تعامل طالب العلم مع الفتن والنوازل (1-2)

عبد الرحمن بن صالح المحمود

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

في هذا العالم -عالم الصراع الضخم جدًا- وفي هذه الفتنة الكبرى، وفي هذه الظلمة العظمى التي تحيط بالعالم اليوم ينبغي أن ننطلق من خلال نور وصحة هذا الدين، وأنه هو هو لم يتغير، ولن يتغير أبدًا، هذا هو الأساس الأول الذي ينطلق منه المسلم بالنسبة لهذه الفتنة.

 

 

 

 

ما هي النوازل؟

 

النوازل: هي الأمور الكبار التي تنزل بالأمة، وقورنت بالفتن، لأن النوازل الكبار يقع فيها الاختلاف بين العلماء وبين الناس، ويكثر الخوض فيها، ومن هنا لما وقعت الفتن على المسلمين في بلاد الأندلس، ثم في بلاد المغرب، أكثر منها في بلاد المشرق وأشد، كبرت النوازل عندهم وصار تعبير علمائهم بعبارة النوازل بدل الفتاوى، لأن النازلة كأنها حادثة كبيرة وليست مسألة من المسائل تحتاج إلى جواب، وإنما هي نازلة تحتاج إلى علماء واجتهاد ونظر، وتدبر... إلخ.

 

القضية الأولى: أن الفتن تكون بالخير والشر..!

 

ويجدر بنا أن ننبه إلى أن الابتلاء والامتحان سنة ربانية لا يخرج منها أحد: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]. وبعض الناس يظن أن الفتن خاصة بالشر، فإذا نزل بالمسلمين أو بأي أمة من الأمم نازلة من بلاء ومصيبة ونحو ذلك، ظن أن هذه هي الفتنة، والبلية التي أصابتهم، بينما الأمة التي لم يصبها هذا، وإنما أصابها نوع آخر من الابتلاء، وهو الابتلاء بالرخاء، وكثرة الخير والإمهال، اختلط عليه الأمر وظن أن الفتنة عند أولئك، وهو بالنسبة له ولمن حوله ليس عندهم فتنة، وهذا خطأ لأنه أحيانا تكون الفتنة في الرخاء أشد منها في البلاء..

 

ومن عرف التاريخ وحياة السلف الصالح وجد أنهم أدركوا هذه الحقيقة العظيمة، وهو أنهم يبتلون بالخير وبالشر، ولكن يقولون: "وجدنا أن صبرنا على الرخاء يحتاج منا إلى جهد أشد من صبرنا على الشدة".

 

والأمر إذا عرف على هذا الوجه فإن طالب العلم ينبغي أن يتعامل بخاصة نفسه مع الفتن بهذه النظرة العامة الشاملة، التي تجعل الإنسان يتدبر حاله ومن حوله، وكيف يتعامل مع واقعه، من خلال أن الفتنة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر، بل إن الفتنة في الخير هي التي تصحبها الغفلة، وأحيانًا الإعراض والسهو والنسيان، الذي يؤدي بالإنسان إلى التمادي في التقصير، والمخالفات ونحو ذلك، وإذا تبين هذا، فينبغي أن تكون نظرة المسلم إلى الواقع الذي يعيشه اليوم نظرة فاحصة، وليست نظرة أولئك الأنعام الذين يرون أنه إذا وجد الأكل والشرب فهم في خير ونعمة، وإذا لم يجد الأكل أو الشرب هذه هي الفتنة والبلية..!

 

هذه طريقة العامة الذين لا يفقهون ولا يعلمون، لكن طالب العلم هو الذي يغوص في معرفة حقائق الأمور، ويدرك أن المجتمع إذا أصابه الرخاء فلربما كان مفتونًا أشد من ذلك المجتمع الذي تصيبه الشدة، وأنا كنت أحيانًا أقول لبعض إخواننا مثلًا في بلاد اليمن -فبلادهم بحاجة شديدة، تجد هناك الشاب في الثانوية أو الجامعة لا يملك شيئًا، ليس لديه سيارة أو جوال أو مال، وبالمقابل تجد الشاب عندنا بالثانوية شاب لديه سيارة، ومال وجوال، إلى آخره.. ومن خلال نظرة فاحصة، وجدتنا مع هذا الرخاء فقدنا كثيرًا من الجدية والهمة، وصار كثير من شبابنا بلا هوية لا يحملون معانة- فكنت أقول لبعض الإخوان هناك: صحيح والله الفقر لا يحبه أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم تعوذ منه، لكن الفتنة التي وقع فيها إخوانكم في الرخاء ربما تكون أشد من الفتنة التي وقعتم فيها أنتم، فهناك يخرج الشاب رجلا قويًا يستند على نفسه، همته عالية، يكفيه القليل.

 

ولقد حضرنا دورات هناك، والمدرسة في منطقة ساحلية حارة، وليس فيها مكيفات لا يوجد بها إلا مراوح، والسكن داخلي، يعني هو إذا أتي من قريته يجلس شهرًا ونصفًا في هذه الدورة لا يخرج يتلقى دروسه فيه، وينام فيه، ومع ذلك تجد همة ونشاطًا، وبعض الشباب هنا يفر من طلب العلم، إذن ننتبه لأن الفتن تكون في الخير، والشر.

 

القضية الثانية: قضية غلبة الكفار

 

وهذه القضية التي ربما من المهم أن ندركها قضية كبيرة جدًا، وهي تلك الفتنة التي أحاطت بالأمة، ما أشهر مظاهرها، وعلاماتها؟ "غلبة الكفار، واجتماعهم على الضلالة، وضعف المسلمين وتفرقهم"، ولا شك أن هذه الفتنة هي من أعظم الفتن التي يعيشها المسلمون هذه الأيام؛ لأنه يرى دينه هو الدين الحق، ومنهجه هو المنهج الحق، ويرى الكفار على هذه الصفة ثم يرى هذه الحال: "ضعف المسلمين، وتفوق الكافرين" يرى هذه الحالة العجيبة التي تحيط بالأمة فتكاد تفتنه عن دينه، وتصرفه عن منهاج رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

كيف نواجه هذه الفتنة الواقعة التي اختلطت فيها الأمور؟

 

هذه الفتنة الكبرى التي هي جزء من امتحان رباني -سبحانه وتعالى- يتعامل المسلم معها من خلال منهجين بسيطين: الأمر الأول: أن يوقن أن دين الله تعالى لا يتغير ولن يتغير، وأن مهما أحاط بالمسلمين من ضعف، أو هزيمة، أو غير ذلك من الأمور التي يأسى لها قلب المسلم، فعليه ألا يتطرق الشك إلى أي شيء من دينه وأصله..

 

نعم قد تنظر نظرة إلى حال المسلمين، وإلى ضعف المسلمين، وقد تتهم المسلمين بالتقصير وكذا.. وكذا.. لكن احذر كل الحذر أن تتهم الدين الذي ترجع إليه، احذر كل الحذر أن يصل الأمر إلى الدين، فإن أخطر الفتن التي تمر على الإنسان في مثل هذه الأحوال أن يتجه بالتهمة إلى الدين.

 

إن الإنسان المستبصر الذي يعرف الأمور بشكلها الصحيح يتهم حال الأمة، ويتهم نفسه بالتقصير، ينظر إلى المعاصي، يرى العقوبات الربانية، ولكنه لا يمكن أن يتجه إلى اتهام الدين إذا سلم المسلم، وإذا سلم طالب العلم من هذه القضية فهي بداية النظرة الصحيحة، إذًا: فأخطر ما يمر على الإنسان في هذا الموضع أن يشك في دينه ومنهجه، فإما أن يشك في دين الإسلام عمومًا، أو يشك في منهج أهل السنة والجماعة خصوصًا، فإذا وصل به الأمر إلى هذه الحال فليعلم أنه في وسط الفتنة!

 

إن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أصابتهم الفتن والشدة مع أن قائدهم رسول الله، ومع هذا وصلت الشدة بالمسلمين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يذكرهم الله -عز وجل- بقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214]. ومع هذا ما تطرق الشك إلى دينهم أبدًا!

 

وفي هذا العالم -عالم الصراع الضخم جدًا- وفي هذه الفتنة الكبرى، وفي هذه الظلمة العظمى التي تحيط بالعالم اليوم ينبغي أن ننطلق من خلال نور وصحة هذا الدين، وأنه هو هو لم يتغير، ولن يتغير أبدًا، هذا هو الأساس الأول الذي ينطلق منه المسلم بالنسبة لهذه الفتنة.

 

الأمر الثاني: ينبغي للمسلم فيها أن ينظر إلى سنة الله عز وجل في كتابه وإلى سنة رب العالمين -عز وجل- فيما جرى مع أنبياءه ورسله، ومع نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، ما هي سنة الله -عز وجل-؟ سنة الله -عز وجل- هي: (المداولة) لكن العاقبة للمتقين، وسنة الله مع رسوله -صلى الله عليه وسلم-: يدول علينا، وندول عليهم مرة، لكن العاقبة له -صلى الله عليه وسلم- ولمن معه من المؤمنين، ومن لم ينظر بهذه النظرة فلا بد أن يختل عنده التعامل مع الفتن الواقعة.

 

مثال: بعض الناس اليوم يظن أن الإسلام لن ينتصر، عنده قضية أن الإسلام سينتصر يومًا من الأيام، بعضهم ينظر -اليوم- إلى أن الغرب هو المسيطر، ويبقى هو المسيطر ما بقي الزمن، وهذه كلها نظرات تخالف ما هو منصوص عليه في سنة الرسول، وفي كتاب الله سبحانه وتعالى. نعم! هناك من ينظر بهذه النظرة العجيبة التي تتحدث عن أن الواقع المعاصر من خلال آلياته وتقنياته، واختراعاته وفتنه، ضربة تلازم ضعف المسلمين، وغلبة الكفار للأبد! ونحن نقول كلا، احذر من هذا فإن قال قائل: "وهل يكفي أن أقول هذا؟!".

 

نقول: إذا قلت وآمنت، وصدقت بهذا أن سنة الله -عز وجل- بالمداولة، وأن الله سبحانه وتعالى ينصر عباده المتقين، بدأت تسلك الطريق الصحيح، وهذه الفتنة اليوم هي من أعظم الفتن والنوازل الكبرى بالأمة الإسلامية.

 

لما هجم التتار على المسلمين، واكتسحوا بلاد العراق، واتجهوا إلى بلاد الشام: نشأت عند بعض المسلمين هذه الفكرة الناشئة الآن نفس هذا الكلام قبل 700 سنة، قال قائلهم: "لم تقوم للإسلام قائمة، هكذا التتار اكتسحوا، ولن تقوم للإسلام قائمة"، طبعًا في ذلك الزمن أمام هجوم الكفار فيه من يؤيده، وفيه من يرى أنها نظرة صحيحة، لكن العلماء البصيرين، المستبصرين بنور كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قالوا بكل وضوح وصراحة: "لا كيف يكون هذا؟" وفعلًا واجهوهم وصدوا التتار، وما هي إلا فترة يسيرة وإذا بالتتار ينغمسون في المجتمع المسلم فلا يبقى لمبادئهم شيء، إنه التعامل مع الفتن عند غلبة الكفار بمنهج الإسلام.

 

ولهذا لما رأى أعداء الله -عز وجل- هذه الحالة المخيمة على المسلمين بدءوا يتحدونهم بمعنى: أن يهان المصحف في (جوانتناموا) ثم في سجون دولة اليهود، المصحف قد يهان لكن طريقة إخراج الإهانة هذه مدروسة، فلا هي غلطة جندي غضب ثم بعد ذلك تسرب الأمر كما يظن البعض، لا! هذه من باب الإذلال للمسلمين، كأنه يقول لكل مسلم ها نحن نهينك في أقدس مقدساتك: كتاب الله الكريم، كلام الله سبحانه وتعالى، ونعلن ذلك أمام العالمين، ولا نحاكم جنودنا، وها نحن نتبجح!

 

وصل الأمر بالأمة إلى مثل هذه الحالة، ومع ذلك كانت غضبة لبعض المسلمين سالت دماء في سبيله في أفغانستان، من أقصاها مات ناس في سبيل الله، والدفاع عن القرآن، والغيرة على تدنيس هذا القرآن الكريم؛ ومن هنا نزلت فتنة أعظم من هذه الفتنة: أن يداس القرآن الكريم، ثم يبقى كثير من المسلمين جامدًا، ساكتًا وكأنه لم يحدث أي شيء، والله إنها لحالة من الفتن لا تكاد تتصور!

 

القضية الثالثة: فتن آخر الزمان:

 

وهي ترتبط بأشراط الساعة الصغرى والكبرى، والكلام حولها طويل، وألفت فيها الكتب، وخاض فيها الخائضون، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا عن كثير من هذه الفتن التي ستأتي في آخر الزمن، ونحن نؤمن بذلك ونصدق، ولكن ما الذي حدث: هو أن فتن آخر الزمان تلاعب بها الكفار من أهل الكتاب، وغيرهم من اليهود والنصارى، وصاروا بما عندهم في كتبهم، وإسرائيلياتهم وغيرها يرتبون الأمور والأحداث من خلال أشراط الساعة.

 

والعجيب أنه واكبهم ساستهم، وتجد الكلام المتعلق الآن بفلسطين، وبالنسبة لنزول عيسى بن مريم، ولا يزال الآن في تلاحم يهودي نصراني حول هذه القضايا وينمو هذا الاتجاه في بلاد الغرب، وفي أمريكا وغيرها، من ثم تجد الأمر تترتب عليه أشياء، وأحداث تتعلق بحالنا نحن المسلمين، والشيء الذي يأسف له هو أن بعض المسلمين واكب مثل هذه الحوادث فخاض كما يخوضون، فاليهود والنصارى مصادرهم: كتبهم المحرفة، تنبؤاتهم، شروحات الحاخامات، أقوال المنجمين،...،...، إلى آخره، وكلها مصادر ليس لها أساس من الصحة من أولها إلى آخرها.

 

إذًا كيف نتعامل مع هذه الأشياء؟!

هناك طريقتان واضحتان:

الأولى: طريقة منهجية علمية، قائمة على دلائل الكتاب والسنة.

الثانية: السير مع هؤلاء بأساليبهم، وتطعيمها بأشياء واردة في السنة النبوية.

 

إن التعامل مع الفتن في آخر الزمان دخل فيها أناس كثيرون على طريقة أهل الكتاب، فنشأ في المسلمين من يتكلم عن أحداث آخر الزمان، ونحوها وصار يخلط فجمع بين: "أحاديث صحيحة قليلة، وأحاديث ضعيفة كثيرة، وأحاديث موضوعة، وإسرائيليات وأخبار، وأقوال أهل الكتاب، وأقوال المنجمين"، فجمع بين هذه الأشياء وأضاف إليها الرؤى ثم خلطها ووضعها، وصار يتعامل معها، وهذا خطأ كبير: أن تجاري أعداء الله، وأن تحتج بكل ما هو شاذ وموضوع وضعيف، ولذلك ترتب على هذا أحد أمرين:

 

1- يأس في الأمة يصيب الناس في التعامل مع هذا الواقع الذي تعيشه الأمة.

 

2- أو في مقابل ذلك: أن يصيب بعض الناس من المسلمين إحباط، وانتظار لهذه النتائج، أو لهذه الأحداث، والأشراط، فوجد من المسلمين من اتكأ على أريكته ينتظر الأحداث، ووضع لها أحداث، وقال هذا سيكون كذا، ونهر الفرات كذا، ونهر الأردن كذا... إلي آخره، ثم صار بعد ذلك يرتب هذه الأشياء على أريكته، وينتظر متى يحدث الحدث الفلاني، ويقابله الجيش الفلاني، وتكون الرايات الفلانية، ولم ير من ذلك شيئًا، ولن يرى من ذلك شيئًا.

 

الأمور التي نتعامل بها مع الفتن:

 

فالواجب تجاه هذه الفتن أن نتعامل معها من خلال الأمور التالية:

الأمر الأول: ألا يخلط بين الشرع والقدر في فتن أشراط الساعة، هناك قدر أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون كذا، وكذا، هذا قدر سيكون، وإذا أخبرنا الرسول عن شيء إنه سيكون، فلا بد أنه سيكون ما دام أنه أخبر عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق، فإذا كان هذا هو القدر الذي سيجري فكيف نتعامل معه؟!

 

الذي يقع أحيانًا هو: أن بعض الناس يتعلق بالقدر، وينسى الشرع، وآخرون يتعلقون بالشرع، وينسون القدر، والواجب على المسلم أن يصدق بالقدر، وبهذه الأخبار الصحيحة التي ثبتت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها تقع في آخر الزمان فيؤمن بها، ويصدق، لكن! هل يكفي هذا؟ قال لا بل يجب عليه بالمقابل أن يتبع الشرع، وكيف؟! يأخذ بالأسباب الشرعية، وما هي؟ هي: الأسباب التي لا بد منها لنصر الأمة وأهمها سببان:

 

الأول: القيام بما أمر الله -عز وجل-.

الثاني: الأخذ بالأسباب المادية كما أمر الله -عز وجل-.

وعلى هذا فالمسلم يصدق بما سيجري آخر الزمان: سنقاتل اليهود، سينزل عيسى، نعم.

سيخرج الدجال، نؤمن بهذا ونصدق، لكن! هل نكتفي بهذا؟! لا. وإنما نأخذ أيضًا بالأسباب الشرعية، ولهذا فإن هذه الأمة مطلوب منها أن تأخذ بالأسباب الشرعية وهي تبني نفسها، وتدافع عن نفسها، وتواجه عدوها، ولا يجوز لها أن تستكين، وتنام منتظرة أشراط الساعة.

 

يعني: هل يليق بالمسلم أن ينتظر عيسى ابن مريم، حتى إذا نزل نصر الله به هذه الأمة؟! ومتى ينزل؟! هذا غيب عند الله لا يعلمه إلا الله -عز وجل-، وقبل 500 سنة، أو 600 سنة، قال بعض علماء المسلمين: "سينزل عيسى، وتأتي الساعة على رأس الألف" ومع هذا القول لم يتحقق منه شيء، وهذه من مئات السنين، فالتعامل مع الفتن في هذه الحالة يجب أن يكون بالأخذ بالأسباب الشرعية.

 

وأمر آخر: ونحن نصدق بما ورد على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأخبار الواقعة، فينبغي لنا أن نحذر كل الحذر من التسرع في تطبيقها على بعض الوقائع والأحداث، فإن بعضهم يتسرع في تطبيق هذه الأشياء أي حدث معين ينظر في بعض الأحاديث، وبعض الآثار فيرى أنها قد تركب على هذا الوضع فيأتي، ويركبها عليه، ويبدأ يسابق الحدث ليواكب النصوص، أو ليسابق النصوص التي تواكب الحدث فهذا خطأ.

 

فعلينا أن نأخذ بالأسباب المشروعة يعني: أن الإنسان لا يستعجل في إنزال الأمور منازلها، ثم بعد ذلك يتصرف تجاهها تصرفًا غير حكيم، ربما يتخذ فيه مواقف غير مدروسة وغير مبنية على تأصيل شرعي، وهذا هو الذي وقع في بعض الأحيان، فتجدهم مثلا أيدوا شخصية معينة أو قائدًا معينًا تأييدًا عظيمًا، لماذا؟! قالوا: "ورد في الأحاديث أنه سينصر الدين ولو كان طاغوتًا من الطواغيت!"، كيف تأتي أنت وتستعجل، وتظن أنه سينصر الله -عز وجل-؟!

 

 

تعامل طالب العلم مع الفتن والنوازل (2-2)

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات