فن الإلقاء المتميز

عبد الكريم خلف

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

ينبغي أن يتصف الخطيب بحسن المعرفة والإحاطة بفنه الذي يتحدث فيه، وإلا كان مناقضاً لنفسه، وسيتضح ذلك للجمهور سريعاً؛ لأنه لن يستطيع أن يحدث بغير علم، وقد قيل: "كل إناء بما فيه ينضح"، فكيف إذا كان الإناء فارغاً؟!

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

 

فإن الإلقاء المميز هو موهبة عظيمة ونعمة كبيرة، ولكن هذه الموهبة بحاجة إلى صقل وتنمية وإلا فإنها تضعف وتتضاءل ولا ترتقي إلى المستوى المطلوب.

 

عناصر الموضوع:

 

أهمية الإلقاء الجيد

 

 فوائده الإلقاء المؤثر

 

مواصفات الملقي البارع

 

أركان الإلقاء المميز

 

طرق وأساليب الإلقاء

 

يقول ابن سينا:

 

الإلقاء والخطابة: "وظيفة قادة الأمم من الأنبياء والمرسلين ومن على شاكلتهم من العلماء العاملين وعظماء الملوك وكبار الساسة".

 

تمهيد:

 

تعريف المصطلحات:

 

الخطابة: لغة واصطلاحاً:

 

لغة: الكلام المنثور.

 

اصطلاحاً: هي الكلام المؤلف الذي يتضمن وعظاً وإبلاغاً على صفة مخصوصة.

 

فن الإلقاء:

هو علم ذو قواعد وأصول وأساليب وضوابط لا بد من تعلمها، ثم التمرس عليها، مع المقدرة النفسية والموهبة الإلهية.

 

نستنتج من هذا التعريف:

 

الخطابة والإلقاء ترتكز على أمرين أساسين:

 

1-العلم.

 

2-الموهبة.

 

فن الإلقاء في القرآن الكريم:

 

غاية هذا الفن: الإقناع والتأثير:

 

قال تعالى: (وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً) [النساء: 63].

 

قال تعالى: (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) [ص:20].

 

وقال عن موسى: (وأخي هارون هو أفصح مني لساناً) [القصص: 34].

 

فالإلقاء الجيد هو:

 

(فن إيصال فكرة لمجموعة من السامعين على نحو مقنع ومؤثر).

 

فن الإلقاء في السنة المطهرة:

 

التأثير النفسي في نفوس السامعين:

 

عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون". أخرجه الترمذي.

 

وعن عائشة: "كان كلام رسول الله فصلاً يفهمه كل من سمعه". أخرجه أبو داود.

 

أهمية الإلقاء الجيد:

 

تأتي أهمية الإلقاء من كونه عنصراً أساسياً من عناصر التبليغ والثقافة منذ الجاهلية (سوق عكاظ)

 

مروراً بالإسلام ...إلى عصرنا الحالي، فالمنبر هو وسيلة إعلام قوية ومؤثرة، فينبغي استغلال هذه الوسيلة وتوظيفها التوظيف الجيد.

 

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مُبَلَغ أوعى من سامع". أخرجه الترمذي.

 

فوائد الإلقاء المؤثر:

 

أ-فوائد اجتماعية:

 

1-الحث على الأعمال التي تعود بالنفع على المستمعين، كتحفيز المجاهدين قبل المعركة.

 

2-التنفير من الأعمال السيئة التي تضر الفرد والمجتمع، كالتدخين مثلاً.

 

3-إثارة الحماس تجاه قضية معينة، كنصرة الشعب السوري.

 

4-إقناع المستمعين بمسألة معينة، كتعجل الزكاة مراعاة للفقير.

 

5-بناء جيل متعلم ومثقف واعٍ بقضايا أمته.

ب-فوائد شخصية: (للداعية)

 

1-فرصة للاتصال المباشر مع الناس.

 

2-بناء علاقات جيدة مع أصحاب القرار.

 

3-إتقان مهارة جديدة (التواصل).

 

4-زيادة فرص النجاح في الحياة.

 

أهداف الإلقاء:

 

من عناصر نجاح الداعية معرفة الهدف من الخطبة والمحاضرة التي يريد إلقائها، ما هي الرسائل التي يريد إيصالها للسامعين؟.

 

من أهم الأهداف للإلقاء المؤثر:

 

1-بيان حكم شرعي.

 

2-تصحيح مفهوم خاطئ، مثال: خطبة النبي عند وفاة ولده إبراهيم:

 

"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي" رواه البخاري.

 

3-إزالة شبهة عالقة بأذهان الناس.

 

4-تحفيز الناس للجهاد في سبيل الله أو الإنفاق.

 

5-تفسير آية من القرآن الكريم.

 

6-بيان فضل صحابي أو عالم من العلماء.

 

مواصفات الملقي البارع:

 

1-العلم.

 

2-الإعداد الجيد.

 

3-المهارة اللغوية.

 

4-إيصال رسالة مهمة.

 

5-الثقة بالنفس.

 

6-الصدق.

 

7-مراعاة حال السامع.

 

8-الاستماع الجيد.

 

9-الإيمان بما تقول.

 

أولاً: العلم:

 

ينبغي أن يتصف الخطيب بحسن المعرفة والإحاطة بفنه الذي يتحدث فيه، وإلا كان مناقضاً لنفسه، وسيتضح ذلك للجمهور سريعاً؛ لأنه لن يستطيع أن يحدث بغير علم، وقد قيل: "كل إناء بما فيه ينضح"، فكيف إذا كان الإناء فارغاً؟!

ثانياً: التحضير الجيد:

 

لا بد من تحضير الدرس أو الخطبة أو المحاضرة مسبقاً ومراجعتها عدة مرات؛ لأن ذلك أبلغ في الوصول إلى السامع وشد انتباهه بالمعلومات الجديدة والمفيدة دائماً.

 

ملاحظة: اهتم بالمقدمة واصرف لها بعض الوقت؛ لأنك تكسب نصف المعركة حين تجذب الجمهور وتسيطر عليهم من خلال المقدمة.

 

وكذلك الخاتمة.

 

ثالثاً: المهارة اللغوية:

 

هي امتلاك الداعية أو الخطيب لمعجم واسع من المفردات يزوده بقدرة فائقة على التعبير عن المعنى الذي يريده بأروع طريقة وأبدع أداء.

 

يقول صلى الله عليه وسلم: "أعطيت جوامع الكلم". متفق عليه (واللفظ لمسلم).

 

رابعاً: إيصال رسالة مهمة للسامع:

 

إن الخطب التي ليس لها هدف محدد غالباً ما تكون فاشلة، فلا بد للخطيب من تحديد هدف يمس حياة المستمعين ويجذب اهتمامهم.

 

قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس: اسمعوا مني أبين لكم".

 

خامساً: الثقة بالنفس:

 

فالخطيب الرابط الجأش الواثق من نفسه سيكون طريقه إلى قلوب الناس قصيراً، ويحقق نتائج سريعة وثابتة أكثر من الخطيب المتردد.

 

سادساً: الصدق:

 

ولعلها أهم صفات الخطيب المتميز، فإن تحسس المشاعر وصدق الأحاسيس وصدق الحديث وأمانة النقل، سيكون لها أبلغ الأثر في نفوس السامعين.

 

قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصدق يهدي إلى البر".

 

سابعاً: مراعاة حال السامعين:

 

وقد قيل: "خاطبوا الناس على قدر عقولهم"، فعلى الخطيب أن يكون ثاقب النظر نافذ البصيرة، فيختار الموضوع المناسب واللفظ المناسب.

 

ثامناً: الاستماع الجيد:

 

على الخطيب أن يحسن الاستماع للناس كي يكسب ثقتهم، ويعرف المشاكل التي يعانون منها ويتطرق إليها ويعالجها.

 

9-الإيمان بما يقول:

 

على الخطيب أن يكون قدوة للناس في تطبيق ما يقول، يقول طارق بن زياد في بعض خطبه:

 

"اعلموا أني أول مجيب لما دعوتكم إليه".

 

ويقول الشاعر:

 

لا تنه عن خُلق وتأتي مثله***عار عليك إذا فعلت عظيم

 

ابدأ بنفسك فانهها عن غَيِّها***فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

قواعد ستة ينبغي مراعاتها (أثناء الإلقاء):

 

1-معرفة الخطيب متى يتحدث؟ ومتى يتوقف؟.

 

2-يتحدث عن أشياء تلامس واقع الناس.

 

3-يستخدم اللغة اليومية السهلة (الفصحى وليس العامية).

 

4-عدم التعالي على الناس.

 

5-استخدام الإشارات الطبيعية.

 

6-الحرص على التواصل بالعين وتوزيع النظر على الجميع.

 

شروط الأداء الجيد:

 

1-لا تبدأ بالاعتذار؛ لأن الحضور قد لا يعرفون أنك لم تحضر فلا تتطوع بتنبيههم!!

 

2-ابتسم أثناء الإلقاء ولو لمرة.

 

3-لا تبدأ بعجلة بل انظر للجمهور وخذ نفساً عميقاً.

 

4-لا يكن صوتك منخفضاً للغاية ولا مرتفعاً للغاية، ولا صاخباً بل لازم الاعتدال.

 

5-تابع حركة الجمهور واعرف متى تتوقف؟

 

نصيحة:

 

-لا تسرف في الأكل قبل الخطاب.

 

- اهتم بمظهرك وأناقتك.

 

 تجنب ارتكاب أقبح جريمة!!

 

يقول بعض الكتاب: "إن من يتحدث لثلاثين دقيقة حديثاً سيئاً لمئتي شخص قد ضيع –فقط- نصف ساعة من وقته،  ولكنه ضيع  مئة ساعة من وقت الآخرين – أي أكثر من أربعة أيام – وهي جريمة يجب أن يكون حكمها قاسياً". 

 

إضاءة:

 

الأسلوب أهم من الكلمة؛ لأن عناصر التأثير تتوزع على ما يأتي:

 

7% للكلمات.

 

38% للصوت.

 

55% للغة الجسد.

 

ختاماً:

 

إن كان الجذع قد حن لفراق النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن المنابر –اليوم- تئن ممن يرتقيها فيهذي ولا يجيد.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات