المقومات الشرعية للوسطية الشرعية

يوسف الغفيص

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

ومن العجب أن نرى بعض الناس يقرر مسألة دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ولا يلقي بالاً لدعوة أهل البدع، وردهم عن ضلالهم، وإذا كان غير المسلمين يُدعون إلى الإسلام، والله تعالى قد بعث الرسل يدعون الناس إلى دينه، ويدعون الكفار، فمن باب أولى أن يكون لمن ضل من عباد الله المسلمين من أهل القبلة بشيء من البدع، أن يكون لهم مقام من الدعوة؛ لأن الدعوة إلى دين الله من تحقيق العبودية لله، بغض النظر

 

 

 

 

أولاً: الوضوح العلمي:

 

إن كثيرًا من الناس يكون عنده إفراط أو تفريط بسبب نقص في علمه، فيستر هذا النقص: إما بالتخفيف للأمور، أو يستره بأسلوب من أساليب الشدة والعدوان، حتى لا يراجع في حقيقة علميته. إذاً: من مقومات الوسطية الشرعية: الوضوح العلمي، والله تعالى يقول لنبيه: (فَاعْلَمْ) [محمد:19]. (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28] (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه:114] إلى غير ذلك من الأدلة التي تحث على التزود من العلم، والرسوخ فيه.

 

ثانياً: الأمانة والعدل

 

يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) [النحل:90]، فالعدل لا بد منه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الفتن: "فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه"، فلا بد من العدل والأمانة مع المخالف.

 

وقد يفهم البعض أننا حينما تقول: لا بد من العدل مع المخالف، أن المقصود: التنازل في الحكم، أو التخفيف في الأمور، على غير وجهها الشرعي .. كلا، إنما العدل: هو إصابة حكم الشريعة؛ لأن الله أمر به، فهو أمر شرعي.

 

ثالثاً: الاقتداء

 

 إن هذا الدين ليس فكراً أو اجتهاداً، وإن كان فيه مساحة للتفكير، مساحة للاجتهاد بلا شك، لكن أصوله ومبادئه الأولى مبنية على الاقتداء، حتى في مقام الاجتهاد ومقام التفكير فأنت تنطلق من قواعد الاقتداء والاتباع، وقد أمر الله تعالى نبيه بالاقتداء، فقال: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) [الأنعام:90]، فمسألة الاقتداء مسألة مهمة، والله تعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43].

 

رابعاً: الصدق العبادي

 

 الصدق العبادي الذي هو الإخلاص: أن لا يكون مقصودك من كلامك في تقرير العقيدة، أو في الرد على المخالف، أو في مناظرته ونحو ذلك - أن لا يكون المقصود هو العلو في الأرض؛ لأن العلو في الأرض ما ذكره الله إلا شأناً من شئون الكفار، وليس لكل الكفار، وإنما لبعض الغلاة من الكفار؛ كفرعون وغيره، أما المؤمنون، فإن الله سبحانه وتعالى قد وصفهم بنوع من العلو، لكنه العلو الإيماني، وليس العلو السفلي، قال الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ) [آل عمران:139] وقال عن فرعون: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ) [القصص:4].

 

فينبغي أن يكون مقصودك لما تقوله من التقرير للعقيدة، أو من الرد على المخالف الإخلاص والصدق العبادي، وأن يهتدي الناس بذلك، ولذلك فإن المخالفين للسنة والجماعة كما أنه يشرع الرد عليهم، يشرع كذلك في حقهم الدعوة.

 

ومن العجب أن نرى بعض الناس يقرر مسألة دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ولا يلقي بالاً لدعوة أهل البدع، وردهم عن ضلالهم، وإذا كان غير المسلمين يُدعون إلى الإسلام، والله تعالى قد بعث الرسل يدعون الناس إلى دينه، ويدعون الكفار، فمن باب أولى أن يكون لمن ضل من عباد الله المسلمين من أهل القبلة بشيء من البدع، أن يكون لهم مقام من الدعوة؛ لأن الدعوة إلى دين الله من تحقيق العبودية لله، بغض النظر عن درجة استجابتهم، أما من يقول: إنهم لا يستجيبون، ويأتيك بكلمة عن زيد أو عمرو: أن المبتدع لا يستجيب، ولا يرجع عن بدعته، فإن هذا تخرَّص على الديانة.

 

فكل من أخطأ الحق، فإنه يجب دعوته، وإقامة حجة الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليه، سواء كان مسلماً ضل، أو كان غير مسلم.

 

خامساً: الاقتصاد

 

 الاقتصاد: هو ترك التكلف، وقد ورد في القرآن الكريم في سياق كلام المرسلين لقومهم أنهم يقولون: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي نَ) [ص:86] وهذا الدين يسر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام، كما في البخاري وغيره: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"، فمسألة الاقتصاد هي في الحقيقة مسألة من مسائل العدل، ومنه: الاقتصاد في الأقوال، فمثلاً: الأقوال التي لم تفصلها الشريعة، وإنما ذكرتها مجملة، فمن السنة هنا أن نقتصد، فلا نسعى لتفصيلها؛ وذلك كبعض حقائق اليوم الآخر التي ذكرها الله تعالى مجملة، وقد نجد أن بعض المتأخرين من أهل العلم، وحتى من بعض أهل السنة المتأخرين، من يذهبون للتفقه والتفسير في مسائل مجملة من مسائل اليوم الآخر، وكأنهم ينظرون في مسألة من مسائل الفقه وفروع الدين، التي يقال فيها بالقياس، والاجتهاد، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، ونحوها من الدلائل المختلف فيها، وهذا من الغلط والتكلف؛ لأن باب الخبريات وباب أصول الدين لا يقال فيها بالاستفصال، إلا إذا كان هذا الاستفصال أو التفصيل قد نطقت به النصوص.

 

ولذلك لما ذكر ابن تيمية هدي أهل السنة والجماعة، قال: "من هديهم ترك الاستطالة على الخلق، بحق أو بغير حق".

 

فحتى لو كان الحق معك فلا تستطل أو تظلم من جهة أن الحق معك؛ بل يجب العدل والاقتصاد.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات