أركان خطبة الجمعة(5- 5)

عبد العزيز بن محمد بن عبد الله الحجيلان

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحكام الخطبة

اقتباس

الركن الخامس: حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها: اختلف من قال بركنية هذه الأمور الأربعة، وهي: الحمد، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والموعظة، وقراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة، وهم...

الركن الخامس: حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها:

اختلف من قال بركنية هذه الأمور الأربعة، وهي: الحمد، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والموعظة، وقراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة، وهم الشافعية والحنابلة -كما تقدم- في حكم ترتيبها، وذلك على ثلاثة أقوال:

 

القول الأول: لا يشترط الترتيب في هذه الأركان، ولكن يستحب، فله التقديم والتأخير، وصفته: أن يبدأ بالحمد، ثم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم الموعظة، ثم قراءة القرآن، وهذا هو الوجه الصحيح عند الشافعية كما ذكر النووي(1)، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة(2).

 

القول الثاني: يشترط الترتيب في هذه الأركان على الصفة التي ذكر أصحاب القول الأول، فلا يجوز التقديم والتأخير، وهذا وجه عند الشافعية(3)، وقول لبعض الحنابلة(4).

 

القول الثالث: يشترط ترتيب الحمد، ثم الصلاة، ثم الوصية، ولا ترتيب بين القراءة وغيرها، وبهذا قال بعض الشافعية(5).

الأدلة:

أدلة أصحاب القول الأول:

1- أن المقصود من الخطبة الوعظ والتذكير، وهذا حاصل مع عدم الترتيب(6).

2- أنه لم يرد نص في اشتراط الترتيب، فلا يلزم(7).

 

أدلة أصحاب القول الثاني:

لم أطلع على أدلة صريحة لهم، ولكن الظاهر أنهم يستدلون بما يلي:

أولا: الاستدلال على البداءة بالحمد بما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل كلام لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم"(8) (9)، وهذا واضح الدلالة.

مناقشة هذا الدليل: يناقش بما سبقت مناقشته به في مسألة اشتراط الحمد في الخطبة(10).

 

ثانيا: الاستدلال على التثنية بالصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن كل عبادة ذكر الله -تعالى- فيها يذكر فيها رسوله -صلى الله عليه وسلم- بعده كالأذان، والتشهد، وغيرهما.

 

مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين:

الوجه الأول: أن ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد ذكر الله - تعالى - غير مطرد في جميع العبادات، فمنها ما يشرع فيها ذكر الله دون ذكر رسوله كالوضوء، والذكاة.

 

الوجه الثاني: أنه ليس ظاهر الدلالة على وجوب الترتيب، وأما الوصية والقراءة فلم يظهر لي دليلهم عليهما.

 

أما أصحاب القول الثالث فالظاهر أنهم يستدلون على اشتراط البدء بالحمد، ثم الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما سبق الاستدلال به لأصحاب القول الثاني عليه، وأما الوصية والقراءة فلم يظهر لي دليل لهم عليهما.

 

الترجيح:

الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية ترتيب الأمور الأربعة: الحمد، ثم الصلاة، ثم الوصية، ثم القراءة؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن الأصل عدم وجوب الترتيب.

 

الركن السادس: الإتيان بهذه الأركان في كل خطبة من الخطبتين عند من قال بها:

اتفق من قال بركنية هذه الأربعة، وهي: الحمد، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والوصية، وقراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة، وهم الشافعية، والحنابلة على أن الحمد ركن في كل خطبة من الخطبتين(11).

 

واختلفوا في غيره من الأركان، وذلك كما يلي:

اختلفوا في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- على قولين:

القول الأول: أنها ركن في كل منهما، وبهذا قال الشافعية في الصحيح والمشهور عندهم(12)، والحنابلة(13).

 

القول الثاني: أنها ركن في إحداهما من غير تعيين، وهذا وجه عند الشافعية(14) لكن قال عنه النووي: شاذ مردود"(15).

وسيأتي دليل أصحاب القول الأول.

 

أما أصحاب القول الثاني فلم أطلع على قول لهم، لكن قولهم ضعيف كما ذكر النووي، واختلفوا في الوصية بتقوى الله - تعالى - على قولين:

القول الأول: أنها ركن في كل منهما، وبهذا قال الشافعية(16)، وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم(17).

 

القول الثاني: أنها ركن في الثانية فقط، وبهذا قال بعض الحنابلة(18).

 

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول في الركنين بما يلي:

أن كل خطبة من خطبتي الجمعة منفصلة عن الأخرى، فيجب أن تستقل بأركانها، ومنها الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والوصية بتقوى الله -تعالى-(19).

 

وأما الأقوال الأخرى فلم أطلع على أدلة لها، ولا شك أن ما استدل به أصحاب القول الأول فيه قوة، مما يرجح قولهم، واختلفوا في قراءة القرآن على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنها ركن في كل منهما، وهذا وجه مشهور عند الشافعية(20) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم(21).

 

القول الثاني: أنها ركن في الأولى فقط، وهذا وجه عند الشافعية(22)، وبه قال بعض الحنابلة(23).

 

القول الثالث: أنها ركن في إحداهما من غير تعيين، وبهذا قال الإمام الشافعي، وهو الوجه الصحيح عند أصحابه(24).

 

الأدلة:

أدلة أصحاب القول الأول:

1- أن كل خطبة من خطبتي الجمعة منفصلة عن الأخرى، فيجب أن تستقل بأركانها، ومنها قراءة القرآن(25).

 

2- أن ما وجب في إحدى الخطبتين وجب في الأخرى، كسائر الفروض(26).

 

3- أن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين، فكانت قراءة القرآن في كل واحدة منهما شرطا كالركعتين(27).

 

مناقشة هذا الدليل:

يناقش بأن قيام الخطبتين مقام الركعتين لم يثبت عليه دليل كما تقدم(28).

 

دليل أصحاب القول الثاني:

ما رواه الشعبي(29) قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال: "السلام عليكم"، ويحمد الله، ويثني عليه، ويقرأ سورة، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، ثم ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه"(30).

وجه الدلالة: ظاهر الحديث يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما قرأ في الخطبة الأولى فقط، ووعظ في الثانية، وهذا يدل على أن محل قراءة القرآن في الخطبة الأولى(31).

 

مناقشة هذا الدليل:

يناقش من وجهين:

الوجه الأول: أنه مرسل؛ لأن الشعبي تابعي، فهو لم يولد إلا في خلافة عمر -رضي الله عنه- كما في ترجمته، فلا يصلح للاحتجاج.

الوجه الثاني: على تقدير ثبوته فإنه ليس بظاهر الدلالة، فليس فيه أنه لم يقرأ في الثانية، وقوله: "ثم يقوم فيخطب" محتمل للقراءة أثنائها.

أما أصحاب القول الثالث فلم أطلع على دليل لهم، ولعلهم يستدلون بأن المطلوب هو قراءة القرآن في الخطبة، وذلك حاصل بالقراءة في أي واحدة من الخطبتين؛ لكن هذا غير ظاهر لما ذكره أصحاب القول الأول من استقلال كل منهما عن الأخرى.

 

الترجيح:

تقدم ترجيح سنية قراءة القرآن في خطبة الجمعة، ولكن بناء على قول من قال بركنيتها الذين اختلفوا هنا فإن الأدلة مع أصحاب القول الأول -والله أعلم-.

 

____________

(1) ينظر: المجموع 4/522، وروضة الطالبين 2/30 - 31، ومغني المحتاج 1/286 - 287، 288.

(2) ينظر: المغني 3/180، والإنصاف 2/389، المبدع 2/159، وكشاف القناع 2/33.

(3) ينظر: المجموع 4/522، ومغني المحتاج 1/287.

(4) ينظر: الإنصاف 2/389.

(5) ينظر: المجموع 4/522، وروضة الطالبين 2/30، ومغني المحتاج 1/286 - 287.

(6) ينظر: المجموع 4/522، ومغني المحتاج 1/288، وكشاف القناع 2/33.

(7) ينظر: المجموع 4/522، ومغني المحتاج 1/288.

(8) أبو داود الأدب (4840)، أحمد (2/359).

(9) تقدم تخريجه ص (127).

(10) ص (128).

(11) ينظر: المجموع 4/520، وروضة الطالبين 2/25، ومغني المحتاج 1/286، وشرح الزركشي 2/177، والمغني 3/173، والإنصاف 2/387.

(12) ينظر: المجموع 4/520، وروضة الطالبين 2/25.

(13) ينظر: شرح الزركشي 2/177، والإنصاف 2/387، وكشاف القناع 2/32.

(14) ينظر: المجموع 4/520، وروضة الطالبين 2/25.

(15) ينظر: المجموع 4/520.

(16) ينظر المرجع السابق، وروضة الطالبين 2/25، ومغني المحتاج 1/286.

(17) ينظر: شرح الزركشي 2/177، والمغني 3/173 - 174، والإنصاف 2/388.

(18) ينظر: الإنصاف 2/387.

(19) ينظر: مغني المحتاج 1/286.

(20) ينظر: حلية العلماء 2/278، والمجموع 4/520، وروضة الطالبين 2/25.

(21) ينظر: الكافي لابن قدامة 1/221، وشرح الزركشي 2/178، والفروع 2/110، والإنصاف 2/387، والمبدع 2/158.

(22) ينظر: المجموع 4/520، وروضة الطالبين 2/25.

(23) ينظر: شرح الزركشي 2/178، والفروع 2/110، والإنصاف 2/388.

(24) ينظر: الأم 1/231، وحلية العلماء 2/278، والمجموع 4/520، وروضة الطالبين 2/25، ومغني المحتاج 1/286.

(25) ينظر: مغني المحتاج 1/286.

(26) ينظر: الكافي لابن قدامة 1/221.

(27) ينظر: المغني 3/174، والمبدع 2/158.

(28) ص (34 - 35).

(29) هو عامر بن شراحبيل الهمذاني، الكوفي، علامة التابعين، يكنى بأبي عمرو، ولد في خلافة عمر، وكان إماما، حافظا، فقيها، ثبتا، قال فيه الحبّال: كان واحد زمانه في فنون العلم، توفي سنة 103هـ وقيل غير ذلك (ينظر تذكرة الحفاظ 1/79، وتهذيب التهذيب 5/65).

(30) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات ،باب الإمام إذا جلس على المنبر يسلم 2/114، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة، باب تسليم الإمام إذا صعد 3/193 مختصرا وهو مرسل.

(31) ينظر: المغني 3/174.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات