الدين والشباب

وهبة الزحيلي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وهنا تتجلى حاجة الشاب الفطن إلى العقل والتفكير، فبالعقل يحدث التغلب على العاطفة؛ ولكن العقل وحده لا يكفي إذا لم يكن هناك حارس أمين عليه وعلى النفس والمال والعرض، وهذا الحارس هو الدين؛ إذ بدونه سرعان ما تكون العاطفة المشبوبة كالنار اللاهبة التي تحرق أولاً صاحبها، ثم يمتد شررها إلى الآخرين، فتقع الكارثة، ويتشتت الفكر، والعقل؛ لأن النفس أمارة بالسوء، وأهواؤها جارفة، وميولها كثيرة، ورغائبها عنيفة، والاستجابة لها موقع في الهلكة غالباً.

 

 

 

 

 

من أوزار المدنية الحاضرة ومفاسدها الشاخصة عزوف الشباب والشابات عن الدين، وتخطي القيم الخلقية، والاستخفاف بالأصول والعبادات الدينية، وإهمال الفرائض والأركان الإسلامية، وذلك يشكل ظاهرة خطيرة في هذا الزمان، ولاسيما إذا جهلت أسباب تلك الظاهرة ودواعيها الداخلية والخارجية، أو لم يعد للمحكمات العقلية الصحيحة دور فعال في معرفة الداء ووصف العلاج الحاسم.

 

فسبب هذه الظاهرة الخارجية: ما تقوم به أوساط الاستعمار والصهيونية العالمية من تركيز دعائي لإفساد الجيل المسلم متمثلاً بالأفلام السينمائية، ودور الأزياء العالمية، والصور العارية، والكتب المروجة للتحلل الخلقي تحت ستار الحرية (الكاذبة) وخدمة الأدب ( الساقط) عن طريق فن القصة، وعلمانية التعليم بحجة كونه طريق الحضارة والمدنية والنور.

 

ويقوم الكتاب المأجورون من العرب والمسلمين ظاهراً - مع الأسف - بتبني أفكار وآراء الهدامين لصرح مجدنا بواسطة الحملات الصحفية المسعورة، وقصص الجيب الخليعة، والشعر المنثور الراقص ونحو ذلك من أساليب الدس الرخيص والمجون المقنع.

 

وأما السبب الداخلي لظاهرة عزوف الشباب عن الدين فهو ما نعانيه في داخل البلاد العربية والإسلامية من آفات التخلف والجهل والمشاكل الاقتصادية، والبطالة، والاحتلال والاضطرابات السياسية والاجتماعية، وموجات الإلحاد والمبادئ الجديدة المستوردة من قومية واشتراكية حادة، ورأسمالية طاغية ونحوها.

 

كما أن وطأة الحياة المادية والاستثمار لها والإغراق في متطلباتها، وفصل الدين عن الدولة، وعزل سلطان القرآن عن الشؤون العامة، ساهم كل ذلك بتقوية الانحراف الديني والخلقي وتغذية سبل الإلحاد الجارف.

 

وبما أن عنصر الشباب سريع التأثر والانفعال، فقد تاه النشء في الخضم الشاسع للحياة، وانجرف في التيار الشديد اللفح، ولأن أمام المفاتن والمباهج وصنوف الإغراء التي أغرقت العالم الإسلامي والعربي، فعصفت بالشباب وحرفته عن رسالته الصحيحة.

 

واستغل الغزو التبشيري الاستعماري الميول الطبيعية المشتركة بين الفتى والفتاة، فزين لهما أنواع اللذة والمتعة الجنسية، وسهل لهما اللقاء غير المشروع بينهما، وحرضهما على الثورة (الوحشية) في وجه الأبوين أو دعاة الدين والفضيلة، وسلحهما ضد هؤلاء بعبارات هوجاء كالرجعية والجمود والتزمت، بل والخرق والسفه، وبالتالي اللامبالاة، وازدراء كل ما يصدر عن الآباء والعلماء من آراء وأفكار ونصائح!!

 

ولم يدر هذا الشاب الغر أن مثل هذا اللقاء هو السم بعينه، أو هو المهلكة في حد ذاتها، فكثيراً ما يقع المرء فريسة الوهن العصبي بسبب حب ضائع، ووصل مفقود، بل قد يحدث الانتحار، أو قد تحصل الخيبة والفشل والخسران أثناء دراسة رائعة أو نجاح مرتقب أو تأمين مستقبل زاهر.

 

ولكنها قوة الغريزة العارمة في فحولة الشباب المعرقة تلغي أحياناً عامل التفكير السليم والعقلية النافذة، فتطغى الأهواء والنزوات على المصالح الحقَّة، ويسرع الفتى وراء الفتاة التي توقع كثيراً من الصيادين في شراكها وحبائلها، ويكون الفتى دائماً هو الضحية!!

 

وهكذا ستظل المرأة عموماً منذ عهد أبينا آدم هي عنوان الخطيئة بل هي في الغالب التي تجرف الرجل إلى مهاوي النار ومزالق الشيطان بما أوتيت من أسلحة حادة متنوعة تستخدمها حسب الظروف والمناسبات، تارة بأزيائها العديدة الأشكال، أبو بفتنتها واغراءتها، و تارة بكيدها ونعومتها، ومرة بصوتها الرخيم وخيلائها المصطنع.

 

وحينئذ يبدو لكل شاب عاقل أنه لا حاجة إلى الإلحاح عليه بألا يغتر كثيراً بالمرأة، لاسيما في وقت الشباب، في مرحلة الاضطراب العصبي والجسمي، وفي فترة إعداد النفس للحياة، فلكل سكرة صحوة، ولكل غفلة يقظة، ولكل عاصفة سكون، وبعد كل نشوة ندم وقلق.

 

وهنا تتجلى حاجة الشاب الفطن إلى العقل والتفكير، فبالعقل يحدث التغلب على العاطفة؛ ولكن العقل وحده لا يكفي إذا لم يكن هناك حارس أمين عليه وعلى النفس والمال والعرض، وهذا الحارس هو الدين؛ إذ بدونه سرعان ما تكون العاطفة المشبوبة كالنار اللاهبة التي تحرق أولاً صاحبها، ثم يمتد شررها إلى الآخرين، فتقع الكارثة، ويتشتت الفكر، والعقل؛ لأن النفس أمارة بالسوء، وأهواؤها جارفة، وميولها كثيرة، ورغائبها عنيفة، والاستجابة لها موقع في الهلكة غالباً.

 

وخالف النفس والشيطان واعصهما *** وإن هما محضاك النصح فاتهم

 

إذن أنت أيها الشاب الصريع الغواني: في النهاية لا يراد بك إلا السوء من معطيات الحضارة الزائف البراق، فحذار أن تكون مضيعة أو تصير في متاهة، أو تقع في ميوعة وانحلال، فدورك الكبير في هذه الحياة، ومسؤوليتك العظمى يتطلبان منك إعداد شخصيتك إعداداً حازماً كاملاً، وفرض إرادتك الحديدية العقلانية، وبدون ذلك تصبح ألعوبة بيد القوى الدولية الكبرى كالريشة في مهب الريح، تعيش كماً يراد لك في فوضى الأحداث العامة، وفي وسط العواصف الاجتماعية الهوجاء.

 

وإذا كان الشباب عدة المستقبل، وأمل الغد، وبناة الوطن والبلاد فإن العناية الكاملة بهم وتهيئتهم الصحيحة هي الواجب الأول للدولة أو المجتمع عن طريق الإعلام والتوجيه المخلص البناء، وفي أدوار التعليم المختلفة ولاسيما في المرحلة الجامعية، حيث ينبغي تثقيف الطلاب والطالبات من النواحي الروحية والخلقية والدينية، وتوسيع معرفتهم بتلك النواحي بجانب العلوم الاختصاصية الأخرى، حتى ننهض بمستواهم الفكري على أساس الإسلام وحده، ولتظهر ثمرات التربية الإسلامية في نطاق أعمالهم وسلوكهم ووظائفهم العملية، مما يعود على المجتمع والدولة بالخير الزائد والعطاء النابض والإنتاج الخصب والنفع التام.

 

ومما يجدر ذكره أن على عواتق الشباب المؤمن قامت دعوة الإسلام، وعمت الفتوح، أرجاء الدنيا، كما يدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد نصرني الشباب وخذلني الشيوخ" وكان الشاب الذي تربى في المدرسة الإسلامية الصحيحة رمز التضحية والجهاد، والفداء والإيثار والبذل والعطاء، وكان الشاب إذا فكر قدر، وإذا قدر عزم، وإذا عزم أقدم، وإذا أقدم لم يبال أوقع على الموت في سبيل عقيدته ومبدئه أم وقع الموت عليه، ويصدق على شباب الإسلام الأوائل وصف شباب أهل الكهف: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، فكانوا بإيمانهم نماذج فذة للبطولات الخارقة، سواء في معارك الأعداء، أم في مجال البناء الداخلي لدولة الإسلام من مختلف النواحي العمرانية والثقافية والفنية والاقتصادية.

 

والسؤال الأخير مناط البحث: لماذا نلح على الشباب بالذات بضرورة التزام نظام الدين أو التدين؟

 

والإجابة تتحدد بإدراك خصائص الدين:

 

1 ـ التدين منزع فطري أصيل في النفس الإنسانية، ولا يمكن لإنسان سوي التخلي عنه في كل زمان، وهو أن انحرف عنه فترة، وبخاصة في عهد الشباب، فلابد من أن يعود إلى حظيرة الدين طوعاً أو كرهاً قبل أو بعد سن الكهولة، كما حدث للمعري ولكثير من عمالقة الفكر والعقل والفلاسفة وعلماء الطبيعة.

 

2 ـ التدين أمر ضروري لتكميل القوة المفكرة المبدعة في الإنسان، فبه يعرف العقل حدوده، ويحقق تطلعاته في الأفق الأعلى، كما أن التدين عنصر هام لتكميل قوة الوجدان وأحاسيس النفس البشرية، فالعواطف السامية والأخلاق الكريمة الثابتة لا تجد مقراً دائماً لها وغير ملوث بشوائب المنفعة المادية إلا في نطاق الدين.

 

وكذلك التدين ضروري لتقوية الإرادة وشحنها بأعظم الطاقات المولدة للحركة والحرية والنشاط والتغلب على مشاكل الحياة.

 

ولا أدل على أثر الدين المفيد في النفس من حالة المحن والمصائب واليأس والقنوط التي يتعرض لها كل امرئ في حياته، بدليل ما صوره القرآن لطبع الإنسان، فقال سبحانه: { لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصِّلت: 51].

 

ففي وقت المحنة يضرع الإنسان ولو بدون إرادة منه إلى الله تعالى فيجد في الإيمان خير عزاء، وبه ينبعث العقل والفكر، ويلتزم جانب الحلم والأناة، ويتيقظ الضمير والإحساس، ويتقوى الشعور بالواقع.

 

وفي حالات التردد والقلق والحيرة يكون الإيمان خير دافع وباعث على اجتياز مرحلة اليأس بعزيمة صادقة وإرادة فعالة، وبذلك يكون الدين هو الضمان الخالد لتوفير الاستقرار النفسي والاطمئنان الداخلي عند الضيق والشدائد وفي الأزمات المستحكمة؛ حيث لا يجد الإنسان وبخاصة الشباب لكثرة تعرضهم للهزات والاضطرابات ملاذاً في غير الدين والإيمان، ففي سلاح الدين وحرارة الإيمان تخلص من الكوارث الخاصة وتجنب لكل عوامل اليأس والقنوط؛ لأن اليأس والإيمان لا يجتمعان في قلب واحد.

 

3 ـ الدين محقق فعلاً لمصالح الشباب وغيرهم بشكل ثابت دائم، لأنه إما جالب لمصلحة أو دارئ ودافع لمفسدة وشر أو مضرة، قال علماء أصول الفقه الإسلامي: "إن من الأمور الثابتة في الشريعة الإسلامية بالاستقرار والتتبع أن الأحكام الشرعية كلها شرعت لتحقيق مصالح العباد، إما لجلب المنفعة لهم، أو لدفع المفسدة والضرر عنهم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [ الأنبياء: 107] .

 

4 ـ ليس الدين غلاً ولا قيداً ولا حجراً على حرية الإنسان، وإنما هو رحمة وعامل منظم، وباعث معدل أو مهدئ، وصمام أمان، فإذا استبد الهوى الجارف للشاب وغيره إلى مواطن الهلاك، كان الدين أو خشية الله خير منبه للمخاطر، ومحذر من العواقب، ومهيئ للسعادة والراحة النفسية.

 

ومن هنا يتضح سلامة مبدئنا في دعوة الشباب إلى التزام جانب الخوف من الله تعالى والاعتصام بالعقيدة الصلبة.

 

وإذا كنا لا ندعو بهذا إلى إيقاع الشبان فيما يسمى بالكبت لماله من آثار ضارة ومضاعفات خطيرة، فإنه يمكن أيضاً التوصل إلى شيء من الاعتدال، وتحقيق التوافق بين متطلبات الدين ورغائب النفس البشرية، وذلك عن طريق شغل وقت الفراغ بالعادات الحسنة، والأعمال اليدوية الصغيرة، أو بالرياضة البدنية والسباحة، أو بالمطالعة للكتب الأدبية والاجتماعية النافعة البعيدة عن المثيرات والإغراءات.

 

ولابد مع هذا من تجنب مصاحبة رفاق السوء، والنأي عن مواطن اللهو الماجن والسهر الفاتن، والعرى الفاضح، كما هو حادث مع أشد الأسف في بعض البلدان العربية في حمامات البحر الصيفية البلاجات والمسابح المختلطة.

 

كما أن البعد عن دور السينما وعن مشاهدة الأفلام الخليعة، وبرامج التلفاز المثيرة بالرقص ونحوه يعد أفضل الطرق للنجاة من آثام قافلة حياة الشباب المترعة بالحيوية والنشاط والقوة.

 

هذه النواحي هي من الصوم المعنوي، وهناك الصوم الشرعي المعروف بالامتناع عن الطعام والشراب والشهوات لعلاج الحدة الطارئة والنزوة الثائرة: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ـ مؤن الزواج ونفقته ـ فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

 

وفوق كل ذلك لابدَّ من قراءة القرآن والتزود بقصص الصالحين من علماء الإسلام، وسيرة القادة السلف الصالح، وإدراك المبادئ الإسلامية ومعرفة حكمة التشريع، والاعتقاد الجازم، بأن الدين لتحقيق خير البشرية جمعاء، وإن الإسلام دين عقل ومنطق وحكمة وواقعية.

 

وليكن شعار الشاب الذي يذكره في كل آونة: هو هشية الله تعالى وغض البصر ما أمكن، فبذلك استطاع كثير من الشبان التغلب على الأهواء الجانحة، فعاشوا بحمد الله عفيفي المئزر: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } [الأعراف: 201].

 

وبهذه المغالبة للشهوة استحق الشاب التائب أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما في الحديث المعروف: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

 

5 ـ الدين كما هو نزعة فطرية إنسانية هو أيضاً ضرورة اجتماعية، فبه تحترم الأنظمة والقوانين، ويتحقق استقرار المجتمع وتتقوى عرى التماسك والتعاون بين الأفراد، وتشيع منه أسباب الطمأنينة والراحة والهدوء، ويرتقي السلوك قولاً وعملاً لصدورهما عن عقيدة وضمير

 

ومراقبة لله في السر والعلن، وبالتزام الدين تسود العدالة، وتقاوم الفوضى والفساد، بل إنه لا سبيل لتقوية الروابط الاجتماعية بين الناس على أساس المحبة والتراحم إلا بالدين.

 

6 ـ الدين ميزان الحياة، والوازع الديني يحقق استقرار الفرد والجماعة، ويوفر السعادة الحقة لهما، وأن محاولة إضعافه أو التخلي عنه نذير سوء بالانهيار العام، وانحلال الروابط واضمحلال المجتمعات، ففي الطهر والعفاف مثلاً سلامة وقوة، وصحة واطمئنان، وفي الرذيلة خراب وخسران وأمراض جسام.

 

7 ـ ليس الإسلام بالذات نظاماً منعزلاً عن الحياة، وإنما هو جزء أصيل من الحياة، ومتصل بها اتصالاً وثيقاً لا يفصمه عنها أي قوة أرضية، وكل ما في الأمر أنه ينبغي فهمه فهماً صحيحاً، وتوجيهه وجهة صائبة، وإدراك معانية وكفايته لرأب الصدع، وسد العجز وإزالة المتناقضات، وتسوية الشروخ التي نعانيها ونلحظها في مجتمعنا الحاضر بسبب الإعراض عن الدين.

 

8 ـ من الخطأ الكبير والخداع المبطن أن يتمكن العقل وحده، أو العلم ونشر الثقافة من إقامة مجتمع نظيف سليم البنية يسوده الأمن والسلام والرخاء، أي أنه لا يصلح العقل والعلم أن يكونا عوضين أو بديلين عن الدين بأية حال، لأن العقل قد يضل، وكثيراً ما ضل وغوى، والعلم سلاح ذو حدين: قد يستعمل للتدمير والخراب، كما قد يستخدم للبناء والإصلاح، ولابد له من رقيب شديد يوجهه نحو الخير، وينذره بالشر، وينأى به عن الفساد، وذلك الرقيب فقط هو الدين والخوف من عقاب الله، وما عداه هو الضلال بعينه.

 

لهذا كان من حكمة الله وعدله، إرسال الرسل، وإنزال الكتب السماوية ليتبين الرشد من الغي، والحق من الباطل: { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16].

 

وخلاصة القول: أن الشباب نعمة كبرى وأمانة عظمى عند صاحبه، وجسر قصير لحياة أطول، فإذا حوفظ عليه، وذاق الشاب حلاوة التدين، كان من صفوة الأبرار المختارين ومن الملخصين للأوطان والديار والأهل والبلاد، ومن العقلاء بحق.

 

لهذا نبه الإسلام إلى ضرورة اغتنام فرصة الشباب الذهبية: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك" وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي جماعى الأولى 1391، العدد 77.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات