اقتباس
لا تخلط بين الذكاء الاجتماعي والنفاق الاجتماعي؛ الذكاء الاجتماعي يعني أن تكون كما أنت ولكن بطريقة يقبلها الآخرون، أما النفاق الاجتماعي فيعني أن تتظاهر أنك. لا مانع من أن تنتقد الآخرين في غيابهم وأن تظهر اختلافك عنهم وعدم موافقتك على تصرفاتهم ولكن بشرط أن يكون انتقادك بعيداً عن الهجوم الشخصي والتجريح، وأن تستخدم في انتقادك للشخص الغائب نفس العبارات التي كنت ستستخدمها فيما.
عملت ذات يوم مديراً لإحدى المؤسسات الخيرية، وكان أحد أقسام هذه المؤسسة يعجُّ بالمشاكل، وكالعادة في مثل هذه الحالات فقد كان الموظفون يشتكون من المدير والمدير يشتكي من الموظفين.
في أثناء حديثي مع مدير ذلك القسم قال لي: " إن الموظفين لا يثقون بي، ليتك تطلب منهم أن يثقوا بي وأن تقنعهم بأن الثقة أساسية لنجاح عمل الفريق!" ومع أنني كنت أعلم سبب عدم ثقة الموظفين به إلا أنني سألته: "ولماذا هم لا يثقون بك؟" وكان هذا السؤال بداية حوار صريح بيني وبينه حول أسباب المشاكل التي كان يعاني منها في علاقاته مع موظفيه.
إن الثقة لا تُطلب من الآخرين أبداً وإنما يمنحها الآخرون لنا عندما نكون جديرين بها، والجدارة بالثقة تأتي من اجتماع أمرين اثنين هما: الكفاءة والأخلاق.
الكفاءة تعني ما يملكه الإنسان من معلومات وخبرة ومهارات في المجال الذي يعمل فيه، فنحن عندما نضطر إلى عمل جراحي لا نسلم أجسادنا إلى جراح صادق ومخلص وطيب وحسب، بل نبحث أيضاً عن الجراح الماهر المشهود له بالبراعة والكفاءة.
أما الأخلاق فهي تعني القيم التي نؤمن بها والتي تعبر عن نفسها بسلوكيات معينة، وسأتحدث هنا عن سبع سلوكيات أساسية إذا واظبنا على القيام بها فإنها ستجعل الآخرين يثقون بنا:
1. كن شفافاً وصريحاً
لا تخلط بين الذكاء الاجتماعي والنفاق الاجتماعي؛ الذكاء الاجتماعي يعني أن تكون كما أنت ولكن بطريقة يقبلها الآخرون، أما النفاق الاجتماعي فيعني أن تتظاهر أنك ما يريده الآخرون.
أذكر أن ثقتي بأحد الأشخاص تزعزعت كثيراً لأنني كنت معه في زيارة إلى أحد الأصدقاء ولاحظنا غرابة الألوان التي طلا بها غرف منزله فأخذ ذلك الشخص يثني على الذوق الرفيع لصاحب المنزل والانسجام الرائع الذي تتصف به ألوان الغرف، وعندما خرجنا من المنزل قال لي: (ياله من ذوق بشع!) قلت له: (ولماذا أظهرت كل ذلك الإعجاب؟) قال لي: (كنت أجامله!).
نعم يوجد في حياتنا أشخاص لا نتفق معهم في كثير من الأمور، لكننا نكنُّ لهم الاحترام ونثق بهم لأننا نشعر بصدقهم وبأنهم لا يحاولون خداعنا، بالمقابل هناك أشخاص يسايروننا في كل الأمور ويوافقوننا على كل شيء ومع ذلك لا نحترمهم ولا نثق بهم لأننا نشعر بعدم صدقهم.
يقول ناثويل هاوثورن :"لا يستطيع أي إنسان لفترة طويلة من الزمن أن يظهر بوجه أمام نفسه وبوجه آخر أمام الناس دون أن يشعر في النهاية بالارتباك نتيجة لجهله بأيهما هو الوجه الحقيقي!".
2. أظهر اللطف والاحترام
إن اللطف والاحترام ينبعان من شعور عميق بالكرامة الإنسانية وبأن الآخرين بشر مثلنا يستحقون ما نستحقه من رعاية واهتمام، ويشعرون بما نشعر به عندما يتم تجاهلنا أو الإساءة إلينا.
في نهاية إحدى الدورات التي كنت مدرِّباً فيها شعرت بالخجل والاستياء من نفسي لأن إحدى المشاركات كتبت في تقييمها لي أنني لا أهتم كثيراً بالمشاركين، وتذكرت فعلاً أنني كنت مهتماً بشرح الأفكار أكثر من اهتمامي بالتفاعل الإنساني مع كل شخص موجود في الدورة ولاسيما تلك المشاركة التي كانت قليلة الكلام.
إن البشر ليسوا كالأشياء فهم يملكون المشاعر وإن قدراً ضئيلاً من اللباقة واللطف عندما يُمارس بشكل مستمر فإنه يؤدي إلى مكاسب عظيمة.
إن تعلم مهارات التواصل مع الآخرين لا يجدي نفعاً ما لم نحمل في داخلنا اهتماماً حقيقياً بالناس وحرصاً على مشاعرهم فالناس لا تخدعهم تقنيات اللطف السطحية وهم يفرقون تماماً بين من يهتم بهم ومن يمثِّل عليهم.
3. اعتذر إذا أخطأت
كلنا نخطئ لأننا بشر. إن من أقوى الأمور التي تعزز ثقة الناس بنا هي أن نعتذر لهم إذا أخطأنا بحقهم.
بعض الناس يحاولون تبرير أخطائهم ويطلبون من الآخرين أن يقبلوا هذا التبرير ويسمون ذلك اعتذاراً!
الاعتذار لا يعني تبرير الخطأ، وإنما يعني الاعتراف به وطلب المسامحة من الطرف الآخر. فليس اعتذاراً أن تقول لشخص أسأت إليه بالكلام (لم أقصد ما قلته لك، لقد كنت في حالة غضب)، الاعتذار أن تقول له (لقد أخطأتُ وإني أعتذر).
4. أظهر الولاء بظهر الغيب
إن من أكثر الأمور التي تضعف ثقتنا بشخص ما هي أن نراه يتحدث بالسوء عن الآخرين في غيابهم، ومن أكثر الأمور التي تعزز ثقتنا بشخص ما هي أن نراه يحافظ على احترامه للآخرين في حال غيابهم حتى لو كان مختلفاً معهم.
عندما ترفض في مجلس ما أن يُذكر الآخرون بالسوء أمامك في حال غيابهم سيثق بك الحاضرون في ذلك المجلس لأنهم علموا أنك سترفض أن يُذكروا بالسوء أمامك في حال غيابهم.
لا مانع من أن تنتقد الآخرين في غيابهم وأن تظهر اختلافك عنهم وعدم موافقتك على تصرفاتهم ولكن بشرط أن يكون انتقادك بعيداً عن الهجوم الشخصي والتجريح، وأن تستخدم في انتقادك للشخص الغائب نفس العبارات التي كنت ستستخدمها فيما لو كان حاضراً.
5. وضح للآخرين ما تتوقعه منهم
إن سبب الكثير من المشكلات التي تحدث في علاقاتنا مع الآخرين وخصوصاً في العمل هو أننا لا نوضح لهم ما الذي نتوقعه منهم.
علينا أن نفصح للآخرين عما نتوقعه منهم وأن نناقش هذه التوقعات معهم ونحصل على تأييدهم لها.
إن الوضوح في التوقعات والحصول على موافقة الآخرين عليها يزيل سوء الفهم من العلاقات ويبني فيها الثقة.
قرأت مرة عن علاقة بين مدير وأحد موظفيه تأزمت إلى درجة أن المدير قرر فصل ذلك الموظف وأبلغ مساعده بذلك القرار فطلب منه المساعد أن يمنحه فرصة أخيرة لمعالجة الموضوع؛ طلب مساعد المدير من ذلك الموظف أن يكتب قائمة بالأمور التي يعتقد أن مديره يتوقع منه القيام بها، ثم طلب من المدير قائمة بالأمور التي يتوقع من الموظف القيام بها ثم وضع هاتين القائمتين أمام بعضهما البعض وقدمهما لكل من المدير والموظف، فشعر كل منهما بدهشة كبيرة بسبب الاختلاف الشاسع بين هاتين القائمتين، وكان الحل أن جلس المدير مع الموظف ووضح له ما يتوقعه منه واتفقا معاً على هذه التوقعات وبعد ذلك اختفت كل المشكلات التي كانت تسمِّم العلاقة بينهما.
6. فكر بالمنفعة للجميع ومارس الإنصات المتعاطف
عندما يشعر الآخرون الذين يختلفون معك في أمر ما أنك حريص على الوصول إلى حل يكفل منفعتك ومنفعتهم فإنهم سيثقون بك.
إن تفكير المنفعة للجميع يعني أن تكون لديك القوة الأخلاقية بحيث تؤجل التفكير في تحقيق منافعك الخاصة إلى أن تتفهم ما الذي يريده الطرف الآخر ولماذا يريد ذلك، وهذا يحتاج منك إلى الإنصات المتعاطف أي أن تتخلى مؤقتاً عن أفكارك وافتراضاتك الخاصة وتجعل كل همك في إنصاتك إلى الآخر أن تفهم محتوى كلامه ومشاعره تجاه ذلك المحتوى ثم تخبره بما فهمت منه كأن تقول :"أفهم أنك تشعر بالظلم لأنك لم تحصل على الترقية التي طلبتها".
عندما نشعر أن الطرف الآخر حريص على منفعتنا وأنه يبذل جهداً صادقاً لكي يفهمنا لا يمكننا إلا أن نثق به مهما كنا مختلفين معه في الرأي.
7. أعط وعوداً وأوف بها
لا شيء يدمر الثقة أسرع من إعطاء الوعود ثم النكث بها، ولا شيء يبني الثقة أكثر من الوفاء بالوعود التي يقطعها الإنسان على نفسه.
في بعض الأحيان قد لا نتمكن من الوفاء بالوعود نتيجة لظروف خارجة عن نطاق سيطرتنا، عندها علينا أن لا نتهرب من الآخرين أو أن نتجاهل وعودنا لهم بل علينا أن نشرح لهم لماذا لم نتمكن من الوفاء بهذه الوعود.
وأخيراً فإن دراسة أجرتها مؤسسة فرانكلين كوفي حول العوامل الذي تؤدي إلى خسارة المؤسسات، بينت أن ضعف الثقة بين أفراد المؤسسة هو العامل الذي يسبب أكبر خسارة لها.
يمكننا أن نتصوَّر كيف أن المؤسسة التي تنعدم الثقة بين أفرادها سيقلُّ فيها التواصل الفعال وسيتأخر تشخيص المشكلات وعلاجها ولن يكون هناك مبادرات أو إبداعات أو أفكار جديدة، وستكثر فيها حالات الاستقالة وترك العمل وكل ذلك سينعكس خسارة على المؤسسة، بل إن انعدام الثقة يولِّد في المؤسسة كل أنواع المشاعر السلبية ويمتص منها كل أنواع المشاعر الإيجابية.
إننا سواءً كنا آباء نريد التأثير في أولادنا أو أساتذةً نريد التأثير في طلابنا أو مديرين نريد التأثير في موظفينا فإن قدرتنا على التأثير في الآخرين وإلهامهم تتناسب طرداً مع مقدار ثقتهم بنا، وإن السلوكيات السبع التي أوردتها في هذا المقال تبني هذه الثقة وتعزِّزها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم