حج الأنبياء لبيت الله الحرام

أبو عاصم البركاتي المصري

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

ينقل أصحاب السير والتاريخ أن أهل مكة لما عزموا على تجديد بناء الكعبة بعد أن تهدم البناء بأثر سيل أصاب الكعبة؛ فهابوا الأمر في أوله؛ ثم أجمعوا أمرهم على هدم الكعبة وإعادة بنائها؛ ويشترك النبي صلى الله عليه وسلم في البناء فيحمل الحجارة على كتفه ويعمل ويجد في بناء بيت الله وكان ذلك قبل البعثة؛ فدل على تعظيمه صلى الله عليه وسلم لبيت الله قبل النبوة وبعدها ؛ إذ هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤيد بتأييد الله تعالى.

 

 

 

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

 

فإن حج بيت الله الحرام ركن الإسلام؛ وفرض عظيم؛ وبيت الله الحرام هو أفضل المساجد؛ إذ رفع قواعده بأمر من الله سبحانه نبيان كريمان؛ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة :127].

 

وقد أخرج البخاري في صحيحه قول إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل عليه السلام: "فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: (ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)".

 

ثم بعد ذلك أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بأنْ يُؤذّن في النّاس بالحجّ، قال تعالى (وَأَذّن فِي النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ) [الحج:27].

 

ولما استجاب إبراهيم عليه السلام لأمر الله ونادى في الناس بحج البيت؛ استجاب الصالحون للنداء؛ فحجه الأنبياء والرسل ومن تبعهم من الصالحين؛ امتثالاً لأمر الله تعالى.

 

حج موسى ويونس عليهما السلام للكعبة:

أخرج مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: "أَيُّ وَادٍ هَذَا؟" فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ"، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: "أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟" قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي".

 

قال القاضي عياض: "إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِى حالهم قبل هذا ومُثِلوا له فى حال حياتهم وكيف تلبيتهم حينئذ وحجهم كما قال فى الحديث: " كأنى أنظر إلى موسى، وكأنى أنظرُ إلى يونس، وكأنى أنظر إلى عيسى". [إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (1 /518)].

 

حج المسيح عليه السلام لبيت الله الحرام:

وأخرج مسلم وأحمد وغيرهما عَنْ حَنْظَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا".

 

تعظيم رسول الله لبيت الله الحرام

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه سبحانه: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 123].

 

ينقل أصحاب السير والتاريخ أن أهل مكة لما عزموا على تجديد بناء الكعبة بعد أن تهدم البناء بأثر سيل أصاب الكعبة؛ فهابوا الأمر في أوله؛ ثم أجمعوا أمرهم على هدم الكعبة وإعادة بنائها؛ ويشترك النبي صلى الله عليه وسلم في البناء فيحمل الحجارة على كتفه ويعمل ويجد في بناء بيت الله وكان ذلك قبل البعثة؛ فدل على تعظيمه صلى الله عليه وسلم لبيت الله قبل النبوة وبعدها ؛ إذ هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤيد بتأييد الله تعالى.

 

يقول في الحديث وهو متوجه إلى مكة للعمرة عام الحديبية لما بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ:؛ فَقَالُوا: خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ"، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الحُدَيْبِيَةِ. [أخرجه البخاري].

 

ويعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمرات ويحج مرة واحدة؛ فأخرج البخاري في صحيحه عَنْ قَتَادَةَ، سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمُ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: "أَرْبَعٌ: عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ - أُرَاهُ - حُنَيْنٍ " قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: "وَاحِدَةً".

 

وأختم بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ" [أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني]

 

وذلك تذكيراً للقادرين الموسرين حتى يتبعوا نبيهم محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هديه وهدي الانبياء من قبله واستجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في زيارة بيت الله بالحج والعمرة.

 

اللهم اكتب لنا الحج والعمرة ولا تحرمنا في كرمك وجودك يا كريم

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات