خطبة الجمعة وفقه الواقع

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

معنى فقه الواقع: النزول إلى ميدان الحياة، وإبصار واقع الناس، معرفة مشاكلهم ومعاناتهم واستطاعتهم وما يعرض لها يوميا، ومعرفة النصوص التي تتنزل عليهم في واقعهم في مرحلة معينة، وما يمكن تأجيله لتوافر شرط الاستطاعة. فتنزيل النصوص هو ثمرة فقه الواقع وتفاعل النص مع الواقع. ففقه الواقع مبني في الأساس على دراسة الواقع اليومي المعيش، دراسة دقيقة ومستوعبة لجميع مفردات هذا الواقع. ويعرفه الشيخ الألباني -رحمه الله- بقوله: " فقه الواقع هو الوقوف على ما يهم المسلمين مما يتعلق بشئونهم أو كيد أعدائهم؛ لتحذيرهم والنهوض بهم واقعيا لا نظريا. وبالجملة ففقه الواقع هو " الفهم العميق لما تدور عليه حياة الناس بكل أبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية ".

 

 

 

لا شك أن الخطيب الناجح؛ هو الخطيب الذي يعالج قضايا الواقع ويقف عند مستجدات العصر، ويتصدى لنوازل المجتمع والأمة. أما الخطيب الذي يدفن نفسه في بطون الكتب والمراجع التي يحضر منها خطبه ودروسه، ويجتر مسائل وقضايا لم يعد لها أثر في الحياة ولا وجود مثل قضية القول بخلق القرآن وما كان على شاكلتها من نوازل القرن الثالث الهجري والتي مضى عليه أكثر من ألف سنة، فهو الخطيب المحكوم عليه بالفشل الذريع، فهو كالذي يخاطب الأحياء بقضايا وهموم الأموات. فالناس يحتاجون لمن يحدثهم عن أزماتهم ومشاكلهم وهمومهم اليومية ومستجداتهم التي لا تنتهي، فيصف لهم الداء ويكتب لهم روشتة الدواء، والعصر الذي نعيشه اليوم يعاني من تسارع في وتيرة الأحداث، وكثرة في المستجدات والنوازل والأزمات والتحديات، وعصر العولمة وما بعد العولمة يمتاز بكثرة المخرجات في شتى مجالات الحياة، بعضها نافع وهام وقد لا يستغنى عنه  وبعضها الآخر سم زعاف وداء عضال، أضف لذلك التقدم الهائل في مجال المعلومات والاتصال والإعلام بحيث أصبح العالم من أدناه إلى أقصاه مثل شارع صغير في قرية صغيرة، لا تكاد تخفى فيه خافية، بحيث لم يعد هناك أسرار تخفى أو مؤامرات تحاك في الظلام كما كان من قبل.

 

والخطيب الناجح لا يملك تجاوز كل هذه التحديات والمستجدات والهروب إلى ماض جميل وواقع تاريخي لم يعد له وجود إلا في ذاكرة الأمة، بل عليه متابعة كل جديد، وبيان الموقف الشرعي الصحيح من هذه المستجدات، وفي المجمل على الخطيب التحلي بالمعاصرة ومعالجة الواقع فيما يطرحه من قضاياه وموضوعات بدل التقوقع على الماضي ومسائله وفرضياته، وهذا يتطلب من الخطباء التبصر والعلم بواقع بيئتهم ومستجدات الناس، أو ما يطلق عليه " فقه الواقع ".

 

أولا: تعريف فقه الواقع:

 

" فقه الواقع " مركب إضافي أشبه بالمركبات الإضافية: فقه السيرة، فقه الحديث، فقه السنّة، والمعاجم اللغوية لا تعطي تعريفا مباشرا للمركبات الإضافية لاحتوائها على أكثر من مفردة، كما إن فقه الواقع في ذاته علم حديث إذا ما قورن بالعلوم القديمة في الشرع مثل أصول الفقه، لذلك فتعريفه هو تعريف لمفرداته.

 

فكلمة " فقه " هي فقه الأمر: أي أحسن إدراكه على صورته الحقيقية، وتفقه الأمر: تفهمه وتفطنه، والفقه: الفهم والفطنة. أما الواقع في اللغة: فهو الأمر الكائن والقائم. وفي الاصطلاح هي: الأفعال الإنسانية التي يراد تنزيل الأحكام عليها وتوجيهها بحسبها، أي مجموعة الأحداث اليومية أما بصورة فردية أو جماعية في شتى مجالات الحياة. وقيل: إن الواقع هو أنماط المعيشة، وما تستقر عليه من عادات وتقاليد وأعراف.

 

معنى فقه الواقع: النزول إلى ميدان الحياة، وإبصار واقع الناس، معرفة مشاكلهم ومعاناتهم واستطاعتهم وما يعرض لها يوميا، ومعرفة النصوص التي تتنزل عليهم في واقعهم في مرحلة معينة، وما يمكن تأجيله لتوافر شرط الاستطاعة. فتنزيل النصوص هو ثمرة فقه الواقع وتفاعل النص مع الواقع. ففقه الواقع مبني في الأساس على دراسة الواقع اليومي المعيش، دراسة دقيقة ومستوعبة لجميع مفردات هذا الواقع. ويعرفه الشيخ الألباني -رحمه الله- بقوله: " فقه الواقع هو الوقوف على ما يهم المسلمين مما يتعلق بشئونهم أو كيد أعدائهم؛ لتحذيرهم والنهوض بهم واقعيا لا نظريا. وبالجملة ففقه الواقع هو " الفهم العميق لما تدور عليه حياة الناس بكل أبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية ".

 

ثانيا: فقه الواقع في القرآن الكريم:

 

أنزل الله -عز وجل- القرآن الكريم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، لذلك كانت المقاصد الكلية الأربعة في القرآن في قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57]. فالآية ترينا كيف اهتم القرآن بالإنسان الذي هو محور هذا الكون، لذلك فالقرآن كله من أوله لآخره يراعي أحوال البشر وواقعهم، وما أنزل الله من تشريع أو حكم أو أمر أو نهي إلا وهو يناسب الإنسان، والأمثلة على ذلك كثيرة منها إجمالا لا حصراً:

 

الفرق بين القرآن المكي والمدني، حيث لم يشرع جملة كبيرة من الأحكام الشرعية إلا في القرآن المدني بعد أن استتب الأمر وقامت الدولة وتوفرت الاستطاعة على تطبيق هذه الأحكام، منها الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحج والصوم والبيوع والمعاملات.

 

ومنها أن لكل قوم هاد، ولكل رسول قضية: فالله -عز وجل- كان يرسل الرسل لأقوامهم خاصة، قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) [الرعد: 7]، فأرسل هوداً إلى عاد، وصالحاً إلى ثمود، وشعيباً إلى مدين، وموسى وعيسى إلى بني إسرائيل، وكان كل رسول يرسل إلى قومه وبلسانهم حتى تسهل عملية البيان وإقامة الحجة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [ إبراهيم: 4]. والله سبحانه لم يبعث رسولاً إلا لمعالجة قضية من قضايا الفساد والظلم، بجانب القضية الكلية الرئيسية لكل المرسلين؛ قضية التوحيد، فأرسل شعيبا لعلاج الفساد المالي والاقتصادي المتمثل في تطفيف الميزان وبخس الناس حقوقهم، وأرسل لوطاً لمواجهة الفساد الخلقي الخطير في قومه والمتمثل في الخروج عن الفطرة السوية والشذوذ، وأرسل موسى لمواجهة الفساد السياسي المتمثل في طغيان فرعون في قومه.

 

ثالثاً: فقه الواقع في السنة النبوية:

 

قد رأينا مكانة الواقع في القرآن، أما مظاهره في السيرة النبوية فكثيرة ومتنوعة، فالسيرة خصبة بمظاهر التعامل مع الواقع واعتباره، ذلك أنها تعتبر التطبيق الفعلي للقرآن الكريم، ومن هذه المظاهر:

 

1-أجوبة متنوعة لسؤال واحد: فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُسئل السؤال نفسه من عدة أشخاص، فيجيب كل واحد منهم بإجابة مختلفة. فمثلاً سئل عن أي الأعمال أفضل؟ فأجاب بإجابات مختلفة تجعل من لا يفهم طبيعة السنة النبوية يشعر بالتناقض، فتارة يجيب: الصلاة على وقتها، وتارة: إيمان بالله وبرسوله، وتارة: الجهاد في سبيل الله. وكذلك لما سئل: عن أي الناس أفضل؟ وسئل: أوصني أو طلب منه الإشارة على عمل ينتفع به أو يتشبث به. فاختلاف أحوال السائلين ومعرفة أحوالهم والاطلاع على واقعهم، وما يحتاجونه فعلاً، قاد إلى هذه الإجابات المختلفة التي تناسب واقع كل واحد منهم.

 

2-مخاطبة الناس حسب الأفهام ودرجات الوعي: فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أدرى الخلق بأفهام الناس ودرجات استيعابهم ومستوى وعيهم، ومن ثم كان الخطاب على حسب هذه الدرجات والأفهام، وقد أخرج البخاري موقوفا عن علي -رضي الله عنه-: "حدثوا الناس بما تعرفون ، أتريدون أن يُكذب الله ورسوله". وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رجل: يا رسول الله، حدثني بحديث واجعله موجزا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: " صل صلاة مودع، فإن كنت لا تراه، فإنه يراك، وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا، وإياك وما يعتذر منه" فالرجل طلب حديثا موجزا لعدم قدرته على الاستيعاب أكثر من ذلك، فجاء الخطاب النبوي مراعيا هذه القدرة الاستيعابية، فلم يزده على ثلاث كلمات فقط.

 

3-مخاطبة الناس حسب قدراتهم: فعن أم هانئ -رضي الله عنها- قالت:" أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله دلني على عمل فإني كبرت وضعفت. فقال: كبري الله مائة مرة، واحمدي الله مائة مرة، وسبحي الله مائة مرة، خير من مائة فرس ملجم مسرج في سبيل الله، وخير من مائة بدنة، وخير من مائة رقبة"، ولعل هذا الحديث غني عن التعليق، امرأة كبيرة وضعيفة، لم تعد تقوى على أعمال البر، فيصف لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أعمال البر والصلاح ما يناسب قدرتها واستطاعتها. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أولا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور". فالمرأة لم تحرم ثواب الجهاد، فالحج المبرور لها أفضل الجهاد. وقال كعب: لما نزلت: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) [الشعراء: 224] أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: ما ترى في الشعر؟ قال: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". فانظر كيف تعددت صور الجهاد بتعدد قدرات المخاطب ومؤهلاته، وهذا من قمة التطبيق النبوي لفقه الواقع.

 

رابعاً: فقه الواقع عند الصحابة:

 

فهم الواقع هو الذي أعان الصحابة -رضوان الله عليهم- على معرفة حدود مسئولياتهم وواجباتهم وأماناتهم، على أساس من إيمانهم وعلمهم بمنهاج الله، وهم يعدون لهذه الواجبات في مدرسة النبوة فقد كانوا يعلمون أسباب التنزيل، ومقاصد الشريعة العامة، وعادات العرب وأحوال المجتمعات، وطبائع الأعداء ومسالكهم، وظهر هذا جليا من تطبيقات واجتهادات الخلفاء الراشدين، فعمر -رضي الله عنه- يوقف العمل بحد السرقة في عام الرمادة بسبب المجاعة العامة، ويحبس الأراضي المفتوحة صلحا لمصالح المسلمين عامة ولا يتركها بيد الفاتحين فقط على الرغم من أن النص القرآني يوجب إعطائهم أربعة أخماس الغنائم، وعثمان يأمر بجمع المصحف بلسان قريش وحدها، وتحريق ما سواها من نسخ حتى لا يختلف الناس في الكتاب، وعلي ضمّن الصناع ما يكون في أيديهم من أموال، إذا لم يقدموا بينة على أن ما هلك إنما هلك رغما عنهم، قائلاً: "لا يصلح للناس إلا ذلك" فإنه لو لم يفعل ذلك لترك الناس الاستصناع بالكلية أو ضاعت أموالهم بعد أن ترك الحبل للصناع على الغارب يعملون ولا يضمنون.

 

خامساً: محددات عمل فقه الواقع:

 

أولاً: إدراك التأثيرات البيئية: 

 

 ومنها البيئة الطبيعية وهي كل ما يتعلق بالظروف المناخية والجغرافية بالمنطقة التي يعيش فيها الإنسان، حيث تؤثر هذه العوامل البيئية الطبيعية على سير وحياة الناس، فالمناطق المعتدلة بيئيا تجد الناس فيها تبعا لشكل بيئتهم، من اعتدال الجسم واللون والديانة أيضاً، وأقدر على التعقل والحلم والرزانة وكبت الانفعالات وضبط النفس. أما المناطق الحارة فتجد أهلها ذوي بنية نحيفة، وأقوياء الحس والإرادة، وذلك لنمط معيشتهم القاسي، ويغلب على طباعهم الخفة والنزق. أما المناطق الباردة فيمتازون بالصبر والاحتمال، ولكن طبعهم بارد وعاطفتهم راكدة. ومن ذلك أيضا نجد كلام ابن خلدون وهو يصف أهل مصر فيقول: "غلب عليهم الفرح والخفة والغفلة عن العواقب، حتى إنهم لا يدخرون أقوات سنتهم ولا شهرهم، وعامة مآكلهم من أسواقهم، في حين أن أهل فاس بالمغرب مطرقين إطراق الحزن، وأفرطوا في نظر العواقب، حتى أن الرجل يدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة، ويباكر إلى الأسواق لشراء قوته ليومه مخافة أن يرزأ شيئا من مدخره".

 

وكما تؤثر البيئة في شكله وطباعه، فإنها تؤثر –أيضاً- في نشاطه الاقتصادي، فحيث تكثر المناجم تكثر الصناعات، وقرب الأنهار والوديان تكثر الزراعة، بينما ينتشر الرعي في المروج، أما في الجبال فيكثر الفقر بسبب شح الموارد الطبيعية ، وهكذا في سائر البيئات المتباينة.

 

أيضاً تؤثر البيئة في الحياة السياسية، فعلى مر التاريخ كانت الجبال والصحاري موانع طبيعية أمام الأطماع الاستعمارية والنوايا الاستغلالية، وهو ما يجعل أهلها في مأمن من غارات الأعداء، عكس السهول والوديان التي كان دوما تغري بالتوسع والعدوان. أيضا المناطق الثرية بثرواتها الطبيعية أو موقعها الجغرافي المميز عرضة للاحتلال من الدول الكبرى التي تمص خيرات هذه البلاد الثرية، ويعتقد أن للبيئة دورا في تلوين الحكم الذي تخضع له أي جماعة بشرية. ويرى ابن خلدون أن النبوات إنما تكون في المناطق الأكثر اعتدالاً، لذلك يقول: " ولم نقف على خبر بعثة في الأقاليم الجنوبية ولا الشمالية " وهذا الكلام مردود عليه بقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) [سورة فاطر: 24].

 

ثانياً: الحركة الاجتماعية:

 

وهي تمثل كل العلاقات التي تربط البشر بعضهم ببعض، أياً كان نوعها: دينية، اقتصادية، اجتماعية، عائلية، ثقافية. والحركة الاجتماعية عامل أساسي في نجاح أو فشل أي دعوة، ومحدد رئيسي لوضع كثير من التشريعات أو وقف العمل بها أو تأجيلها أو التدرج فيها. فالاجتماع الإنساني جعله المولى -جل وعلا-؛ لعمارة الأرض وتحقيق العبودية الشاملة، وهو السر في جعل الإنسان مكرما من بين سائر المخلوقات والكائنات. وهكذا في فقه الحركة الاجتماعية ينبغي أن يكون في إطار الهدف العام م خلق الإنسان والغاية الكبرى من وجوده. والمتأمل في المجتمعات الإسلامية يجد أن سيرها قد انحرف عن هذا الهدف، حتى أصبحت صورتها مشوهة، لا هي إسلامية صريحة، ولا هي غربية محضة، فالواقع الاجتماعي اليوم عبارة عن موروث تاريخي من عصور الانحراف والبعد عن الشريعة، لذلك فإن فهمه بعيدا عن تاريخه لن يؤتي الثمار المرجوة، بل قد يأتي بعكسها، فمن يريد أن يغير واقعاً متكدساً لعهود من الفساد والظلم والبعد عن الشريعة في وقت وجيز إنما يصادم سنن الله في التدرج والتعامل مع الواقع، فلا عجب إذا أن تفشل كل الدعوات العجولة لإصلاح الأمة الإسلامية إذ غاية أمرها إرغام الناس ظاهرياً على الانصياع والاتباع، دون سبر أغوار طبيعة هذا التغيير. ورغم قتامة الواقع إلا إن رصيد التجربة ينبئنا بوجود بقايا الخير والصلاح في الأمة، وهو ما يحتاج الدعاة والخطباء للبناء والعمل عليه.   

 

ثالثاً: سبر أغوار النفس البشرية:

 

فإن الإنسان ببشريته هو المحور الذي عليه يدور عليه الواقع، منه يبدأ وإليه ينتهي، ولا يمكن أن نتكلم عن واقع بدون إنسان، أو إنسان بدون واقع، فالإنسان يتكيف طبقا لحاجيات ووفق مقتضيات الشرع بما وهبه الله -عز وجل- من استعدادات فطرية تختلف من إنسان لآخر، حيث تختلف من إنسان لآخر حسب وفق نوازع الخير والشر فيه، فالإنسان مزدوج الطبيعة، من نطفة أرضية خلقت من طين، ونفحة علوية من روح تسري في أعضائه الطينية، ووجود هذه النوازع تعني وجود الإرادة الحرة المسئولة عن أي قرار يتخذه الإنسان (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [ الإنسان:3]، ولكن هذا لا يعني أيضاً أنه قادر عن انتزاع ما غرز في جبلته. كذلك فقد منح الله -عز وجل- القدرة على التعلم وطلب المعرفة، حي ميزه بحواسه لتعينه على تكوين خاصية العقل والتفكير التي تمكنه من العلم وإدراك الحقائق الخارجية، قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [ النحل: 87].

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات