اقتباس
قال الشاطبي -رحمه الله تعالى-: "إن فائدة الرؤيا في البشارة والنذارة لا التشريع والأحكام والقضاء فتُذكر استئناساً لا استدلالاً وشرط العمل بمقتضاها ألا تخرم حُكماً شرعياً أو قاعدة ثابتة ولا تعتبر إلا مع موافقة ظاهر الشريعة في أمر مباح أو فائدة أو بشـارة للتبصير على الخير أو نذارة للتحذير من الشر ليستعد له وهذا كما أنه في هذه الأمة فهو كذلك في غيرها من الأمـم".
الكلام في عالم الرؤى والأحلام وما يتعلق بهذا العلم من أحكام وقضايا وقصص وحكايات ومنامات كلام لا ينتهي أبداً من قِبل الجم الغفير من الناس, وما ذاك إلا لأن تلك المنامات بشارات للطائعين، ونذارات للعاصين، ولحب الناس واستشرافه ولمعرفة ذاك المستقبل الذي يؤملون، وقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - ": لم يبق من النبوة إلا المبشرات", قالوا: وما المبشرات ؟ قال: "الرؤيا الصالحة", وقد جعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة في آخر الزمان من علامات القيامة الصغرى, فقال: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب".
ومن هذا المنطلق سأجعل الكلام حول هذا الموضوع في نقاطٍ يسيرة ليسهل الوصول للمعلومة وتضبط الفائدة ثم ينتفع بها – بإذن الله تعالى -, سائلاً الله – تعالى - أن ينـزل فيها البركة تلو البركة، وأن يشرح بها الصدور، وأن يغفر لي ما حصل فيها من الزلل والخطأ، واستغفر الله – تعالى - وأتوب إليه، والله أعلى وأعلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ؛ فأقول وبالله التوفيق ومنه استمد العون على حسن الكتابة والتحقيق:
تعريف الرؤى والأحلام
الرؤى جمع رؤيا ويجوز نطقها بلا همز على وزن فُعلى وهي في اللغة ما يُرى في النوم, وأما الأحلام جمع حُلْم بضم الحاء وتسكين اللام ويجوز ضمها فيقال: الحُلَم مشتق من حَلَم حُلْماً ومعناه: من رأى في نومه رؤيا, وعرَّف العلماء الرؤى والأحلام من النصوص الشرعيـة, ومنها: حديث أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان".
ورود كلمة الرؤيا في القرآن الكريم
الأولى في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ", وهذه الآية في شأن ملك مصر مع يوسف - عليه السـلام-.
الثانيـة في قوله تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ", وهذه الآية المراد بها رؤيا عين التي رأها النبي – صلى الله عليه وسلم - في ليلة الإسراء والمعراج.
الثالثـة في قوله تعالى: "قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ", وهذه الآية في شأن إبراهيم حين أراد ذبح ابنه إسماعيل - عليهما السلام-.
الرابعة في قوله تعالى: "لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ", وهذه الآية في شأن رؤيا محمد – صلى الله عليه وسلم - حين رأى أنه سيدخل مكة معتمراً.
ورود كلمة الأحلام في القرآن الكريم
الأولى في قوله تعالى: "قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ", وهذه الآية في شأن يوسف - عليه السلام - مع ملك مصـر.
الثانيـة في قوله تعالى: "بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ", وهذه الآية في حكاية سخرية كفار قريش بمحمد – صلى الله عليه وسلم - .
حقيقة الرؤيا
قال الإمام ابن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى -: "وكَّل الله بالرؤيا ملكاً أطلَّع على أحوال بني آدم من اللوح المحفوظ فينسخ منها ويضرب لكل من قصته مثلاً فإذا نام مثّل تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى أو نذارة أو معاتبة", وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (إنها أمثـال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره ويُعبر منه على شبهه), قال شيخنا الشيخ خالد بن عبدالعزيز الهويسين – حفظه الله تعالى -: "لا يصح حديث أن الملك الموكل بالرؤى اسمه صديقون".
أهمية الحديث عن الرؤيا
الأسباب المهمة في بيان أهمية الحديث عن الرؤى:
1- غلو البعض في تقدير الرؤى ويكون برفعها فوق مكانتها حتى يعتبرها تشريعاً أو يُنقص بها شرع الله - عز وجل - فيحل الحرام أو يحرم الحلال بناءً على رؤيا رآها.
2- استهانة البعض بالرؤى ويكون ذلك بالتفريط فيها فلا يراها شيئاً بل يقلل من قيمتها ويعتبرها خرافات وأساطير.
3- المنهج الوسط في ذلك يكون بلا إفراط ولا تفريط فهي وحيٌ وتشريعٌ للأنبياء فقط وليست وحياً وتشريعاً لغيرهم كما أنها ليست عبثاً وتخليطاً بل منها ما هو حق ومنها ما هو باطل.
أسباب تكرار الرؤيا
من أعظم أسباب تكرار الرؤيا في المنـام:
اهتمام صاحبها بالأمر باهتمام بشيء ما وأشغله في الواقع وفكَّر فيه وهذا ما يسمى بحديث النفس وتلاعب من الشيطان فيكون حُلماً يحزنه ويكدّر باله.
العجز وعدم التمكن بأن تغلق الأبواب أمام الإنسان في أمرٍ ما ويرى رؤيا في منامه فتحاً له أو بديلاً عنه ولهذا تكثر رؤى أهل السجون.
التطلع للمجهول والغيب الذي أخفاه الله – تعالى - عن الإنسـان ولكن بطبع الإنسـان فيه حكمة بالغة أن يتطلّع على معرفة هذا المخفي عنه, وهذا الأمر الناس فيه على فريقين:
الفريق الأول: المنحرف الذي يريد معرفة هذا المخفي باستخدام السحرة والمشعوذين والكهنة والمنجمين.
الفريق الثاني: المؤمن الذي يتطلع إلى الرؤيا من الله - عز وجل - التي يُفتح بها شيئاً من ذلك إما بشارة إلى خيرٍ أو تحذيرٍ من شر.
أقسـام الرؤيا
تنقسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسـام:
حديث الملك (الرؤيا الصادقة): بشرى من الله – تعالى - لعبـده.
حديث الشيطان (الرؤيا الباطلة): تخزين من الشيطان.
حديث النفس: ما يحدِّث به نفسه في اليقظة فيراه في منامه ولا تأويل لها.
أقسـام المعبرين
ينقسم المعبرون عموماً إلى خمسة أقسـام:
قسم اعتمد في تعبيره على النزعة الانتقائية وهذا تعبير لبعض رموز الرؤيا وترك الباقي وهذا فيه اعتداء على حال الرائي لأن الرؤيا واقع متكامل تضره التجزئة.
قسم اعتمد في تعبيره على النزعة التوافقية وهذا تعبير يعتمد على الكتب المؤلفة في الرؤى وهذا فيه اعتداء على واقع الرائي فكل جيل يختلف واقعه عن غيره.
قسم اعتمد في تعبيره على النزعة الإلهامية وهذا تعبير يعتمد على الإلهام الذي اكتسبه المعبر فقط ويعتبر مخالف لما عليه السلف فلم يرد عليه دليل ولا اطردت به عادة.
قسم اعتمد في تعبيره على النزعة النفسية وهذا تعبير يعتمد على جوانب نفسية في التعبير فقط كعلماء النفس ومن وافقهم وأهمل الجوانب الأخرى الواردة في السنة كالرؤيا الصادقة والحلم من الشيطان.
قسم اعتمد في تعبيره على النزعة التكاملية وهذا التعبير الذي يعتمد على جمع الرموز ومعرفة أحوال الرائي فهذا قسم صحيح موافق للكتاب والسنة ومنهج علماء السلف.
أقسـام المعبرين في الوقت المعاصر
ينقسم المعبرون في الوقت المعاصر إلى ثلاثة أقسـام:
1 - أصحاب هذا القسم لا يعبرون إلا قليلاً ويتحرج من التعبير ويغلق باب تعلم التعبير وإن سُئل عن كيفية التعبير أجاب: أنها فراسة تولد مع المرء ويمنع من تعلمه.
2 - أصحاب هذا القسم عكس القسم الأول يتوسعون في التعبير ويكثرون السؤال عن الرؤى في المجالس بالمشافهة والنقل وحتى بالكتابة ويخبر عن التأويل وكيفية التأويل.
3 - قسم بين هؤلاء وهؤلاء ويُعبِّر بالمشافهة ويشترط أن صاحب الرؤيا هو السائل ويمنع النقل إلا في أضيق الحدود وهؤلاء يحتاطون في التعبير ويخبرون عن كيفية التأويل أحياناً.
مهمة المُعبِّر للرؤيا
نقل الصورة الذهنية من اللاشعور (اللاوعي) إلى الشعور (الوعي) عندما تكون للرؤيا رموز، وأما إذا جاءت الرؤيا كفلق الصبح فهي تقع بدون تأويل والسبب في هذا اتحاد اللاشعور (اللاواعي) بالشعور (الوعي) فتتضح الصورة للتطابق فلا تحتاج إلى تأويل.
فراسـة المؤمن
تعريفها: الاستدلال من الظاهر بهيئات الإنسان وأقواله وأفعاله على باطنه وأخلاقه وفضائله ورذائله.
الفراسـة نوعان:
نوع يحصل للإنسان على خاطره ولا يعرف سببه وهو ضرب من الإلهام وهو الذي يسمى صاحبه المحدَّث وقد يكون الإلهام حال اليقظة أو المنام وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيماناً فهو أحدُّ فراسة.
نوع يكون بصناعة متعلًَّمه وهي معرفة ما في الألوان والأشكال وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية ومن عرف ذلك وكان ذا فهمٍ ثاقب قوة فراسته فيما تعرف عليه.
أقسـام الناس في الرؤيا
قسًّم أهل العلم أحوال الناس في رؤياهم إلى خمسة أقسـام:
رؤيا الأنبياء الأصل فيها الصدق بلاشك لأنها وحي من الله – تعالى -.
رؤيا الصالحين يغلب فيها الصدق ومنها ما يحتاج إلى تعبير ومنها مالا يحتاج إلى تعبير.
رؤيا المستورين الذين لهم صلاة وزكاة وصيام وحج وطاعات ولكنهم مقصرين ولهم بعض الذنوب دون الشرك فرؤياهم مرة من الله – تعالى - ومرة حلُم من الشيطان.
رؤيا الفسـاق يقل فيها الصدق ويكثر فيها الأضغاث والأحلام من الشيطان.
رؤيا الكفار يندر فيها الصدق وذلك لخبثهم وكفرهم وغالب رؤاهم من الشيطان.
المشروع لمن رأى الرؤيا الصالحة
من رحمة الله - تعالى - بعباده أن شرع لهم على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم - أموراً عندما يرون ما يحبونه في المنام, وهي:
أن يعلم أنها من الله – تعالى -.
أن يحمد الله – تعالى - عليها.
أن يحدِّث بها من يُحب.
أن لا يقصها إلا على ذي رأي ولُب وحكمة وعلم ونصح.
وهذه الآداب جاءت من النصوص الشرعية, وهي:
جاء في صحيح البخاري عن أبي قتادة – رضي الله تعالى عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان".
جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها".
جاء في صحيح البخاري في بعض الروايات من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قوله – صلى الله عليه وسلم -: "فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يخبر إلا من يحب".
جاء في سنن الترمذي وصححه الألباني عن أبي رَزَين العُقيلي - رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوة وهي على رجل طائر مالم يحدّث بها سقطت", قال وأحسبه قال: "ولا تحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً", وفي رواية عند أبي داود وصححها الألباني: "ولا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي", وفي رواية ذكرها الألباني في السلسلة الصحيحة: "ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح", وقال العلامة الألباني - رحمه الله تعالى – معلقاً على الحديث: "الحديث صريح أن الرؤيا تقع على مثل ما تُعبر ولذلك أرشدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم أو مُحب لأن المفروض فيهم أن يختاروا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك لكن مما لا ريب فيه أن ذلك مقيّد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا ولو على وجهٍ وليس خطأ محضاً وإلا فلا تأثير له حينئذ والله أعـلم".
المشـروع لمن رأى حلم من الشيطان
من رحمة الله - تعالى - بعباده أن شرع لهم على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم - أموراً عندما يرون ما يكرهونه في المنام, وهي:
الاستعاذة من شرها.
الاستعاذة من الشيطان.
أن يبصق عن شماله.
الإيقان بأنها لا تضره.
التحول عن جنبه.
أن يقوم فيصلي.
قراءة آية الكرسي.
أن لا يحدث بها أحداً.
وهذه الآداب جاءت من النصوص الشرعية, وهي:
جاء في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق على يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - وفيه: "فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل".
جاء في صحيح البخاري في قصة أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - مع الشيطان ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فضل قراءة آية الكرسي.
جاء في الصحيحين عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -: "والحُلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه".
جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - قوله: "وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره".
حدود الرؤى
قال الشاطبي -رحمه الله تعالى-: "إن فائدة الرؤيا في البشارة والنذارة لا التشريع والأحكام والقضاء فتُذكر استئناساً لا استدلالاً وشرط العمل بمقتضاها ألا تخرم حُكماً شرعياً أو قاعدة ثابتة ولا تعتبر إلا مع موافقة ظاهر الشريعة في أمر مباح أو فائدة أو بشـارة للتبصير على الخير أو نذارة للتحذير من الشر ليستعد له وهذا كما أنه في هذه الأمة فهو كذلك في غيرها من الأمـم".
تعلم وتعليم تعبير الرؤى
قال ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى -: "وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان وحسبك بما أخبر الله من ذلك عن يوسف -عليه السلام- وما جاء في الآثار الصحاح فيها عن النبي – صلى الله عليه وسلم - وأجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة على الإيمان بها وعلى أنها حكمة بالغة ونعمة يمن الله بها على من يشاء وهي من المبشرات الباقية بعد النبي – صلى الله عليه وسلم –", وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله تعالى -: "إن علم التعبير من العلوم الشرعيـة ويثاب الإنسـان على تعلمه وتعليمه".
حُكم تعبير الرؤى
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله تعالى -: "إن تعبير الرؤى فتيا، ودليل من قال بهذا القول هو قوله سبحانه وتعالى: "قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ", وقوله سبحانه وتعالى: "أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ", وقال الفتى ليوسف - عليه السلام - وهو في السجن: "أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ" فلا يجوز الإقدام والفتيا في تعبير الرؤيا من غير علم وليعلم المعبِّر أن تعبير الرؤيا إمضاء عن الله – تعالى - بفتياه كما قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى –".
حُكم من كذب في الرؤيا
الكذب في الرؤيا من كبائر الذنوب وعلى من اقترف هذا فعليه التوبة النصوح وذلك لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "من تحلّم بحلم لم يره كلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل" رواه أحمد والنسائي من رواية قتادة عن عبدالله بن عباس - رضي الله تعالى عنهم -, وجاء في حديث عبدالله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "من أفرى الفِرى أن يُرى عينُه ما لم تر" رواه البخاري وأحمد (معنى الفِرى: جمع فرية وهي الكذبة العظيمة).
التجرؤ على تعبير الرؤى في الوقت الحاضر
أسباب التجرؤ على تعبير الرؤى من غير علم في الوقت الحاضر:
ضعف الوازع الديني لأن الوازع الديني محرك للقلوب وعاصم لها بعد توفيق الله – تعالى - من الوقوع فيما لا ينبغي فلو أن كل أحد تذكر أن دينه لا يسمح له أن يتقول على الله - تعالى - بلا علم ما تجرأ على ذلك بل تحرى ما يصلحه في أمور دينه ودنياه.
الغفلة عن الآخرة لأن أهل التأويل المتطفلين الذين لا يقدرون الأمور تقديرها هم في الحقيقة غافلون عن الآخرة ووقوفهم بين يدي الله – تعالى -.
قلة العلم لأن العلم الشرعي موصل إلى معرفة الرب سبحانه وتعالى ومعرفة شرعه فلو علم هؤلاء حقيقة المعبود وحقيقة الشرع ما تجرؤوا على ذلك، قال تعالى: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا".
الضوابط المعتبرة في صاحب الرؤيا
الضوابط المعتبرة في صاحب الرؤيا:
إذا أراد أن تصدق رؤياه فليكن الصدق خلقه وليحذر الكذب والغيبة والنميمة.
التزام العفة فإن غير العفيف يرى الرؤيا ولا يذكر شيئاً منها لضعف نيته وكثرة ذنوبه.
أن لا يقصها على جاهل فإنها على رجل طائر ما لم يحدِّث بها فإذا حدَّث بها وقعت.
أن يحترز من الكذب في الرؤيا والزيادة فيها.
الضوابط المعتبرة في حق المعبـِّر
الضوابط المعتبرة في حق المعبـِّر:
أن يكون عالماً صادقاً بعلم تأويل الرؤى.
أن لا يؤولها إلا بعلم وإدراك.
إذا قُصّت عليه الرؤيا أن يقول: خيراً أو يقول: خيراً تلقاه وشراً تتوقاه.
أن يكتم على الناس عوراتهم.
أن لا يعبِّر الرؤيا إلا بعد أن يتعرف ويميز كل جنس وما يليق به.
أن يكون فطناً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش.
أن يعبِّر الرؤيا على مقادير الناس بمعرفة بلدانهم ومذاهبهم مع الاستعانة بالله – تعالى - وسؤاله التوفيق والسداد في تعبير الرؤيا.
إذا لم يمكنه تأويلها يحملها على من هو أعلم منه في التـأويل.
تقديم النصيحة بين يدي تعبير الرؤيا على حسب أحوالها.
أن ينوي التقرب إلى الله - عز وجل - بذلك.
طرق تعبير الرؤيا
طرق تعبير الرؤيا:
الطريقة الأولى: تكون بدلالة القرآن كتأويل الحبل بالعهد كقوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا".
الطريقة الثانيـة: تكون بدلالة السنة كتعبير القوارير بالنساء كقوله – صلى الله عليه وسلم -: "يا أنجشه رويدك سوقاً بالقوارير".
الطريقة الثالثة: تكون بالأمثـال السائرة بين الناس كالصائغ يعبَّر عنه بالكذَّاب بقولهم: "أكذب الناس الصواغون".
الطريقة الرابعة: يكون مستنداً إلى الأسماء والمعاني كمن رأى رجلاً يسمى راشداً فيعبَّر بالرشد وسالماً يعبِّر بالسلامة.
الطريقة الخامسة: يكون التأويل بالضد والقلب وهو الغالب كالخوف في النـوم يعبَّر بالأمن والأمن يعبَّر بالخوف.
الأصول المتّبعة في رؤيا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في المنام
جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة", وجاء في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل بي الشيطان", وجاء في صحيح مسلم من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "من رآني في المنام فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي".
فمن نظر إلى هذه الأحاديث وجد أنها جاءت بعدة أمور, منها:
الأمر الأول: ثبوت رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم - في المنـام.
الأمر الثاني: أن رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم - ليست مقصورة على أهل الصلاح بل يراه العصاة وذلك لأن الأحاديث لم تخصص بل جاءت عامـة.
الأمر الثالث: أن الشيطان لا يمكنه التشبه بالنبي – صلى الله عليه وسلم - وهذا من تمام حفظ الله – تعالى - لنبيه – صلى الله عليه وسلم -.
الأمر الرابع: ينبغي معرفـة صفة النبي – صلى الله عليه وسلم - الخَلْقية, فقد كان محمد بن سيرين – رحمه الله تعالى - إذا قصَّ عليه رجل بأنه رأى النبي – صلى الله عليه وسلم - في المنام, قال له: (صف لي الذي رأيته) فإن وصف له صفة لا يعرفها, قال له: (لم تره)
إثبات الرؤيا على حكم شرعي
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تثبت الرؤيا حكماً شرعياً حتى وإن رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لأن الله – تعالى - أكمل دينه وختم رسله بنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - وقال سبحانه تعالى: "اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ".
السؤال عن الرؤيا
مما لاشك فيه أنه يستحب السؤال عن الرؤيا وعن تعبيرها لكي يستفاد منها, وأما الغفلة عنها وتركها فهذا ليس من هدي سلف الأمـة, فعن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه – قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحدُ منكم رؤيا ؟ قال: فيقص عليه ما شاء أن يقص" رواه البخـاري.
أوقات تعبير الرؤيا
ذهب محمد بن سيرين - رحمه الله تعالى - إلى القول بأن الرؤيا لا تُعبّر في أوقات النهي وهذا لا يصح لعدم وجود الدليل بل الصحيح أن التعبير في أي وقت من ليل أو نهار ولكن الأفضل بعد صلاة الصبح, ولهذا بوَّب البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه: (باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح), قال ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها ولقرب عهده بها وقبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله".
علاقة الزمن بالرؤيا
يهتم بعض المعبرين عن السؤال عن وقت الرؤيا لأنه يفيد في التعبير كثيراً, وقد جاء في هذا الكثير من النصوص. ولا ينبغي الاستغراق والتنطع في الجزم بتحديد الأرقام والأماكن وخاصة الأزمنة في حال تعبير الرؤى لأن في هذا ضربٌ من الغيب وفتنة للمعبِّر وللناس.
وقوع الرؤيا بعد التعبيـر
الأصل أن التعبير محمول على غلبة الظن ليس على اليقين ولا يشترط وقوع الرؤيا بعد التعبير مباشرة فربما تتأخر قليلاً أو كثيراً وربما قد وقعت وربما لا تقع أصلاً وهي إما أن تكون مبشّرة أو منذرة ولذا رأى النبي – صلى الله عليه وسلم - الرؤيا في فتح مكة فوقعت بعد سنة, وهذا يوسف - عليه السلام - لم تقع رؤياه إلا بعد أكثر من ثلاثين سنة وكل هذا بقدر الله - عز وجل-.
التواطؤ على الرؤيا
إذا توافق جماعة على رؤيا فهذا يسمى تواطئاً حتى وإن اختلفت عباراتهم والتواطؤ على الرؤيا يدل على صدقها وصحتها, قال ابن حجر العسقلاني- رحمه الله تعالى -: "إن التوافق للجماعة على الرؤيا الواحدة دال على صحتها وصدقها كما يستفاد بقوة الخبر من التوارد على الأخبـار من جماعة".
وختاماً ... ينبغي على العلماء وطلبة العلم أن يـبـينوا للناس حقيقة هذا العلم وما يتعلق به من آداب وأحكام وقضايا بارزة، وذلك لتعطش الناس لهذا العلم وقلة علمهم فيه، وحتى لا يدع مجالاً لغير الكفء أن يدخل في هذا الميدان وهو لا يحسنه فيتلاعب بالناس وبعقولهم ويفسد عليهم دينهم ودنياهم، كما نرى ذلك ونشاهده عياناً بياناً في مجتمعنا، والله المستعان وعليه التكلان, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أبوخلاد ناصر بن سعيد السيف
30 محرم 1435 هـ
https://twitter.com/Nabukhallad
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم