اقتباس
أستغل خصوم بني أمية ما ذكرناه من أسباب وأحداث لشن حملة إعلانية أتت أكلها فعلا ً ضد بني أمية حتى نسبوا كل قبيح وباطل إلى تاريخهم, هجوما وتشويها طال الأشخاص والأعمال, طال حتى كبار الصحابة مثل عثمان - - رضي الله عنه -- والقدامى منهم مثل خالد بن سعيد وإخوته الذين أسلموا قبل دخول دار الأرقم.
الدولة الأموية هي أعظم وأفضل الدول والممالك الإسلامية بعد دولة الخلفاء الراشدين, فهى دولة جهادية من الطراز الأول, إستطاعت أن توسع رقعة الدولة الإسلامية لأقصى اتساعها, بل إن عجلة الفتوحات الإسلامية قد توقفت عند إنجازات الدولة الأموية, والدولة الأموية نشرت الإسلام في معظم أرجاء المعمورة, ووصلت راياتها لأقصى حجر في المشرق والمغرب, وأدخلت شعوبا وأمماُ وثنية ومشركة في دين الله أفواجا ٌ وحققت على الصعيد الإستراتيجي مالم تحققه أي دولة بعدها.
ورغم كل هذه الإنجازات الكبيرة التي حققتها الدولة الأموية إلا أن تاريخها العظيم الحافل بالانتصارات والفتوحات قد تعرض لحملات تشويه مكثفة طالت كل أطراف الدولة الأموية قادة وولاة وأمراء وخلفاء وحتى العلماء, بحيث الذي يقرأ تاريخ الأمويين في بعض المراجع القديمة والحديثة أيضا يشعر كأن الدولة الأموية ليست سوى دولة علمانية, لا تعرف شرع الله, يحكم خلفاؤها بأهوائهم وتتحكم فيهم شهواتهم, كأن الأمر قد حدث فيه إنفصال مباشر وفوري وجذري بين العهدين الراشدي والأموي.
وهذا التصوير الخاطىء المشوة جعل أعداء الإسلام يطعنون في كفاءة وأهلية الحكم الإسلامي ككل للأمة, ويقصرون مدته في أقل من ثلاثين سنة, وهي مدة حكم الراشدين, ولقد أصبح تحريف وتشويه التاريخ الأموي إرثا ُتناقلته الأجيال حتى استقر في العقل الجمعي لدى الكثير من المسلمين بغض الأمويين, ونلمس أثار ذلك من ترك معظم الناس الترضي على - معاوية - رضي الله عنه -- على الرغم من كونه من الصحابة ومن كتاب الوحي والأخ الشقيق لأم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها.
أسباب رواج التحريف:
هذا التشويه والتحريف الفج والذي كان من الطبيعي ٌ والمعقول أن ترفضه النفوس السوية والعقول الواعية, ما كان له أن ينتشر ويجد له موضع قدم في الثقافة الإسلامية وحياة المسلمين لولا وجود بعض الأسباب والعوامل التي ساعدت على رواج هذا التشوية والتزييف على الرغم من إن كل سبب له رد عليه, وكل شبهة تعلق بها المزورون لتاريخ بني أمية مردود عليها, من أمثلة هذه الأسباب والعوامل:
أولا ُ: نكبات آل البيت
فمحبة آل البيت فرض على كل المسلمين ومن لوازم محبته - صلى الله عليه وسلم - ودليل على صحة الإيمان واستقامة القلب, آل البيت تعرضوا في عهد الدولة الأموية لعدة نكبات مؤلمة على رأس تلك النكبات نكبة كربلاء سنة 61 هـ, وما جرى فيها من قتل لصفوة آل البيت وخير الناس, ثم ما جري لحفيد الحسين - - رضي الله عنه - -زيد بن علي سنة 122 هـ حيث ساهمت تلك النكبات في تزايد البغض علي بني أمية, تلك النكبات زيد عليها وتضخمت أحداثها بصورة مهولة حتى صارت مثل الأساطير, والقصص الخيالية, وتناقلها الناس وانتشرت بينهم, واتخذها الشيعة الرافضة عيدا من أكبر أعيادهم, وارتكبت بسببها وتحت اسمها جرائم شنيعة ووحشية عبر التاريخ فأبن العلقمي الرافضي وزير الشؤم يتآمر مع المغول ويتسبب في سقوط بغداد عاصمة الخلافة وقتل ما لا يحصى من المسلمين الأبرياء - تتراوح التقديرات من مليون إلى مليونين – بدعوى الأنتقام من قتلة الحسن في كربلاء, وتيمورلنك الشيعي يخرج من القرن التاسع الهجري فيكتسح البلاد ويدمر المدن ويقتل مئات الألوف تحت شعار الثأر من قتلة الحسين، وفي التاريخ الحالي قامت العصابات الشيعية في العراق بقتل مئات الألوف من أهل السنة بدافع الانتقام لمقتل الحسين.
مع إن النظر والتقييم الموضوعي لحركة الحسين - - رضي الله عنه -- وخروجه إلى الكوفة, وحركة حفيده زيد بن علي نجد أن الحركتين ليس لهما غطاء شرعي يبررهما, كما أنهما من وجه النظر السياسية والعسكرية والاجتماعية تعتبر حركات غير صحيحة, ومعاصرو الحسين وزيد - رضي الله عنهما - قد أنكر عليهما الخروج وحاول العديد من الصحابة مثل ابن عمر وابن عباس وغيرهما إثناء الحسين عن الخروج وبينوا له خطورة ذلك, ولكن قدر الله - عز وجل - نفذ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانيا : تأخر إسلام معظم بني أمية
حيث أسلم معظمهم في عام الفتح 8 هـ بعد أن قضوا فترة طويلة من عمر الدعوة في محاربتها والصد عنها. بل إن رأس بني أمية أبا سفيان بن حرب كان القائد العام للمشركين ومكة بعد غزوة بدر, وأغلب الظن أنه قد أسلم يوم الفتح خوفا من السيف, إنما أعطاه الرسول - - صلي الله عليه وسلم - - الشيء الكثير من غنائم حنين علي أنه من المؤلفة قلوبهم.
والناس نظروا للشطر الأول من حياة أبي سفيان وغيره من بني أمية ونسوا الشطر التاني حيث صلح حالهم بعد إسلامهم وصاروا من جنود الإسلام, فاستعمل الرسول - صلي الله عليه وسلم - أبا سفيان في نجران, ثم أستعمل أبو بكر الصديق الكثير من بني أمية في أعماله وفتوحاته مثل أبي سفيان وولديه يزيد ومعاوية, وخالد بن سعيد وأولاده, وكذلك عمر بن الخطاب ولي معاوية الشام كله طوال عهده, وأبو سفيان نفسه - رضي الله عنهم أجمعين -، له مواقف مشهودة يوم اليرموك حتي فقد بصره فيها بعد أن أصابه سهم ذهب بعينه, وما حال أبي سفيان وغيره من بني أمية إلا كحال من تأخر إسلامهم ثم أبلوا بلاء حسنا في خدمة الأسلام والمسلمين مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما من صاروا أبطالا وقادة وقدوات يحتذي بهم الناس.
ثالثا : - فتنه عثمان - رضي الله عنه --
الفتنة التي وقعت أحداثها في أواخر عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - - رضي الله عنه -- وهو أموي بسبب اليهودي الخبيث أبن السوداء عبد الله بن سبأ الذي ملأ الأرض كذبا وزورا وباطلا علي أمير المؤمنين عثمان بن عفان الأموي بأنه يحابي أسرته ويؤثرها بالمناصب والمزايا ومن شدة الأثر السيئ التي أحدثته تلك الفتنه المشئومة والتي انتهت بمقتل عثمان بن عفان - - رضي الله عنه -- أن كثيرا من الناس حتى وقتنا الحاضر يرون في عثمان وهو أحد السابقين للإسلام وأحد المبشرين بالجنة وصهر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وصاحب المآثر الكثيرة, يرون فيه رمزا للمحاباة والتحيز وإيثار الأقارب, بل يعتبروه رمزا للحكم البرجوازي الأسري, في حين يرون فيمن ثار عليه أنهم ثوار أحرار مطالبون بالحق والعدل !, فأي ضلال وغباء هذا ممن أعتقد هذا الكلام وصدقه من رجل قطع له يقينا بالجنة.
رابعا : الخلاف بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما -
وهو الخلاف الشهير الذي وصل الأحتكام فيه إلي السيف في معركة صفين سنه 37 هـ وسالت فيه دماء زكية طاهرة كثيرة, والحق أن كلا الرجلين قد أجتهد في المسألة, فأصاب علي بن أبي طالب وكان هو الأحق بالخلافة وأخطأ معاوية, وكلاهما مأجور معذور والذي نعتقده أن علي أفضل من معاوية ومكانته في الإسلام أمتن وأرسخ وفضله مجمع عليه لا يخالف فيه الإ الخوارج ومن شذ من أولياء بني أمية, ولو أحصينا فضائله ومكارمه وأعماله ما وسعنا هذا المقام الضيق, لعل هذه الصورة المشرقة لعلي بن أبي طالب هي التي ساهمت في رواج الأكاذيب والأباطيل عن بني أمية عموما ومعاوية خصوصا حيث أستعظم الناس أن يخالف معاوية حديث الإسلام أو من مسلمة الفتح علياً وهو أول من آمن من الذكور علي وجه الأرض كما صح ذلك من السيرة النبوية, فصدقوا الأكاذيب والزور الذي نسب لمعاوية وأسرته.
خامسا ُ : شدة بعض ولاة بني أمية
مثل زياد بن أبيه وعبيد الله أبنه, والحجاج بن يوسف الثقفي, ويوسف بن عمر, وقرة بن شريك, وعمر بن هبيرة, ولكن بنظرة واحدة إلى سجل الولاة الأشداد, نجدهم جميعاً كانوا ولاة على العراق فقط, وكان العراق إقليما شديد الاضطراب يموج بالفتن والفرق المخالفة والطوائف المتنافرة, إذ جاءه الوالي الرحيم استضعفوه وثاروا ضده, وإذا جاءهم الوالي القوي هابوه وأطاعوا له, وتهدأ الفتن والثورات, وكان أول والي قوي وشديد هو زياد بن أبيه الذي نزل بالعراق سنة 50 هـ فألزم أهله الطاعة وبالغ في العقوبة وجرّد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة حتى خافه الناس بشدة فأمنت البلاد وهدأت حتى كان الشيء يسقط من الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه ولو بعد عدة أيام, وينام الناس في دورهم ولا يغلقون أبوابهم من شيوع الأمن واستقرار الوضع.
سادسا ُ : وقوع بعض الأحداث الخطيرة
مثل حادثة موقعة الحرة سنة 63 هـ واقتحام جيش الشام للمدينة النبوية, وحصار مكة وقذف الكعبة بالمنجنيق, وقتل ابن الزبير داخل البيت الحرام على الرغم من شرف ابن الزبير ومكانته وحرمة الكعبة وقدسية البيت الحرام.
خصوم بني أمية :
أستغل خصوم بني أمية ما ذكرناه من أسباب وأحداث لشن حملة إعلانية أتت أكلها فعلا ً ضد بني أمية حتى نسبوا كل قبيح وباطل إلى تاريخهم, هجوما وتشويها طال الأشخاص والأعمال, طال حتى كبار الصحابة مثل عثمان - - رضي الله عنه -- والقدامى منهم مثل خالد بن سعيد وإخوته الذين أسلموا قبل دخول دار الأرقم.
وأما عن الأطراف التي اشتركت في جريمة تزوير وتحريف التاريخ الأموي فهم:
العباسيون وهم الخصوم السياسيون لبني أمية الذين حاربوهم وأزاحوا دولتهم سنة 132 هـ, فالتاريخ قد دون وكتب في عهد العباسيين, ولا يخفي على أحد أثر توجه السلطة الحاكمة على أقلام المؤرخين, لذلك قالوا إن التاريخ الذي يكتبه المنتصرون فقط, فالعباسيون رغم أنهم لم يشتركوا فعليا ً في تزوير التاريخ بأيديهم ولكن ساهموا بقوة في الترويج لهذا الزور والتحريف.
الشيعة والخوارج وهم الخصوم الفكريون لبني أمية, وعداوتهم لبني أمية تاريخية مازالت أثارها ممتدة حتى اليوم, وهم الذين تولوا كبر تحريف تاريخ بني أمية، وذلك بسبب الضربات الموجعة والقوية التي وجهها الأمويون لهاتين الطائفتين المنحرفتين, والشيعة بالأخص هم من قاموا بتزوير الجزء الأكبر من تاريخ بني أمية.
الطرف الثالث الذي اشترك في تزوير التاريخ الأموي, ولكن عن غير قصد ولا نية خبيثة مثل السابقين, هم عامة المسلمين من أصحاب العواطف الجياشة الذين صدقوا تلك الأباطيل والأكاذيب وراحوا يرددونها ويتناقلونها عبر الأجيال ظنا ً منهم أنهم يدافعون عن الحق ويكشفون الباطل وينصرون آل البيت ضد أعدائهم, وهؤلاء هم الذين وقعوا ضحية لأكاذيب الشيعة والخوارج فنقلوا أحاديثهم وأكاذيبهم عبر العصور, وملأت كتب التاريخ القديمة بتلك الروايات المكذوبة, فنجد كتبا ً مثل التاريخ المسعودي والطبري وابن الأثير وغيرهم على مكانتهم العلمية السامقة وسلامة عقيدتهم, نجدها تعج بأمثال تلك الروايات الباطلة دون تمحيص ولا تحقيق مثلما يفعل ابن كثير والذهبي وغيرهما من مؤرخي الإسلام المحققين, فيقرأ الناس تلك الروايات في كتب الطبري والمسعودي وغيرهما فيصدقوها تبعا لمصداقية المؤلفين وهكذا دارت دورة الأخبار الباطلة والأكاذيب الموضوعة.
أمثلة وردود:
اتهموا معاوية - رضي الله عنه -بأنه قتل كل من كان يقف في طريقة أو يعارضه أو ينافسه, ولو لم يعلم قاتل علي - رضي الله عنه -ومذهبه وخطته لأتهم معاوية يقينا بأنه من تآمر على قتل على - رضي الله عنه -, فقد أتهموه بكل من مات أو قتل خلال خلافته ومنهم:
الحسن بن علي - رضي الله عنهما -, فقد اتهموه بالتأمر مع زوجته جعدة بنت الأشعث بإعطائها مبلغا ً ضخما ً من المال مع وعد بتزويجها بولده يزيد, إن هي دست السم للحسن ففعلت ومات - رضي الله عنه -مسموما ً سنة 49 هـ, فأعطاها معاوية المال ولم يزوجها ولده يزيد, وهذه الرواية باطلة سنداً ومتنا, فمدارها على رجل شيعي جلد متهم بالكذب عند أهل العلم وهو أبو مريم, بل إن الرواية الصحيحة أن الحسن لم يتهم معاوية ولا غيره بقتله, وإن صح وقامت زوجته بوضع السم له فذلك بدافع الغيرة لأن الحسن سبق وأن طلقها قبل ذلك ثم ردها.
الأشتر النخعي, وهو قائد جيوش علي بن أبي طالب، حيث اتهم معاوية بوضع السم له وهو في الطريق لولاية مصر بعهد من علي - رضي الله عنه -, وهذه التهمة الراجح أن لمعاوية يدا ً فيها والله أعلم, وإنما استحل معاوية - رضي الله عنه -ذلك لعدة أسباب منها: أن الأشتر هو أحد من اشترك في قتل عثمان - رضي الله عنه -, وكان من أكبر رؤوس الفتنة ومسعري الحرب في تلك الفترة, ويزول تعجبنا لو عرفنا أن علي بن أبي طالب قد حمد الله - عز وجل - وشكره على هلاك الأشتر لأنه كان يتمنى الخلاص منه بسبب إصراره على التصعيد العسكري ومواصلة القتال والحروب.
حجر بن عدي الكندي, وهو من كبار أنصار علي بن أبي طالب بالكوفة, وكان مشهوراٌ بالصلاح والتقوى والورع, وهو أول من قتل صبرا في الإسلام, والحادثة صحيحة ولكن صيغت أحداثها بصورة تجعل معاوية طاغية سفاكاٌ للدماء, وحجر بن عدي مظلوماٌ لا جريرة له سوى حب آل البيت وعلي - رضي الله عنه -, والرواية الصحيحة عند الطبري وتابعه عليهما ابن الأثير رغم تأثره بالتشيع أن رؤساء الكوفة وهم من أكابر التابعين الثقات قد شهدوا علي حجر بن عدي بأنه قد جمع الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حربه وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل البيت, وكلها أمور توجب المعاقبة والتأديب, وكان من بعض بطانة معاوية من يؤجج نار الحادثة حتى غاب عن معاوية حلمه المشهور به فأمر بقتل حجر بن عدي وستة من أعوانه, لذلك لما عتبت عائشة - رضي الله عنها - على معاوية قتله لحجر قائلة له: ( أين غاب حلم أبي سفيان ؟ ) فقال معاوية: ( حين غاب عني مثلك من حلماء قومي وحملني ابن سمية – يعني زياد بن أبيه – فاحتملت ).
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد, فقد اتهموه بقتله بعد أن عظم شأنه بالشام ومال إليه أهلها لشرف ومكانة أبيه وعظيم بلائه في أرض الروم, فخاف معاوية منه فتآمر مع رجل نصراني اسمه ابن آثال علي وضع السم لعبد الرحمن نظير أموال واقطاعات, وهذا من الباطل الذي لا حق فيه, وذلك لعدة أسباب منها: أن عبد الرحمن بن خالد كان من كبار قادة معاوية وأشترك في توطيد الأمر له, وكان من قادة صفين, وأحد الذين يلعنهم الشيعة ليل نهار, كما أنه لم يكن معروفا بحب الرياسة والبحث عن الزعامه لانشغاله بالجهاد ضد الروم مثل أبيه - رضي الله عنه -, ومنها أن عبد الرحمن كان في الشام أي في معقل بني أمية وفي متناول يد معاوية وأنصاره يستطيع حجزه وأيقافه في أي لحظه دونما تكلف عناء سفك دمه, وإنما فعل ابن أثال النصراني ذلك من تلقاء نفسه أنتقاما من الأسد عبد الرحمن الذي قهر الصليب وأذل الروم وأرغم أنوف نصارى تغلب والشام, ونشر الإسلام بينهم.
اتهموا معاوية بأنه قد أوصى ولده يزيد بالاحتراز من أربعة من الصحابة هم الحسين وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن الزبير - رضي الله عنهم - أجمعين, وأنه أوصاه بالحسين خيرا، وابن الزبير أن يقطعه أربا أربا, وهذا التهمة باطلة ببطلان خبرها لأنه وبمنتهى البساطة أن عبد الرحمن بن معاوية قد مات سنة 53 هـ أي قبل معاوية بـسبع سنوات فكيف يحذر معاوية من رجل ميت ؟ !
اتهموا معاوية بالخداع والتبديل في شرع الله بصورة فجة وقبيحة ذكرها المسعودي في مروج الذهب برواية طويلة مفادها أن رجلا من أهل الكوفة قد رآى من غفلة جهل أهل الشام ما جعلهم لا يفرقون بين الناقة والجمل, فأحضره معاوية وقال له: أبلغ عليا أني أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل, ثم قال المسعودي: قد بلغ من طاعتهم العمياه لمعاوية أنه حل بهم الجمعة يوم الأربعاء عند مسيرهم إلى صفين وأمثلة أخرى ساذجة تافهة لا تساوي المداد التي كتبت بها.
اتهموه أيضا بسب الصحابة وشتم الأنصار والسماح للشاعر النصراني الأخطل أن ينشد في هجائهم الأشعار القبيحة في رواية باطلة تزعم أن الأخطل قد دخل علي معاوية وهو يرتدي الصليب في رقبته ولحيته تقطر خمراٌ, ثم أنشد قائلا:
ذهبت قريش بالمكارم والعلى *** واللؤم تحت عمائم الأنصار
فذروا المكارم لستم من أهلها *** وخذوا مساحيكم بني النجار
مع أنه لم يثببت قطعا دخول الأخطل على معاوية, ثم كيف يدخل رجل سكير على خليفة المسلمين في بلاطه ؟, ولبس الصليب في رقاب النصارى كان خاصا ُ بالكهنة والقساوسة قديما, ثم ما الداعي لسب الأنصار والاستهزاء ببني النجار وذمهم وهم أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم -, ثم أن القصة الباطلة تلك وردت مرة مع معاوية ومرة مع عبد الملك ابن مروان ومرة مع الوليد بن عبد الملك, مما يؤكد بطلانها وأن الغرض منها تشويه تاريخ بني أمية.
اتهموا معاوية بأنه قد ولى على المسلمين إبنه يزيد ولم يكن أهلا للخلافة وقد حول بذلك الحكم من خلافة راشدة بالشورى بين أهل الحل والعقد إلى ملك عضوض وراثيا في بني أمية, على الرغم من وجود أكابر الصحابة وفضلائهم ممن هو أحق من أبنه يزيد الذي على يديه وقعت العديد من الكوارث والنكبات.
والحق أن معاوية قد اجتهد في مسألة استخلاف يزيد اجتهادا سائغا مقبولا من الناحية السياسية التى تكشف عن حنكة ومهارة قيادتها, وإن لم يكن يزيد هو الأفضل أو الأحق بالمنصب, وذلك أن معاوية قد عاصر واشترك في الأحداث الجسام التي مرت بها الامة منذ أحداث فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه -, ورأى الأمة تجرب الاستخلاف من الخليفة السابق تارة كما حدث مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وإستقامت الأمور وسارت على أفضل ما يكون ، ورأي الشورى قد أتت بعثمان وسارت على ما يرام حينا من الوقت ثم إنقلب الأمر واشتعلت نار الفتنة واتهموا بعض رجال الشورى بمحاباة عثمان على حساب علي - رضي الله عنهما -.
ثم نظر معاوية لوضع الامة فرآه قد استقر بعد فتن واضطرابات طويلة وسكن الأمر ولكن مازال هناك تحت الهدوء الظاهري محن وضغائن من بعض الطوائف التي تعارض بعضها بعضا, فهناك الشيعة وهناك الخوارج, وهناك أهل الشام, وأهل العراق, وأهل الحجاز, وكل فريق يريد أن يتولى الأمر رجل يعتنق مذهبه ويقول برأيه, ولو ترك الأمر شورى أو فتح مجال الإنتخاب لعاد الناس للاحتكام إلى السيف والقتال مرة أخرى, ثم إن معاوية نظر إلى قصر الخلافة – الشام – فوجده أكثر الأماكن هدوء وطاعة وصلاحا ً لقبول الخليفة, وأهلها على رأي واحد, لا تعصف بهم الأهواء كما هو الحال في العراق مثلا ً, وقبل ذلك كله فإن الإسلام والشرع لم يحدد صراحة ونصا ً كيفية اتخاذ الخليفة, ولم توقع قاعدة لانتخاب الخلفاء, إنما أوكل الأمر لأهل الحل والعقد الذين يرجع إليهم الاختيار, ومعاوية قد خاف الاختلاف وعودة القتال بين المسلمين إذا لم ينص على من يخلفه, وقد أثبتت الأيام صحة ما ذهب إليه معاوية, فعندما مات يزيد بن معاوية سنة 64 هـ وتولى إبنه معاوية الثاني الأمر كره هذا المنصب واعتزله بعد عدة أسابيع دون أن ينص على من يخلفه فوقع القتال بين المسلمين حتى بين أهل الشام أنفسهم على مبايعة ابن الزبير أم مبايعة مروان بن الحكم, وكانت معركة مرج راهط الشهيرة التي فتحت باب شر على الأمر لفترات طويلة بسبب إثارتها للعصبية القبلية مرة أخرى بين قبائل العرب.
لذلك يعقب المؤرخ الكبير محمد الخضري على حادثة إستخلاف يزيد بقوله (إن فكر معاوية في اختيار الخليفة بعده حس جميل, وكان لابد منه مع الحال التي كانت عليها البلاد الإسلامية).
--------------------
أهم المراجع:
1.تاريخ الطبري 2. الكامل في التاريخ.
3. البداية والنهاية. 4.المنتظم.
5. التاريخ الإسلامي. 6. التنازع والتخاصم.
7. تاريخ الدولة الأموية. 8. سيرأعلام النبلاء.
9. مروج الذهب. 10. أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم