إدارة المراحل الانتقالية من منظور تاريخي ـ صلاح الدين والدولة الفاطمية نموذجا ـ ( 1 ـ 2 )

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: دروس التاريخ

اقتباس

وهذا العنصر الخارجي كان عدوا أصليا للدولة الإسلامية ، الصليبيون في الشام وصقلية والوثنيين في النوبة ، وهو ما يعد في كل الأعراف خيانة عظمى ليس لها عقوبة إلا الإعدام ، وهو ما يؤكد على حقيقة تاريخية مازالت ممتدة لوقتنا الحاضر ، وهي أن أعداء الداخل لابد وأن...

 

 

 

من عبر التاريخ الكبرى إن لم تكن أكبر عبره وعظاته ؛ هي عبرة التاريخ في قيام وسقوط الدول والممالك والأمم ، فالتاريخ الإنساني عموما والإسلامي خصوصا زاخر بالمشاهد المأساوية لسقوط دول وقيام أخرى بصور مروعة وأحداث مؤثرة ، ففي خلال قرون التاريخ الإسلامي التي تجاوز الأربعة عشر قرنا من الزمان قامت وسقطت أكثر من ستين دولة ومملكة وإمارة وخلافة إسلامية ، بعضها امتد عمرها لقرون وبعضها لم يتجاوز الربع قرن من الزمان ، ولكنها جميعا كانت عبرة وعظة للعالمين في قيامها وسقوطها . 

 

ونحن نتحدث عن التاريخ لا نقصد صورة التجربة أو حبكة الرواية التاريخية بقدر ما نقصد العبرة والغاية منها ، وإن كانت طبائع البشر تتغير حسب الزمان والمكان ونظرتهم للحياة تغيرت بتطور هذه الحياة إلا أن ثمة مجموعة من السلوكيات البشرية ورود الأفعال الإنسانية لا تتغير أبدا ، وهي بمثابة القدر المشترك بين جميع البشر ، وهي تكون عادة وقت الأزمات الكبرى والنوازل العامة .

 

الفترات الانتقالية هي الفترة التي تكون بين سقوط دولة بالمعنى الرسمي لا بالمعنى الحقيقي وبين قيام دولة أخرى ولكنها لم تستقر وتثبت أقدامها بعد في الحكم ، وهذه الفترات عادة ما تكون مصحوبة بالكثير من الظواهر السلبية والأعراض المقلقة ، من أبرزها الصراع السياسي الذي يشتعل على وراثة الدولة البائدة بين أجنحة الثورات التي أطاحت بتلك الدولة ، ففي روسيا القيصرية مثلا امتد هذا الصراع من سنة 1905 حتى سنة 1923، وفي فرنسا استمر لأكثر من ثلاثين سنة ، وكلما كان هذا الصراع عميقا وعنيفا كلما طالت الفترات الانتقالية وزادت أزماتها ، مما يؤدي لكراهية كثير من الناس للدولة الجديدة ويترحمون على الدولة القديمة ، ومنها أيضا الدور الخطير التي تلعبه مؤسسات الدولة القديمة في تعطيل الانتقال لمرحلة الاستقرار والثابت للدولة الجديدة ، فهذه المؤسسات ومراكز القوى في الدولة القديمة تعمل جاهدة من أجل إفشال التجربة الوليدة في الحكم ، واستعادة هيبتها ونفوذها ومزاياها التي حرمت منها بسقوط الدولة القديمة .

 

بين أيدينا تجربة تاريخية فريدة في إدارة هذه المرحلة الانتقالية بصورة ضمنت سلاسة التحول لمرحلة الثبات والاستقرار ؛ وهي تجربة صلاح الدين الأيوبي مع الدولة الفاطمية العبيدية ، وكيف استطاع صلاح الدين أن يتجاوز آثار حكم دولة عتيدة استمرت لقرابة الثلاثة قرون في مصر والشمال الإفريقي وبلاد الحرمين واليمن والشام ـ قبل الاحتلال الصليبي ـ ، ويتخذ من الوسائل والتدابير ما قطع به الطريق على أتباع وأولياء هذه الدولة في محاولاتهم المحمومة لإحياء هذه الدولة .

 

أولا : التعريف بالدولة الفاطمية العبيدية وأبرز سياساتها
**********************************************
الفاطميون أو بالأحرى العبيديون فرقة من فرق التشيع الباطني الإسماعيلي تنتسب في تشيعها إلى "إسماعيل بن جعفر الصادق "وهو ترتيبه السابع في سلسلة أئمة الشيعة ، كان ماجنا فغضب عليه أبوه جعفر الصادق وطرده ، فساق الشيعة الإمامة لأخيه موسى الكاظم وكان أصغر منه ، في حين ظل الفاطميون على ولائهم إسماعيل وعدوا الإمامة فيه وفي نسله ، لذلك لقبوا بالإسماعيلية أو السبعية ، وظاهر هذه الفرقة كسائر فرق التشيع حب آل البيت والانتصار إليهم ، وباطنها الكفر والزندقة والإلحاد وتعطيل الشرائع بالكلية ، وقد انقسمت الفرقة الإسماعيلية إلى عدة فرق بعضها اندثر وبعضها مازال قائما حتى الآن أشهرها الفاطميون العبيديون والقرامطة وكلهما اندثر ، والبهرة والأغاخانية وما زال لهما وجود وأتباع .

 

الفاطميون ينتسبون سلالة إلى عبيد الله المهدي وهو شخصية مجهولة رجحت كثير من المصادر أنها شخصية وهمية استغلها الفاطميون من أجل إقامة دعوتهم ، وأنهم ينتسبون في الحقيقة إلى ميمون القداح وهي يهودي من منطقة "السليمة" من بلاد الشام ، استطاع أن يخدع الشيعة وكل جاهل جهول حوله ويستفيد من ظهور القرامطة في البحرين والشام ، وأرسل دعاته إلى بلاد المغرب حيث قبائل البربر الضخمة والقوية ، فاستمالوا قبيلة كتامة الكبيرة ، وبعد فترة طويلة من العمل السري استمر لأكثر من عشر سنوات ، انتقل الفاطميون لمرحلة الكفاح المسلح لإقامة دولتهم ، وبعد سلسلة حروب طاحنة مع الدويلات والممالك الإسلامية الموجودة في بلاد المغرب استطاع أن يقيم الفاطميون دولتهم سنة 297هـ وقاموا بتوسيعها حتى صارت ممتدة من برقة شرقا إلى سواحل الأطلنطي غربا .

 

لم يكن حكم الفاطميين لبلاد المغرب سهلا أو مريحا فقد رفض المغاربة هذه الدولة الباطنية شكلا وموضوعا ، وخاضوا معارك شرسة ضد الفاطميين ، وقامت عشرات الحركات الثورية الهادفة لإسقاط الدولة ، والسبب الرئيسي في ذلك إصرار الفاطميين على فرض عقيدتهم الضالة على المغاربة ، وكادت الدولة أن تنهار تحت ضربات المغاربة سنة 334هـ ، لذلك ارتأى زعماء الدولة نقل مقر دولتهم إلى مصر ليكونوا أكثر قربا من قلب العالم الإسلامي وبلاد الحرمين والعاصمة العباسية التي كان الفاطميون يحاولون منافستها على زعامة العالم الإسلامي ، وبالفعل نجح القائد جوهر الصقلي في احتلال مصر سنة 357 هـ مستغلا حالة الصراع السياسي الحادث بين زعماء مصر بعد رحيل كافور الأخشيدي .

 

استفاد الفاطميون من تجربتهم المريرة مع المغاربة ، وقرروا تلافي الأخطاء التي وقعوا فيها هناك ، فعملوا في بادئ الأمر على استمالة المصريين بترك حرية الاعتقاد وعدم إجبارهم على مذهب الفاطميين ، وسمحوا ببقاء المدارس السنية التي تدرس المذاهب الفقهية المعروفة ، وسمحوا للمحدثين والعلماء بالتدريس على عادتهم دون تضييق بادئ الأمر ، وعملوا على إظهار حب آل البيت ، وتوسعوا في العمران وبناء الجوامع والمشاهد والقصور والأسواق وشهدت مصر في أوائل دولة الفاطميين رواجا اقتصاديا كبيرا ، صارت به القاهرة من كبرى العواصم التجارية والاقتصادية في العالم الإسلامي ،كما استغلوا الميل الفطري عند المصريين نحو الاحتفال واللهو ، فاستحدثوا 24 عيدا ومناسبة دينية إسلامية ونصرانية ويهودية وأعياد فرعونية كلها بدعية ما أنزل الله بها من سلطان ، ومن خلال هذه المناسبات وفي أجوائها الاحتفالية أخذ الفاطميون في بث عقائدهم وأفكارهم بين المصريين خاصة تلك المتعلقة بالاستغاثة بالأولياء والأضرحة ، وذلك كله في هدوء وتدرج ، كما كان الفاطميون يستغلون هذه المناسبات في الترويج للمنكرات والمفاسد الأخلاقية حتى أن "المقريزي" كبير مؤرخي مصر كتب في تاريخه وصفا تفصيلا لهذه الاحتفالات والمناسبات البدعية ، وسرد فيها كثيرا من المفاسد والانحرافات الأخلاقية والسلوكية.

 

من الأمور الهامة والحاسمة في سيطرة الفاطميين على بلاد مصر وإحكام قبضتهم عليها ، الاهتمام بالثقافة والعلوم والفنون ، فقد توسعوا في بناء المكتبات الكبيرة ، ومن أهم مؤسساتهم الثقافية ؛ الجامع الأزهر الذي كان بمثابة قلعة علمية لنشر العقائد الفاطمية والشيعية ، وأول مدرسة داخلية لتخريج الدعاة والعلماء في التشيع ، فقد كان يدرس به 750 طالبا من شتى أرجاء العالم الإسلامي ، يتعلمون فيه أصول ومبادئ المذاهب الشيعية المختلفة ، ثم يتخرجون بعد عدة سنوات دعاة لنشر التشيع ، وقد أصبح الأزهر منبرا دعويا وإعلاميا وعلميا للدولة الفاطمية سيطروا به على الحياة الثقافية في مصر لقرنين من الزمان ، ومنها أيضا مكتبة دار الحكمة التي بناها الحاكم بأمر الله الفاطمي سنة 395 هـ وكان بها من درر وفرائد الكتب من كل فن ما لم يوجد في غيرها من مكتبات العالم الإسلامي وقتها .

 

ولما استتب الأمر للفاطميين وأحكموا قبضتهم على الأوضاع داخل مصر أسفروا عن وجههم الحقيقي ، فمنعوا تدريس المذاهب السنية وألزموا الناس اعتناق التشيع الفاطمي ، وأجبروهم على دراسة كتب العقيدة الفاطمية ، وأغلقوا المدارس وقتلوا العلماء والصالحين وطاردوا المحدثين ، وأظهروا الكفر البواح والزندقة الكاملة في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي .

 

مرت الدولة الفاطمية بثلاثة مراحل من سنة 357 هـ حتى سنة 564 هـ :

1ـ مرحلة البناء والقوة من سنة 357 هـ حتى سنة 450 هـ
2ـ مرحلة الأزمات والشدة من سنة 450هـ ـ حتى سنة 487هـ
3ـ مرحلة نفوذ الوزراء والقادة العسكريين من سنة 487هـ حتى سنة 564 هـ ، وهي السنة التي استطاع فيها صلاح الدين الأيوبي أن يسقط الدولة الفاطمية ويعلن رسميا خلع آخر خلفائها " العاضد بالله " وذلك بعد أكثر من قرنين من الزمان في حكم مصر .

 

محاولات الدولة الفاطمية النهوض بعد السقوط
****************************************
يتخيل الكثيرون أن سقوط الدولة الفاطمية كان حادثا عابرا ، أو أنه جاء بسلاسة ويسر ، ويقرءون أحداث السقوط قراءة تاريخية عابرة وسطحية ، وذلك بسبب الروايات الخاصة بخلع آخر خلفاء الفاطميين " العاضد بالله " والذي تم عن طريق ترك الدعاء له يوم الجمعة ، والدعاء للخليفة العباسي " المستضيء بالله " ، فالدولة الفاطمية ظلت تحاول المرة بعد الأخرى استعادة نفوذها وملكها ، وذلك خلال مدى زمني بلغ العشرين سنة ، وذلك كما يلي :

 

أولا : محاولة الانقلاب العسكري سنة 564 هـ

وذلك على يد مؤتمن قصر الخلافة ، وهو المنصب الذي يقابله الآن في الدول الحديثة منصب رئيس الديوان الجمهوري أو الملكي ، فقد ارتكب صلاح الدين خطئا سياسيا فادحا كاد أن يدفع حياته وملكه سببا له ، ذلك أنه ترك مسئولي القصور الملكية في مناصبهم كما هي ولم يعزلهم مع القضاة وباقي مسئولي الدولة الفاطمية ، ظنا منه أنهم أجدر الناس في إدارة هذه القصور الكبيرة والكثيرة ، فما كان من مؤتمن قصر الخلافة إلا أنه اتفق مع باقي مسئولي القصور الملكية ومع غيرهم من أنصار الدولة البائدة على مكاتبة الصليبيين في الشام والاتفاق معهم على مهاجمة مصر من ناحية دمياط ، فإذا خرج إليهم صلاح الدين انقض مؤتمن الخلافة ومن معه من جند وعسكر فاطمية على ظهر صلاح الدين وجيشه فيكون بين شقي الرحى ، وذلك نظير أموال عظيمة إضافة إلى دمياط .

 

بقدر الله عز وجل تم كشف المؤامرة والقبض على مؤتمن الخلافة وإعدامه ، فثار الجنود السودانيون عصبية للمعدوم ، وكان سودانيا ، واجتمعوا في أكثر من خمسين ألفا ، و حاولوا إحراق القاهرة ومهاجمة قوات صلاح الدين ، ودارت رحى معركة طاحنة كاد أن يهزم فيها صلاح الدين ، لولا لطف الله عز وجل ، فأنزل نصره على صلاح الدين ، فأمر بنفي الجنود السودانيين ناحية الصعيد ، وتفريقهم في جنوب البلاد ، وإن كان ذلك سيعتبر خطأ استراتيجيا سيظهر أثره لاحقا ، وعلى أثر هذه المحاولة قام صلاح الدين بعزل جميع العاملين في القصور ممن كان محسوبا على الدولة الفاطمية ، وعيّن شهاب الدين قراقوش مسئولا عن القصور الملكية فضبطها ضبطا محكما .

 

أما الصليبيون في الشام فقد شرعوا فعلا في الهجوم على سواحل مصر ، ولكن السلطان العظيم نور الدين محمود هجم على الممالك الصليبية في الشام بعد خروجهم وأثخن فيها ، مما أجبرهم على الرجوع سريعا لإنقاذ أملاكهم ، وباءوا بالخسارة والندم .

 

ثانيا : محاولة الاغتيال سنة 569 هـ

وذلك عندما تآمرت مجموعة من أولياء وأنصار وعمال الدولة الفاطمية على التخلص من صلاح الدين وحاشيته ، ومكاتبة ملك صقلية الصليبي ويليام الثاني للهجوم على الإسكندرية ، لمحاربة جيش صلاح الدين ويطردهم إلى الشام مرة أخرى ، وكانت أطراف المؤامرة تضم الشاعر الشهير "عمارة اليمني " المتهم في دينه ، و"عبد الصمد " كاتب الديوان في قصر أخر خلفاء الفاطميين " العاضد بالله " ، و " العويرس " آخر قاضي القضاة للدولة الفاطمية ، و"ابن عبد القوي " داعي الدعاة ، وأبناء قائد الجيوش الفاطمية " الطلائع بن رزيك " ، وأبناء الوزير الخائن " شاور " وغيرهم من عمال الدولة الفاطمية ، وقد استطاع عمارة اليمني أن يخدع توران شاه الأخ الشقيق لصلاح الدين ، ويزين له طلب ولاية " اليمن " من أخيه صلاح الدين ، ليخرج بجزء من قوات صلاح الدين إلى هناك وتضعف قوة صلاح الدين العسكرية ، وتم الاتفاق على الفتك بصلاح الدين عند خروجه لصلاة التراويح في أول ليالي شهر رمضان لسنة 569 هـ .

 

المؤامرة كانت شيطانية محكمة التخطيط ، ولكن الله عز وجل شاء أن يكشفها لصلاح الدين من حيث لا يحتسب بفضل الله عز وجل أولا ، ثم دهاء القاضي الفاضل الذي استطاع أن يدس وسط مجموعة المتآمرين من يتعرف على مؤامراتهم ، وبالفعل تم الكشف عنها ، وتم القبض على المتآمرين وإعدامهم جميعا ، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم ، أما ملك صقلية الصليبي فلم يطلع عما جري لشركائه في التآمر وانطلق بأسطول كبير من صقلية ، ولم يدر أن المسلمين وصلاح الدين في انتظاره ، فلما وصل إلى الإسكندرية وحاول دخولهم ، استدرجه المسلمون لدخول الميناء ، ثم انقضوا علي الأسطول فمزقوه تمزيقا ، وفر ويليام الثاني وفلول جيشه يجر أذيال الهزيمة .

 

ثالثا : العصيان العام سنة 570 هـ

وهو العصيان الذي قام به ولاة الصعيد الأعلى في جنوب مصر وكانوا يعرفون باسم " الكنوز " نسبة إلى جدهم الأعلى " كنز الدولة " وهو لقب لقبه به الحاكم بأمر الله الفاطمي سنة 401هـ تقديرا لجهوده في القضاء على ثورة " العمري " ضد حكم الفاطميين ، ومن يومها ظلت الولاية فيهم حتى سقوط الدولة الفاطمية ، وتقديرا لخبرته الطويلة ونفوذ العائلة أبقاهم صلاح الدين في مناصبهم ، فلما فشلت مؤامرة اغتيال صلاح الدين في سنة 569 هـ ، وقام صلاح الدين بعزل كافة عمال وولاة الدولة الفاطمية من مناصبهم ، خاف الكنوز من إن تطولهم حركة العزل ، فقاموا بإعلان العصيان العام في صعيد مصر ، وساعدهم عليهم الجنود السودانيون الذين أجلاهم صلاح الدين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 562 هـ ، وامتد لهيب العصيان ليشمل أجزاء كبيرة من جنوب مصر ، وتعاون الكنوز مع ملك النوبة الذي كان له أطماع كثيرة في مصر ، وحاول الهجوم عليها مرارا وتكرارا .

 

فلما وصلت الأخبار إلى صلاح الدين اهتم بها للغاية ، وقام بتجريد حملة عسكرية انتخبها من خيرة فرسانه ومقاتليه للقضاء على هذا العصيان العام ، وبعد معارك طاحنة نجح صلاح الدين في القضاء على هذا العصيان ، وعزل الكنوز من الولاية وأدبهم ، ونفى الجنود السودانيين خارج البلاد بالكلية ، وعهد إلى ولاية الصعيد لأفضل رجاله ، فهدأت الأوضاع واستقرت الأمور .

 

الملاحظ خلال هذه المحاولات الثلاثة وجود عنصر التآمر مع الخارج ضد الحاكم المسلم صلاح الدين ، وهذا العنصر الخارجي كان عدوا أصليا للدولة الإسلامية ، الصليبيون في الشام وصقلية والوثنيين في النوبة ، وهو ما يعد في كل الأعراف خيانة عظمى ليس لها عقوبة إلا الإعدام ، وهو ما يؤكد على حقيقة تاريخية مازالت ممتدة لوقتنا الحاضر ، وهي أن أعداء الداخل لابد وأن يضعوا أيديهم بيد أعداء الخارج ، وأن الخيانة هي مطية المفسدين عبر العصور ، فأينما وجدت عدوا داخليا لا يريد مصلحة البلاد ، ففتش عن الأنامل الخارجية التي تحرك هؤلاء الأعداء .

وللحديث بقية ...
 

 

 

إدارة المراحل الانتقالية من منظور تاريخي ـ صلاح الدين والدولة الفاطمية نموذجا ـ ( 2 ـ 2 )

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات