هائل للثروة الوطنية إلى خارج البلاد حيث دفعت الحكومة البرازيلية نحو 148 مليار دولار - منها 90 مليار دولار لفوائد القروض الأجنبية.وفي تقرير للبنك الدولي صدر عام 1991، قدر البنك بأن 55 % من مشاريعه في البرازيل فشلت.

 

وفي التسعينيات، وصلت البرازيل إلى الحضيض مع تراكم الديون وضغوط البنك الدولي في ظل تعاقب سلسلة من الحكومات المدنية، ليُرغم البنك الدولي البرازيل على تبني سياسات تقشفية مع رفع القيود التنظيمية عن الصناعات، وبيع مؤسسات الدولة، وخفض الإنفاق الحكومي، إضافة إلى رفع قيمة الضرائب على المواطنين. وفي أواخر التسعينيات، أسرع الرئيس البرازيلي "كاردوسو" بتنفيذ رؤية البنك الدولي الإصلاحية، فتم بيع شركة الهاتف الحكومية المربحة وشركة التعدين المربحة المملوكة ملكية عامة، لشركات متعددة الجنسيات، وتم تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية إلى أن أحرق الفقر وانخفاض الدخل وارتفاع الأسعار المواطنين.

 

ومع ذلك الذي لم ينجح البرازيل في توفير المبالغ الطائلة المتمثلة في فوائد قروض البنك الدولي، ليُضطر " كاردوسو" في نوفمبر من عام 1999 إلى وضع إدارة البرازيل تحت رحمة صندوق النقد الدولي بدرجة أكبر عندما وافق على حزمة قروض جديدة من الصندوق مقدارها 5،41 مليار دولار، ما أدى إلى تدخل البنك الدولي في الحكم المباشر للبرازيل، وتحديد سياسات الدولة وتقسيم أراضيها ورفع قيمة الضرائب وتخفيض قيمة العملة إلى درجات كارثية، حتى وصل الاقتصاد البرازيلي إلى مرحلة ركود طويلة الأجل مما أدى بالبلد إلى الخراب.

 

ثالثاً : الأرجنتين

بالنسبة للأرجنتين، فكان بيع موارد الدولة الأساسية وخصخصتها من نصيب ثامن أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، فبعد تنفيذها لخطة البنك الدولي بدون تردد خلال التسعينيات، وصلت الأرجنتين إلى القاع،وتمثلت خطة البنك الدولي في عدة خطوات، أولها تحرير سعر العملة الأرجنتينية " البيزو" مقابل الدولار.

 

وتمثلت الخطوة الثانية في الخصخصة وبيع موارد الدولة، فباعت الأرجنتين طوال فترة التسعينيات ما سمّاه الأرجنتينيون "مجوهرات الجدّة" النفط والغاز، والمياه، وشركات الكهرباء والبنوك الحكومية، لتكون شبكات المياه الريفية من نصيب شركة "فيفندي" الفرنسية، وفازت "انرون تكساس" بأنابيب نقل النفط، وتولت إحدى شركات الاستثمار من الولاية الأمريكية "بوسطن" - البنوك المحلية.

 

ومع استمرار ضغوط البنك الدولي، خصخصت الأرجنتين حتى نظام الضمان الاجتماعي، وتم تحويل الكثير من تخصيصاتها إلى حسابات خاصة.وتبعت تلك الخطوة ارتفاع نسبة البطالة الأمر الذي اعترف به البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بارتفاع نسبة البطالة في العاصمة "بوينس آيرس" من 17 % إلى 22 % - لينتج من تلك القرارات، أعمال العنف والنهب التي هزت المدينة في ديسمبر من عام 2001.

 

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إنما مارس البنك المركزي ضغوطه على الأرجنتين لتتبع سياسة جديدة – هي الأسوأ من نوعها – وهي خصخصة مياه الشرب بنظام حق الامتياز لصالح الشركات الأجنبية الكبرى – والتي تعد من شركاء وممولي البنك الدولي، لترتفع أسعار مياه الشرب بنحو 177%.

 

وهكذا فالمبادئ الإنسانية ومساعدة المحتاجين هي مجرد ستار للأغراض الحقيقية لصندوق النقد الذي يعتبر أهم أذرع الحروب الصليبية، ومن أهم هذه الأهداف:

1- استنفاذ ما تبقى من موارد العالم الإسلامي والقضاء على اقتصاده، لأن هذه القروض تمثل الوحش الكاسر الذي يمسك برقبة فريسته ولا يتركها إلا حطاماً.

 

2 - استمرار تبعية العالم الإسلامي وخضوعه للغرب الرأسمالي والسيطرة الصهيونية. ومن النماذج الواضحة لهذه النقطة بنجلاديش الدولة المسلمة الأكبر تعداداً على مستوى العالم. فقد حاولت أمريكا أن تجعل حكومة الشيخ مجيب الرحمن خاضعة للسياسة الأمريكية فإذا بها تستغل ما حدث في بنجلاديش من فيضانات سنة 1973 وتتأخر في تعهداتها العادية من المساعدات الغذائية. وتتدخل المخابرات المركزية فتمنع وصول شحنتين من الحبوب كان قد تم التعاقد عليها من مصدري الحبوب الأمريكيين -مما أدى إلى المجاعة الكبرى التي مات فيها ما يقرب من مائة ألف- وفي النهاية خضع الشيخ مجيب الرحمن لمتطلبات السياسة الأمريكية فقام بتشكيل حكومة جديدة كلها من عملاء أمريكا، ثم بعد ذلك جاءت المساعدات والمنح من جديد؟!

 

3 - خلق أسواق جديدة لمنتجاتهم: حيث تمثل صادرات الدول الأوروبية إلى الدول النامية أكثر من 40 % وللأسف الشديد أن معظم هذه المنتجات التي يدفع بها إلى الشعوب العالم النامي منتجات كمالية وترفية واستهلاكية، تخلق لها احتياجات غير طبيعية عبر وسائل الإعلام وعن طريق الإعلانات المضللة. (خذ مثالاً على ذلك أدوات الماكياج - والروائح العطرية والسجائر الأجنبية، والشيكولاتة وغيرها من السلع الترفية التي ترهق اقتصاد البلدان النامية). بل إن بعض تلك المنتجات ضار بصحة الإنسان، فقد أجبرت الصين على استيراد الأفيون، وأجبرت دول أخرى على استيراد أدوية حرم استخدامها في البلدان المتقدمة صناعياً، مثل وسائل تحديد النسل وغيرها من الأدوية الضارة بصحة الإنسان هكذا تهدف المساعدات والقروض إلى خلق أسواق جديدة تساعد على مزيد من الربح.

 

ويبقى في النهاية أن نقول: أنه بعيداً عن هذه الآليات الإجرامية والأهداف الخبيثة ذات الطائع الاستعماري الصليبي واليهودي لصندوق النقد الذي يستهدف تقويض اقتصاديات المسلمين ونهب خيراتهم وإفقارهم وإبقاءهم رهينة التبعية والاحتلال الغربي، بعيداً عن ذلك كله، يبقى أن الله – عز وجل – يري الناس عموماً والمسلمين خاصة، عاقبة عصيان أوامره ومخالفة شرعه، يريهم عواقب الاستكبار عن نواهيه، فلقد حرّم الله – تعالى – الربا ولعن فيه كل الأطراف المشتركة في إنفاذ هذه الجريمة، وجعله محرماً بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول والأمم، ومع ذلك النكير ما زال هناك الكثيرون يجادلون في تحريمه بفتاوى مضللة، وآراء شاذة، ومماحكات فارغة، وضرورات ما أنزل الله بها من سلطان، وكل ذلك لتبرير التعامل بالربا، فيريهم الله عز وجل عواقب هذا التحايل على شرعه وأمره ونهيه في صور كثيرة ومشاهد لا تخطئها البصائر والعقول الواعية، وصدق العزيز الحكيم عندما قال (سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنهم الحق).

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات