كيف تجزع والله معك؟!

سمير يونس

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

تعلَّم فقه الرضا، ومارسه بقلبك ووجدانك، فالسعادة ثمرة طبيعية للرضا، وكن متفائلاً لا متشائماً، فالمرء يرى الأمر بإحدى عينين: إما بعين التفاؤل، وإما بعين التشاؤم، فكن من النوع الأول الذي يرى بعين التفاؤل، فبينما يرى المتفائلون فرصة في كل صعوبة، فيغتنمونها، ويستثمرونها، ويحسنون تعليلها وتحليلها، والانتفاع بها، فإن المتشائمين

 

 

 

 

 

كم من فقير حزين، وكم من مريض يتألم! وكم من مظلوم يتجرع مرارة الظلم ولا يملك دفع الظلم عنه ولا عن ذويه! كم من أب مكلوم على ولده الذي مرض أو رسب أو انحرف أو ترك والديه! كم من قلق على ذنوبه، كم من جلاد لذاته لأنه أخطأ في حق غيره!! تلكم حال البشر، فكيف نواجه آلامنا؟! وكيف نحوّل الألم إلى أمل، والمحنة إلى منحة؟! إن كنت فقيراً فتذكر أن كثيرين غيرك محبوسون بسبب ذنوبهم، والدَّيْنُ همٌّ بالليل ومذلّة بالنهار. إن كنت لا تملك وسيلة نقل، فتذكر أن كثيرين غيرك مبتورو القدمين لا يستطيعون حراكاً.

 

وإن كنت مريضاً تتألم؛ فاعلم أن كثيرين غيرك ملازمون للفراش مقعدون من سنين، وربما يتعذر شفاؤهم، فإن كنت أشد منهم مرضاً فاعلم أن صبرك على المرض يحط عنك السيئات، ويزيدك حسنات، ويرفعك درجات، واعلم أنك -إن صبرت- فأنت حبيب الرحمن، وإذا أحب الرحمن عبداً ابتلاه.

 

وإن كنت مظلوماً فاصبر ولا تستسلم، وقاوم الظالمين، وادع ربك، فإنه القوي العزيز، المنتقم الجبار، القاهر فوق عباده، والناس جميعاً أمامه ضعفاء، وتأكد أن الله -عز وجل- يدافع عنك، وأنه ليس بغافل عن الظالمين: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم: 42].

 

إنه -سبحانه وتعالى- وعد المظلوم بأن تُرفع دعوته وأن ينصرها، بل أقسم على ذلك بقوله -كما بشرنا نبيه صلى الله عليه وسلم-: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين". صحيح الجامع.

 

وإن كنت فقدت ولدك في مكروه؛ فغيرك ربما فقد جميع أولاده في حادث واحد.

 

وإن كنت قد أسرفت على نفسك في الذنوب والمعاصي فلا تيأس ولا تجزع، بل تُبْ، واستغفر، ولا تقلق، فربُّك غفور رحيم، إنه يغفر الذنوب جميعاً، وغفار لمن أسرفوا على أنفسهم من الذنوب والمعاصي، وبشَّرهم، ونهاهم عن القنوط واليأس: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

 

وإن كنت قد أخطأت في حق الآخرين فسارع وبادر بالاعتذار، واعلم أن سلوكك هذا فضيلة، فالاعتراف بالحق فضيلة، والاعتذار عن الخطأ سلوك محمود، يُطيب نفس من أخطأت في حقه، ويبث التسامح بين الناس وفي سائر المجتمعات.

 

تعلَّم فقه الرضا، ومارسه بقلبك ووجدانك، فالسعادة ثمرة طبيعية للرضا، وكن متفائلاً لا متشائماً، فالمرء يرى الأمر بإحدى عينين: إما بعين التفاؤل، وإما بعين التشاؤم، فكن من النوع الأول الذي يرى بعين التفاؤل، فبينما يرى المتفائلون فرصة في كل صعوبة، فيغتنمونها، ويستثمرونها، ويحسنون تعليلها وتحليلها، والانتفاع بها، فإن المتشائمين يرون صعوبة في كل فرصة، ومن ثم فهم محبطون يائسون متشائمون، لا يستطيعون أن ينجزوا شيئاً، وهم يعيشون حياتهم كمداً وغماً وهماً، ويجرِّعون أنفسهم الفشل والمرارة.

 

لا تجزع، إياك والجزع والحزن والألم، فإنها تورث القلق والاكتئاب والأرق، كما أنها تجعل الماضي مزعجاً، والحاضر مؤرِّقاً، والمستقبل مخيفاً.

 

لا تجزع؛ لأن الجزع واليأس من الشيطان، وهما يجلبان الفشل والقنوط والإحباط.

 

لا تجزع؛ لأن الجزع لا يرد مفقوداً، ولن يحيي ميتاً، وهو اعتراض على القضاء والقدر، ولن يقدر أحد على رد القدر.

 

لا تجزع؛ فإن الجزع يسرُّ أعداءك، ويُشمت بك الحاقدين والحاسدين، ويزيد من حرقة ألمك، وتشفّي أعدائك.

 

لا تجزع؛ لأن الجزع يجعل قلبك ينقبض، ووجهك يعبس، ويذهب بنضارة وجهك وحيويته، ويؤثر ذلك كله سلباً على روحك وجسدك وصحتك.

 

لا تجزع؛ لأن قضاء الله نافذ لا محالة، والمقدور المكتوب واقع، والأقلام رُفعت، والصحف جفّت، وردد وأنت تتدبر قول الرحمة المهداة -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك". أخرجه الترمذي.

 

واعلم "أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصبك". رواه أحمد وأبو داود.

 

إنها حقائق صادقة أقرّها الشرع على لسان نبينا الحبيب الصادق المصدوق، فاليقين بها يُنزل السكينة بالنفس، والطمأنينة بالقلب.

 

لا تجزع على نعمة ابتليت بفقدها، واعلم أن الذي ابتلاك إنما هو يحبك، فحسبك حب الله الوهاب، الذي لا يعدله متاع الدنيا كله، بل لا وجه للمقارنة بين النعمتين، ثم اعلم أن الذي ابتلاك بسلب نعمة قد وهبك نعماً كثيرة لا تستطيع حصرها، وصدق الله المنعم المتفضل الوهاب، إذ يقول: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].

 

لا تجزع؛ فإن الكرب ينفرج، والهم يزاح، والمرض يزول، والذنب يغفر، والدين يقضى، والمحبوس يفك، والغائب يعود، والفقير يُرزق ويغتني، والأيام تُداول: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 140].

 

لا تحزن إذا ما أصابك مكروه أو ضيق أو ألمّت بك شدة، وابحث عن أطواق النجاة وما أكثرها، ومن أهمها:

 

1- الاستغفار: فلعل الله أراد بك خيراً، أن تأخذ بطوق النجاة هذا ويزيدك أجر الذكر والاستغفار، ويجلب عليك خيراً عظيماً باستغفارك ربك: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً *‏ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) [نوح: 12].

 

2- التسبيح: ذلك الطوق الذي نجَّى الله به نبيه يونس -عليه السلام- من بطن الحوت، قال سبحانه: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات: 144].

 

3- الدعاء: فقد أوضحت السُّنة المطهرة أن الدعاء والقدر يعتلجان -أي يتصارعان- قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرد القضاء إلا بالدعاء". رواه أحمد والترمذي بإسناد حسن. ويقول كذلك: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة". رواه الحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

 

4- رؤية المصابين من حولك، وتهوين مصيبتك واعتبارها أسهل من غيرها، وأنها تطاق ما دامت ليست مصيبة في الدين، واليقين بأنك لا تدري أين الخير: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، والاستبشار بنيل أجر الصابرين: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).

 

لا تحزن إذا ابتليت من أجل دعوتك ودينك، فأنت على خير ما دمت على التوحيد، فإنه كلمة الحق التي يثبتك الله بها في الحياة الدنيا والآخرة، وشتان بين الثبات والزيغ، والاستقامة والانحراف، والهدى والضلال: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ).

 

لا تجزع ومعك الله، والقرآن في متناولك لتثبيت قلبك: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)، كيف تجزع وأنت تملك قلباً ولساناً فتدعو ربك؟! كيف تجزع وفي صلاتك راحتك النفسية والجسدية من كل عناء؟! لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر لجأ إلى الصلاة، وبادر بها، وكان يقول لمؤذنه بلال -رضي الله عنه-: "قُمْ يا بلال، فأرحنا بالصلاة". رواه أبو داود.

 

كيف تجزع وفي مقدورك أن تتصدق ولو بشق تمرة، أو بكلمة طيبة، أو بابتسامة؟! كيف تجزع وفي مقدورك فعل المعروف وأداء العمل النافع؟! صِلْ رحمك تَفُزْ، وصلِّ، وسبح، واستغفر، وادعُ ربك موقناً بوعده: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

 

إذا ضاقت بك السُّبُل، وتقطعت بك الطرق، وضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضعفُت بك الحيل فقل: يا الله.

 

إذا تقطعت بك الحبال، فاعلم أن حبل الله لا ينقطع أبداً عن عباده، ومن ثم استحضر قلبك وقل: يا الله. إذا تقطعت نفسك حسرات ومزقك الحزن فقل: يا الله. إذا احتدم الخطب وادلَهمَّ الأمر، وحلت الشدة، واشتد البلاء فقل: يا الله. إذا ضاق صدرك ولم ينطلق لسانك وتعثرت خطاك وتعسرت أمورك؛ فناد ربك قائلاً من أعماق قلبك: يا الله. إذا أغلق الناس جميع الأبواب التي بينك وبينهم وأوصدوها فاعلم أن باب ربك الكريم الرحمن الرحيم المنعم الوهاب مفتوح دائماً لمن يطرقه واثقاً بربه. ولله درُّ الشاعر إذ يقول:

 

ولقـد ذكـرتك والخطوب كوالح *** سود ووجه الدهر أغبر قاتم

فهتفت في الأسحار باسمك صارخاً *** فإذا محيـا كـل فجر باسم

 

قم ليلك، واستغفر في الأسحار، وارفع كفيك متضرعاً لربك، آخذاً بسهام الليل، قاصداً ربك الكريم، واجعل لسانك يشدو بأسمائه الحسنى سبحانه، جرّب وستذوق طعم اللوذ بربك سبحانه، فسوف ترتاح أعصابك، وتهدأ مشاعرك، وتبرد توترك، ويستقر يقينك، وتسكن نفسك، ويطمئن قلبك: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

 

لا تنتظر السعادة حتى تبتسم، بل ابتسم كي تكون سعيداً، ولماذا تجزع وتذوب في الفكر والتفكير وأنت تعلم أن الله ولي التدبير؟! لماذا القلق من المجهول وكل شيء عند الله معلوم؟! اطمئن فأنت في رعاية ربك ما دمت تحسن التوكل عليه، وقل بقلبك قبل لسانك كما قال مؤمن آل فرعون: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).

 

وليكن لسان حالك ومقالك:

 

إذا ابتليت فثق بالله وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله

إذا قضى الله فاستسلم لقدرته *** ما لامرئ حيلة فيمـا قضى الله

اليـأس يقطع أحياناً بصاحبه *** لا تيأسـن فنعـم القـادر الله

 

المصدر: مجلة المجتمع

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات